مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

“أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد…” للدكتورة شيماء الصراف. ج. 1

مونية الطراز

 

 

 

عن دار القلم- باريس صدرت سنة 2001 الطبعة الأولى لكتاب “أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد، دراسة مقارنة في الشريعة والفقه والقانون والاجتماع” للدكتورة شيماء الصراف، وهو من الحجم الكبير، يقع في 453 صفحة، وينطوي على دراسة قيّمة تنظر في الفروق الدقيقة بين الأحكام المتعلقة بالمرأة في مجال الفقه والتشريعات القانونية والتجمعات البشرية.

الدكتورة الصراف –صاحبة الكتاب- قدمت دراسة فريدة من حيث التناول وغنية من حيث مواضيع البحث ومسالكه، ومتينة من حيث البناء والحبكة؛ ففي مطلع كتابها تحدثت عن الظروف التاريخية التي حكمت علاقة المرأة بالولي قديما، والآفاق التي فتحها الإسلام للمرأة لتكون صاحبة القرار والاختيار، وكانت في عرضها كمن يُهيئ الأرضية لمناقشة مواقف مختلف المدارس الفقهية في موضوع سلطة الولي. وفي بيانها تطرقت الكاتبة إلى بعض أسباب خلاف الفقهاء، ونسبت ذلك إلى اختلاف فهمهم للنصوص، وعرضت في السياق نفسه إلى أقوالهم في الإنابة والتوكيل في عقد الزواج وفي زواج الصغيرة، وعرّجت على ما قالوا في تزويج المرأة لغيرها أو لمن في ولايتها؛ وقد جنحت في عرضها إلى أسلوب النقل والتحليل، ولم تكن تقصد الترجيح ولم تسع إليه، فقد كانت تريد من حديثها هذا أن يكون توطئة لمناقشة الكفاءة باعتبارها مرجع الفقهاء فيما ذهبوا إليه من آراء.

مناقشة موضوع الولاية هذا وما يتصل به، قاد الكاتبة إلى الوقوف عند قضية عضل الولي في القوانين العربية حيث أشارت إلى ما يسمى ب “النهوة” التي وردت في القانون العراقي، والذي يبيح للولي أن يمنع زواج وليته بدون موجب شرع، رعيا لأعراف فاسدة وتقاليد ظالمة.

وفي حديثها عن الكفاءة في قوانين الأحوال الشخصية العربية عرضت الكاتبة رأيها في عور بعض هذه القوانين، منبهة على واجب استرشاد المشرعين بمناهج الفقهاء في اعتبار تغيّر الزمان، حيث لم يعد في هذا الزمن مبرر لعدد من التشريعات التي تؤثث القوانين الحديثة.

وبعد حديثها عن الكفاءة وأحوالها في مبحثين اثنين، وبعد أن نبهت إلى ما يجب في الكفاءة من نظر وتمحيص، انتقلت الكاتبة إلى الحديث عن موضوع التعدد في المبحث الثالث، والذي قالت أنه من المواضيع الوليدة التي فرضها الاحتكاك مع الغرب وقيمه، ولذلك قالت إن من الواجب تخليصه من الاندفاعية والعاطفة. وذكّرت -بالمناسبة- بمواقف بعض أعلام الفكر الحديث أمثال محمد عبده وقاسم أمين، والباحثة درية شفيق التي حذت حذوهما من بعد، وقلّلت من شأن العلل التي قدمها هؤلاء وغيرهم من المعترضين على فكرة التعدد. وفي معرض حديثها عن هذه الفئة لم تنس الكاتبة أن تشير إلى الفئة المقابلة التي اختارت الدفاع عن التعدد من باب العاطفة والاندفاع، وفندت دعاوى التنقيص التي تصدر منهم من قبيل أن التعدد منقذ للمرأة من الدعارة ولزوجها من الخيانة، وأنه سبيل للتقليل من العوانس، وتجنيب المرأة الانحراف، وأن اختيار التعدد أهون على المرأة من العشيقة، وهذا ما اعتبرته الكاتبة واهيا ومما لا يعقل، ذلك أن الزواج في نظرها ليس ضروريا في الأصل، إذ هو مستحب وليس بواجب، فقدّمت على ذلك الدلائل والشواهد، مستأنسة ببعض الميولات الواقعية التي تنم عن عزوف يقع عند البعض عن الزواج، من ذلك الميل إلى الاستمناء واللواط وغير ذلك من الممارسات التي تدعو في نظرها إلى ضرورة النظر إلى التعدد من زاوية تختلف عن منظور المانعين المتحمسين لرفض التعدد. الكاتبة خلصت في تحليلها إلى أن المصلحة في التعدد لازالت قائمة لم ينقضها الزمن، وهي لصالح المرأة والرجل على السواء. وقدّمت لذلك حيزا من مبحثها دون أن تكون مقنعة في طرحها، فلم تقو على دحض رأي محمد عبده في التقييد ومن تبعه في ذلك، كما أنها وقعت في خلل منهجي حين أوردت رأي أبي حنيفة الذي يقيّد التعدد ولا يجعله اختيارا سديدا لمجرد غلبة الشهوة، وقد ساقت هذا الرأي في التقييد دون أن تناقشه، مما زاد في إرباك فكرتها وما ذهبت إليه.

بعد ذلك قدّمت الكاتبة نبذة عن تعدد الزوجات كما ورد في قوانين الأحوال الشخصية، وأكدت على حق المرأة في وضع الشروط عند إبرام عقد الزواج، من قبيل اشتراطها عدم الزواج عليها، واشتراط العصمة بيدها، وقدّمت لذلك نماذج من قوانين الأحوال الشخصية.

أما في المبحث الرابع من هذه الدراسة، فقد تحدثت الكاتبة عن زواج المتعة، أو الزواج المؤقت، وبيّنت عدم انسجامه مع مبادئ الشريعة في تسويتها بين الجنسين من حيث أنها تقصد -إلى جانب المتعة الجنسية- مقاصد أخرى أسمى من حاجات الجسد، ومن حيث تسعى إلى حفظ البناء الأسري الذي هو عماد المجتمع كله. بيد أن هذا النوع من الزواج –كما تقول الدكتورة الصراف- تشييء لا يليق بالأدوار الحقيقية التي تريدها الشريعة للمرأة، بل فيه من الأضرار عليها ما لا يخفى، وهذا ما وُفّقت في بيانه من خلال تحليلها دونما حاجة حقيقية إلى الاستدلال بأقوال المانعين.

وفي حديثها عن قضية منع الحمل والإجهاض في المبحث الخامس، اعتبرت الكاتبة أن هذا الموضوع من بين القضايا التي لم تنل حظا من العناية والاهتمام، ومن المسائل التي تُركت مجالا للقول غير المسئول، وقد أشارت بهذا الصدد إلى المصدر الغربي الذي يحرّك دعوة منع الحمل، واعتبرت ذلك من موجبات التوجس الذي أصاب الفقهاء حين حرموا منع الحمل وتحديد النسل جملة، حيث اعتبروا أن الرزق على الله، وبأن الأبناء زينة أخرجها الله لعباده. إلا أن الكاتبة استدلت لإباحة المنع بأقوال الفقهاء قديما حول ما أطلقوا عليه العزل، ودعمت هذه الأقوال بنصوص تتعلق بالتعدد والخوف من العالة، وأوردت في هذا الباب أقوال نخبة من الأئمة الكبار أمثال الغزالي وابن القيم، وقبلهما الإمام علي، الذين فنّدوا قول من ادعى أن العزل هو الموءودة الصغرى أو الوأد الخفي. وهذه النتيجة دفعت بالكاتبة إلى الحديث عن حكم الإجهاض، حيث ميّزت بين الإجهاض “المشروع” قبل التخليق، وهو الذي يتحدد في 120 يوما، وبين الإجهاض الذي اعتبرته جريمة بعد أربعة أشهر، فيما اعتبرت الإجهاض المشروع حاجة قد تقتضيها ظروف العصر.

الكاتبة تطرقت أيضا في مبحث سادس إلى الأقوال الفقهية التي عالجت حق الزوجة في المعاشرة الجنسية، وانتصرت فيها لمن استند إلى قوله تعالى ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ كما انتصرت لآراء أئمة أعلام أمثال الغزالي وابن تيمية وابن القيم والإمام مالك، وكلهم أنصفوا المرأة في هذا الحق. وسعت الكاتبة في مقابل ذلك إلى بيان ضعف الآراء الأخرى التي جعلت هذا الحق خاصا بالرجل. ولم يفتها -وهي تعرض للقوانين العربية المعاصرة- أن تسجل تخلف أغلبها عن استكناه روح التشريع وسمو مقاصده، فاستنكرت جمود بعض القوانين على أقوال فقهية ضعيفة الحجة، والتي قالت أنها تفتقر إلى “الموجبات الظرفية” التي عُلّقت عليها الأحكام في سابق الأزمان.

وفي المبحث السابع من هذه الدراسة القيمة، تطرقت الكاتبة إلى حق تصرف المرأة في مالها الشخصي، حيث اعتبرت أنها متى كانت عاقلة رشيدة كانت لها كل الحرية في التصرف في أموالها، بيعا وشراء ورهنا وهبة ووصية، فذلك حق مطلق واضح وصريح أقرّه الإسلام لها. أما كون هذا الحق لم ينل كثيرا من اهتمام الفقهاء، كما تقول الكاتبة، فلبداهة فيه لا تستدعي منهم ذلك، إذ بدل خوضهم في حق تصرف المرأة في مالها انصرفوا إلى بيان السن التي يدفع فيها المال إليها، هذا أكدت عليه الصراف قبل أن تشيد بمواقف الفقهاء الذين ماثلوا بين الذكر والأنثى في هذا الحق. وقد كانت حريصة على إثبات ما ذهبت إليه، إلا أن ما عاب رأيها أنه كان مفتقرا إلى الدقة الكافية في عرض حقيقة التنوع الذي ميّز آراء الفقهاء، ذلك أنها لم تشر إلى بعضٍ آخرين اعتبروا المرأة سفيهة لا يدفع إليها المال إلا بوصاية، كما أشار إلى ذلك الطبري في جامعه.

الكاتبة بعد إشادتها بآراء الفقهاء المنصفة انتقلت إلى تشريعات البلدان الإسلامية، فاستنكرت ما تضمنتها من قوانين كرّست التضييق في مجال التعامل المالي للمرأة، واعتبرت ذلك نكوصا عن الحق من غير موجب، وقدمت بهذا الصدد مثلا من القانون اللبناني الذي علقت نكوصه في هذا الباب على تقليد القانون الفرنسي الصادر عام 1803 والذي لم يُثبت حق تصرف المرأة في مالها إلا سنة 1965، في حين لم تواكب لبنان هذا التغير في القانون الفرنسي إلى الوقت الحاضر.

المبحث الثامن خصصته الدكتورة الصراف للحديث عن ميراث المرأة، فبيّنت الاختلاف الحاصل في قواعد الميراث بين الفقه الشيعي الإمامي وفقه أهل السنة، وعرضت إرث الزوجة وكذا طلاق المريض مرض الموت، لتختم هذا المبحث ببيان ميراث المرأة في قوانين الأحوال الشخصية لعدة دول إسلامية.

 

نشر بتاريخ: 9/17/2013

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كتاب رائع أتمنى أن يتاح لي قراءته كاملا، فقد شوقتني إليه هذه القراءة وهذه النبذة عنه شكرا للمركز وللرابطة على ما تبذل من جهد في خدمة البحث العلمي

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق