وحدة المملكة المغربية علم وعمرانأعلام

أبو القاسم الزياني (1147 هـ- 1249 م ـ 1734 – م 1833) وكتابه الترجمانة الكبرى

يعتبر أبو القاسم الزياني أحد الأعلام الوطنية البارزة، وكان وزير ومؤرخ الدولة العلوية، وقام بأسفار كثيرة، وزار مناطق عديدة من العالم، وكان أبو القاسم يومها في الثالثة والعشرين من عمره لما رحل مع والديه عن المغرب، فنال حظه من الفقه والحديث والتفسير والنحو والمنطق، وقد خلف أبو القاسم الزياني إنتاجا زاخرا ووافرا من المؤلفات، وأهمها رحلته المسماة ” الترجمانة الكبرى في أخبار المعمرة برا وبحرا.

مولده ونسبه:

هو أبو القاسم بن أحمد بن علي بن إبراهيم الزياني مؤرخ، من الوزراء، مولده ووفاته بفاس، حج سنة 1169 هـ، ورحل إلى الآستانة سفيرا عن السلطان محمد بن عبد الله سنة 1200[1]

والزياني بالزاي مفخمة أو بالصاد المشممة زايا، كلفظ صراط في قراءة حمزة، كما يقول الناصري ويكتبها، وهو كذلك ويتخفيف الياء، نسبة إلى قبيلة زيان من أهل الأطلس المتوسط[2].

كان مقر جده هذا بقرية أركوب قرب آدخستان، وبها قرأ عليه العلامة اليوسي القراءات السبع، ثم نقله السلطان مولاي إسماعيل إلى حضرته مكناس، وسبب ذلك أنه لما نزل يآدخستان واجتمع عليه الأشراف الذين بآركو قال لهم: “دلوني على رجل فقه ودين يؤمني في الصلوات فقالوا له: ليس بهذا الجبل أتقى من سيدي علي بن إبراهيم، فأتوا به فكان إمامه في المحلة قال حفيده المترجم، فهذا سبب انتقال جدنا من آركو إلى الحضر، وقد بقي هو وأولاده على هذا الحال إلى أن توفي بها، فانتقل ولده أحمد والد المترجم إلى فاس سنة 1139، فاستوطنها فولد بها أبو القاسم سنة 1147[3].

نشأته ومسيرته العلمية:

نشأ في حجر والده وقرأ القرآن واشتغل بطلب العلم على شيوخها أحمد بن الطاهر الشرقي، وهو أول من أخذ عنه محمد بن الطيب القادري وعبد القادر لوخريص وعمر الفاسي ومحمد بن إبراهيم التاودي بن سودة ومحمد بناني.

ومن دون علم الجدول وغيره من العلوم السرية التي ربما كان أخذها عن والده، فإن ما درسه  على هؤلاء العلماء هو الفقه والحديث و التفسير والنحو والمنطق، وعلى كل حال فإن التاريخ والنسب والجغرافية التي هي بضاعته المنتقاة لم تكن مما درسه في القرويين، ولا مما أخذه عن شيوخها المذكورين، وإنما سرت عدواها إليه من جده علي بن إبراهيم المذكور آنفا، وقد كان كما قال عنه آنفا عشريا نسابة إخباريا، لم يكن في وقته من يلحقه في النسب، واليوسي نفسه يقول في حقه: “عنه أخذت عمود أجدادي إلى اليوسي أبي القبيل، لأنه كان نسابة الوقت”[4].

فكان من صدور كتاب الدولة الشريفة ووزرائها المشاهير كان له معرفة بالتاريخ والأدب والتنجيم وغير ذلك، وله قلم حديدي ولسان سليط، وفيه جرأة وصرامة، لعب أدواراً مهمة في السياسة المغربية، وتقلبت به الأحوال، وعانى كثيراً من الأهوال، وأوفده السلطان سيدي محمد بن عبدالله سفيراً إلى الاستانة، فقام بالمهمة خير قيام، وألف رحلته المشهورة؛ وكان في إحدى الحادثات قد أصيب رأسه بضربة سيف فطارت جمجمته فجعل مكانها طرفاً من القرع فاحتف به اللحم وتماسك وعاش طويلاً فناف عمره على المائة، وقد قضى حياته الطويلة في الخدمة السلطانية كاتباً ووزيراً ومشيراً وسفيراً، وألف عدة كتب منها الترجمان العرب عن تاريخ دول المشرق والمغرب وألفية السلوك في وفيات الملوك، والحادي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب، وكانت وفاته سنة.1249هـ[5]

شيوخه وأساتذته:

تحدث أبو القاسم عن أساتذته الذين تلقى عنهم دروسه وذكر منهم سيدي الطيب القادري وسيدي عبد القادر بوخريص والشيخ التاودي ابن سودة وسيدي عمر الفاسي الذي كان يحضر مجلسه عدد من مشاهير طلبة أهل فاس كالسيد عبد القادر ابن شقرون وسيدي يحيى الشفشاوني والسيد محمد سكيرج وغيرهم من الذين كان لهم شأن فيما بعد[6].

وقال في كتابه الترجمانة الكبرى: “ولما بلغت مبلغ الرجال، وحفظت كلام الله عز وجل على وجه الكلام، وطمحت نفسي القراءة العلم الشريف، ونسخ ما أحتاج إليه من كل شرح لطيف، فأول من قرأت عليه الأجرومية والسنوسية وابن عاشر، شيخنا الفقيه سيدي أحمد ابن الطاهر الشرقي”[7].

ثم قرأت الرسالة على شيخنا سيدي الطيب القادري، بسمجد الأندلس ثم حضرت تشقيق الألفية بمدرسة الصهريج، عند سيدي عبد القادر بوخريص مع ولديه العربي وأحمد، ثم الرسالة بمجلس واحد، ثم صرت أحضر درسه مع الطلبة بالمدرسة في التفسير وخليل الألفية، ثم لازمت درس أبي حفص سيدي عمر الفاسي لخليل بالقرويين، وكان لا يحضر مجلسه إلا المشاهير من طلبة فاس….، ثم قرأت بعده مختصر السنوسي، ثم كنت أحضر مجلس شيخنا سيدي محمد بن إبراهيم الخليل، بمدرسة العطارين، ثم مجلس الألفية بالقرويين، ثم حضرت مجلس الشيخ التاودي في البخاري والشفاء، ثم لازمت درس الفقه سيدي محمد بناني إلى أن أكملت نسخ حاشيته على الزرقاني، فكنت أطالعه وأحضر مجلس الشيخ سيدي محمد ابن إبراهيم في درس الخليل….” [8]

مؤلفاته:

ومن كتبه :

–  الترجمانة الكبرى

– الترجمان المعرب عن دول المشرق والمغرب

– الروضة السلمانية في الدولة الإسماعيلية

  • البستان الظريف في دولة أولاد مولاي علي الشريف
  • ألفية السلوك في وفيات الملوك
  • رحلة الحذاق لمشاهدة الآفاق
  • فهرسة الياقوت واللؤلؤ والمرجان في ذكر العلويين وأشياخ مولانا سليمان
  • عقد الجمان، في شمائل السلطان عبد الرحمن
  • تحفة الحادي المطرب في ذكر شرفاء المغرب
  • درة السلوك فيما يجب على الملوك “
  • الدرة في كشف مذاهب أهل البدع[9]

الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا”         

ورحلته المسماة ” الترجمانة الكبرى”، التي جمعت أمصار المعمور كله برا وبحرا، في مجلد واسمها كاف في معرفتها، فهي جغرافية في الأعم الغالب، لكنها تحتوي على فوائد تاريخية أدبية وتراجم مختلفة، وأعظمها ترجمة الكاتب نفسه وغير ذلك مما جعلها ذات خطة مستقلة ولا موحدة الموضوع، كما يقول هو عنها بعد سرد برنامجها الجغرافي [10].

واستهل أبو القاسم الزياني مقدمة كتابه قائلا:” إني لما رمت بي الأقدار، وجلت في الأقطار، وشاهدت كثيرا من الأمصار، في البرار، والعلماء النجباء الخيار، واستفدت منهم ما شاء الله من الأثار، وقيدت من أحوال هذا العالم ما في دواوين الأخيار، وعدت ممتلئ الحواصل، من خير الأواخر والأوائل، ولما ألقيت عصى التسيار، واستقرت بنا الدار، في ظل هذا الإمام العظيم المقدار، جمعت ما قيدته في رحلاتي الثلاث، وما شاهدته من الأمصار والبحار، وما لقيت من السادات، جعلته رحلة واحدة على قاعدة النحاة في جواز الجمع بين الأخوات وسميتها “الترجمانة الكبرى” والتي جمعت أخبار العالم برا وبحرا[11].

منهاجه ومصادره:

ولم تقتصر على ما في الرشاطي[12]. من الأمصار، وعلى ما جمعه ابن عبد المنهم في الروض المعطار، وزادت على ما جلبه ابن الجوزي من أخبار البحار والقفار، وعلى ما في خريدة العجائب من الجزر والعيون والأبار والأنهار، وعلى ما في العجائب من الجزر والعيون والأبار والأنهار، وعلى ما في عجائب المقدور من نفائس الحكم والأسرار، وأبرزت ما أغفلوه ولم يكن به شعور وإنذار، وحليتها بحوادث ونوادر وحكايات جلبها المؤرخون الكبار، كالإمام ابن قتيبة، والمسعودي، والطبري، وابن عساكر، والذهبي، والبكري، والبلاذري، وابن كثير، وابن خلدون، وابن زيدون، وابن حزم، وابن مرزوق، وابن الخطيب[13].

موضوعها:

هو كتاب في أدب الرحلات، نقل ووصف فيه المؤلف مشاهداته لوقائع رحلاته التي قام بها ما بين سنة 1755م و 1792م ، وتروي الترجمانة أخبار وتفاصيل حياة المؤلف، وخبر رحلته الأولى رفقة أبيه إلى الحجاز، لأداء الفريضة و الزيارة سنة 1169هـ، والعودة إلى المغرب  1171هـ  سفره إلى القسطنطينية ثم إلى افريقية “تونس”، ثم سفره من تونس إلى اسطنبول.

وفي عام 1200، أرسله السلطان سفيرا إلى الخليفة عبد الحميد الأول بالآستانة، فركب البحر من الصويرة هو وسفير تركي اسمه إسماعيل أفندي و  سفره من اسطنبول إلى دمشق الشام “دار السلام”،  كما لقبها زيارة إقليم الشام و بها من المدن و الهياكل و مزارات الأنبياء والأولياء والصحابة و العلماء، زيارته الجزيرة العربية ثم إلى بلاد ما بين النهرين (العراق)، ودخوله بغداد فالمدينة ثم مكة لأداء مناسك الحج. زيارته لليمن ثم بلاد الزنج و الحبشة، و أرض الهند و السند وأرض الصين.

  مقامه في مصر ثم الإسكندرية،  وفي الإسكندرية لم يجدوا مركبا قاصدا، فأكثروا مركبا إلى الكرنة ” ليكورن  بإيطاليا”، حيث أقاموا أربعة أشهر ثم توجهوا إلى مرسيليا ومنها إلى لشبونة، فأقاموا بها حيث كان الفرنسيون محاصرين لجبل طارق، وبعد رفع الحصار ذهبوا إلى تطوان ومن ثم إلى فاس… وقد فرح أهله وأصدقائه برجوعه.

وخلال هذه الرحلات، كان الزياني يخبرنا عمن لقي من  السلاطين الأمراء والأعيان والأئمة الأعلام، كما نجد أن  أبا القاسم كان يذكر تفاصيل عن البلدان التي مر بها، وكل مايتعلق بعادات أهلها وتاريخها، وجغرافيتها وبحارها وعيونها وآبارها….وكذا معالمها وعمرانها…  دون أن ينسى النكبات السبع التي تعرض لها خلال حياته ورحلاته، والتي تتصل بلحظات الإنكسار والسقوط والتلف على حد قوله.

[1] – الأعلام للزركلي(5/172)   دار العلم للملايين  الطبعة الخامسة عشر .

[2] –  ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة (1/622) دار ابن جزم.

[3] –  ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة (1/622) دار ابن جزم.

[4] –  ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة (1/622) دار ابن جزم.

[5] –  النبوغ المغربي في الأدب العربي  (1/297)الطبعة الثانية 1380هـ.

[6] –  دعوة الحق مقال  – مؤرخ أبو القاسم الزياني مؤرخ الدولة العلوية- العدد 125

[7] –  الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا ص 57 طبعة 1991 دار المعرفة للنشر.

[8] –  الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا ص 57 طبعة 1991 دار المعرفة للنشر.

[9] – الأعلام للزركلي(5/172)   دار العلم للملايين  الطبعة الخامسة عشر .

[10] –  ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة (1/644) دار ابن جزم.

[11] –  الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا ص 52 طبعة 1991 دار المعرفة للنشر.

[12] –  الرشاطي هو عبد الله بن علي بن عبد الله اللخمي الأندلسي، عالم بالأنساب والحديث من أهل أربولة سكن المرية، ولد وتوفي 1074-1147م.

[13] –  الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا ص 54 طبعة 1991 دار المعرفة للنشر.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق