الحلقة الثانية عشر : محمد بن عبد الرحمن لبريبري
أبو عبد الله القاضي ابن القاضي أو زيد لبريبري، من فقهاء وأعيان الرباط، نشأ في بيت مروءة ونسب ونزاهة، وكانت له مشاركة حسنة في العديد من العلوم، لا سيما الفقه والحديث والنحو والقراءات، تولى قضاء الرباط بعد القاضي أحمد ملين، وغيرها من المهام …
كان من أعيان الفقهاء، ونبلاء الأساتذة، عرف بيته بالمروءة والنزاهة، حيث الحسب الرفيع، والنسب العريق في المجد، انقطع لدراسة العلم منذ حداثته، فأخذ عن والده أبي زيد الفقه بالمختصر والرسالة، كما درس عليه الحديث والعلوم اللسانية حسبما حكاه عن نفسه في إجازة، أجاز بها المطلع السيد عبد الحي الكتاني، كما أخذ القراءات عن المحدث الأستاذ الهاشمي الضرير شيخ أبي إسحاق وأبي حامد.
كان ذا سمت حسن، وخلق لين، يميل إلى العزلة والانفراد، ولا يرى إلا في صلاة الجمعة أو مشهد جنازة فاضل، فكان من أجل هذه الظاهرة لا يعتنى بالتدريس كغيره من الأقران والمعاصرين، كأنه يرى في ذلك اتصالا بأبناء البشر يجعله يخرج عن خيم العزلة التي كانت له عادة وطبيعة [1]..
وممن أخذ عنه القاضي أبو العباس البناني، القاضي الشريف أبو حامد البطاوري، والعلامة أبو العباس جسوس، ولو لم يكن من مفاخر سوى أخذ هؤلاء الجهابذة الأفاضل عنه لكان كافيا [2]..
ومن أجل من أخذ عنه والده القاضي أبوزيد، قرأ عليه المختصر والرسالة وغيرهم من كتب الفقه، كما أخذ عنه الحديث والنحو، والتصريف والتلخيص، حسبما حكاه عن نفسه في إجازة أجاز بها العلامة المحدث الشريف سيدي عبر الرحي الكتاني.
وكان له مشاركة حسنة في جميع العلوم، خصوصا الفقه والحديث والنحو والثراءات وتوجيهها، وكان متخلقا بكمال الليونة، متحليا بأشرف الخلال والخصال، منقطعا منعزلا لا يخالط أحدا، ولا يخرج عن منزله في الغالب إلا لصلاة الجمعة أو حضور جنازة…ولهذا لم يكن مزيد عناية بالتدريس كغيره من علماء وقته ومعاصريه، حيث إن ذلك يدعو ولابد لخلطة موافيه ومعاشريه.
وفي سنة 1880م، تولى قضاء الرباط بعد القاضي أحمد ملين، وبقي فيه عشر سنوات، ويتفق من كتبوا سيرته عن ليونته وعدم ميله إلى التشديد على الناس في الأحكام، ولكن مع ذلك لم يكن يتسامح في أحكامه مع الذين يتنكرون لمبادئ الدين… [3]
وأخبر الفاضل الحاج العباس بن محمد لعليج، الكاتب أن المولى الحسن بعث إلى المترجم لبريبري رسالة، تتضمن تنفيذ مائة ريال شهريا من مدخول مرسى الرباط، فقابل القاضي ذلك بالشكر والثناء على همة الامام العلوي، كاتبا له على ظهر الرسالة: " أن أربعين ريالا يا سيدي تكفيني لكل شهر، راجيا من سيدنا أيده الله أن يجعل الستين الباقية في بيت مال المسلمين، هكذا تكون همة أتقياء المسلمين ورجال الدين[4]…
وفي عاشر شوال توفي عبد الرحمان بن أحمد بن التهامي البريبري الرباطي المعروف بالبريبري الكبير، كان علامة مشاركا مطلعا مدرسا محصلا، ولي القضاء ببلده الرباط نحوا من عشرين سنة، ثم تنازل عنه اختيارا، توفي ببلده ودفن بزاوية الحنصالي [5].
[1] - أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجراري (2/103)
[2] - الاغتباط في تراجم أعلام الرباط ص 396 الطبعة الثانية 2014م، دار المذهب للطباعة والنشر والتوزيع.
[3] - معلمة المغرب (4/1212) الطبعة الأولى 2014م دار الأمان الرباط.
[4] - أعلام الفكر المعاصر بالغدوتين الرباط وسلا لعبد الله الجراري (2/103)
[5] - إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع (1/258) الطبعة الأولى دار الغرب الإسلامي بيروت.