مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مجالس الألفية 10

انعقد يوم الأربعاء 27 ربيع الأول 1440هـ الموافق لـ 5 دجنبر 2018م، بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية المجلس العاشر من «مجالس الألفية»، التي يؤطرها الدكتور عبد الرحمن بودرع.

وقد تطرق المُحاضرُ في هذا المجلس إلى باب جديد هو «التمييز»، و استهل حديثه بالتنبيه على أن النحاةَ صنفوا التمييزَ في باب المنصوبات، وهو من الناحية الإعرابية مَعدودٌ من الفضلات، ومن الناحية المعنوية له فائدة لا تنكر في تبيين معنى الكلام، والاستغناء عنه يحدث خللا في المعنى. ثم انتقل إلى شرح ما ورَدَ في الباب من أقوال الناظم:

اسْمٌ، بِمَعْنَى «مِنْ» مُبِينٌ نَكِرَهْ *** يُنْصَبُ تَمْيِيزًا بِمَا قَدْ فَسَّرَهْ

كَشِبْرٍ اَرْضًا، وَقَفِيزٍ بُرًّا *** وَمَنَوَيْنِ عَسَلًا وَتَمْرَا

وفي شرح هذين البيتين ذكرَ أن التمييز هو كل اسم نكرة متضمن معنى “مِنْ”، لبيان ما قبله من إجمال، نحو: «طابَ زيدٌ نفْساً، وعندي شبرٌ أرضاً». واحترز بقوله: « مُتضمِّن معنى مِن» من الحال فإنها متضمنة معنى «في».

وبَيَّن المحاضرُ أن في قوله: «لبيان ما قبله» احترازا مما تضمن معنى «مِن» وليس فيه بيانٌ لِما قبلَه: كاسم «لا» التي لنفي الجنس، نحو: «لا رجلَ قائمٌ» فإن التقدير «لا مِنْ رَجُلٍ قائم»، وقوله «لبيان ما قبله من إجمال» يشمل نوعي التمييز: وهما المُبَيِّنُ إجمالَ ذات والمبين إجمال نسبة. وأوْضَحَ المُحاضرُ هذين النوعين بالقول إن المبينَ إجمالَ الذات: هو الواقع بعد المقادير وهي الممسوحاتُ، نحو: «له شبرٌ أرضاً»، والمكيلاتُ، نحو: «له قفيزٌ بُرًّا»، والموزوناتُ، نحو:« لهُ مَنَوَانِ عسلًا وتَمرًا»، والأعدادُ، نحو: «عندي عِشْرُونَ دِرْهَمًا»، وهو منصوب بما فسره وهو: شبر، وقفيز، ومنوان، وعشرون.

أمّا المبينُ إجمالَ النسبة فهو المَسُوقُ لبيان ما تَعَلقَ به العاملُ، مِن فاعل أو مفعول، نحو: «طَابَ زَيْدٌ نَفْسًا»، ومثله: «وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا».

 ثم انتقل المُحاضرُ إلى شرح البيتين التاليين:

وَبَعْدَ ذِي وَشِبْهِهَا اجْرُرْهُ إِذَا*** أَضَفْتَهَا، كَـ «مُدُّ حِنْطَةٍ غِذَا»

وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا*** إِنْ كَانَ مِثْلَ «مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبَا»

وفي تعليقه على هذين البيتين أشار بـ «ذي» إلى ما تقدم ذكرُه في البيت من المُقَدَّرات وهو ما دل على مساحة، أو كَيْل، أو وزن؛ فيجوز جرُّ التمييز بعدَها بالإضافة، إن لم يضف إلى غيره، نحو:«عِنْدِي شِبرُ أَرْضٍ، وقَفِيزُ بُرٍّ، ومَنَوَا عَسَلٍ، وَمُدُّ تَمْرٍ»، وبَيَّنَ أنه إذا أضيف الدالُّ على مقدار إلى غير التمييز وجبَ نصبُ التمييز، نحو: «ما في السَّماءِ قَدْرُ رَاحَةٍ سَحَابًا»، ومنه قوله تعالى: «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا».

ثم انتقل المُحاضرُ  إلى شرح البيت التالي من أبيات الألفية في «باب التمييز» وهو قولُ الناظم:

وَالفَاعِلَ المَعْنَى انْصِبَنْ بِأَفْعَلَا*** مُفَضِّلًا: كَـ «أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلَا»

وفي هذا السياق ذكَر المُحاضرُ أن التمييزَ الواقعَ بعد أفعل التفضيل: إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبُه، وإن لم يكن كذلك وجب جره بالإضافة، وبيَّنَ أن ما هو فاعل في المعنى هو أن يَصلُحَ جعلُه فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا، نحو: «أنْتَ أَعْلَى مَنْزِلًا، وَأَكْثَرُ مَالًا»، فـ «منزلًا و مالًا» يجب نصبهما؛ إذ يصحُّ جعلُهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا، نحو: «أنْتَ عَلَا مَنْزِلُكَ، وَكَثُرَ مَالُكَ». ومثل المُحاضرُ بما ليس بفاعل في المعنى بقوله: «زَيْدٌ أَفْضَلُ رَجُلٍ، وهِنْدٌ أَفْضَلُ امْرَأَةٍ»، وبيَّنَ أنه يجب جرُّه بالإضافة إلا إذا أضيف «أَفْعَلُ» إلى غيره فإنه يُنصبُ، نحو:«أَنْتَ أَفْضَلُ النَّاسِ رَجُلًا».

وعَرجَ المحاضرُ إلى بيت آخر في هذا الباب، وهو قول الناظم:

وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبًا*** مَيِّزْ، كَـ « أَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا»

وفي شرحه لهذا البيت بيَّنَ أن التمييزَ يقع بعد كل ما دل على تعجب، نحو: «ما أحْسَنَ زيداً رجلا، وأَكْرِمْ بأبي بَكرٍ أباً، ولله درك عالما، وحسبك بزيد رجلا، وكفى به عالما»، وفي هذا الصدد وقف على بيت شعري وهو قول الشاعر:

يَا جَارَتَا مَا أَنْتِ جَارَهْ

وذكر أن الشاهدَ فيه قوله: «جارة» حيث وقع تمييزا بعد ما اقتضى التعجب، وهو قوله: «ما أنت». وبيَّن ابنُ مالك أنه لا خلافَ بين أحد من العلماء الذين جعلوا جارةً تمييزا في أنه من قَبيل تمييز النسبة، أما ابنُ هشام فالأمرُ عندَه ظاهر؛ لأنه جعَلَ هذا النوعَ كله من تمييز النسبة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق