مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

تجديد الخطاب الديني في قضايا النساء ومسؤولية الفقيه. محاضرة للدكتور يوسف الكلام

نادية الشرقاوي

 

 


في سياق سلسلة المحاضرات التي ينظمها مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية استضاف المركز فضيلة الدكتور يوسف الكلام، وقد دار موضوع هذه المحاضرة حول تجديد الخطاب الديني في القضايا النسائية ومسؤولية الفقيه.

بداية بيَّن المحاضر أن وجهات النظر التي تحكم المشتغلين في قضايا النساء في المجتمعات الإسلامية مختلفة، فهناك جهة تنظر إلى قضايا المرأة الحالية من خلال وجهة نظر حداثية، تنطلق من دراسة الحالات الاجتماعية وتبحث عن الحلول الواقعية، وجهة أخرى ترى أن حال المرأة المسلمة المتردي اليوم لن يصلح إلا بالعودة إلى تعاليم الدين الإسلامي، فلا يمكن ربط هذه الحالة المزرية بالدين الإسلامي بسبب تواري مبادئ الإسلام ونظرياته من الساحة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعالم الإسلام، ومتى عادت مبادئ الإسلام وقيمه إلى المجتمع الإسلامي عادت المرأة من جديد إلى وضعها الراقي والمعتبر في المجتمع.

والحقيقة أن وضع المرأة لن يتحسن بقصر النظر على إحدى وجهتي النظر، لأن كلاهما يتحملان نسبة الفشل في إصلاح وضع المرأة، فالأولى لم تنجح لعدم أخذها بعين الاعتبار خصوصية المرأة المسلمة التي رغم تردي وضعها فهي لا تقبل بحل مشكلاتها خارج الشريعة الإسلامية، والثانية أرادت إعادة الماضي بثقافته وأعرافه وعاداته وتنزيله على واقع جديد مختلف تماما دون مراعاة لتطور المجتمعات والأفكار.

ولذا ينبغي مع هذه الأمور حسب المحاضر ضرورة البحث عن الحل وفي نفس الوقت البحث عمّن المسئول عن هذا الوضع؟ والذي يرى فيه المحاضر أن “الفقيه” هو الذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في تجديد الخطاب الديني ومراجعة الأحكام الفقهية الخاصة بقضايا النساء على ضوء مستجدات العصر وأخذا بمقاصد الشريعة وكلياتها الكبرى، بدل ركون “الفقيه” اليوم في قراءة الماضي وغيابه عن الساحة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الذي ينتمي إليه.

وإذا كان الباحث في العلوم الإسلامية عموما والفقيه المسلم اليوم على وجه الخصوص يتحمل مسؤولية حل مشكلات عصره، ومشكلات المرأة بالذات، فهذه الدعوة ليست بدعة، لأن الناظر في التاريخ الإسلامي وإلى فقهائه يجد أن الفقيه كان دائما ابن بيئته وعلى تواصل دائم ومستمر مع مجتمعه، يراعي ظروفه ويقدر حاجاته الاقتصادية والسياسية، ويجتهد فيما استجد من القضايا مخضعا أحكامه للظروف التي يعيشها، دون أن يخرج على الأصول الكبرى المؤسسة للإسلام ولا عن قيمه العظمى، المتمثلة أساسا في إقامة العدل وتحقيق كرامة الإنسان وإقرار مبدأ الحرية واعتماد مبدأ الرحمة أساسا ومقصدا في كل المعاملات.

 

ساق المحاضر مجموعة من الأدلة المهمة على الاجتهاد من التراث الإسلامي، ومن أمثلة ذلك قول الجويني في كتاب البرهان:«السابق وإن كان له حق الوضع والتأسيس والتأصيل، فللمتأخر الناقد حق التتميم والتكميل، وكل موضوع على الافتتاح قد يتطرق إلى مبادئه بعضُ التثبيج، ثم يتدرج المتأخر إلى التهذيب والتكميل، فيكون المتأخر أحق أن يُتّبع لجمعه المذاهب إلى ما حصل عليه السابق تأصيله. وهذا واضح في الحرف والصناعات، فضلا عن العلوم ومسالك الظنون وهذه الطريقة يقبلها كل منصف وليس فيها تعرض لنقض مرتبة إمام».

ومن أهم النقط التي أثارها المحاضر والتي يتحمل فقيه اليوم مسؤوليتها ضرورة القضاء على الفصل بين الشريعة والقانون قضاء تاما، والعمل على أن أحكام القانون هي أحكام الشريعة نفسها مادامت هذه الأخيرة هي المعتمدة بالأساس في وضع القواعد القانونية، فليس ثمة زواج شرعي وزواج قانوني بالنسبة للمسلم، ولا طلاق شرعي وطلاق قانوني، ما دامت كل القوانين في المجتمعات الإسلامية في قضايا الأسرة والأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة. وإذا اقتنعنا بهذا الأمر وأزلنا من تصوراتنا الذهنية أن الزواج أو الطلاق مثلا في المجتمع المسلم زواجان أو طلاقان أحدهما قانوني والآخر شرعي، ونفتي الزوجين أنهما من الناحية الشرعية متزوجان أو مطلقان وأنهما من الناحية القانونية غير ذلك، آنذاك سنحل نصف مشكلاتنا في قضايا الأسرة، ولعل هذه المشكلة؛ مشكلة التمييز بين الشريعة والقانون هي التي جعلت المغاربة بالخصوص لا يزالون رغم أن مدونة الأسرة جاءت بمستجدات واجتهادات فقهية مهمة، تختلط عليهم الأمور وتلتبس، فبعضهم يبدأ مسطرة الطلاق ثم يعدل عنها ويكون من الناحية القانونية غير مطلق لزوجته، لكنه إذا استفتى فقيها يخبره أن الطلاق من الناحية الشرعية واقع.

فإذا ركز فقيه اليوم الذي يعد مصدر ثقة بالنسبة للمجتمع على بيان أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح الناس، وأن قانون الأحوال الشخصية الذي وضع في الدول الإسلامية وضع لتحقيق الهدف نفسه، فإذا بينوا للناس أن الخضوع للقانون خضوع للشريعة، سيرتفع بدون شك التمييز بين الشريعة والقانون. 

في ختام هذه المحاضرة وضع المحاضر د. يوسف الكلام خمس نقاط لتحديد مسؤولية الفقيه المدرس للفقه:

أولا: ألا يدرس المسائل الفقهية على أنها مسائل قطعية لا تقبل المراجعة، ويعلم طلبته أنها مسائل بشرية اجتهادية كما بينا أعلاه يحق له أن يستدرك على أصحابها.

ثانيا: ألا يدرس المسائل الفقهية دون تعويد الطالب وتنشئته على ضرورة النظر في أدلتها وإرجاعها إلى الكتاب والسنة خصوصا وأن أصحاب المذاهب جميعا أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد دعوا تلاميذهم إلى مراجعة أقوالهم ونقدها وعرضها على النصوص المؤسسة.

ثالثا: عليه أن ينمي ملكة النقد والمراجعة للأفكار والأحكام وترسيخ في نفوس طلبته أن منهج النقد منهج إسلامي بنى عليه القرآن جميع أطروحاته العقدية والفكرية.

رابعا: ألا يدرس المسائل الفقهية بعيدا عن المقاصد الكبرى من تشريعها المتمثلة في إحقاق الحق وإبطال الباطل وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية

خامسا: ألا يدرس المسائل الفقهية دون اعتبار لمآلات الأحكام المستنبطة منها.

 

 

نشر بتاريخ: 27 / 10 / 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق