مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

أربعون حديثا في الأشهر الثلاثة: شعبان، رمضان، شوال-الخمسة الأولى: ما جاء في شهر شعبان-

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد؛

فلما كان العلماء قد ألفوا في الأربعين حديثا، كل في موضوع معين، فقد سرت على خطاهم، وانتقيت أربعين حديثا مستخرجة من كتب الحديث، فمنها الصحيح والضعيف، فالأول لا مرية فيه، وأما الثاني فقد أوردته من باب الترغيب في الأعمال الصالحة وفضائلها، وأما ما سواهما من موضوع فأورده ترهيبا لا ترغيبا، وتبيينا لبطلانه، وسأكتفي في التخريج عند تعدد مخرجي الحديث، على كتب أمهات السنة المعروفة: كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن، ومسند أحمد.

في هذه الأربعين حديثا في الأشهر الثلاثة: شعبان، رمضان، شوال، كل شهر سأورد فيه خمسة أحاديث، مرتبة على حروف المعجم، مع تخريجها، وتمييز صحيحها من ضعيفها، والتعليق عليها بتعليق لطيف، مستخرجا كل ذلك من بطون أمهات كتب الحديث ورجاله وشروحه.

فأما الخمسة الأولى، فهي الأحاديث التي وردت في شهر شعبان، وهي مرتبة على الحروف: الحديث الأول: «كان أحب الصوم إليه في شعبان»، الحديث الثاني: «كان يتحرى صوم شعبان»، الحديث الثالث: «كان يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره»، الحديث الرابع: «لم يكن يصوم يومين يجمع بينهما إلا شعبان»، الحديث الخامس: «يطلع  الله تبارك وتعالى على خلقه ليلة النصف من شعبان».

الحديث الأول: عن أنس بن سيرين، قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه في يوم خميس، فدعا بمائدته، فدعاهم إلى الغداء، فتغدى بعض القوم، وأمسك بعض، ثم أتوه يوم الاثنين، ففعل مثلها، فدعا بمائدته، ثم دعاهم إلى الغداء، فأكل بعض القوم، وأمسك بعض، فقال لهم أنس بن مالك رضي الله عنه: لعلكم اثنانيون، لعلكم خميسيون، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فلا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم، حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان».

التخريج: رواه: أحمد في مسنده، رقم الحديث: 13403، والطبراني في معجمه الأوسط، رقم الحديث: 4766[1].

الحكم: قال الطبراني (المتوفى عام: 360هـ): “لم يرو هذا الحديث عن أنس بن سيرين؛ إلا عثمان بن رشيد، تفرد به: عبد الصمد”[2]. وقال الهيثمي (المتوفى عام: 807هـ): “في الصحيح طرف منه، رواه أحمد، والطبراني في الأوسط، وفيه: عثمان بن رشيد الثقفي، وهو ضعيف”[3]. وقال البوصيري (المتوفى عام: 840هـ):فيه: عثمان بن رشيد، ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبان، وباقي رجال الإسناد ثقات”[4].

التعليق: قال ابن رجب (المتوفى: 795هـ): “أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد منه”[5]. وقال محمود السبكي (المتوفى عام: 1352هـ): “كان صوم شعبان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صوم غيره من بقية الشهور، التي كان يتطوع فيها بالصيام، وكان يصل صيامه بصيام رمضان”[6].

الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول  الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صوم شعبان، وصوم الاثنين والخميس».

التخريج: رواه بهذا اللفظ: أحمد في مسنده، رقم الحديث: 24509[7].

الحكم: في هامش تخريج هذا الحديث ما نصه: “حديث صحيح، وهو مكرر (24508)” [8]. ولفظ هذا المكرر: «كان يصوم شعبان، ويتحرى الاثنين والخميس»، جاء في هامش هذا الموضع ما نصه: “حديث صحيح”[9].

التعليق: قال الملا علي القاري (المتوفى عام: 1014هـ) نقلا عن ابن حجر (المتوفى عام: 852هـ): لا ينافي هذا رفعها في شعبان فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام مجملة. قلت: فيه إيماء إلى أن شعبان آخر السنة وأن أولها رمضان عند الله”[10].

الحديث الثالث: عن عبد الله بن أبي قيس، سمعت عائشة رضي الله عنها، تقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه، عد ثلاثين يوما، ثم صام».

التخريج: رواه: أحمد في مسنده، رقم الحديث: 25161، والحاكم في مستدركه، والدارقطني في سننه، رقم الحديث: 2149[11].

الحكم: قال الدارقطني (المتوفى عام: 385هـ): “هذا إسناد حسن صحيح”. وقال الحاكم (المتوفى عام: 405هـ): “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد حدث ابن وهب وغيره عن معاوية بن صالح، ولم يخرجاه”. وقال الذهبي (المتوفى عام: 748هـ): “على شرطهما”[12].

التعليق: قال ابن بطال (المتوفى عام: 449هـ):ولو كان هاهنا علم آخر لكان يفعله أو يأمر به. وجمهور الفقهاء على أنه لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان، إما برؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوما، وكذلك لا يقضى بخروج رمضان إلا بيقين مثله؛ لأنه ممكن في الشهر أن يكون تسعة وعشرين يوما، فالرؤية تصحح ذلك وتوجب اليقين”[13].

الحديث الرابع: عن أم سلمة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شهرين يجمع بينهما إلا شعبان ورمضان».

التخريج: رواه: البيهقي في شعب الإيمان، رقم الحديث: 3537، والسنن الكبرى، رقم الحديث: 7754، والطيالسي في مسنده، رقم الحديث: 1708[14].

الحكم: قال الترمذي (المتوفى عام: 279هـ): “حديث أم سلمة حديث حسن”[15]، ونقل محقق الشعب عبد العلي عبد الحميد حامد ما نصه: “رجاله ثقات”[16]، ونقل محقق مسند الطيالسي محمد بن عبد المحسن التركي ما نصه: “حديث صحيح”[17].

التعليق: قال عبد الحق الدهلوي (المتوفى عام: 1052هـ): “اعلم أن الأحاديث في صوم شعبان وردت مختلفة، منها: حديث أبي هريرة الناهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، ومنها حديثه الناطق بالنهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان، ومنها هذا الحديث من أم سلمة رضي اللَّه عنها الدال على استيعاب شهر شعبان بالصوم … فالظاهر أن سبب كثرة صومه صلى اللَّه عليه وسلم في شعبان فضله بقرب رمضان، وتحصيل صفاء الوقت وتنوير القلب للتهيؤ لصوم رمضان”[18].

الحديث الخامس: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن».

التخريج: رواه: ابن ماجه في سننه؛ كتاب: إقامة الصلوات والسنة فيها، باب: ما جاء في ليلة النصف من شعبان، رقم الحديث: 1390[19].

الحكم: قال الألباني (المتوفى عام: 1420هـ): “حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة، وأبي بكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة”[20].

التعليق: قال الملا علي القاري (المتوفى عام: 1014هـ): “الحاصل أنه تعالى يسامح عباده في تلك الليلة عن حقوقه إلا الكفر به وما يتعلق به حقوق عبيده؛ فإنه يؤخرهم إلى أن يتوب عليهم أو يعذبهم”[21]. وقال المباركفوري (المتوفى عام: 1353هـ) بعد الكلام على الحديث تخريجا، وسندا: “هذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء. والله تعالى أعلم”[22].

هذه خمسة أحاديث أولى فيما جاء في شهر شعبان، وفيما يلي الخمسة الثانية فيما جاء في شهر شعبان أيضا إن شاء الله تعالى.

**************

هوامش المقال:

[1] ) المسند (21/ 94-95)، المعجم الأوسط (5/ 92-93).

[2] ) المعجم الأوسط (5/ 93).

[3] ) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 192).

[4] ) إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (3 /424).

[5] ) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف (ص: 308).

[6] ) الدين الخالص (8/ 431).

[7] ) المسند (41/ 56).

[8] ) المسند (41 /56).

[9] ) المسند (41 /54)، الهامش: 2.

[10] ) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4 /555).

[11] ) المسند (42 /82-83)، المستدرك على الصحيحين (1 /423)، السنن (3 /98).

[12] ) المستدرك على الصحيحين (1 /423).

[13] ) شرح صحيح البخاري (4 /27-28).

[14] ) شعب الإيمان (5/ 351)، والسنن الكبرى (4/ 353)، المسند (3 /177).

[15] ) السنن (ص: 183).

[16] ) شعب الإيمان (5 /351).

[17] ) المسند (3 /177)، الهامش: 4.

[18] ) لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (4 /415_417).

[19] ) السنن (ص: 247).

[20] ) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (3/ 135).

[21] ) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 386).

[22] ) تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي (3 /162).

جريدة المراجع

إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري، تحقيق: عادل بن سعد، السيد بن محمود بن إسماعيل، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1419 /1998.

تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لأبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، اعتناء: عصام الصبابطي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

الجامع لشعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الجزء الثامن) لمحمود محمد خطاب السبكي، تحقيق: أمين محمود خطاب، إشراف: يوسف أمين خطاب، المكتبة المحمودية السبكية، الطبعة الثالثة، 1406 /1985.

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها لأبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني، دار المعارف، الرياض- السعودية، 1415/ 1995.

السنن الكبرى لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، تحقيق : محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1424/ 2003.

السنن لأبي الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني، تحقيق: جماعة من الباحثين، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1424/ 2004.

السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تعليق وتخريج: محمد بن ناصر الدين الألباني، اعتناء: مشهور آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1429/ 2008.

السنن لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تعليق وتخريج: محمد بن ناصر الدين الألباني، اعتناء: مشهور آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1429/ 2008.

شرح صحيح البخاري لأبي الحسن علي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال الأندلسي، تحقيق: إبراهيم بن سعيد الصبيحي، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الثالثة: 1425/ 2004.

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لزين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي، تحقيق: عامر بن علي ياسين، دار ابن خزيمة، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1428 /2007.

لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح لعبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدهلوي، تحقيق: تقي الدين الندوي، دار النوادر، دمشق- سوريا، الطبعة الأولى: 1435/ 2014.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد لأبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيتمي، تصوير دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، عن مكتبة القدسي، القاهرة- مصر.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن نور الدين علي بن محمد الهروي القاري، اعتناء: صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1414/ 1994.

المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري، وفي ذيله تلخيص المستدرك لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة الأولى: 1340-1341-1342.

المسند لأبي داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، تحقيق: محمد بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى: 1419 /1999.

المسند لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة- مصر، 1415 /1995.

راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق