مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

آية الولاية

 

 

 

أ.د. بدر العمراني

قال الدكتور القزويني تتميما لكلامه في قوله تعالى (إنما وليكم الله ورسوله..): (..هذا وقد أخرج نزول هذه الآية أكثر المفسرين، منهم: الحاكم النيسابوري في أسباب النزول، والسيوطي في الدر المنثور، والفخر الرازي في تفسيره الكبير، وغير هؤلاء من مفسري أهل السنة.. ثم قال: وقد أخرج الآية المذكورة في الإمام علي حفاظ أهل السّنّة ورواتهم، نذكر نبذة منهم على سبيل المثال: .. وذكر ابن المغازلي في المناقب، والمحب الطبري في الرياض النضرة، وذخائر العقبى، والثعلبي في التفسير..)([1])

قلت: الرجل يستشهد بكل ما ورد في كتب المفسرين موهما القارئ بأنّها تُورِد ما صحّ في الباب. مع العلم أنّ من مارس كتبهم علم أنّها تُورد الغث والسمين، الصحيح والضعيف، مثل الدر المنثور للسيوطي، ومنهم من يوردها مع التعقيب كالفخر الرازي، قال: ولنا في هذه الآية مقامات:

المقام الأول: أن هذه الآية من أدلّ الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض، وتقرير مذهبهم أن الذين أقروا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين، لأنهم أنكروا النصّ الجليّ على إمامة علي عليه السلام فنقول: «لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق» بدليل قوله (من يرتدِدْ منكم عن دينه فسوف ياتي الله بقوم..) إلى آخر الآية. وكلمة (من) في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتدا عن دين الإسلام، فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم، ولما لم يكن الأمر كذلك؛ بل الأمر بالضد، فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبدا، منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف.

المقام الثاني: أنّا ندعي أن هذه الآية يجب أن يقال: إنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه. والدليل عليه وجهان: الأول: أن هذه الآية مختصة بمحاربة المرتدين، وأبو بكر هو الذي تولى محاربة المرتدين على ما شرحنا، ولا يمكن أن يكون المراد هو الرسول عليه السلام لأنه لم يتفق له محاربة المرتدين، ولأنه تعالى قال (فَسَوْفَ يَاتِي الله) وهذا للاستقبال لا للحال، فوجب أن يكون هؤلاء القوم غير موجودين في وقت نزول هذا الخطاب..([2]).

وهناك من يذكر الحديث بسنده مُلْقِيًا باللاّئمة على رجال السند كما يفعل الواحدي في أسباب النزول، ومن ثمّ فعلى المستدل أو المستشهد أن ينظر السند ويمحّص رجاله، مثلا سند الواحدي فيه: الكلبي متروك([3]).

وأما قوله: حفاظ السنة وتمثيله بابن المغازلي والمحب الطبري والثعلبي، فهؤلاء لا يميزون بين الروايات، وكتبهم مدونات نقول فقط، جمعت المناكير والموضوعات من الأحاديث.

وإليك التفصيل فيما أورده:

-ابن المغازلي في مناقب علي رضي الله عنه([4]): أورد ثلاث روايات:

الأولى: أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان البزاز إذناً، حدثنا الحسين بن علي العدوي، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا عبد الوهاب ابن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، قال: نزلت في علي عليه السلام.

هذه موضوعة، فيها: الحسن (وقد تصحف إلى الحسين) بن علي العدوي يضع الحديث كما قال ابن عدي([5]).

الثانية: أخبرنا أبو نصر أحمد بن موسى بن الطحان إجازة، عن القاضي أبي الفرج الخيوطي، قال: حدثنا عبد الحميد بن موسى العباد، حدثنا محمد بن إسحاق الخزاز، حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا عبيد بن أبي الفضل، عن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام في قوله عز وجل: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، قال: الله ورسوله، والذين آمنوا: علي بن أبي طالب.

فيها: عبدالله بن بكار، قال العقيلي: مجهول النسب، وروايته غير محفوظة([6]).

محمد بن الحسن هو ابن عطية العوفي، ضعيف([7]). وأبوه الحسن بن عطية العوفي ضعيف أيضا. قال البخاري: ليس بذاك([8]). وجده عطية بن سعد العوفي ضعيف كذلك([9]).

وأما عبيد بن أبي الفضل، فلم أقف له على ترجمة.

إذن الرواية ضعيفة جدا.

الثالثة: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان إذناً، أنّ أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شَوْذَب حدّثهم، قال: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام، حدثنا محمد بن عمر بن بشير العسقلاني، حدثنا مطلب بن زياد، عن السُّدّي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس قال: مرّ سائل بالنبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم فقال: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع! وكان عَلِيّ يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعلها فيَّ وفي أهل بيتي. (إنما وليكم الله ورسوله)، الآية. وكان عَلِيّ خاتمه الذي تصدّق به (سبحان من فخري بأني له عبد).

وهذه الرواية ضعيفة كذلك، فيها: إبراهيم بن عبدالسلام، لعلّه: المخزومي المكي، من رجال ابن ماجه، قال أبو أحمد ابن عدي: ليس بمعروف، حدّث بالمناكير. وعندي: أنّه ممّن يسرق الحديث([10]). ومُطّلب بن زياد ضعّفه غير واحد، كابن سعد، وقال أبو حاتم: لا يحتج به([11]). وأبو عيسى: لعلّه الخراساني الراوي عن الضحاك، والضحاك يروي عن ابن عباس. قال ابن القطان: لا يُعرف حاله. وقال الذهبي: ذا ثقة([12]). لكن يبقى الإرسال؛ لأنّ أبا عيسى لا يروي عن ابن عباس مباشرة.

أما محمد بن عمر بن بشير العسقلاني، فلم أقف على ترجمته.

الرابعة: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان، أخبرنا أبو أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب، حدثنا محمد بن أحمد العسكري الدقاق، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبادة، حدثنا عمر بن ثابت، عن محمد بن السائب، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كان علي راكعاً، فجاءه مسكين فأعطاه خاتمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعطاك هذا؟ فقال: أعطاني هذا الراكع، فأنزلت هذه الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)، إلى آخر الآية.

هذه ضعيفة جدا، في إسنادها: محمد السائب الكلبي ووالده متروكان.

الخامسة: أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان إذناً، أنّ أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حَدِّثْ علياً بالحديث الذي حدّثثني عن أبي جعفر، قال: كنت عند أبي جعفر جالساً إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب، قال: لا، ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل (الذي عنده علمٌ من الكتاب)، (أفمن كان على بينةٍ من ربه ويتلوه شاهدٌ منه)، (إنما وليكم الله ورسوله)، الآية.

وهذه موضوعة، لأجل:

إبراهيم بن محمد بن ميمون الكوفي قال الذهبي: من أجلاد الشيعة رَوَى عَن عَلِيّ بن عابس خبرا عجيبا. روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر، وَغيره([13]). واستدرك عليه ابن حجر فقال: (وذكره الأزدي في الضعفاء وقال: إنه منكر الحديث. وذَكَره ابن حِبَّان في الثقات، وقال: إنه كندي. وأعاده المؤلف في ترجمة إبراهيم بن محمود – وهو هو – فقال: لا أعرفه روى حديثا موضوعا فذكر الحديث المذكور. ونقلت من خط شيخنا أبي الفضل الحافظ: أن هذا الرجل ليس بثقة)([14]).

علي بن عابس، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: علي بن عابس كأنه ضعيف. وقال أبو بِشْر الدُّولابي عن عباس عن يحيى: ليس بشيء. وكذلك قال البخاري عن يحيى. وقال أبو داود عن يحيى: ضعيف. وكذلك قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني والنسائي وأبو الفتح الأزدي. وقال ابن حبان: فحش خطأه فاستحق الترك([15]).

-المحب الطبري في الرياض النضرة وذخائر العقبى: قال: وعن عبد الله بن سلام قال: أذن بلال بصلاة الظهر، فقام الناس يصلون، فمن بين راكع وساجد، وسائل يسأل، فأعطاه عَلِيّ خاتمه، وهو راكع، فأخبر السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة وهم راكعون) أخرجه الواحدي وأبو الفرج.. ([16])وقد بينا حال سند الواحدي قَبْلُ بأنّه ضعيف، وأبو الفرج هو ابن الجوزي أورد الرواية معلّقة عن أبي صالح عن ابن عباس. وهي كذلك من طريق الكلبي وقد سبق الكلام عليها في الرواية الرابعة من مناقب ابن المغازلي.

 فهل هكذا نثبت الخصيصة لسيدنا علي رضي الله عنه بروايات لا تصح، تدليسا وتمويها؟


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 65-66.

([2]) انظر المزيد من التفصيل في مفاتيح الغيب 12/378 فما بعد.

([3]) انظر أسباب النزول للواحدي ص148.

([4]) مناقب علي 377-380.

([5]) انظر ميزان الاعتدال 1/506.

([6]) انظر ميزان الاعتدال2/398.

([7]) انظر ميزان الاعتدال 3/513.

([8]) انظر ميزان الاعتدال 1/503.

([9]) انظر ميزان الاعتدال 3/79.

([10]) انظر تهذيب الكمال 2/138.

([11]) انظر ميزان الاعتدال 4/128.

([12]) انظر ميزان الاعتدال 4/560.

([13]) انظر ميزان الاعتدال 1/63.

([14]) انظر لسان الميزان 1/357.

([15]) انظر تهذيب الكمال 20/503-504.

([16]) الرياض النضرة 3/179. وذخائر العقبى 182.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق