مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أبو العباس أحمد بن مبارك اللَّمَطي السجلماسي (ت1156هـ)

هو العلاّمة، الحافظ، المتبحر، الجهبذ، المحرر، المدقّق أبو العباس أحمد بن مبارك ـ وبه عُرف ـ ابن محمد بن عمر السجلماسي اللَّمَطي؛ بفتحتين نسبة إلى لَـمَط، رهط من سجلماسة؛ الفاسي الدار والقرار، يتصل نسبه بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو أيضا البكري الصديقي.

ولد في حدود(1090هـ) ببلده سجلماسة، وأخذ بها قراءة السبع على ابن خالته، وابن عمِّ والده، الولي الشهير، الزاهد الكبير أبي العباس أحمد بن محمد الحبيب(ت1165هـ)، كما أخذ عنه شيئا من علم النحو، وفي سنة(1110هـ) رحل إلى فاس بقصد استكمال التحصيل والاتصال بشيوخ العصر، فلقي جمّاً كثيرا منهم، واستفاد من علومهم، كالإمام العالم العلامة أبي عبد الله محمد بن عبدالقادر الفاسي(1110هـ)، والعلامة الحافظ للمعقول والمنقول، المتبحر في الفروع والأصول أبي عبد الله محمد بن أحمد القُسَنطِيني، المعروف في بلده بالكَمّاد (ت1116هـ)، وعلامة الوقت، وإمام العصر أبي العباس أحمد بن علي بن عبد الرحمن الجرندي الأندلسي الفاسي(ت1125أو1124هـ)، والإمام العلامة المشارك المتفنن، الدرّاكة المتقن القاضي أبي محمد عبدالقادر بن العربي بوخريص الكاملي الجعفري الفلالي، ثم الفاسي(ت1118هـ)، وهو معتمده الذي أفنى عمره في خدمته، وأخذ أيضا عن خاتمة المحققين العلامة الرحّال المسند المحدث أبي الحسن علي بن أحمد الحريشي ـ شارح شفاء عياض المتوفَّى بالمدينة المنورة سنة(1143هـ وقيل:1145هـ) ـ، وممن أخذ عنهم كذلك فقيه الفقهاء، الفصيح الفهامة أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي(1136هـ).

فبفضل هؤلاء الأعلام وغيرهم تسنى للمترجم أن يُسند العلم، ويضرب فيه بنصيب كبير، ويأخذ منه بحظ غير يسير، فاجتمع له علم البيان، والأصول، والحديث، والقراءات، والتفسير.

ولما رأى ابن مبارك أنه تمكَّن من ناصية جلّ العلوم، أخذ يُقارع العلماء، ويرد على أكابرهم، سواء المتقدم منهم أو المتأخر، وكاد لا يحصل منه إذعان لواحد منهم، بل ويصرح لنفسه بالاجتهاد المطلق، وبالفعل فقد كانت له عارضة في المقابلة بين أقوال العلماء، والبحث معهم، والإجابة عنهم بمقتضى الصناعة والآلات، مع تفرده بأشياء يصل إليها بفهمه وبحثه.

وحظي عدد كبير من التلامذة المعاصرين للمترجم بالنهل من معين علمه، والاقتباس من ثمرة اجتهاده، وكان منهم: الفقيه العلامة النحوي محمد بن حسن بناني(ت1194هـ)، والفقيه الإمام، العلامة الهمام أبو العباس أحمد بن محمد بن حمدون بن مسعود الطاهري الحسني الجوطي، ويعرف بحمدون(ت1119هـ)، والفقيه العلامة المحقق أبو علي الحسن بن علي البُوعناني(ت1163هـ)، والحافظ الفقيه المنعوت بمالك زمانه أبو علي الحسن بن رحّال المعداني التدلاولي(ت1140هـ)، والعلامة الفقيه المحدث الرّاوِية أحمد بن الحسن بن محمد الملقب بالمَكُودِي، والمعروف بالورشان(ت1170هـ)، والإمام العلامة أبو عبدالله محمد بن الطالب بن سودة الـمُرِّي الفاسي التاودي(1207هـ)، وغيرهم.

وكان المترجم مع ما هو منغمس فيه من البحث والتأليف والتدريس والإقراء يحترف الكسب من الماشية والحراثة، ويتّجر ويبيع بالدَّين إلى أجل، ويحرس درهمه، ويتنافس في الدرهم ويصلح.

وبالرجوع إلى مصادر ترجمته نجد جل من ترجمه من العلماء ينوه بمكانته ويشيد بمنزلته، ومن ذلك قول تلميذه محمد بن الطيب القادري في نشر المثاني: »علامة الزمان، فريد الأوان، فارس التدريس والتحقيق، وحامل راية التحرير والتدقيق«.

وقال أيضا: »وكان يأخذ الأحكام من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية من غير واسطة أحد على ما هو مقرر ومدوّن في كتب الفقه القديمة المشهورة، ورأيته يسرد في درسه بالقرويين سنة ثمانين وأربعين ـ يعني ومائة وألف ـ من حفظه خمسين حديثا بإسنادها، وما عرض له من العلل والأجوبة عنها«.

وحلاه محمد بن جعفر الكتاني بقوله: »العالم العلامة، الجهبذ الفهامة، المشارك المحقق، الهُمام المدقق، الحافظ المتضلع المتبحر، المجتهد القدوة المحرر، نجم الأمة، وتاج الأئمة، شيخ الشيوخ، ومن له في العلم القدم الثابة الرسوخ«.

وقال عن علاقته بالناس وشمائله فيهم: »وكان رحمه محبا للغرباء، مواسيا للضعفاء، خاشعا متواضعا، ذا صلاح وولاية وكرامة«.

وأثمر عكوف مترجمنا على التأليف مجموعة من نفائس الأبحاث في فروع من العلم شتى، منها: »كشف اللَّبس عن المسائل الخمس«، و»إنارة الأفهام بسماع ما قيل في دلالة العام « ـ مخطوط وحقق في رسالة جامعية ـ، و»شرح المحلى على جمع الجوامع«، و»ردّ التشديد في مسألة التقليد« ـ مطبوع ـ، و»تحرير مسألة القبول على ما تقتضيه قواعد الأصول والمعقول« ـ مطبوع ـ، و»مقالة الصواب في بيان حال بني مزاب«، و»المقالة الوافية في شرح القصيدة الدالية«، وتأليف في قوله تعالى: »وهو معكم أينما كنتم«، وقد استحسنه بعض علماء عصره، وأكثرهم شنّع عليه، وتقاييد وأجوبة، منها تقييدات على شرح قدّورة على السلم للأخضري، جرّدها بعض طلبته، وغير هذا.

توفي ـ رحمه الله ـ ليلة الجمعة، تاسع عشر جمادى الأولى سنة (1156هـ)، ودفن بجوار شيخه عبد العزيز الدباغ رحمه الله.

مصادر ترجمته: نشر المثاني(4/40)، التقاط الدرر، كلاهما للقادري(2/393-394)، طبقات الحضيكي(1/120)، سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر الكتاني(2/203)، شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف(352)، إتحاف أعلام الناس لابن زيدان(1/291)، هدية العارفين( 1/174)، معجم المؤلفين(2/56)، الأعلام للزركلي(1/202).

إنجاز: د.مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق