أحاديث مختارة في فضل صيام رمضان على الأمة المحمدية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
وبعد؛
فقد فرض الله شهر رمضان الكريم على عباده المؤمنين، وجعله فرصة غالية لتكثير الحسنات، والتقرب إلى الله عز وجل بجميع أنواع النوافل، والفضائل، والطاعات، التي تعود على أفراد الأمة المحمدية بالنفع والخير في الدارين، ووردت في ذلك أحاديث نبوية كثيرة.
ولهذا ارتأيت أن أكتب مقالا، أختار فيه بعض الأحاديث الواردة في فضل صيام شهر رمضان المعظم، مع تخريجها، والوقوف مع بعض معانيها وفوائدها ومقاصدها من خلال كتب شروح الحديث، وذلك وفق الآتي:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه"، أخرجه البخاري[1] ومسلم[2].
قال الإمام النووي: " فكل هذه الفضائل تحصل، سواء تم عدد رمضان، أم نقص"[3].
*عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: مرني بأمر آخذه عنك، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "عليك بالصوم فإنَّه لا مثل له"، أخرجه النسائي[4].
قال الحافظ المناوي: "لما فيه من حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والهوى"[5].
* عن أبي صالح الزيات، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنة، وإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم"، البخاري[6] ومسلم[7]، واللفظ للبخاري.
قال الإمام النووي: " وفي هذا الحديث بيان عظم فضل الصوم والحث إليه "[8].
*عن أبي هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جنة وحصن حصين من النار" أخرجه الإمام أحمد[9].
قال الحافظ المناوي: " قال المحقق أبو زرعة: أن الصوم أفضل العبادات البدنية مطلقا"[10].
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا" أخرجه الطبراني[11].
قال الحافظ المناوي: " قال الحرالي : فيه إشعار بأن الصائم يناله من الخير في جسمه، وصحته، ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة، ففيه صحة للبدن والعقل بالتهيئة للتدبر والفهم، وانكسار النفس إلى رتبة المؤمنين، والترقي إلى رتبة المحسنين، وللمؤمن غذاء في صومه من بركة ربه بحكم يقينه فيما لا يصل إليه من لم يصل إلى محله، فعلى قدر ما يستمد بواطن الناس من ظواهرهم يستمد ظاهر المؤمن من باطنه، حتى يقوى في أعضائه بمدد نور باطنه، كما ظهر ذلك في أهل الولاية والديانة، وفي الصوم غذاء للقلب كما يغذي الطعام الجسم، ولذلك أجمع مجربة أعمال الديانة من الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه على أن مفتاح الهدى والصحة الجوع؛ لأن الأعضاء إذا وهنت لله نور الله القلب، وصفى النفس، وقوي الجسم، ليظهر من أمر الإيمان بقلب العادة جديد عادة هي لأوليائه أجل في القوى من عادته في الدنيا لعامة خلقه "[12]
* عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد"، رواه البخاري[13] ومسلم[14]، واللفظ للإمام مسلم.
قال الإمام النووي: "وفي هذا الحديث فضيلة الصيام وكرامة الصائمين "[15]
* عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين ". أخرجه البخاري[16] ومسلم[17]، واللفظ للإمام مسلم.
*عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان صُفّدت الشياطين، ومردةُ الجن، وغُلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفُتّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتُقاء من النار، وذلك كلّ ليلة". أخرجه الترمذي[18].
قال أبو الوليد الباجي: "يحتمل أن يكون هذا اللفظ على ظاهره، فيكون ذلك علامة على بركة الشهر، وما يرجى للعامل فيه من الخير"[19].
وقال ابن العربي: "وإنما تفتح أبواب الجنة ليعظم الرجاء، ويكثر العمل، وتتعلّق بها الهمم، ويتشوق إليها الصابر، وتغلق أبواب النار لتخزى الشياطين، وتقل المعاصي، ويصد بالحسنات في وجوه السيئات فتذهب سبيل النار"[20].
*عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر" أخرجه مسلم[21].
قال القاضي عياض: " قال الإمام: قال بعض أهل العلم: معنى ذلك: أن الحسنة لما كانت بعشر أمثالها، كان مبلغ ماله من الحسنات فى صوم الشهر والستة أيام ثلاثمائة وستين حسنة عدد أيام السنة، فكأنه صام سنة كاملة، يكتب له فى كل يوم منها حسنة "[22].
وختاما فإن الأحاديث النبوية الصحيحة الدالة على فضل صيام شهر رمضان المعظم، وفعل الطاعات فيه، من قيام وتلاوة للقرآن، وتصدق، وباقي القربات إلى الله تعالى كثيرة جدا لا يمكن حصرها.
***********
هوامش المقال:
[1] أخرجه في صحيحه، كتاب الصيام، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان، رقم: (38)(1 /16).
[2] أخرجه في صحيحه كتاب: الصيام، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح رقم: (175) (760)(1 /523).
[3] شرح النووي على مسلم(7 /280).
[4] أخرجه في سننه الصغرى، كتاب: الصيام، ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم، رقم: (2220)(4 /165).
[5] فيض القدير(4 /437).
[6] أخرجه في صحيحه كتاب: الصوم، باب: هل يقول إني صائم إذا شتم، رقم: (1904)(3 /26).
[7] أخرجه في صحيحه كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام رقم: ( 163 ) (1151)(2 /807).
[8] شرح النووي على مسلم(8 /42).
[9] أخرجه في مسنده، رقم: (9225) (15 /123).
[10] فيض القدير(4 /329).
[11] أخرجه في المعجم الأوسط، رقم: (8312)(8 /174).
[12] فيض القدير(4 /280).
[13] أخرجه في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: الريان للصائمين، رقم: (1896)(3 /25).
[14] أخرجه في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: فضل الصيام، رقم: (166)(1152) (2 /808).
[15] شرح صحيح مسلم(8 /47).
[16] أخرجه في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: هل يقال: رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا، رقم: (1899)(3/ 25).
[17] أخرجه في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: فضل شهر رمضان، رقم: (1079)(2/ 758).
[18] أخرجه في سننه، أبواب الصوم، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، رقم: (682) (2 /61).
[19] المنتقى(3 /89).
[20] عارضة الأحودي(3/ 159).
[21] أخرجه في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان، رقم: "204"1164" (2/ 822).
[22] إكمال المعلم(4/ 139).
******************
جريدة المصادر والمراجع:
إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي، تحقيق: الدكتور يحيى إسماعيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر، ط1، 1419 هـ ـ 1998م.
سنن الترمذي، لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي أبي عيسى، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت، ط1، 1996 م.
المجتبى المعروف بالسنن الصغرى، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية ـ حلب، ط2، 1406 ـ 1986م. مطبوع مع شرح السيوطي لسنن النسائي.
صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل أبي عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، ط1، 1422هـ.
عارضة الأحودي بشرح صحيح الترمذي لأبي بكر ابن العربي، وضع حواشيه جمال مرعشلي ، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هـ/1997م.
فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير لمحمد عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية بيروت، 1422 هـ ـ 2001م.
المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، توزيع دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1412هـ ـ 1991م.
المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد، وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين ـ القاهرة، 1415هـ ـ 1995م.
المنتقى لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية. ط1، 1420هـ/1999م.
المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي، مؤسسة قرطبة، ط2، 1414هـ ـ 1994م.
راجع المقال: محمد إليولو