مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

الدكتور عدنان أجانة يحاضر بموضوع: «الدرس النحوي في سبتة: قضاياه وأعلامه»

نظم مركزُ ابنِ أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية يوم الاثنين العاشر من رجب لسنة 1440 هـ، الموافق للثامن عشر من أبريل لسنة 2019 م، محاضرةً في موضوع «الدرس النحوي في سبتة: قضاياه وأعلامه»، ألقاها الدكتور عدنان أجانة، الأستاذ في كلية الآداب بتطوان.

وهذه المحاضرة تأتي في سلسلة المحاضرات التي انتدَبَ المركزُ لتنظيمها لفائدة الأساتيذ والباحثين المشتغلين بالعربية وعلومها. فكان صَرْفُ النظرِ في هذه المحاضرة إلى ما يتصل بما عليه سُمي المركزُ، وهو الأستاذ أبو الحسين ابنُ أبي الربيع السبتي، إذ انتهت إليه إمامة النحو في سبتة في القرن الثامن الهجري.

وقد افتتحها الدكتور عبد الرحمن بودرع بكلمة بين يدي الحاضرين مرحّبا بهم عن عناية أهل الأندلس عامة وأهل سبتة خاصة بالنحو واللغة والأدب وغيرها من علوم العربية، مع اشتداد حرصهم على قراءة وإقراء الكتب الأصول في ذلك، ككتاب سيبويه وجمل الزجاجي وإيضاح أبي علي الفارسي وأمالي أبي علي القالي وأمثال أبي عبيد القاسم بن سلام ومقامات الحريري وغيرها. كما عرّج في حديثه على تطور الدرس النحوي في الأندلس وامتداده في سبتة، ليختم كلمته على أنها مدخل يمكن أن يؤدي إلى تعميق النظر في حركة النحو واللغة والمعاجم والتصريف وشرح الشعر وغير ذلك.

بعد ذلك ابتدأ الدكتور المُحاضر عدنان أجانة حديثه ببعض الإشكالات التي تُفهم علة إقامة هذه المحاضرة، ولماذا اختُصت بها سبتةُ دون الأمصار، وهل كان لها درس نحوي استحق التنويه والإفراد بالحديث. ومعظم حديثه دائر حول القرن الثامن الهجري، فقد ذكر أنه ترددت فيه عبارتان على ألسنة العلماء:

* الأولى أطلقها ابنُ الفخّار أستاذُ لسان الدين ابن الخطيب، وهي قوله: «نُحاة سبتة». وتحيل على طائفة من النحاة لها مَنزع في النحو وآراء واختيارات.

* والثانية عبارة لسان الدين ابن الخطيب في معيار الاختيار، وهي قوله عن سبتة: «بصرةُ علوم اللسان وصنعاءُ الحُلَلِ الحِسان». وفيها تشبيه سبتة بالبصرة في النحو وبصنعاء في اللباس.

وفي سبتة قال البَكري في المسالك والممالك، كما جاء على لسان المحاضر: «لم تزل سبتةُ دارَ علم».

بعد هذا المدخل المُعَرِّفِ بمكان سبتة من الدرس النحوي، انتقل المحاضر إلى الحديث عن بعض جوانب الدرس النحوي في سبتة جاعلَها في عناوين مستقلٍّ بعضُها عن بعض، ومُفْضٍ بعضها إلى بعض. فتحدث عن البدايات الأولى للدرس النحوي في سبتة. وقد ذكر أنها كانت في القرن الرابع الهجري مع حسين بن فتح النكّوري الذي توفي في هذا القرن، وهذه البدايات هي امتداد لما وصل إليه الدرس النحوي في الأندلس عامة.

بعدها ذكر المحاضر بعض الأسباب التي أسهمت في هذا الحضور الكبير للنحو في سبتة، فذكر من بينها:

– موقعها على بحر الزقاق، وتوافد الجالية الأندلسية عليها، لا سيما في القرن الثامن والتاسع الهجري، أي بعد سقوط إشبيلية، حيث انتقل أعلامها وعلماؤها إلى سبتة، وفي ذلك استشهد بمقولة ابن خلدون: «وألقت الأندلس أفلاذ كبدها إلى سبتة».

– رعاية أمرائها وولاتها للعلم والمعرفة.

– خزانة العلوم التي كانت بسبتة، وخصوصا ما يتعلق منها بالجانب النحوي.

– البيئة الاجتماعية الحاضنة للعلم، إذ كانت تتداول أخبار النحو والنحاة.

أما عن التأليف، فقد ذكر المحاضر أنها كانت تأليفاتٍ نوعيةً في موضوعاتها ومادتها، وفي أغراضها ومقاصدها. وقد عرض لكل ذلك بما يلي:

• الموضوع والمادة:

وتحته نمطان من التأليف:

1- مؤلفات مقيدة بكتاب من الكتب النحوية المتداولة: منها شروح  كتاب سيبويه، فقد شرحه ابنُ هشام اللخمي وابنُ أبي الربيع السبتي. ومنها كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وقد شرحه إبراهيم بن عبد العزيز القيسي، وشرحه أيضا ابنُ أبي الربيع السبتي. وكذلك كتاب الجمل للزجاجي، شرحه ابن هشام اللخمي وأبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي تلميذُ السُّهَيْلِي، ولابن أبي الربيع السبتي شرح عليه  سماه «البسيط»، وله شرح آخر متوسط، وشرحه أيضا أبو إسحاق الغافقي تلميذُ ابن أبي الربيع السبتي. وكذلك التسهيل لابن مالك، فقد شرحه محمد بن علي بن هانئ اللخمي الإشبيلي، وشرحه أيضا الشريف السبتي. ومنها المختصرات، كاختصار شرح الإيضاح واختصار كتاب القوانين النحوية لابن أبي الربيع السبتي.

2- مؤلفات مطلقة غيرُ مقيدة بكتاب: منها رسائل وتنبيهات، كالتنبيه على أغلاط الزمخشري في المفصل ليوسف بن إبراهيم القيسي السبتي، والتقييد الذي كتبه ابنُ أبي الربيع السبتي لمسألة «كان ماذا؟» في المناظرة المشهورة بينه وبين مالك بن المرحل.

• الأغراض والمقاصد:

وتحتها نمطان أيضا:

1- نمط علمي: شرح البسيط، والكافي في شرح الإيضاح، كلاهما لابن أبي الربيع السبتي. وفيهما مناقشة وبسط في العبارة وترجيح وردّ واعتراض وتوجيه ومناظرة.

2- نمط تعليمي: نجد فيه المختصرات، ككتاب الملخص في ضبط قوانين العربية. وهو كتاب تعليمي مبناه على تحرير العبارة وتقريبها.

وأمّا عن قضايا التدريس، فإنه كانت له عناية خاصة في سبتة، فقد ذكر المحاضر فائدةً عليها دار معظم النقاش بعد فراغه من المحاضرة، وهي أن مدرس النحو في سبتة الماهرَ فيه كان يُنعت بالأستاذ، وقد أورد كلمة للقفطي في ذلك، قال فيها: «ولا يُلقب أحد ببلد الأندلس بالأستاذ إلا النحوي الأديب».

ثم ذكر أعلاما من نحاة سبتة ممن لُقب بهذا اللقب، منهم ابن هشام اللخمي وأبو عبد الله ابن المحلي وابنُ أبي الربيع السبتي وابن عبيدة الإشبيلي وأبو إسحاق الغافقي وعبد المهيمن الحضرمي والشريف السبتي وغيرهم. وذكر أن ابنَ الفخّار شيخَ لسان الدين ابنِ الخطيب كان إذا أطلق لقب الأستاذ في كتبه ولم يقيده، انصرف إلى ابن أبي الربيع السبتي.

من ثَمَّ انتقل في حديثه إلى عناية نحاة سبتة واهتمامهم بكتاب سيبويه وجمل الزجاجي وإيضاح أبي علي الفارسي، فإنهم كانوا لمكان هذه الكتب منهم يروُونها ويدرسونها بالأسانيد، بل كانوا يحفظونها كلها، أو يحفظون قسما منها. وقد ساق في ذلك جملة من الأخبار عن طائفة من العلماء ممن درّسها لطلابه بسبتة.

ومن جهة التدريس في سبتة، فقد خصص له المحاضر مبحثا أورد فيه طائفة من مواضع التدريس وطرائقه التي كانت معروفة في سبتة حينئذ، فأما المواضع فهي ثلاثة: البيت، وممن درّس فيه ابنُ أبي الربيع السبتي. ثم المساجد، وقد ذكر منها مسجدَ القفّال، وممن درّس فيه ابنُ أبي الربيع السبتي والغافقي وابنُ هانئ، وكذلك مسجد رحبة الوزان ومسجد مقبرة زغلو ومسجد زقاق الفضل ومسجد القاضي عياض، وممن درّس فيها أبو بكر ابن عبيدة. فالمدارس، ومنها المدرسة الشارية، وقد درّس فيها مؤسسها أبو الحسن الشاري كتابَ سيبويه، وكذلك تلاميذ ابن أبي الربيع، ثم المدرسة الجديدة، وقد بُنيت زمن أبي الحسن المريني.

وهذه المواضع كلها كانت تُعقد فيها مجالسُ التدريسِ وحِلَقُ الحفظِ والمذاكرةِ، وتُدُووِلَتْ فيها الكتبُ الأصولُ في النحو واللغة والأدب وغيرها قراءة وإقراءً، وتواتر فيها جمع من العلماء الذين استوطنوا سبتة.

أما من حيث طرائقُ التدريس، فقد ذكَر بعضها مما كان عليه الناس في الطلب، ومنها:

* التأديب: والغالب فيه أنه كان خاصا بأولاد الوزراء والأعيان. ومن المؤدِّبين حسين بن فتح النكّوري في القرن الرابع الهجري.

* الملازمة: بأن يُلازم الطالب شيخه مدة يأخذ عنه العلوم والمعرفة.

* التخرّج: وهو كالإجازة، شهادة استحقاق من الشيخ لطالبه في علم مخصوص.

* التفقه: مرتبة زائدة على الدراسة تقتضي من الطالب الوقوف على العبارة والتدقيق في المصطلحات واستحضار الخلافيات وما يكون مع ذلك من التعليل والتوجيه والترجيح والتصحيح.

* التمرّن: وهو التطبيق النحوي ومعاناة أوجه الأعاريب.

* التفرغ: الانكباب على درس النحو وتدريسه وخدمة مسائله.

* المناظرة في النحو: ضرب من التعليم وطريقة من طرائق الدراسة، لا سيما في الكتب الأصول.

بعد ذلك انتقل المحاضر إلى بيان عبارة ابن الفخّار، وهي قوله: «نُحاة سبتة». فذكر أن المقصود بهم ابنُ أبي الربيع السبتي وتلامذته، فقد كانت لهم اختيارات وترجيحات وتصويبات في قضايا نحويةٍ متعددةٍ أغنوا بها الدرس النحوي وخدموا بها مسائله وأبوابه، ومن ذلك ما ذكره من عقد بعض المجالس في سبتة مما كان الحديث فيها يدور حول النحو، فتقع فيها بعض الاختيارات والترجيحات التي قال بها نحاة سبتة. ومن هذه الاختيارات التي أوردها المحاضر في سياق حديثه، ما يتعلق بقولهم: حبّذا. فقد اختاروا فيه كونَه اسما مركبا في موضع رفع بالابتداء، وخبره ما بعده.

وهذه المجالس تبرز لنا المكانة التي وصل إليها الدرس النحوي في سبتة على ذلك العهد، فقد كان حديثَ القوم في مجالسهم ومسامراتهم، بل وفي أسواقهم وحياتهم الاجتماعية عامةً أيضا.

وقد ختم المحاضر حديثه في هذه المحاضرة بهذه المجالس التي كانت تُعقد، مما يبيّن لنا ارتباطهم الشديد بالنحو وحاجة الدرس النحوي إلى إمام أكبر يتوّج هذا المسار العلمي ويحيطه بالعناية، وهو ما فعله ابن أبي الربيع السبتي في خلال أربعين سنة تدريسا وتأليفا، فقد درّس أجيالا من طلبة سبتة وتخرّج على يديه جمع غفير منهم ممن استمر بعده في نفس المسار، وألّف كتبا قيّمة يدور موضوعها حول أصول النحو التي كانت متداولة في سبتة، وهي كتاب سيبويه وجمل الزجاجي وإيضاح أبي علي.

بعدها ألقى الأستاذ عبد الرحمن بودرع كلمة ختامية عن عناية العلماء العرب عامة بلسانها، وأن هذا الصنيع لا تجده عند أمة من الأمم، ذاكرا أن الدرس النحوي في سبتة هو امتداد لما كان في الأندلس  بعد سقوط إشبيلية، خاصة في القرن الثامن الهجري.

وقد جرت بعد ذلك مناقشة علمية لمَا جاء في خلال المحاضرة، شارك فيها مجموعة من الأساتيذ الذين حضروا، وقد دار معظم حديثها عن عبارتي ابن الفخار ولسان الدين ابن الخطيب اللتين بهما افتتح المحاضر حديثه، وكذلك ما اصطلحوا عليه من أنه لا يُلقب بالأستاذ إلا مَن كان نحويا أديبا، ثم ما كان مِن جهود العلماء في سبتة في إثراء وخدمة الدرس النحوي، وخاصة ابنَ أبي الربيع السبتي الذي كان له فضل كبير في جميع ذلك.

كتبه: سليمان المساتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق