مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أحمد بن عبد القادر التستاوتي (ت 1127ﮪ- 1715م)

عالم مغربي من أكبر علماء وقته، وشاعر صوفي من أشهر شعراء زمانه، إنه الشيخ الأديب والولي الصالح “أحمد بن عبد القادر التستاوتي، بن عبد الوهاب  بن موسى بن محمد بن مبارك الزعري الدار، التستاوي الحسني، أما تاريخ ولادته فنتصور أنه محصور بين سنوات 1042-1045-1046”.[1]

عاش طفولة عادية بعد أن اكتملت تربيتها في وسط عائلي اشتهر بالصلاح والولاية، وأنجب علماء وفقهاء تشرف المغرب بذكر أسمائهم وكتابة مناقبهم، قضى التستاوتي طفولته في “الرّحية، وهي قريبة من «تستاوت» ثم نزل بأرض زعير التي حل بها جده الشيخ محمد بن مبارك، فشرع خلال هذه الفترة بحفظ القرآن الكريم وبعض المتون، ثم انتقل بعد مدة إلي جبل «صرصر» قرب القصر الكبير لتحسين وضعيته المادية من جهة، والابتعاد من جهة ثانية، عن الفتنة التي اندلعت بين أولاد الشيخ ابن مبارك”.[2]

“إن ما يميز حياة التستاوي هو كثرة تنقلاته بين البوادي والحواضر، هكذا نراه يضطر إلى العودة من جديد إلى زعير، ثم بعدها شد الرحال إلى الزاوية الدلائية التي كانت تعج بفطاحل العلماء، وقد تأثر كثيرا بهم لا سيما الحسن اليوسي ويظهر ذلك في رسائل التستاوي لهذا الأخير…خاصة وأنه عايش علماء بارزين في شتى مجالات المعرفة”.[3]

أما سند المصافحة فأخذه عن سلسلة طويلة من العلماء والشيوخ الكبار تبتدئ من “الشيخ عبد الكريم الجريري وتمتد إلى أن تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أحمد في كتابه نزهة الناظر: “…وصافحني أيضا سيدي محمد ابن ناصر الدرعي، وأجازني عن أشياخه الذين صافحوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ عنه أحمد بن أبي عسرية”،[4] كما له سند آخر في المصافحة عن “سيدي عبد القادر الفاسي وأجازه، وقال له: صافحتك بما صافحني به الأشياخ إلى أنس بن مالك”.[5]

أخذ فنون العلم والمعرفة عن فطاحلة الشيوخ والعلماء الكبار أمثال: “عبد القادر الفاسي الذي قرأ عليه المعاني بفاس عام 1068ﮪ، واجتمع في نفس السنة بالشيخ ميارة بجامع اللبارين، وقد أجازه الشيخ محمد بن ناصر الدرعي مختصر خليل، ورسالة ابن أبي زيد وعقيدة الشيخ السنوسي”،[6] إضافة “إلى ألفية ابن مالك، وتنبيه ابن عباد على الحكم، وبعض كتب الحديث والسيرة”،[7] لكن كان التفاته واهتمامه ومحبته موجه أكثر لشيخه محمد بن ناصر الدرعي الذي سلك به إلى سبل الحقيقة، مما جعل التستاوتي كما قال الأستاذ شهبون “يهتم بالتصوف معرفة وسلوكا حيث كان لانتمائه إلى الزاوية الناصرية أثر كبير على توجهاته الفكرية والنفسية مما أتاح له الإلمام بالطريقة المشيشية الشاذلية”.[8]

كانت علاقة التستاوتي بالزاوية الناصرية علاقة وطيدة سمحت له بتذوق رقائق وحقائق التصوف من خلال ثلاث مراحل لامس فيها روح الدين، وصاحب فيها شيوخ الحقيقة رواد الطريقة، فكانت مرحلة “ما قبل الاتصال ويرجع تاريخها إلى 1077ﮪ ، وقد كان التستاوتي دائم التطلع، شديد التشوف لملاقاة الشيخ محمد بن ناصر الدرعي.

ومرحلة الاتصال:  وهي مرحلة شرب فيها اليقين الصوفي، فعندما وفد التستاوتي على الشيخ وفادته الأولى في شهر الله المحرم عام 1081ﮪ مدحه ووصفه ببحر المعارف، وغوت الزمان، وإمام القوم والمهتدى به، قائد الركب، ومحيي السنة.

وفي الوفادة الثانية عام1084ﮪ، عبر بين يديه عن المطلق الصوفي مجسدا في:

  فأنلـني مـنك قطب الـورى   كأس راح من شراب العاشقين”.[9]

وممن أخذوا عن الشيخ التستاوتي العلم وتتلمذوا على يده نذكر: “العلامة الطيب السيد عبد القادر الطيب بن العربي بن شقرون المكناسي، وأحمد بن أبي عسرية بن احمد بن يوسف الفاسي القصري، وقد أجازه”،[10] وكذلك “الفقيه  القاضي موسى بن الراحل الدغمي، واحمد بن عاشر الحافي الذي انكب على جمع مواد نزهة الناظر وغيرهم”.[11]  

ارتبط اسم التستاوتي بالشعر الصوفي والحب الإلهي وكانت شهرته في مجال صناعة الشعر لا تقل شهرة عن علمه ودعوته، إذ لم يكن شاعرا عاديا يكتب بكلام فصيح وخيال فسيح، بل كان شاعرا وأديبا متمكنا استطاع أن يمزج ببراعة واتقان بين الأدب والشعر الصوفيين حيث “كان مشاركا في علم الظاهر والباطن، له ملكة واسعة وقوية في نظم الشعر، وعارضة في الأدب”،[12] كما أن أشعاره “تؤرخ لمراحل المسير الصوفي في رحاب الزاوية الناصرية”.[13]

 إن شعر التستاوتي “شعر متسم بالغزارة، معتمد على التكثيف اللفظي والإيجاز في القول، محافظ على سياق وبنية اللغة العربية، في موروثها وفي تراكيبها التي …تعبر عن تجربة صوفية مشبعة تنظيرا وسلوكا وتدور قصائده الصوفية حول موضوعات: الحب الإلهي- الخمرة الصوفية والوعظ والتوجيه والمواجد الصوفية”،[14]من بينها قوله:

 

 إذا أنا باينت البلاد وأهلها   وفارقت أهلي وابتعدت عن الولد
 ومت علـى دين النبي محمد
  فقد نلت أمالي وما خفت من كمد
 لولا النوى ما أقبلت من مغرب
  فـوق المطايا عاشقون لأحمد
 صلى عليـه الله ما هبت صبا
  وبكى لرؤية وجهة ذو أكمـد.[15]

من مؤلقاته وتركته:

 ترك أحمد تراثا فكريا ضخما منه: “عقد جوهر المعاني، في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، ونظم رجال التشوف للتادلي وشرحه، ونظم رجال الممتع وشرحه وديوانه الضخم: نزهة الناظر الذي يضم مادة تاريخية دسمة تهم مختلف مراحل حياة التستاوتي”،[16] “ونظم رجال القشيرية وشرحه، وأسئلة فقهية لعلماء وقته، وتقاييد مفيدة تدل على تضلعه واقتداره وشفوف مكانته وعلو همته وتفوقه على أترابه”.[17]

توفي رحمة الله عليه ليلة الأربعاء فاتح رجب عام 1127ﮪ/1715م، 3 يوليوز ودفن قرب روضة الشيخ عبد الله بن مَحمد، خارج باب البرادعيين بمكناس.

 

الهوامش:

[1]– موسوعة أعلام المغرب، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، 5/1127.

[2]– معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، ط/1995، 7/ 2363.

[3]– معلمة المغرب: 7/2364.

[4]– موسوعة أعلام المغرب 5/1127.

[5]– إتحاف أعلام الناس، محمد السجلماسي، تحقيق: علي عمر، مكتبة الناشر الثقافية الدينية، القاهرة- ط1/2008م 1/389.

[6]– معلمة المغرب: 7/2364.

[7]– شعر أحمد بن عبد القادر التستاوتي، جمع وتحقيق وتقديم: عبد اللطيف شهبون، ط2010- 1/68.

[8]– المرجع السابق: 1/99.

[9]– المرجع السابق: 1/85.

[10]– إتحاف أعلام الناس، 1/389.

[11]– معلمة المغرب 7/2364.

[12]-المرجع السابق: 7 /2363.

[13]– شعر التستاوتي: 1/99.

[14]– شعر التستاوتي: 93-105.

[15]– إتحاف أعلام الناس1/ 388/389.

[16]– معلمة المغرب: 7/2364.

[17]– إتحاف أعلام الناس: 1/386.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق