مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

أحاديث فضائل مكة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بقلم الباحثة: دة خديجة أبوري*

تمهيد

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

   فكما فضل الله بعض عباده على بعض، فضل بعض الأمكنة على بعض، فجعل مكة أشرف البقاع وأفضلها، وخير البلاد وأكرمها، لا يجهل فضلها ومكانتها أحد من المسلمين، نُوِّه بها في القرآن الكريم في مواطن عدة، وعظم الله شعائرها وحرماتها، فيها أول بيت وضع للناس﴿ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ﴾([1])، وهي البلد الأمين الذي يأتيه الخير والرزق من كل مكان يُساق إليه ويُجلب، استجابة لدعوة إبراهيم الخليل -عليه السلام- مصداقا لقوله تعالى:     ﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير﴾ ([2])، كما زخرت السنة النبوية بفضائلها ومزاياها، وببيان مكانتها.

  ولأهمية الموضوع أفردته بهذا المقال الذي سأتناول فيه ـ إن شاء الله تعالى ـ ما ورد في فضائلها من أحاديث نبوية صحيحة. فأقول وبالله التوفيق: 

أَحاديث في فضائل مكة

أولا: أن الله جعلها حرما آمنا 

إن مما اختصت به مكة المكرمة أنها بلد الله الحرام، قال تعالى: ﴿إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين﴾ ([3])، فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيد، ولا يعضد شجر، ولا يقطع نبات، ولا يلتقط لقطة إلا لتعريف، كما بين ذلك المصطفى ﷺ في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما، حين قال: (حرم الله مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا  لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى ([4])خلاها ([5])، ولا يُعْضَد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمعرِّفٍ، فقال العباس رضي الله عنه: إلا الإذخر ([6]) لصاغتنا وقبورنا، فقال: إلا الإذخر) ([7]).

ثانيا: فيها أول بيت وضع للناس

فعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ- : «إن أول بيت وضع للناس مباركا يصلى فيه: الكعبة، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت : كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاما»([8])

ثالثا: مضاعفة الأجر والثواب

ومن فضائل مكة مضاعفة الأجر والثواب بها، وجعل قصدها مكفراً للذنوب، ومُحِطاً للخطايا والذنوب، فعن أبي هريرة قال:أن النبي ﷺ قال: «صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام»([9]).

 وعنه كذلك قال: قال ﷺ: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» ([10]).

رابعا: أن بها الحجر المكرم ومقام إبراهيم المعظم

ومن فضائل هذا البلد الأمين أن به: الحجر الأسود الذي ليس موضع على وجه الأرض غيره يُشرع تقبيله، ومقام سيدنا إبراهيم وهو الحجر الذي قام عليه نبي الله إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين ارتفع بناؤه للبيت، وبه أثر قدميه الشريفة.

فعن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: «إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك»([11]).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: « الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب»([12]).

سادسا: أنها محفوظة بحفظ الله من الدجال والطاعون

ومن خواص مكة أيضاً أنها محروسة بحفظ الله من الدجال، فلا يستطيع دخولها، ففي الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق» ([13])

سابعا: أن الإيمان يأرز إلى المدينة ويؤوب إليها :

وهو كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: «إن الإيمان ليأرز([14]) إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها»([15]).

الخاتمة

      وفي الختام أحمد الله  تعالى الذي وفقني في هذا المقال الذي تحدثت فيه عن بعض ما ورد في فضائل مكة من أحاديث صحيحة، من غير استقصاء لأن ذلك يطول، والله تعالى أسأل أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع، وأن ينفع به إنه مجيب.

********

لائحة المراجع المعتمدة في المقال:

1- الجامع الصحيح (المسند من حديث رسول الله ﷺ وسننه وأيامه). البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. قام بشرحه وتصحيح تجاربه وتحقيقه: محب الدين الخطيب- رقم كتبه،  وأبوابه،  وأحاديثه،  واستقصى أطرافه: محمد فؤاد عبد الباقي- نشره وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية القاهرة. ط1- 1400.

2- صحيح ابن خزيمة.الأعظمي: محمد مصطفى الأعظمي. المكتب الإسلامي. ط 1400-1980.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.

3- النهاية في غريب الحديث والأثر. ابن الأثير: أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري. تحقيق: طاهر أحمد الزاوى – محمود محمد الطناحي. دار إحياء التراث العربي – بيروت.

 هوامش المقال:

************

([1]) سورة آل عمران الآيات: (96-97).

([2])  سورة البقرة الآية: (126).

([3])  سورة النمل الآية: (91).

([4]) لا يختلى: أي: لا يقطع. النهاية في غريب الحديث والأثر (2 /75).

([5]) خلاها: أي: الرطب من النبات. النهاية في غريب الحديث والأثر (2 /75).

([6]) الإذخر-بكسر الهمزة- : نبات طيب الرائِحة يسَقَّفُ به البيت فوق الخشبِ. النهاية في غريب الحديث والأثر (1 /33).

([7]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /413-414 ) كتاب: الجنائز، باب: الإذخر والحشيش في القبر                 برقم: (1349)، ومسلم في صحيحه (1 /615) كتاب: الحج، باب: تحريم مكة، وصيدها،  وخلاها،  وشجرها،  ولقطتها إلا لمنشد على الدوام. برقم: (1353).

([8]) أخرجه مسلم في صحيحه (1 /236)كتاب: المساجد ومواضع الصلاة برقم: (520).

([9]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /367)، كتاب: فضل الصلاة ، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم: (رقم 1190)، وصحيح مسلم (1 /626) كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة  برقم: ( 1394).

([10]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /7)، كتاب: المحصر ، باب: قول الله تعالى:﴿فلا رفث﴾برقم: (1820)، وصحيح مسلم  (1/613)، كتاب: الحج، باب:في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم: (1350) واللفظ لمسلم.

([11]) أخرجه البخاري (1 /492)  كتاب: الحج، باب: ما ذكر في الحجر الأسود برقم: (1597)، وصحيح مسلم (1/578)، كتاب: الحج، باب: استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف برقم: (1270).

([12])  أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4 /218) برقم: (636).

([13])  أخرجه البخاري (2 /24-25) برقم: (1881)كتاب: فضائل المدينة، باب: لا يدخل الدجال المدينة.

([14])  يأرز: ينظم إليهما ويجتمع بعضه إلى بعض. النهاية في غريب الحديث(1 /37).

([15])  صحيح البخاري(2 /23) كتاب: فضائل المدينة، باب: الإيمان يأرز إلى المدينة برقم: (1876)، وصحيح مسلم (1 /78)كتاب: الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وأنه يأرز بين المسجدين برقم: (147).

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق