الرابطة المحمدية للعلماء

البيان الختامي لمؤتمر تفكيك خطاب التطرف

الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:

فتعزيزاً للمبادرات التي تهدف إلى تجلية الجوهر الخالص لديننا الحنيف، وتنقيته من الشوائب التي يروم إلصاقها به الغالونوالمبطلون،وفي ظل سياق إقليمي ودولي مشحون بالتوتر وتصاعد وتيرة العنف والتطرف والإرهاب، اتفقت الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية، مع رابطة العالم الإسلامي في المملكة العربية السعودية، على تنظيم مؤتمر دولي في موضوع: “تفكيك خطاب التطرف”، مؤتمرٍ كان من حُسْن يُمنه، أن سربله بكرم رعايته السامية مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده،وذلكفييومي الثلاثاء والأربعاء19-20 شوال 1439هـموافق 03-04 يوليو 2018م، بمدينةالرباط-المملكة المغربية.

وقد رام هذا المؤتمر الفهم والتفسير لظاهرة التطرف العابرة للقارات والثقافات، والأمم والأديان، بطريقة منهاجية عن طريق رصد مختلف محدداتها وأبعادها، سعياً في بلورة ما يلزم من آليات تساهم في التقليل من الآثار المدمرة المبيرة لهذه الآفة على مختلف الصعد؛ التربوية منها، والعلمية، والتعليمية، والدعوية، والمعرفية، في استحضار لهذه الآثارالتي تنداح نحو الأبعاد السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والنفسية، والأمنية، وذلك بمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين منالمملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، وغينيا كوناكري، ولبنان، والعراق، وأرتيريا، وسوريا، وموريتانيا.

وقد استهلت أشغال المؤتمر بجلسة افتتاحية رئيسها فضيلة الأمين العام للرابطة المحمدية أ.د/ أحمد عبادي،وألقى فيها سعادة الأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي، الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزيد كلمة الرابطة، نيابة عن معالي الأمين العام معالي الشيخ أ.د/ محمد بن عبدالكريم العيسى.

ثم تحدث معالي الأمين العام لمنظمة الإيسيسكو الدكتور عبد العزيز التويجري، تلاه فضيلة أ.د/ سعد بن علي الشهراني الأمين العام للهيئة العالمية للعلماء المسلمين، بإلقاء كلمة الهيئة، ثم تحدث نيابةً عن ضيوف المؤتمر فضيلة د/أحمد حسن الطه كبير علماء المجمع الفقهي العراقي.

إثر ذلك انطلقت أعمال المؤتمر، وفق البيان الآتي:
المحور الأول: مداخلات تأطيرية حول تفكيك خطاب التطرف؛
المحور الثاني: المرتكزات الفكرية للمتطرفين وتفنيدها؛
المحور الثالث: التطرف الطائفي وخطورته؛
المحور الرابع:في محورية المداخل العلمية لمواجهة التطرف وتفكيكه؛
المحور الخامس: دور علم المقاصد في تفكيك خطاب التطرف؛
المحور السادس: استراتيجيات التحصين والوقاية من التطرف؛

وقد تلت هذه الجلسات ورشتان علميتان؛ الأولى: وعنيت باستراتيجية مواجهة التطرف، وبلورة توصيات بهذا الشأن. والثانية: عنيت بالتطرف: العقبات وسبل المواجهة، وبلورة توصيات بهذا الشأن.

وقد عمل المنتدون على مقاربة موضوع التطرف، من مختلف الجوانب؛ الدينية منها، والتربوية، والتشريعية، والسياسية- والاقتصادية، والنفسية، والأنثروبولوجية، والتاريخية، رصداً لواقع الخطاب المتطرف، وبحثاً في حفرياته، واستجلاء للآثار المستقبلية التي يمكن أن تنجم عنه في استباق استشرافي، يوطن لخطاب الوسطية والاعتدال.

وقدأجمع المشاركون على وجوباعتماد مقاربة متدامجة وشاملة ومتكاملة،لمحاربة خطاب التطرف، وتفكيك بنيته، مقاربة تجمع بينالمعالجة الدينية المستلهمة لروح القرآن المجيد، ومقاصده السامية، الداعية إلى إعمال النظر العقلي؛برهاناً للإيمان وللفعل الحضاري الراشد والمسؤول في التاريخ، مصداقا لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) (الإسراء: 36).،في استحضار لضرورة المعالجة المضمونية، القادرة على تفكيك خطاب التطرف، وتعزيز الخطاب الوسطي الأصيل، الذيينبني على الأصول المعتبرة في شريعة الإسلام، وينطلق من الرؤية الكلية للعالم كما حددها الوحي الخاتم، في القرآن الكريم والسنةالنبويةالشريفة.

وقد خلص المؤتمر إلى جملة من النتائج والتوصيات، أهمها:

– إنشاء مرصد يعنى بالرصد والتتبع المستدامين، لما يروج له دعاة التطرف، من خطابات ودعاوى، وتفكيكها ودراستها، قصد التأسيس على نتائج ذلك، لبيان زيف تلك الدعاوى وإنتاج الخطاب المتجاوِز البديل.

– ضرورة الإفادة الممنهجة من الجهود الحثيثة التي تقوم بها المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، في مجال مكافحة التطرف والإرهاب والتكفير.

– المزيد من العكوف على تعزيز البناء والتجلية للمضامين الدينية الصحيحة، وتوضيحها، والعمل على تفكيك المقولات الباطلة ونقضها؛ في تحديد مُبلِجٍ للمفاهيم، ومراجعة شاملة للقضاياوالمناهج، تحصيناً من ذرائع الزيغ والانحراف والجمود.

–  تعزيز الدور المحوري للمؤسسات الدينية الأصيلة، في تأهيل العلماء، ولا سيما الشباب منهم.

–  الاعتماد الممنهج للتثقيف الافتراضي، وذلك ببناء مواقع ومنصات تفاعلية للتواصل الاجتماعي، لتثقيف بديل عما تروجه قنوات التطرف العنيف والرعب.

– تقوية قدرات القادة الدينيين من الشباب،وتنمية المهارات التي تمكنهم من بناء خطاب ديني إيجابي معتدل، يقوم على الفهم الأصيل لدين الإسلام، في مقابل خطاب الحركات الإرهابية المبني على التطرف العنيف.

– الجمع والتصنيف للمعطيات والبيانات المتصلة بخطاب التطرف العنيف،من أجل القيام بتحليل مضامينه، والعكوف على تفكيك مفاهيمه، وإنتاجخطاببديل قويم، وفق الأسس العلمية الشرعية المعتبرة.

– المزيد من الاشتغال والعكوف على بناء القدرات والكفاءات لدى العاملين بالمؤسسات الدينية، بالشكل الذي يؤهلهم للمنازلة الفكرية والمضمونية، لمختلف خطابات الغلو والانغلاق.

– العناية ببث المعرفة الدينية الآمنة، عبر منصات رقمية علمية، خصوصاً بين صفوف الشباب والأجيال الناشئة، من أجل قطع الطريق أمام المتطرفين.

– الاهتمام المنهاجي بالطفولة واليافعين، عبر الوسائط والوسائل التي تناسب اهتماماتهم ومستوياتهم العمرية.

– إنشاء شبكة من الباحثين المهتمين بقضايا تفكيك الخطاب؛ليستمر البحث في المواضيع والقضايا ذات الصلة.

– عقد ورشات منتظمةفي مجال تفكيك الخطاب،تنفتح على مختلف التجارب والكفاءات العلمية المؤهلة في هذا المجال.

– وجوب التشمير للتعجيل بإخراج معجم لمفاهيم القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، يُبرِز مدلولاتها بطريقة نسقية ممنهجة، تستجيب لمتطلبات السياق المعاصر.

– وضع مخطط علمي لأهم القضايا والإشكالات، والمحاور ذات الأولوية في مجال تفكيك خطاب التطرف، وتوجيه الباحثين بعد تأطيرهم لتسجيل بحوث وأطاريح جامعية حولها.

– السعي في إطلاق شراكات تعاون، مع وزارات التربية والتكوين، تمكن من الإسهام في التأطير العلمي الممنِّع والمحصِّن للشباب واليافعين والأطفال، في إطار الحياة المدرسية، والأندية المدرسية، والأنشطة الموازية.

– التأكيد على ضرورة التصدي للتطرف الطائفي، وخطورة خطابه، على وحدة الأمة الإسلامية، وترابط أجيالها المتعاقبة، عبر مسيرتها التاريخية الطويلة.

– إيلاء ما يلزم من العناية المنهاجية، لإعادة تجلية ما اندرس من معالم البناء التكاملي والعضوي لدين الختم، وسكب ذلك في البرامج والمناهج التكوينية، استنانا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي كان يشيع هذا الوعي بأنفاسه الشريفة، كقوله صلى الله عليه وسلم: “لتُنقَضَنّ  عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبت الناس بالتي تليها: أخرجه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان بسند جيد.
وقوله صلى الله عليه وسلم:”بني الإسلام على خمس” متفق عليه.

وحديث جبريل عليه السلام، الذي رواه الشيخان، والذي فيه بيان طبقات صرح الدين المتكاملة، من إسلام وإيمان وإحسان، وغيرها من الأحاديث التي تجلي هذا المعنى الوظيفي المبارك.

– الاهتمام بدراسة فترة السابقين الأولين، لتجلية الجيل المحمدي المؤسس، حتى  تتبين معالم الصواب في التدين من خلال ممارساتهم المباركة، والتي تعبّر عن حالة السواء التي ينبغي أن يرد إليها ما عداها. مما من شأنه الإسهام الفاعل في تفنيد ادعاء المتطرفين لامتلاك مفاتيح المنهج الأصفى للتدين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق