مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين

تقرير عن اليوم الدراسي في موضوع: قواعد لرد الشُّبه المثارة في الفكر الإسلامي: الصحابة- أنموذجا.

نوفمبر 27, 2019

لفائدة طلبة وطالبات الإجازة، والماستر، والدكتوراه.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، وجميع من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

ففي إطار العنايات الكبرى التي يقوم على تحقيقها مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، تعريفا بالصحابة الكرام، ودفاعا عن مقامهم السَّني، نظَّم المركز يوما دراسيا حول موضوع:

قواعد لِرَدِّ الشُّبه المثارة في الفكر الإسلامي:

الصحابة- أنموذجا

وقد حضره ثلة من الطلبة والطالبات، من مختلف الأسلاك الجامعية: الإجازة، والماستر، والدكتوراه، وذلك يوم الأربعاء 29 ربيع الأول 1431هـ الموافق لــ 27 نونبر 2019م برحاب قاعة المحاضرات بمكتبة عبد الله كنون الحسني بطنجة.

ومن بين أهداف هذا الملتقى العلمي:

  • التأسيس لقواعد النقد البنَّاء.
  • إيضاح الوشائج الموصولة بين الفكر والعلم.
  • تبيان كيفية التعامل مع الشُّبه أثناء قراءة التراث.
  • تجلية المكانة العظمى للصحب الكرام.

استُهِلَّ هذا اللِّقاء بالاستماع إلى قراءة مباركة لآيات بيِّنات من الذِّكر الحكيم، من تلاوة القارئ أحمد خَرُّوب، وذلك بعد ترحيب الدكتور بدر العمراني مسيِّر الجلسة بالأساتذة المشاركين، وبالأساتذة الحاضرين، وبالطلبة والطالبات، وبباحثي المركز.

 وقد أسند مسيِّر الجلسة الكلمة إلى الأستاذ الدكتور محمد كنون الحسني، محافظ خزانة عبد الله كنون الحسني، ورئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة طنجة أصيلة، الذي رَحَّب فيها بالأساتذة المشاركين في هذا اليوم الدراسي، وبالطلبة المهتمين، وتحدَّث عن رابطة علماء المغرب نشأتِها وتطوُّرِها، إلى أن أصبحت مؤطَّرة بأمر من مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تحت اسم: “الرابطة المحمدية للعلماء”، وأثنى على مراكزها البحثية، وما تُنتجه من بحوث علمية رصينة، وقيِّمة ذاع صيتها داخل المغرب وخارجه.

 بعد ذلك أعطى مسير الجلسة الكلمة للأستاذ الدكتور جمال علال البختي أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، ورئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات العقدية بتطوان؛ لإلقاء مداخلته، فعبَّر عن سعادته وهو يشارك في هذا اللقاء العلميِّ بمعية الأساتذة المشاركين، في موضوع قواعد لِرَدِّ الشُّبه المثارة في الفكر الإسلامي: الصحابة- أنموذجا، وقد انتظمت كلمته المعنونة بــــ: “الشُّبه المثارة حول الصحابة الكرام، رضي الله عنهم، من أجل تعامل علمي” في المباحث التالية:

  • أولاً: البحث في الصحابة والبُعْد العقدي.
  • ثانيًا: مباحث الصحابة في كتب الأشاعرة.
  • ثالثًا: الشُّبه المثارة حول الصحابة: (محاولة للحصر).
  • رابعًا: قواعد في التعامل مع الشُّبه:

        -تحديد المصطلحات والمفاهيم (العدالة، والعصمة، فضل الصحابة).

        -تمحيص الشُّبه (رواية وتاريخا).

        -الرَّدُّ على الشُّبه بالنَّظر إلى بطلان حُجَّتها.

       -الرَّدُّ على الشُّبه بالنظر إلى واقع الصَّحابة البَشَرِي.

       -استحضار النَّزاهة، والموضوعية، وتقديم المبادئ على الأشخاص.

       -الرَّدُّ على الشُّبه بالنظر إلى الصراعات الإيديولوجية.

       -الانتباه إلى تعقد تحليل أحداث الفتنة.

بعد ذلك أعطى مسير الجلسة الكلمة للأستاذ الدكتور أحمد مونة، أستاذ بكلية أصول الدين، ومنسق ماستر الفكر الإسلامي والحضارة بالمغرب، بنفس الكلية، الذي عبَّر عن سعادته بوجوده بين هذه النخبة من الأساتذة والطلبة بمدينة طنجة التاريخية، وبالفضاء الرائع لخزانة المرحوم عبد الله كنون الحسني، فكانت مداخلته بعنوان: “نماذج من حجاج الصحابة، رضي الله عنهم، في بناء الأدلة وتصحيحها”.

تحدَّث بداية عن محور الشُّبه، وأورد تعريفاً عن مدلول الشبهة عند علماء المنهجية؛ حيث قال: “إن الشبهة هي اعتقاد ما ليس دليلا على شيء دليلا عليه”. وقال: إن الذي يقابل الشُّبه هو الدليل.

والشبهة إذا كانت مقابلة للدليل، فالشبهة ستنتهي إلى الحكم بالباطل، بينما الدليل ينتهي بالحكم، بالصدق والحق. وهذا التقابل في موضوع الشبهة والدليل، هو مقابلة بين حق وباطل.

وأشار إلى أن إثارة الشُّبهة حول موضوع الصحابة هو مَسٌّ بقيمة هذه الطبقة، والمسُّ بقيمتها معنويا يُسْقِطُ صورة الصحابي في اعتقاد المسلم.

كما تحدَّث عن مفهوم الخيريَّة، واستدلَّ بحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “خير القرون قرني  ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”، وقال: إن هذه الخيرية مبناها على الأنوار النبوية، وبالتالي لا يمكننا أن نمَسَّ هؤلاء الصحب الكرام بالشُّبه، وبما ليس بدليل.

وتحدَّث أيضا عن رواية الحديث عند الصحابة، وذكر أنه هناك من يشترط الصحبة الطويلة، وهناك من أضاف شرطا آخر؛ وهو الرواية ولو بحديث واحد.

ومثَّل لذلك بصحبة الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، للنبي، صلى الله عليه وسلم، فصحبته طويلة عميقة، أخذ منه السيرة العملية، ولكن مع قلة في رواية الحديث، فالأحاديث المروية عنه قليلة؛ ومنها حديث: “إنما الأعمال بالنيات”.

والمقصود الأعظم من صحبة النبي، صلى الله عليه وسلم، هو التبليغ (تبليغ الأحكام)؛ ليكون الصحابي عنصرا أساسيا في نقل سنة النبي، صلى الله عليه وسلم.

وقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، في سلوكه يقدم دروسا وعبرا في الحياة، فكان الصحابة، رضي الله عنهم، بمشاهدتهم له يأخذون هذه الأخلاق السامية عن طريق القدوة.

وأورد المحاضر قولا للسبكي في كتابه: (جمع الجوامع)، وهو: “والأكثر من العلماء السلف والخلف على عدالة الصحابة، فلا يُبحث عنها في رواية، ولا شهادة؛ لأنهم خير الأمة”.

 لأن الصحابة عاشوا زمن النبوة، وأخذوا من النبي، صلى الله عليه وسلم، ومنهم من طالت صحبتهم له، وبالضرورة طول الصحبة مع الألفة سيؤدي إلى اكتساب الأخلاق، وأخلاق الصحبة أخلاق النبوة، وأخلاق النبوة هي أخلاق الوحي، فالنبي، صلى الله عليه وسلم، كان خلقه القرآن كما كانت تقول بذلك أُمُّ المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، وبالتالي أخذ الصحابة منه هذه الأخلاق؛ لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان نموذجهم في الأخلاق عن طريق القرآن الكريم.

بعد ذلك ساق المحاضر كلاما للعلامة محمد بن الحسن البنَّاني المغربي (ت 1194هـ) في مفهوم العصمة من خلال حاشيته على شرح المَحَلِّي على جمع الجوامع: “وأن عدالتهم لا تستلزم عصمتهم”؛ أي: إن ما صدر من بعضهم من أمورٍ دنيوية، لا تمَسُّ بالقيمة المعنوية للصحابي، ولا يمكن أن تمَسَّ أيضا بصورة الصحابي، أو الصحابية، رضوان الله عليهم، في اعتقاد المسلم، وفي تديُّنه على أساس أن هؤلاء هم خير الأمم؛ كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: “خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”.

ثم تحدَّث عن الشاطبي (ت 790هـ) في كتابه: (الاعتصام) الذي ناقش فيه فنون البدعة، وأورد له قوله عن المصالح المرسلة: “هذا الباب يُضطرُّ إلى الكلام فيه عند النظر فيما هو بدعة، ولا ليس ببدعة، فإن كثيراً من الناس عَدُّوا أكثر المصالح المرسلة بِدَعاً، ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وجعلوها حجة فيما ذهبوا إليه من اختراع العبادات، وهذا مَدْخَلٌ للشُّبه”.

واستشهد بالمحاورة التي جرت بين الصديق والفاروق، رضي الله عنهما، بشأن جمع القرآن؛ حيث قال أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما: “كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله، صلى الله عليه وسلم!”. قال عمر رضي الله عنه: “والله إنه خيرٌ”.

بعد ذلك تحدَّث عن الإمام السَّرَخْسِي (ت 490هـ) الذي له باعٌ في علم الأصول، وأورد حديثا للنبي، صلى الله عليه وسلم: “اقتدوا باللَّذَيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر”، يقول هذا الإمام: “فظاهر الحديث يقتضي وجوب اتباعهما، وإن خالفهما غيرهما من الصحابة، ولكن يُترك هذا الظاهر عند ظهور الخلاف بقيام الدليل.

كما تحدث أيضا عن كتاب: (الإبهاج في شرح المنهاج)؛ لناصر الدين البيضاوي (ت 785هـ) في شأن الأخذ كذلك بقول الصحابي.

يقول: “الأخذ بقول الصحابي عند القائلين به ليس على سبيل التقليد بل هو أخذٌ بِمُدْرَك من المدارك الشرعية، فلا ينافي وجوب النظر والقياس؛ كالأخذ بالنص، فالصحابي لا يأتي بأقواله إلاَّ مؤسَّساً على دليل؛ لوجود مُدرك شرعي هو دليله في الحكم.

بعد ذلك استعرض الدكتور بدر العمراني مداخلته المعنونة بـــــ “قواعد لتفكيك الشُّبه المثارة حول الصحابة، رضي الله عنهم، نماذج تطبيقية” تناول فيها، مجموعة من القواعد لتفكيك الشبه المثارة حول الصحابة، رضي الله عنهم، وأبرز فيها عدة أمثلة، ونماذج تطبيقية لكل ذلك، انتقاها من كتاب: (الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب؛ لمؤلفه: عبد الباقي قرنة الجزائري)، ورتَّب  تلك القواعد على النحو الآتي:

  • القاعدة الأولى: كُلُّ شبهة مثارة فأُسُّها نَقْلٌ، وإلاَّ فِرْيَةٌ.

فذكر أن الكلام عن الصحابة الكرام، هو خوضٌ في تراث مضى، ولا يمكن إصدار حُكم أو إثبات قيمة أو إشهار طعن؛ إلا بعد إبراز الخبر الموثِّق للحدث والواقعة، عند ذلك يكون الكلام له أساسٌ يستند عليه، وبدون وجود الخبر الصحيح، أو النقل الموثوق به، فيكون المجال خصبٌ للكذب والافتراء.

  • القاعدة الثانية: إذا اتَّضَحَ النَّقل فالمعيار النَّقد.

وذكر فيها أنه حينما نقف على شبهة متعلقة بصحابي ما، فأوَّلُ خطوة نلجأ إليها هي: البحث عن أصلها، ولا أصل لها إلاَّ النقل، وهو الخبر، والخبر يحتمل الصِّدق والكذب، ولا يمكن حسم الاحتمال إلاَّ بتحكيم معيار النَّقد، والمقصود به النَّقد الحديثي.

  • القاعدة الثالثة: لا معتمد إلاَّ على السَّند.

وذكر فيها أن الخبر إذا وُجِد غير مسند، لا يُهتم به؛ لأنَّ المجال الأبرز لتطبيق مقياس ومعيار النقد الحديثي؛ هو: السَّند.

  • القاعدة الرابعة: لا اعتبار إلاَّ لما صحَّ من الأخبار.

وذكر فيها أنه إذا صحَّ سند الخبر، فعليه المعوَّل، أمَّا الضَّعيف فلا عبرة به.

  • القاعدة الخامسة: إعمال العقل بعد تصحيح النقل.

وذكر فيها أنه إذا صَحَّ الخبر، فللنَّظر مجالُ الحكم والتفسير والتَّأويل.

  • القاعدة السادسة: كل شبهة لها حظٌّ من النَّظر إلاَّ ما صادم الأصول.

وذكر فيها أنه قد يكون للشُّبهة أساسٌ تَستند عليه، وهو الخبر، وقد يصحُّ الخبر، لكنَّ مضمونه يصادم الأصول الشَّرعية من آي القرآن، أو صحيح السُّنة.

بعد هذه المداخلات الثلاث، فسح مُسَيِّرُ الجلسة المجال للطلبة والطالبات الحاضرين لإلقاء تساؤلاتهم واستفساراتهم، التي أجاب عنها الأساتذة الكرام.

وخُتِمت هذه الجلسة العلمية بكلمة عبَّر فيها الدكتور بدر العمراني، باسم مركز عقبة بن نافع الفهري للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين، عن شكره للأساتذة الكرام مشاركتهم القيِّمة، ولباحثي المركز الذين أسهموا في إعداد وتنظيم هذا اللقاء وإنجاحه، وشكر الطلبة والطالبات أيضا على حضورهم وحُسن اهتمامهم.

وفي الأخير سُلِّمت شهادات تقديرية للأساتذة المشاركين، تقديرا لجهودهم في إنجاح هذا اللقاء العلمي. وسلِّمت أيضا شهادات الحضور لجميع الطلبة والطالبات الحاضرين، وخُتم هذا اللقاء بآيات بينات من الذكر الحكيم من تلاوة القارئ: أحمد خرُّوب، والسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق