مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةأعلام

أعلام من تاريخ علم الصيدلة في الحضارة العربية الإسلامية

أعلام من تاريخ علم الصيدلة في الحضارة العربية الإسلامية

  سلوى سعود     

مركز ابن البنا المراكشي

   شهدت الحضارة العربية الإسلامية عددا كبيرا من العلماء الذين أسهموا في تأسيس علم الصيدلة وتقدمه، ومن بين هؤلاء: ابن البيطار وابن جلجل وابن الجزار. إضافة إلى ذلك، فقد برز وأبدع في هذا المجال علماء ينتمون إلى ديانات مختلفة، كابن بطلان وكوهين العطار. ونورد فيما يلي بعض إسهاماتهم في مجال الصيدلة مع الإشارة إلى أهم مصنفاتهم.

1- ابن الجزار القيرواني:

   هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم ابن أبي خالد القيرواني، المعروف بابن الجزّار؛ ولد في مدينة القيروان في أسرة اشتهرت بمهنة الطب، فدرس الطب والصيدلة والفلسفة، ليصبح فيما بعد طبيبا وصيدليا بارعا، وترجع الشهرة التي حظي بها إلى علم الصيدلة والأدوية. ولعل أهمية ابن الجزار تتمثل في أنه أول من تخرج في المدرسة القيروانية، كما كان أول من أسس مدرسة طبية وتتلمذ عليه العديد من الأطباء، من بينهم الطبيب الأندلسي عمر بن حفص بن بريق الذي أدخل إلى الأندلس كتاب ابن الجزار الشهير المسمى بـ "زاد المسافر وقوت الحاضر"، وقام بترويجه بأوروبا.

   قسم ابن الجزار العلوم الطبية إلى عدة تخصصات وألف في جميعها، ونبغ في ميدان الصيدلة والأدوية، كما أنه أضاف الكثير في مواد الأقراباذين. هذا فضلا عن اختراعه لأدوية جديدة مشتقة من الأصول الثلاثة: النباتي والحيواني والمعدني.

   مارس ابن الجزار مهنته مستقلا بداره. وقد خصص فيها قاعة للانتظار، وقاعة أخرى للفحص والنظر، وقاعة ثالثة مخصصة للأدوية (الصيدلية) حيث أجلس بها مساعدا له بعد أن وفر له عدة أنواع من الأدوية. بذلك، يكون ابن الجزار قد جمع في عمله بين مهنتي الطب والصيدلة. ومن صفاته أنه كان يتابع حالة المرضى ومفعول الأدوية العلاجية عليهم، وكان أيضا يعالج مرضاه بأقل تكلفة ويوزع الأدوية على الفقراء والمعوزين دون مقابل، حتى عرف بأنه رائد طب الفقراء، حتى إنه ألف كتابا في هذا الشأن يحمل عنوان "طب الفقراء والمساكين".

   ألف ابن الجزار أعمالا عدة شملت مجالات مختلفة، إلا أن أغلبها كان في علمي الطب والصيدلة. ونشير من بين هذه الأعمال إلى:

  • "الاعتماد في الأدوية المفردة"؛
  • "زاد المسافر وقوت الحاضر"؛
  • "البغية في الأدوية المركبة"؛
  • "في المعدة وأمراضها ومداواتها"؛
  • "رسالة في إبدال الأدوية"؛
  • "مجربات في الطب"؛
  • مقالة في الجذام وأسبابه وعلاجه؛

   توفي ابن الجزار سنة 369هـ/ 980م بمدينة القيروان.

2 - ابن جلجل :

   اسمه الكامل هو أبو داود سليمان بن حسان، ويعرف بابن جلجل. هو عالم وطبيب وصيدلي ومؤرخ، ولد في مدينة طليطلة الأندلسية سنة 332 هـ. درس بقرطبة الطب واللغة العربية والنحو وعلم الحديث، إلا أن شغفه واهتمامه الكبيرين كانا بمجال الطب والصيدلة حتى صار طبيبا معروفا. قرأ كتب العالم الدينوري، وأخذ أيضا عن وهب بن مسرة والرباحي، كما تعلم على أيدي أبو بكر بن القوطية وغيره من العلماء الكبار، وهذا ما أكسبه خبرة عظيمة في مجالات الطب والصيدلة والأدوية.

  اهتم ابن جلجل بدراسة علم الأعشاب والنبات حيث تميز بحب الاطلاع والاكتشاف. خدم الخليفة هشام بن الحكم (المؤيّد بالله) كطبيب خاص له، فنال عنده مكانة عظيمة كطبيب بارع. اعتبر من بين ألمع وأشهر الأطباء في قرطبة خاصة، وفي الأندلس عامة.

كان لبعض أطباء الأندلس اهتمام كبير بمؤلفات العالم ابن جلجل حيث كانوا يقتبسون شواهد من كتبه الخاصة بعلم العقاقير.

  إضافة إلى هذا، فقد كان لابن جلجل اهتمام كبير بمجال التأليف والترجمة، وذلك من خلال اطلاعه على كتب العلماء القدامى مثل كتاب "الحشائش" حيث بذل جهدا كبيرا في فهمه وشرحه وتفسيره - خصوصا أسماء الأدوية - في أكثر من مؤلف.

  توفي الطبيب والصيدلي ابن جلجل سنة 994م في مدينة قرطبة تاركا إنجازات مهمة في علمي الطب والصيدلة، نذكر من بينها:

  • "كتاب طبقات الأطباء والحكماء"، والذي نال به ابن جلجل شهرته الكبيرة؛
  • "تفسير أسماء الأدوية المفردة من كتاب الحشائش لديسقوريدس"؛
  • مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس في كتابه مما يستعمل في صناعة الطب وينتفع به، وما لا يستعمل لكيلا يغفل ذكره (ذَكَره ابن بي أصيبعة).
  • "مقالة طبية في أدوية الترياق"، ناقش فيها علاج السموم حيث قام بجمع معلومات عن أصل الترياق وتركيبه مع ذكر العقاقير التي تدخل في تركيبته وأنواعها وأمكنة تواجدها.

3 - ابن البيطار:

   هو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي، نسبة للمدينة التي ولد فيها وهي مالقة في الأندلس، ولد سنة 595هـ/1197م. لقب بـ "ابن البيطار" نظرا لأن والده كان بيطاريا، وفي شبابه توجه إلى مدينة إشبيلية حيث تلقى علومه على يد أساتذة كأبي العباس ابن الرومية الذي     كان طبيبا ونباتيا وصيدلانيا بارعا، وعبد الله بن صالح الكتامي الذي اشتغل بالطب وعلم الأدوية ممارسة وتعليما.

  لقد تأثر ابن البيطار بالغافقي الذي يعد من أعظم الصيدلانيين العرب، وتأثر كذلك بكثير من العلماء العرب والصيادلة والعشابين كالزهراوي وابن سينا وأبي بكر الرازي وثابت بن قرة وغيرهم من العلماء الذين تركوا تراثا ضخما استفاد منه ابن البيطار في تأسيس علم الصيدلة عند العرب، حتى اعتبر من أبرز علماء النبات المسلمين على الإطلاق، كما كان من بين الصيادلة الأوائل في تركيب الدواء. من جهة أخرى، اشتغل بعلم الصيدلة ممارسة حيث عينه السلطان الكامل الأيوبي رئيسا على سائر العشابين.

  كان لابن البيطار تلامذة أخذوا عنه الطب وعلم النبات، لعل أشهرهم هو أحمد بن القاسم ابن أبي أصيبعة صاحب المصنف الشهير "عيون الأنباء في طبقات الأطباء".

توفّي ابن البيطار سنة 646 للهجرة في مدينة دمشق، وترك وراءه الكثير من المؤلفات في الطب والصيدلة، نذكر منها:

  • "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية"، ويسمى أيضا "مفردات ابن البيطار"، وهو عبارة عن موسوعة في علم الصيدلة؛
  • "المغني في الأدوية المفردة"، وهو معجم في الأدوية المفردة؛
  • "رسالة في تداوي السموم"؛
  • "الأقرباذين"، ويتضمن مجموعة من الأدوية، كما يحتوي على وصف جميع النباتات والأحجار والمعادن والحيوانات التي لها خواص طبية؛
  • "الإبانة والإعلام بما في المنهاج من الخلل والأوهام"؛
  • "تفسير كتاب ديسقوريدوس"، شرح فيه الأدوية النباتية والحيوانية.

4 - ابن بطلان :

   هو أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان البغدادي، ويعرف بـ 'ابن بطلان'؛ وهو طبيب وعالم نصراني مشهور من أهل بغداد، درس الطب والفلسفة، وكان من أشهر أساتذته الطبيب أبو الفرج عبد الله بن الطيب، لازم أيضا أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني الطبيب، وانتفع به في صناعة الطب ومزاولة أعمالها. كان ابن بطلان طبيبا ماهرا مشهورا بدرايته الكبيرة في مجال الطب ومداواته للمرضى.

   كان ابن بطلان معاصرا لعلي بن رضوان الذي كان رئيس أطباء مصر، وقد جرت بين الطبيبين مراسلات كثيرة، وهذا ما شجع ابن بطلان على السفر إلى الديار المصرية للاجتماع به.

   ترك ابن بطلان خلفه عددا كبيرا من المؤلفات الطبية، من أهمها:

  • " عمدة الطبيب في معرفة النبات"؛
  • "دعوة الأطباء"، وضمنه كثيرا من نوادر الأطباء والصيادلة؛
  • المدخل إلى الطب؛
  • "مقالة في شرب الدواء المسهل"؛
  • "مقالة في علة نقل الأطباء تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد، كالفالج واللقوة والاسترخاء"؛

    -   "مقالة في مداواة صبي عرضت له حصاة"؛

    -   "مقالة في كيفية دخول الغذاء في البدن وهضمه وخروج فضلاته وسقي الأدوية المسهلة وتركيبه"؛

    -   "تقويم الصحة"؛

   اختلفت الآراء في سنة وفاة ابن بطلان، فبعضهم يقول إنه توفي سنة 458 هـ، ويذهب البعض الآخر إلى أن وفاته كانت سنة 455هـ، إلا أن أغلب المترجمين اتفقوا على أن ابن بطلان توفي سنة 455هـ بأنطاكية.

5 - كوهين العطار :

   اسمه الكامل أبو المنى داود بن أبي النصر، المعروف بلقب " كوهين العطار"، وهو طبيب وصيدلي ونباتي مصري يهودي، عاش بمصر في القرن الثالث عشر الميلادي. كان من بين أبرز الصيادلة الذين برزوا خلال العصر المملوكي، والذين ساهموا في توفير الدواء للمرضى، كما خلفوا وراءهم تراثا عظيما من المؤلفات في مجال علم الصيدلة.

   اعتبر كوهين العطار علم الصيدلة صناعة من أشرف الصنائع بعد صناعة الطب؛ فهي مهنة علمية تختص بتحضير وتركيب الأدوية التي تسعف في علاج الناس ومداواتهم.

   ألف كوهين العطار كتابا مهما يتسم بالشمولية، وقد سماه "منهاج الدكان ودستور الأعيان في أعمال وتركيب الأدوية النافعة للأبدان". استعان عند تأليفه لهذا الكتاب بمؤلفات من سبقوه من الأطباء والعشابين والصيادلة الثقاة، لكنه لم يكتف بإدراج ما وجده عند سابقيه في هذا المجال، بل إنه ضمن الكتاب أمورا توصل إليها بنفسه. يُعد هذا الكتاب من الأعمال الثمينة التي اشتملت على نصائح قيمة لكل من يريد الإقبال على تعلم مهنة الصيدلية والاحتراف في صناعتها.

  وضع كوهين العطار في كتابه هذا قائمة تحتوي على أشهر الأدوية المفردة مرتبة ترتيبا أبجديا، كما تحدث فيه بشكل مفصل عن جميع أنواع المعاجين والمراهم والأدهان والأكحال والضمادات وغيرها، ولم يقف العطار عند هذا فحسب، بل إنه تناول أيضا الكيفية السليمة التي تجنى بها الثمار والنباتات المستخدمة في صناعة الأدوية. وفي خاتمته للكتاب تحدث عن كيفية اختيار الأدوية المفردة والمركبة من أجل معرفة الجيد منها والرديء.

   أما فيما يخص وفاة كوهين العطار، فإننا لا نعرف لها تاريخا محدد، وكل ما نعرفه هو أنه كان حيا سنة 658 هـ.

ذة. سلوى سعود

باحثة بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق