الرابطة المحمدية للعلماء

اختتام فعاليات الملتقى الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة 2016

اختتمت  مساء الاثنين 19 دجنبر 2016، بأبو ظبي، فعاليات الملتقى السنوي الثالث لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، حول موضوع: “الدولة الوطنية في المجتمعات المسلمة”، التي  دامت على مدى يومين، تحت رعاية سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وذلك بحضور  ما يزيد عن 400 من العلماء، والأكاديميين، والباحثين، والمسؤولين الرسميين، وزراء وغيرهم، من القارات الخمس، والذين أغنوا أشغال الملتقى بأوراقهم العلمية، ومناقشاتهم ومداخلاتهم.

وقد شدد المشاركون على أن جوهر تجديد الخطاب الديني إنما يكمن في صياغة المفاهيم صياغة مستقلة مبتكرة أو مراجعة المفاهيم المعتمدة في المجالات المستهدفة وما يتولد عنه من الأحكام لتهذيبها وعرضها من جديد على أصولها من جهة وعلى النتائج من جهة أخرى مما قد يؤدي إلى تحويرها أو تغييرها أو تطويرها أو تعديلها وتبديلها.

ونوه المشاركون إلى أن طبيعة الرسالة المحمدية باعتبارها الرسالة الخاتمة اقتضت أن تتسع أصولها ومقاصدها للبشرية جمعاء وأن تترك للعقل والرأي والتجربة الإنسانية النصيب الأوفر في تدبير ما الأصل فيه التغير والتطور كمسائل الدولة ووظائفها ومؤسساتها دون التغافل عن حقيقة أن كثيرا من الباحثين تربكهم العلاقة بين الديني والدنيوي والإحالة المتبادلة فيما بينهما في الإسلام لضعف معرفتهم بطرق الاستنباط من النصوص ومقاصد الشريعة وأدوات التنزيل في السياقات الزمانية والإنسانية فيقتصرون على ظواهر من النصوص دون مقاصد وعلى فروع بدون قواعد فيدخلون في خصومة مع كل واقع يتجدد.

وكان الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم، قد قدم في كلمته الافتتاحية، دراسة علمية مؤصلة بعنوان “دولة الخلافة هي صيغة حكم غير ملزمة للمسلمين”، أكد فيها أن مما يستدعي تجديد الخطاب الديني مع إدراك الصعوبات التي تعترض ذلك، ومن أخطرها تحريف المفاهيم لعدم استيعاب أصولها الأولى، أو للجهل بالشروط الزمانية والمكانية التي تعيد صياغة المفهوم، ومن ثم فإنه لا أمل في إيجاد بيئة ملائمة لتحقيق ثقافة السلم من دون تحرير المفاهيم.

وتوزعت أشغال المؤتمر بعد الجلسة الافتتاحية إلى ست جلسات علمية، كان موضوع الجلسة العلمية الأولى، التي أدراها الدكتور داوود عبد الحفيظ هايل، وزير الأوقاف الأردني الأسبق، هو قضية الدولة في الفكر والتجربة التاريخية الإسلامية، شارك فيها الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، والدكتور رضوان السيد عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، والأستاذ بالجامعة اللبنانية، الذي رصد “موضوع الدولة في الفكر والتجربة التاريخية للأمة” والدكتور زيد بوشعرا أستاذ المقاصد وأصول الفقه بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة في المغرب، وعضو اللجنة العلمية لمنتدى تعزيز السلم، والدكتورة منى حسن الأستاذة في جامعة كاليفورنيا.

وتناولت الجلسة  العلمية الثانية موضوع “إسلامية الدولة”، وشارك فيها كل من الدكتور عبد المجيد الصغير،  عضو اللجنة العلمية لمنتدى تعزيز السلم، وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس وبمؤسسة دار الحديث الحسنية في الرباط بالمغرب، والدكتور عبد الناصر أبو البصل رئيس الجامعة الإسلامية العالمية في العاصمة الأردنية عمان سابقا، والدكتور أحمد الخمليشي مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، والدكتور هاني عبد الشكور الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز في السعودية، وأدارت الجلسة الدكتور عزيزة الهبري المفوض بلجنة الولايات المتحدة الأمريكية للحريات الدينية الدولية.

وعرضت الجلسة العلمية الثالثة للملتقى، موضوع “الدولة الوطنية: المفهوم والسياق” وتحدث فيها السيد علي الأمين عضو مجلس حكماء المسلمين، والدكتور نبيل فازيو الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس في الرباط، والدكتور أماني لوبيس عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، نائبة رئيس مجلس علماء أندونيسيا، والدكتور عبد الإله بلقزيز أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء بالمغرب.

وكان موضوع الجلسة العلمية الرابعة للملتقى “الدولة الوطنية وتعزيز السلم”، وقد  شارك فيها الدكتور عبد الله السيد ولد أباه عضو مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم، وأستاذ الفلسفة بجامعة نواكشوط في موريتانيا، والدكتور عبد السلام الطويل رئيس تحرير مجلة “الإحياء”، والأستاذ الزائر بكلية الحقوق، بمدينة سلا، المغرب، والدكتور عبد الله الجديع المستشار الشرعي لمسجد مدينة ليدز الكبير في بريطانيا.

وكانت فعاليات اليوم الثاني قد استهلت بجلسة علمية نقاشية، تحدث فيها الدكتور جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأمريكي، عن “دور الدين في المجتمعات المسلمة” مع رصد لتمظهراته،  والدكتور حمزة يوسف نائب رئيس منتدى تعزيز السلم رئيس كلية الزيتونة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، الذي أكد على أن التغيير الجذري لا يأتي إلا من خلال تغيير الاعتقادات والمفاهيم، مقدما عرضا علميا حول التشوهات التي عرفتها العددي من المفاهيم، وكيف تم البناء على هذه التشوهات أفكار وأفعال  أدت إلى حروب لا إلى سلم.

وكان موضوع الجلسة العلمية الخامسة، تجربة دولة الإمارات في تعزيز السلم، قدمت فيها الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة الدولة للتسامح، عرضا أكدت فيه إن الدولة قامت على أسس متينة وثوابت راسخة مبنية في علاقاتها مع مختلف الدول والجنسيات والثقافات والأديان على أساس الاحترام المتبادل. مؤكدة أن دولة الإمارات تؤمن ببناء الإنسان والإنسانية، وتحرص على قيم التسامح والإخاء والاحترام المتبادل والتعاون مع الآخرين، كأطر مرجعية ومنطلقات وطنية ثابتة تحافظ على النسيج الاجتماعي والتوافق المجتمعي، وتضمن الأمن والاستقرار والسلم الإقليمي والعالمي.

وفي نفس الجلسة تناول محمد مطر الكعبي، الأمين العام لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ منهج الوسطية والتسامح، قولا وفعلا، والتواصل مع مختلف الثقافات، وترسيخ التعايش، ومواجهة الأفكار المتشددة. مذكرا بقانون تجريم ازدراء الأديان الذي أصدرته الدولة عام 2015 للحفاظ على كرامة الإنسان، ومنع الإساءة إلى أي دين من الأديان.

وعرفت جلسات الملتقى عقد جلسة علمية سادسة وأخيرة خصصت لمناقشة إعلان مراكش للأقليات الدينية في البلاد الإسلامية، ترأسها الدكتور وليام فندلي من منظمة أديان بلا حدود، واستهلها السيد ثيودور إدغار ماكاريك أسقف واشنطن السابق، والبروفيسور عبد الحكيم جاكسون، عضو مجلس حكماء المسلمين الأكاديمي بجامعة ميتشيغا، والدكتورة معالي منزيلا من اندونيسيا، والدكتور هشام هيلر الأكاديمي والباحث البريطاني.

وأكدت الجلسة  السادسة أن إعلان مراكش للأقليات الدينية في البلاد الإسلامية يحمل قيمة ومعان عظيمة ويسلط الضوء على سماحة الإسلام، ويدعو العالم في الوقت نفسه إلى بناء مواثيق مهمة في التسامح والتصالح والتعايش السلمي وتعزيز مبدأ الحقوق والواجبات على أساس متين .. ودعت المسلمين إلى الأخذ به كطريق لهم في بناء علاقات عالمية تظهر محاسن الإسلام.

يشار إلى الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه، أشار في كلمته الختامية، أن منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ناقش على مدى يومين موضوعا مهما، وهو الدولة الوطنية التي لا يجوز نزع الشرعية عنها، فهي موافقة لمقاصد الشريعة في النظام والانتظام.

وخلص المنتدون إلى بيان ختامي تلاه على الحضور الأستاذ الدكتور أحمد السنوني، منسق اللجنة العلمية لمنتدى تعزيز السلم، دعا  من خلاله إلى وقف تدمير الإنسان والعمران واعتماد السلم وما ينشئه من بيئة التعارف والتوافق والوئام والعيش المشترك، وكون هذا القبول تعدى المجتمعات المسلمة إلى أمم مختلفة.

وقد جاء التحذير في البيان الختامي من خطورة ظهور مصطلحات ومفاهيم ملتبسة عند المسلمين في العصر الحديث، نشأت في أجواء ردود فعل وإحباط بناء على خلفيات علمية لم تحترم الأصول الصحيحة للتراث، كإسلامية الدولة مقابل العلمانية، والخلافة أو الإمامة في مقابل الدولة الوطنية، حتى صارت تلك المصطلحات والمفاهيم تلقائية ومتغلبة وكأنها حقائق علمية. وانتقد المنتدى أقوال المنحرفين بعدم مشروعية الدولة الوطنية المسلمة، وما يستتبع ذلك من تجريح يصل إلى إهدار حرمة الأوطان، وعصمة نفس الإنسان، وهدم البنيان وشغل الأمة عن كل أمر ذي شأن.

كما أشار أشار البيان إلى تركيز المنتدى على قضايا مسألة السلم بين المعوقات والفرص، وتصحيح المفاهيم ذات العلاقة بالدولة في المجتمعات المسلمة، وإعلان مراكش: شهادات وإشادات، وتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في التسامح.

وحسب البيان الختامي فإن الدول الوطنية التي نشأ أغلبها بعد جلاء المستعمر عن ديار المسلمين في ظروف متباينة وبأشكال متعددة والتي يعتبر الإسلام دينا لأغلبيتها، دول شرعية بالمعنيين القانوني والديني، وأنه لا يقدح في شرعيتها ما ورد من النصوص والممارسة التاريخية. كما استنتجوا أن الشروط النظرية التي تشترط وحدة الأمة في كيان واحد وتحت سيادة واحدة تعتبر خارج السياق الزمني.

وانتهى المنتدى إلى إصدار توصيات توصلت إلى أن معضلات الأمة الإسلامية لن تجد لها حلولا في معزل عن دينها الذي ارتضاه الله لها بالأدلة البينات والحجج الواضحات بشرط سلامة منهج التعامل مع النصوص وعمق الفهم لمقاصد الشريعة وحسن تنزيل الأحكام الشرعية على واقع اتضحت معالمه واستوعبت عناصره وأبعاده.

يشار إلى اللجنة العلمية لـ”منتدى تعزيز السلم”، إلى جانب الدكتور أحمد السنوني، منسق اللجنة، يشارك في عضويتها ثلة من الأساتذة المغاربة وهم: الدكتور يوسف حميتو، والدكتور عبد الحميد عشاق، والدكتور زايد بوشعرا، والدكتور عبد المجيد الصغير، والدكتور إبراهيم مشروح.

ويذكر أن الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، كان قد كرّم مبادرة “المنصة المتعددة الأديان من أجل السلام” بجمهورية أفريقيا الوسطى الفائزة بجائزة الإمام الحسن بن علي الدولية لتعزيز السلم التي تمنح لأكثر المؤثرين في صناعة السلم العالمي حول العالم، وذلك على هامش الملتقى الثالث في أبوظبي.

وجاء منح الجائزة لهذه المبادرة على ضوء دورها في إعادة لحمة المجتمع وترسيخ قيم السلم بوسائلها الذاتية والتواصل المباشر مع المواطنين بعد الحرب الأهلية التي شهدتها جمهورية أفريقيا الوسطى منذ العام 2012 من خلال شبكة من المساجد والكنائس المنتشرة في أرجاء الجمهورية.

ومن القيادات الرمزية المؤسسة لهذه المبادرة التي تم تكريمها كاردينال زابالنقا رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بأفريقيا الوسطى، وإمام عمر كوبين لياما رئيس اللجنة الإسلامية بأفريقيا الوسطى، والقس نيكولا رئيس التحالف الإنجيلي بأفريقيا الوسطى.

إعداد: خليل محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق