مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس النحو «9»

انعقد يوم الخميس 24 جمادى الأولى 1440هـ، الموافق ل 31 يناير 2019م، بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية المجلس التاسع من مجالس النحو التي يشرف عليها رئيس المركز فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي والتي يتناول فيها شرح نظم الأجرومية المسمى «سعادة الطلاب» للشيخ أحمد بمبا.

  وقد تحدث الدكتور في هذا المجلس عن العلامة الثالثة من علامات النصب وهي الكسرة النائبة عن الفتحة انطلاقا من أبيات الناظم وهي:

وَتُجْعَلُ الْكَسْرَةُ فِي الْمَسْمُوعِ*** عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي مَجْمُوعِ

مُؤَنَّثٍ قَدْ كَانَ ذَا سَلَامَهْ*** مِنَ التَّغَيُّرِ لَدَى الْعَلَامَهْ

نَحْوُ: نَكَحْتُ الْمُسْلِمَاتِ الْمُؤْمِنَاتْ*** اَلْقَانِتَاتِ التَّائِبَاتِ الْعَابِدَاتْ

ومن قول ابن آجروم في الأجرومية: «وَأَمَّا الْكَسْرَةُ فَتَكوُنُ عَلَامَةً لِلنَّصْبِ فِي جَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ»، وفي إعراب هذا الكلام ذكر أن «الواو»: للعطف أو للاستئناف، و«أما» حرف شرط وتفصيل و«الكسرة»: مبتدأ مرفوع، و «فتكون» (الفاء) واقعة في جواب «أما» و (تكون) فعل مضارع ناقص واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره (هي) يعود على الكسرة، و«علامة» خبر تكون منصوب بالفتحة الظاهرة وجملة تكون واسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ وهو «الكسرة». وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط وهو «أما» و«للنصب» جار ومجرور متعلق بعلامة. «في جمع» جار ومجرور متعلق أيضا بعلامة وجمع مضاف و«المؤنث» مضاف إليه و«السالم» نعت ونعت المجرور مجرور.

والأمثلة في البيت الأخير من قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) فهي كلها منصوبة بالكسرة وذلك لأنها جمع مؤنث سالم.

وقد يكون جمع المؤنث السالم مفرده مذكرا نحو: قطار وخطاب وجواب وإصطبل فإنها تجمع جمع مؤنث سالما، فتقول قطارات وخطابات إلخ، لذلك فأفضل تصريف له أن تقول: «إنه ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين بزيادة الألف والتاء مع سلامة بناء المفرد»، وهو قول الناظم «مُؤَنَّثٍ قَدْ كَانَ ذَا سَلَامَهْ» إلخ.

يعني أن الكسرة تكون علامة للنصب نيابة عن الفتحة في جمع المؤنث السالم نحو: «خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ». ف «خلق»: فعل ماض و«الله» فاعل مرفوع و«السماوات» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم. 

ونحو: «إِنَّ الفَتَيَاتِ المُهَذَّبَاتِ يُدْرِكْنَ الْمَجْدَ»، ف «إن» حرف توكيد ونصب، و«الفتيات» اسم إن منصوب بالكسرة النائبة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم، و«المهذبات» نعت ونعت المنصوب منصوب وعلامة نصبه الكسرة النائبة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم، و«يدركن» يدرك فعل مضارع والنون (نون النسوة) ضمير مبني على الفتح في محل رفع فاعل، و«المجد» مفعول به منصوب، وجملة يدركن المجد في محل رفع خبر إن.

وبين الدكتور أنه يلحق جمع المؤنث السالم في نصبه بالكسرة ما سمي به من هذا الجمع نحو: عرفات وأذرعات فهما اسمان مفردان. والمقصود بـ «ما سمي به من هذا الجمع» أي كلمات جُمِعَت جمع مؤنث سالم وأطلقت أعلاما على مسميات مفردة نحو ما ذكرناه ونحو: عطيات (اسم امرأة) وبركات (اسم رجل) إلخ فلفظها يدل على الجمع ومعناها يدل على المفرد.

واستشهد في هذا السياق بقول ابن مالك في ألفيته:

وَمَا بِتَا وَأَلِفٍ قَدْ جُمِعَا*** يُكْسَرُ فِي الجَرِّ وَالنَّصْبِ مَعَا

كَذَا أُولَاتُ وَالَّذِي اسْمًا قَدْ جُعِلْ*** كَأَذْرِعَاتٍ فِيهِ ذَا أَيْضًا قُبِلْ

وتجري «أولات» مجرى جمع المؤنث السالم في أنها تنصب بالكسرة وليست بجمع مؤنث سالم بل هي ملحقة به وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها، كما استشهد ببيت امرئ القيس حيث يقول:

تَنَوَّرْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا*** بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي

وقد علق الدكتور على البيت بقوله: «فتنورتها نظرت إليها من بعيد، وأصل التنور النظر إلى النار من بعيد، سواء أراد قصدها أم لم يرد، وأذرعات بلد في أطراف الشام ويثرب اسم قديم لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأدنى أقرب، عال عظيم الارتفاع والامتداد، يقول: «نظرت إلى نارها، يريد بقلبه لا بعينه فكأنه من فرط الشوق يرى نارها، من أذرعات، وأهلها بيثرب فأقرب دارها منا بعيد، فكيف بها ودونها نظر مرتفع»».

وفي إعراب البيت ذكر أن «تنورتها»: فعل وفاعل ومفعول به، و«من» حرف جر، و«أذرعات» مجرور بمن وعلامة جره الكسرة الظاهرة والجار والمجرور متعلق بتنور، و«أهلها» الواو واو الحال وأهل مبتدأ وهو مضاف والضمير مضاف إليه، و«بيثرب» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال، و«أدنى» مبتدأ وهو مضاف و«دارها» (دار) من دارها مضاف إليه ودار مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه، و«نظر» خبر المبتدأ، و«عالي» نعت لنظر وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة وهو اسم منقوص أي اسم معرب آخره ياء ثابتة مكسور ما قبلها إذا تجرد المنقوص من (ال) وتحذف ياؤه لفظا وخطا في حالتي الجر والرفع وتثبت في حالة النصب، وأضاف الدكتور أنهم قد عاملوا في الشعر ضرورة المنقوص في حالتي الرفع والجر معاملته في حالة النصب، فأظهروا الضمة والكسرة على الياء كإظهارهم الفتحة عليها، وقد ورد من ذلك قول جرير:

فَيَوْمًا يُوَافِينَ الْهَوَى غَيْرَ مَاضِيٍ*** وَيَوْمًا تَرَى مِنْهُنَّ غُولَا تَغَوَّلُ

وقول الآخر:

لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ جَائِيٌ*** وَلَكِنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الدَّهْرِ عَاجِلُ

وقول جرير:

وَعِرْقُ الْفَرَزْدَقِ شَرُّ الْعُرُوقِ*** خَبِيثُ الثَّرَى كَابِيُ الْأَزْنُدِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق