قال أحمد القسطلاني (ت636ﻫ): إن للذنوب والآثام آفات لأنواع من مضار القلب والقالب، والدين والدنيا جامعات.
* فمنها حرمان العلم؛ لأنها تُعمي القلب، وهي ظلمة والعلم نور.
فبقدر ازدياد الظلمة وكثرتها، ينقص النور ويقل، حتى تغلب عليه، فتصير دافعة له مانعة منه.
وفي هذا يقول الإمام الشافعي (ت204ﻫ):
شكوت إلى وكيع سوء حفظي |
|
فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وقال بني إن العلم نور |
|
ونور الله لا يؤتاه عاص |
* ومنها حرمان الرزق، روى أحمد وجماعة عن ثوبان رفعه: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
* ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه، بينه وبين ربه، لا توازيها لذة أصلاً ولا تكاد.
* ومنها تعسير أموره، فلا يتوجه لأمر إلا وجد دونه بابا مغلقاً، أو شق عليه جدا.
* ومنها ظلمة يحس بها في قلبه، كما تُحَس ظلمة الليل المدلهم، ويوقعه ازديادها في الحيرة، والبدع، والضلالات، والمهلكات وهو لا يشعر، وقد تصير حسية فتعلوا الوجه سوادا ظاهرا فيه، يراه كل أحد.
* ومنها أنها حرمان الطاعة، ومحو بركة العمر، فإن الحياة الحقيقية حياة القلب بالطاعات، فالإعراض عنها، والاشتغال بالمعاصي تضييع لأيام الحياة الحقيقية، وهو نقص من العمر الحقيقي.
* ومنها توهين القلب والبدن، وتوريث الداء.
* ومنها أنها تفسد العقل والفهم؛ لأنه نور، وهي تطفئه.
* ومنها أنها تسلب النعم، وتجلب النقم، فما زالت عن العبد نعمة أو حلت به نقمة إلا بذنب؛ إذ من لم يشكر النعم، فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها، ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾. [الشورى: 30].
وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
إذا كنت في نعمة فارعها |
|
فإن الذنوب تزيل النعم |
وحُطْها بطاعة رب العباد |
|
فرب العباد سريع النقم |
* ومنها أنها تستجلب مواد هلاك العبد، في دنياه وأخراه، فإن الذنوب أمراض، متى استحكمت قتلت معنى أو حسا.
وكما لابد لصحة الجسم من حفظ قُوَّته بقُوته –أعني الأغذية – ومن استفراغ للأخلاط الرديئة، ومن المحافظة على الحمية، كذلك القلب لابد لصحته واستقامته من حفظ قوته بغذاء الإيمان، والعلم، وصالح الأعمال، واستفراغ أخلاطه الرديئة ومواده بالتوبة النصوح من سيئ الخلال، والحمية باجتناب الآثام والمعاصي في جميع الأحوال.
ولقد بذل النصح من قال:
جسمك بالحمية حصنته |
|
مخافة من ألم طاري |
وكان أولى بك أن تحتمي |
|
من المعاصي خشية الباري |
وفي الحديث: "ألا أدلكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب ودواءكم الاستغفار".
[بتصرف من المصدر السابق (ص: 99-102)].