مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعيندراسات عامة

أبو أيوب الأنصاري ومعاوية رضي الله عنهما

ورد ببعض الصفحات الإلكترونية هذه البطاقة:

قلت: يقول إمام الحرمين الجويني في حق الأصحاب رضي الله عنهم: (فإن نُقلت هناة فليتدبّر النّقل وطريقه، فإن ضعف ردّه؛ وإن ظهر وكان آحادا، لم يقدح فيما عُلم تواترا منه وشهدت له النّصوص، ثم ينبغي أن لا يألو جهدا في حمل كل ما يُنقل على وجه الخبر، ولا يكاد ذو دِين يعدم ذلك، فهذا هو الأصل المغني عن التّفصيل والتّطويل)[1].

إذن؛ أوّل شيء ننظر في سند الخبر، فقد رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق[2]، والعزو إلى كتب تواريخ البلدان مؤذن بالضعف كما تقرر عند النُّقاد.. أخرجه من طريق المسيب بن واضح، قال: نا أبو إسحاق الفزاري، عن إبراهيم بن كثير نحوه،

وهذا ضعيف؛ لأجل المسيّب بن واضح.. متكلم فيه.. قال أبو حاتم: صدوق يخطئ كثيرا، فإذا قيل له، لم يقبل. وسئل عنه الدارقطني فقال: ضعيف. وذكره ابن عدي في الكامل وأورد له مناكير من روايته[3].

فهل من كان سنده هكذا نستنبط منه ما نطعن به في الصحابي؟ اللهم هذا بهتان مبين.

علاوة على ذلك:

رواه أيضا الحارث بن أبي أسامة في مسنده قال: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَارَةَ بْنَ غَزِيَّةَ… بنحوه.

فيه: إبراهيم بن كثير أبو إسماعيل الخَوْلاني حدّث عن عمر بن عبدالعزيز، وحسان بن عطية البيروتي. ولم يرد فيه توثيق ولا تضعيف، فهو مجهول الحال[4].

والعجب أنّ ابن عساكر لم يذكر في ترجمته أنّه روى عن التّابعي عمارة بن غَزِيَّة؛ إذ كيف يقدّم غيره، وهو الذي روى الحديث بالرّواية السّابقة من طريقه عن عمارة بن غزية[5].

ثمّ إنّ عمارة(ت 140هـ)[6] أرسل القصّة، ولم يُدرك الحادثة؛ إذ أبو أيوب الأنصاري (ت52هـ).

والحاكم في المستدرك قال: حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المُزَنِي، ثنا محمد بن عبد الله المُخَرَّمي، ثنا أبو كُرَيْب، ثنا فردوس الأشعري، ثنا مسعود بن سليم، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس: أن أبا أيوب خالد بن زيد ـ الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في داره ـ غزا أرض الروم، فمر على معاوية، فجفاه معاوية، ثم رجع من غزوته، فجفاه، ولم يرفع به رأسا، قال أبو أيوب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأنا: أنّا سنرى بعده أثرة. قال معاوية: فبما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر. قال: فاصبروا إذا. فأتى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بالبصرة، وقد أمّره علي رضوان الله عليه عليها، فقال: يا أبا أيوب إني أريد أن أخرج لك من مسكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا، وأعطاه كل شيء كان في الدار، فلما كان وقت انطلاقه، قال: حاجتك؟ قال: حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي، وكان عطاؤه أربعة ألف، فأضعفها له خمس مرار، وأعطاه عشرين ألفا وأربعين[7].

وهذا ضعيف أيضا، فيه: مسعود بن سليم وهو خطأ، والصواب مسعود بن سليمان قال الذّهبي: مجهول[8]. والعجب من الذّهبي إذ لم يتعقب الحاكم في هذا الحديث، وسكت.

إذن؛ سند الخبر برواياته ضعيف لا يصح؛ ولا تقبل الاعتضاد والتّقوية.

أمّا المتن فمنكر، كيف يكون معاوية بهذه الجرأة على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أشهر صحابي أنصاري، ويُنقل هكذا من طرف الضعفاء والمجهولين. في حين أنّه اشتهر عند النّاس سلفا وخلفا: شعرة معاوية، وصاروا يتمثّلون بها دلالة على حسن السياسة، والكياسة في التعامل، وأصلها قوله رضي الله عنه: (لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مَدُّوها خَلَّيْتُها، وإذا خَلّوها مددتُها)[9].  والله أعلم.

والحمد لله أوّلا وآخرا.

————————————————————————————————-

[1] الإرشاد إلى أصول قواطع الاعتقاد 433.

[2] تاريخ دمشق 16/56.

[3] ميزان الاعتدال 4/116-117.

[4] انظر تاريخ دمشق 7/94.

[5] انظر تاريخ دمشق 16/56.

[6] انظر ترجمته في تهذيب الكمال 21/258-261.

[7] المستدرك على الصحيحين 3/461.

[8] ميزان الاعتدال 4/100.

[9] عيون الأخبار 1/62.

الدكتور بدر العمراني

• رئيس مركز عقبة بن نافع للدراسات والبحوث في الصحابة الكرام بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق