مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية

أمراض البحث العلمي “محاولة في التشخيص والعلاج”

في إطار أنشطته العلمية والفكرية نظم مركز بن البنا المراكشي للدراسات والبحوث في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية بالرابطة المحمدية للعلماء، بتاريخ 07 رمضان 1437 ه الموافق لـــــ 13 يونيو 2016 م محاضرة بعنوان ” أمراض البحث العلمي محاولة في التشخيص والعلاج ” ألقائها فضيلة الدكتور إدريس نغش الجابري؛ الأستاذ الباحث في فلسفة العلوم ومناهجها، رئيس مركز ابن البنا المراكشي.

وقد جاءت هذه المحاضرة خاتمة لسلسة من الدورات التكوينية التي قام الأستاذ بتأطيرها في موضوع “مصادر التكوين العلمي المنهجي في حياة الطالب”.

استهل الأستاذ بداية حديثه عن موضوع البحث العلمي وعن الإشكالات العويصة التي أصبحت تحوم حوله سواء على المستوى الثقافي أو الأكاديمي منه على وجه الخصوص.

انتقل الأستاذ بعد ذلك إلى طرح محاور المحاضرة التي تستقيم على ثلاث أمور متصلة بأنواع هذه الأمراض التي يتخبط فيها البحث العلمي، منها:

–   أمراض متصلة بالتفكير المنهجي.

–  أمراض مرتبطة بمحتويات البحث.

–  أمراض مرتبطة بصورة البحث.

 يعرف الأستاذ أمراض البحث العلمي بأنها: مجموعة العيوب العلمية والمنهجية التي تكتنف البحث العلمي بأبعاده الثلاثة، وهي التفكير المنهجي ومحتوى البحث، وصورته.

عرف العقل الإسلامي المنهجي في نظر الأستاذ فصاما مركبا ينقسم بدوره إلى أمرين:

أولا: فصام مركب من إرث ثقافي محفور في الذات.

ثانيا: مركب من وعي ثقافي مكتسب من الآخر الذي هو الغرب.

السؤال إذن: ما هي معالم هذين الأمرين؟

الجانب الأول: الفصام الموروث من ثقافتنا التاريخية الماضية يتمثل في شروخ أربعة في العقل العلمي الإسلامي المعاصر، وهي طبعا شروخ عريقة في التاريخ القديم، ولكنها ما زالت تتحكم في عقليتنا المنهجية العلمية المعاصرة. ثم أيضا هناك شروخ أربعة مكتسبة من اتصالنا بالآخر، أي بالفكر الغربي المعاصر من خلا تعاملنا معه.

الشروخ الأربعة في العقل العلمي الإسلامي:

1–   الشرخ الكلامي بين العقل والنقل:

فصام العقل والنقل: يظهر أن المعنى المقصود بالشرخ هو اتخاذ المواقف الحدية من بعض الثنائيات الموروثة عن تراثنا. ( بعض الناس يجنحون إلى العقلانية التي تقصي النقل تماما أو يجنحون إلى نوع من النقلانية التي تقصي العقل تماما، اعتقادا منهم أن العقل ضد النقل، وهي فرضية تدولت بين المتكلمين قديما بشكل كبير جدا حتى آلت إلى الاعتقاد بأن العقل يمثل القطعي والنقل يمثل الظني، فواجب على النقل أن يكون تابعا للعقل بالتّأويل أو بالتفويض كما يقال).

النتيجة التي يؤول إليها الشرخ(1) هي:

وضع سياج مذهبي على العقل العلمي. ( مفروض عليك أن تضع نفسك في هذا الصراع الدائر ما بين العقلانيين والنقلانيين وتغلقها داخل علبة المذهب الذي تنتمي إليه وتحاور من داخل خندقه، مما ينتج عنه جمود للمعرفة العلمية بدل نمو وتطور واجتهاد وانفتاح في العقل العلمي للباحث).

–  خلل منهجي عقدي يتمثل في تطبيق قياس الغائب على الشاهد في الأمور الميتافيزيقية.

–  ضمور النموذج النظري والبارديغم العلمي لصالح منطق الفرقة. (هنا تتكلس البارديغمات المفتوحة وتتحول إلى أنساق مغلقة بدل أن تكون أنساقا مفتوحة تقبل باجتهادات المبدعين وبخروجهم أحيانا بكشوفات قد لا تقبلها الجماعة لضرورات علمية يتطلبها تاريخ العلم نفسه).

2الشرخ الفلسفي:

فصام القطع والظن: الاعتقاد بأن ما يأتي به البرهان الفلسفي هو القطع وما يأتي به الدليل الكلامي أو الفقهي أو العلمي الطبيعي إنما هي أمور ظنية، ومرد هذا طبعا إلى تأثير فكرة المنطق الصوري الأرسطي الذي كان يقول بأن مراتب الدليل ثلاث على الأقل، وإن كان كتاب أرسطو المسمى الأرغانون يرتبها إلى أكثر من ذلك. لكن تُدُوِلَ بين الفلاسفة المسلمين أن هذه المراتب الكبرى هي ثلاث – مرتبة البرهان ومرتبة الجدل ومرتبة الخطابة – وتحتها يقع السفسطة والشعر ….إلخ. فكان يظن أن الدليل الفلسفي المأخوذ من المنطق البرهاني هو نموذج قطعي ويقيني، وأن ما سواه من أدلة كلامية ومن أدلة البحث العلمي الأخرى كلها أدلة ظنية، فواجب إذن؛ أن يقدم القطعي على الظني، وأن تقدم الفلسفة على غيرها.

هذا الظن ولد في ذهنيتنا شرخا عميقا بين الحقيقة واللاحقيقة، بين اليقين واللايقين، بين القطع والظن. (إن غياب المنظار الحجاجي التداولي ولَّد هذه الثنائية الفجة التي مازالت تؤثر تأثيرا كبيرا جدا في واقعنا البحثي المعاصر). 

النتيجة التي يؤؤل إليها الشرخ (2) هي:

– عقل منغلق على مطلقاته، أي كل ما يتوصل إليه الفيلسوف يظن أنه حقيقة مطلقة، فلا يقبل أي تطور ينشأ في المعرفة حواليه. ( موقف ابن رشد وابن باجة من الكشوفات العلمية التي وقعت في علم البصريات على يد ابن الهيثم). إذن العقل القطعي لما ينغلق على ذاته لا يسمح لنفسه أن يتحاور مع المعرفة الجديدة وأن يعترف بها اعترافا يؤدي به إلى تغيير بعض مطلقاته التي تلقاها عن الآخرين ممن تقدموا من أصحاب المعارف الموروثة عن اليونان أو الفرس أو غيرهم ممن كانت علومهم قد ترجمت.

– خلل منهجي آخر يتمثل في قضية مراتب الدليل وصوريته التي أدت إلى توقف لائحة العلوم وتكاملها، وهذه مسألة في غاية الخطورة حيث إن “الاعتقاد بأن الدليل أقصاه هو البرهان وأوسطه هو الجدل وأدناه الخطابة ” نتج عنه عدم الاعتراف بأي علم جديد لا يقوم على منطق البرهان بالصورة الأرسطية التي ورث بها عن أرسطو.

– الوقوع في نوع من السلفية الفلسفية ( لم يكن في تاريخ الإسلام فلسفة بل كان هناك كلام عن الفلسفة، كلام يردد أكثر مما يجتهد، اللهم بعض الإضافات المرتبطة بالأمور الجزئية ضمن الأصل العام المؤسس لها في المتن الأرسطي).

3- الشرخ الصوفي فيما بين الحقيقة والشريعة.

الظن أن الكشف الصوفي يؤدي إلى معرفة الحقائق الإلهية مباشرة، وهذه الحقائق الإلهية لا تقل قطعا عن الحقائق الفلسفية التي يتوصل إليها الفلاسفة بالبرهان إن لم تكن أوثق منها. والظن أن الحقائق التي عند غيرهم من الفقهاء والمتكلمين أو حتى الفلاسفة تكون في نظرهم من الدرجة الثانية. (الموقف الحدي الذي يصل إليه متطرفو الصوفية أو المغالين في التصوف يؤول إلى تقديس الحقيقة الصوفية على حساب غيرها، على اعتبار أنهم يتلقونها من الإله مباشرة).

النتيجة التي يؤؤل إليها الشرخ (3) هي:

ضرب نوع من سياج المَشْيَخَةِ السالبة (بمعنى صناعة المريد الناقل بدل صناعة المجتهد الذي يبدع ويضيف ويطور المعرفة العلمية).

ظهور خلل منهجي آخر؛ إذ صارت المعرفة العلمية جهدا روحانيا لا اجتهادا علميا(يعني أصبح الإنسان ينغمس في عزلته وروحانيته  الرباعية الأركان القائلة بأن المجاهدة هي أربعة أشياء * قلة الطعام* و*قلة الكلام* و*قلة المنام* و*قلة الخُلطة بالأنام*، هذا أدى أيضا إلى ضرب التكامل ما بين العلوم الإسلاميةّ، فحينما يصير الإنسان منعزلا على ذاته يصير هذا الانسان يعمل في فريق بحثي لا يشتغل بمنطق البراديغم الجماعي وإنما يشتغل بمنطق الجهد الفردي.

ضمور النموذج النظري لصالح الكشف الفرداني السري، إذ تصبح المعارف عند الصوفية المغالين أسرارا شخصية. (حتى لا يبوحون بها لغيرهم يقولون لك أدخل الحضرة تدري ما الخبر، أي لكي تعرف الحقيقة يجب أن تعيش معهم الحضرة وبالتالي تصبح المعرفة حضرانية وليست معرفة علمية حقيقية).

4–  الشرخ الفقهي بين التقليد والتجديد.

الاعتقاد بأن التقليد ضد التجديد والتجديد ضد التقليد، فإما ركون إلى ترديد ما تركه السلف وإما هروب إلى الأمام في اتجاه الثورة على ما جاء به كل السابقون. (والأمر كما هو معروف في فلسفة العلوم هو أمر براديغمات في الحقيقة، ولما نقول براديغمات، نقول أنساق فكرية متداخلة لا تستطيع أن تفصل فيه مجهود الفرد عن الإنجاز الجماعي الذي يجتهد ضمنه الباحث أو العالم).

فإذن هذه المواقف الحدية من التجديد والترديد هي من المشكلات الكبيرة التي مازالت تؤثر في عقلية الباحثين.

النتيجة التي يؤؤل إليها هذا الشرخ (4) هي:

ضرب سياج من التبعية لسّادة الأصحاب في المذهب (تصير فكرة الأصحاب هذه، من السياج الذي دفع الناس لا يصلوا بعضهم خلف بعض ولا يعترفون لبعضهم بجهد، ويظن الواحد أن ما يقولوه أصحابه هو الحقيقة المطلقة وما يقوله الآخرون إنما هو من باب الظن المطلق).

– خلل منهجي يحصر التقليد في العام والتجديد بخاصة المذهب، الاعتقاد بأن مذهب الأصحاب هو وحده الذي يملك أحقية الاجتهاد، واجتهادات الآخرين غير مقبولة وبالتالي يجب أن يكونوا مقلدين لنا ولأصحابنا في المذهب لا أن يكونوا مبدعين مجددين مثلنا.

ضمور النموذج النظري، إتباع منطق الترديد (كم أنت واجد في بعض الكتب المفسرين والفقهاء من ترديد لكتب أسلافهم، عدد كبير من الصفحات في كتب مأخوذة حرفيا عن السابقين. يكون من وراء هذا المنطق الترديدي إفقار المعرفة العلمية وإنتاج جمود فكري عند كثير من فقهاء الإسلام).

الشروخ الأربعة المكتسبة من العقل الغربي: ارتأى الأستاذ أن يقسمها هي كذلك إلى أربع مستويات وهي:

أولا: الشرخ الثيولوجي (الكلامي) المتصل بالإلهيات.

وفيه فصام المقدس والمدنس، أي اللاهوت والناسوت. اعتقدت الثقافة الغربية بأن المقدس ضد المدنس وبالتالي لا يمكن أن يخلط المقدس المتمثل في الجانب الديني المطهر وبين العالم التجريبي الدنيوي المتمثل في العالم المدنس، وتحت ظل هذه التجاذبات ظهرت العلمانية في الغرب كرد فعل ضد الظلم والفساد وضد الخرافة المفروضة من الكنيسة، حيث إن القرن 14 عشر إلى القرن 17 عشر كان كله قرن إحياء التراث القديم الإغريقي في الأدب، في المسرح، في الكوميديا، في التراجيديا، من ثم ظهرت حركة إحياء للفنون القديمة و للغة القديمة في الثقافة القديمة.

نتائج هذا الشرخ:

 أولا: وضع السياج الناسوتي على العقل العلمي، لا يكون العقل علميا إلا إدا كان ابتكارا عقلانيا بالسقف الديكارتي.

ثانيا: الخلل المنهجي المتمثل في التردد ما بين الواحدية المطلقة والتعدد النسبوي. بمعنى؛ الاعتقاد بأن بحقيقة واحدة، وهذا جزء من السقف الديكارتي الذي يقول أن اليقين نموذجه واحد.

ثالثا: ضمور الرؤية التكاملية والأخلاقية في العلم. العلم يجب أن يكون واسعا ورحبا يؤسس لمنظار تكاملي ما بين العلوم الطبيعية والإنسانية والإلهية، فضلا عن القيم الأخلاقية التي تؤطر وتوجه المعرفة العلمية.

ثانيا: الشرخ الفلسفي.

وفيه فصام العقل واللاعقل أو العلم واللاعلم. وهو مرتبط بالذي ما قبله، لما اختار المفكرون الفصل ما بين الديني والعلم، اضطروا أن يفصلوا ما بين العلم واللاعلم وجعلوا كل ما هو ديني غير علمي، ثم ألحقوا بذلك كل قطاعات الإبداع البشري والإنساني التي لا تتصل بالعقل  مثل الفنون والأشعار والموسيقى، كل هذه تم إلحاقها باللاعقل، بينما الرياضيات والفلسفة والمنطق أدرجت في ما هو عقلي فنشأ ما يسمى بالسقف الديكارتي للمعرفة، صاحب السقف المنهجي الغربي.

نتائج هذا الشرخ:

أولا: إنتاج عقل منغلق على مطلقاته. ترددت هده المسألة في العقل الفلسفي القديم ونجدها أيضا تتردد في العقل الفلسفي الحديث. ونفس الشئ نجده في العلوم الفيزيائية، فمثلا الفيزياء الكلاسيكية كانت تعتقد أن ما توصلت إليه هو بالنسبة لها الحقيقة المطلقة، ونفس الشئ نجده في الرياضيات الأقليدية القديمة.

ثانيا: الخلل المنهجي المتمثل في الاشتغال ضمن التعاضدات. إما عقل أو تجربة، أو إما منهج عقلي أو منهج تجربي، إما منهج استنباطي أو منهج استقرائي, والأمر ليس بهذه الحدية، فلا يوجد عقل بدون تجربة ولا توجد تجربة بدون العقل، حيث صرنا الآن نتكلم في فلسفة العلوم عما يسمى بالنظرية التجريبية أو التجربة النظرية.

ثالثا: الخلل النظري، إما الاشتغال بفلسفات المطلقات وإما الانتقال إلى فلسفة الفوضى واللامنهج كما لاحظناه عند بول فيرباند.

ثالثا: الشرخ الصوفي.

 الذي ظهر في سياقات كثيرة في الثقافة الغربية، حيث تولدت حركة سلفية سميت بالحركة الحدسية، من أبرز أعلامها برغسون الفيلسوف الفرنسي، هذه الحركة فصلت بين أمرين يصعب الفصل بينهما، فصلت بين الروح والجسد وبين الفرد والجماعة، إما أن تكون روحانية مطلقة وإما تجريبية مادية مطلقة.

نتائج هذا الشرخ:

فيما يخص الثنائية المتعلقة بالروح والجسد وبالفرد والجماعة نتج عنها:

أولا: براغماتية التجربة الدينية وسيادة الطرقية، يعني قبول الخرافة والأسطورة والتجارب الدينية ضمن التصور البراغماتي.

ثانيا: خلل منهجي متمثل في كون المعرفة العلمية جهدا روحانيا وسعادة شخصية لا اجتماعية، وهذا موجود عند التيارات الحدسية ، وهي تعود إلى نفس التصور الأفلوطيني القديم الذي يقول بأن المعرفة هي جهد روحاني وفيض من الآلهة على أولياء الصوفية.

ثالثا: خلل نظري متمثل في تغليب التجربة الذاتية الحرة للعظماء على منطق النظام، أي تقديس العبقرية الفردية والعظمة الشخصية على منطق النظام الاجتماعي والنظام الاقتصادي والنظام المعرفي للتكامل الذي يشرك فيه المنتسبون لجماعة علمية معينة.

رابعا: الشرخ القيمي:

 وفيه فصام العبد والسيد، بمعنى أصبح هذا الغرب هو السيد لأنه يمثل المركز وما دونه من الآخرين من الأجناس الأخرى ينبغي أن تكون تابعة لهذا المركز.

نتائج عن هذا الشرخ:

أولا: ضرب سياج المركزية الأوربية على المعرفة وما يصطلح عليه الآن بالعولمة. (النموذج الغربي هو النموذج الذي يجب أن تقاس عليه كل النماذج التنموية في العالم كله).

ثانيا: الخلل المنهجي المرتبط بعولمة الفكر سواء بالعنف الرمزي أو بالعنف المادي.

ثالثا: الخلل النظري المتمثل ليس فقط بعولمة المناهج وإنما بعولمة النمادج والنظريات والقيم.

 إن مظاهر هذه الشروخ في العقل العلمي الغربي تؤدي بالباحث إلى الوقوع في أربع ثنائيات حدية.

أولها: ثنائية الموضوعية والذاتية.

ثانيا: ثنائية العقلانية والإمبريقية.

ثالثا: ثنائية المناهج الكمية و المناهج الكيفية

رابعا: التفسير والفهم.

بعد تشخيص العلل والأعراض لكل صنف من الاصناف الثلاثة المرتبطة بأمراض التفكير المنهجي وأمراض صورة البحث وأمراض مادة البحث، وبعد هذا الاستقصاء الشامل لهذه الأمراض انتقل الأستاذ إلى المحور الموالي وطرح خمسة عشر مرضا. خمسة منها متصلة بالتفكير المنهجي، وخمسة بصورة البحث العلمي وخمسة بمادة البحث العلمي ومحتواه.

الأمراض المتعلقة بمادة التفكير المنهجي من حيث عللها وأمراضها.

المرض الأول

 ضعف النظر المنهجي.

 علته؛ ضعف الدراية بالمناهج العلمية التراثية والحديثة، سواء من حيث مرجعياتها الثقافية أو من حيث بناءها العلمي المنهجي أو من حيث المفاهيم المستعملة فيها.

أعراضه: يؤدي الضعف النظري بالمنهج إلى الدخول فيما يسمى بالسفسطة التي لها مظاهر خطيرة جدا. منها: التعارضات المذمومة المتمثلة في تعدد المناهج مع وحدة النتائج، وأيضا في وحدة المناهج مع تضارب النتائج، ثم أيضا خلط ما حقه أن يكون منفصلا وفصل ما حقه أن يكون متصلا.

المرض الثاني

 استلاب الوعي.

علته، القعود في سفح الجبل. من أسباب استلاب الوعي دائما هي أن يبقى الإنسان دائما محصورا في الأسفل ولا يرتقي ولا يحقق تراكما معرفيا فيما يدرسه، فالقعود في سفح الجبل هو تعبير عن ضيق في مساحة الرؤية العلمية. ثم أيضا ضعف التكوين النقدي، هذه المسألة في الحقيقة تكون مرتبطة بأسباب تربوية واجتماعية. هي ليست مسؤولية الفرد وحده بل مسؤولية المؤسسات والمدرسة والأسرة أو غيرها، فضعف مهارات التكوين على ممارسة النقد يجعل الباحث لاحقا يعيش هذه المشكلة.

أعراضه: وهن الذات الدارسة في الموضوع المدروس. فالدارس لا يستطيع أن يضع مسافة بينه وبين الموضوع الذي يدرسه، يظن أن الموضوع المدروس هو أعظم المواضيع وأفضل الموضوعات، وهو الشيء الوحيد الذي ينبغي للناس أن تهتم به ولا يريد أن يربطه بالموضوعات الأخرى، مما يترتب عنه ضعف في أمور أخرى وتكون بارزة في فقدان القدرة على التخارج مع النص الذي يدرسه أو الشخص أو الفكرة أو المجال.

المرض الثالث

ضعف التكوين في مجال التخصص ولواحقه.

علته، انحراف المؤسسة الحديثة عن أصولها التربوية فضلا عن أصولها الإسلامية. المؤسسات التربوية في العالم العربي ضحلة جدا في التكوين، حيث انتقلت من التكوين التقليدي الذي يركز على المتون والنصوص إلى تكوين عصري يركز على الأشكال والصور والمنهجيات.

 هذه المشكلة هي من الأسباب الخطيرة جدا والتي أدت إلى ضعف التكوين الذي أسهم بدوره في:

–  سيطرة البراغماتية على المبدأية في تعليمنا وعند الباحثين أيضا.

–  فتور همة الطالب حيث لا تجد غالبا تلك الهمم الكبيرة التي فعلا تسهر الليالي، وتتحمل غبار المخطوطات.

أعراضه:

– التذاكي، أي إدعاء الذكاء من خلال كثرة الحشو واستخدام المصطلحات التي ترعب القارئ حين يقرأها ليعتقد أن المؤلف يعرف في كل العلوم وكل المعارف ويحيط بكل المناهج.

– السرقات أو الترديد، بالنسبة للسرقات وهي كثيرة في البحوث العلمية، منها ما هو مباشر وما هو غير مباشر، ومنها ما هو نصي وغير نصي. بالتالي لا بد من أن يعترف الباحث بكل ما أخد وعمن أخد. أما العرض الثاني فهو ترديد كل يقوله الآخرون وكأنك لست قادرا على الإبداع والاجتهاد في مجالك التخصصي. (قد تجد البحث في ألف صفحة وحين تغربله لن تجد فيه أي شيء جديد، وكأن صاحب البحث كحاطب الليل لا يدري ما يحطب ولا يميز بين الغث والسمين وبين النافع وغير النافع فيما يحطبه).

المرض الرابع

عدم رؤية التساؤلات المزعجة

علته، تكمن في العجز عن الارتقاء إلى منزلة فقيه العلم، وهنا نميز بين الباحث والعالم، وفقيه العلم. فالباحث المبتدئ الذي يساير التدرب على وسائل البحث يحقق درجة مهمة، أما إذا أمسك بزمام وسائل البحث وصار قادرا على أن يؤديها كما هي؛ صار عالما، وحين يرتقي بعد ذلك  إلى رؤية التساؤلات المزعجة في العلم يصير فقيها في العلم، وهذه درجة مهمة لكل باحث مجتهد في العلم.

أعراضه: عدم القدرة على رؤية الإشكالات الكبيرة في العلم المدروس، وعدم القدرة على رؤية الأسئلة الثاوية خلف عبارات الكتب وخلف مذاهب المؤلفين. (في البحث العلمي ليس المهم معرفة إجابات العلماء، بل كيف وصل هؤلاء العلماء إلى هذه الإجابات، الباحث يجب أن يعرف كيف وصل الناس إلى بناء مذاهبهم، ومعارفهم، ومواقفهم، وإجاباتهم، أما حصاد الإجابات قد يكون صحيحا وقد يكون خاطئا).

المرض الخامس

العمى عن رؤية الخلاف العالي

 علته، علبة المذهب وكاريزمية الشخص، لما تفكر داخل المذهب وتغلق على نفسك كل المنافذ، ثم داخل المذهب تعشق شخصا ذا كاريزما ويصبح محط اهتمامك، إلى هذا الحد يصاب الإنسان بالعمى.( قديما قيل لا يشم رائحة العلم من لا يعرف الخلاف العالي، ومعنى الخلاف العالي؛ معرفة مذاهب الناس وبالعلل التي جعلتهم يأخذون بهذا الجواب ويتركون ذاك. وبالتالي إن وصلت إلى معرفة تلك العلل حقيقة فبإمكانك أن ترجح وتقارن  وتكون قادرا على إنتاج المعرفة.

أعراضه: عدم الجرأة على الحسم في نجاعة الأدوات المستعملة (إذا استعملت أدوات منهجية وجب المناقشة أولا في مدى نجاعتها، هل هذه الأدوات سليمة  تناسب الموضوع المدروس أم لا تناسبه). ومن أعراضه أيضا الضمور البقعي، هو المرض الذي يصيب بعض الباحثين بالشيخوخة الفكرية، بحيث لايستطيعون رؤية التفاصيل التي تميز الأمور الدقيقة.(اختيار الاستنباط أو الاستقراء ووضعهما جملة دون أن يعرف متى يطبق هذا ومتى يطبق ذاك، ثم كيف يطبق هذا وذاك، حينها تصبح كل المناهج موضوعة في سلة واحدة، ولا يعرف كيفية توظيفها ولا يستطيع معرفة سياقاتها ولا الخلاف العالي الدائر بين هذه المناهج). ثم أخيرا عدم القدرة على تعليل اختيار المنهج.

الأمراض المتعلقة بمادة البحث من حيث عللها وأمراضها.

المرض الأول

ضعف الفهم

 سببه: ضعف التربية والتكوين المهاريين. هذه المهارات تعاني في مؤسساتنا التربوية من ضعف في التربية عليها والتكوين والتدريب على تطبيقاتها المختلفة.

 أعراضه:

– عدم القدرة على التمييز بين درجات الفكرة. (عدم التمييز بين العام والخاص في النص قد يشوش على الفهم، فقد تظن أن فكرة جزئية وردت عرضا هي الأساس ويؤدي هذا إلى ارتباك في فهم النص كله).

– عدم القدرة على تحديد الكلمات المفتاحية في الخطاب.( حين تقرأ أي معلومة وتريد أن تدرجها في الكتاب وتكون ضمن البحث، لابد أولا من إدراك مفاتيح الكتاب).

– عدم القدرة على فهم الأساليب وسُلَّمِيَتِهَا الحجاجية. (الخطاب الذي يصدره المؤلف يصدره بمقاصد معينة، ولذلك يختار في كل لحظة لمقصده أسلوبا يناسب ذلك المقصد، فرُب خبر كان القصد منه الإنشاء أي الطلب، لذلك يجب علينا الوعي بهذا الإنشاء. وأيضا رب إنشاء كان من ورائه خبر). فاختيار الأساليب من قبل الكاتب هو سلم حجاجي يراعي المخاطبين.

المرض الثاني

فقر مهارة التحليل وله ستة أعراض.

– عدم القدرة على تقسيم الكلي إلى جزئياته التفصيلية. (الباحث لما يدرج نصا عاما ويريد أن يعلق عليه، فعوض أن يعلق بعملية تحليلية صحيحة يعلق على جزء ما كان هو مقصد الكاتب).

– عدم القدرة على التمييز بين المعاني المختلفة.

– عدم القدرة على تفكيك العبارات وتوضيح المقاصد.

– عدم القدرة على قراءة أبعاد الكلمة والعبارة داخل فكر الكاتب.

– عدم  القدرة على اكتشاف النصوص المضمرة في النص. (هذه مسألة مهمة، لأن كل نص في نهاية المطاف هو تناص).

–  الهروب إلى الإكثار من المبالغات والأحكام العامة. ( يمكن ضرب مجموعة من الأمثلة منها مثلا: وصف الشئ بالكثرة وهو قليل – كأن يقول أجمع العديد من الباحثين….، أو بالندرة وهو وفير، كأن يقول: وقليل من الباحثين أشار….، أو بالأولوية المطلقة وهو أمر لا يمكن التأكد منه،  فتقول أن الكاتب الفلاني هو أول من أشار إليها.

ومن مظاهر هذا العَرَض أيضا: تضخيم الأشخاص والفرق والمذاهب، ثم التكرار والإستطراد،  ثم أخيرا الوقوع في الحشو والإكثار في الأفكار التي لا ضرورة لها في البحث ولا تقتضيها الإبانة عن المراد.

المرض الثالث

ضمور القوة الحجاجية أو القدرة على التعليل

سببه: يتجلى في ضعف التربية والتكوين المهاريين لكن يضاف إليهما أيضا ضعف التكوين العلمي المنطقي. (الأساليب المنطقية وتأطيراتها النظرية تساعد الباحث على التمييز بين العلل أو طرق التعليل في الكتب التي يبحث أو يستعين بها في عملية البحث).

له أربعة أعراض:

–     التعليل الأحادي؛ أي تعليل الأحكام بردها إلى عامل واحد دون سواه.( كثير من المناهج التي قد ترد الأحداث الإجتماعية إلى العامل النفسي وحده، أو العامل الاقتصادي وحده، أو العامل السياسي وحده دون أن تنظر نظرة تكاملية إلى الموضوع).

– عدم القدرة على تنويع طرق الحجاج من داخل النص ومن خارجه. (الحجاج من داخل النص، يتمثل في الكشف عن البنى الحجاجية في النصوص نفسها، ومن خارج النص يتمثل في البحث عن الأدلة التي توافق أو تخالف ما يذهب إليه النص المدروس، وهذا يشمل أيضا الشواهد والأدلة المنطقية المختلفة).

– تحصيل الحاصل. (أحيانا يلجأ الباحث إلى البرهنة على أفكار وهي لا تحتاج إلى برهنة = هي واضحة  بذاتها= وهذا من التوتولوجيا كما يسمى عند المناطقة).

– فساد التدليل بالنقول، وله عدة مظاهر يمكن إجمالها في ثمانية: أولها: أن يأتي بشاهد لا يشهد لما سيق له. ثانيا: أن يأتي بشاهد طويل والشاهد فيه جزء صغير. ثالثا: شاهد بدون علامة التنصيص. رابعا: الإكثار من النقول المتعددة للدلالة على معنى واحد. خامسا: عطف نص على نص بما يفيد اتفاقهما في المعنى وهما مختلفان. سادسا: اقتطاع شاهد من سياقه فيلحقه التحريف الدلالي، الأصل أو الفرع. (لا بد أن يكون هناك تطابق ما بين السياق الأصلي والسياق الفرعي. أي بين المأخوذ منه والمأخوذ إليه في عملية اقتطاع الشواهد). سابعا: التصرف السيء في الشاهد العاري من التنصيص. ثامنا: خطأ النقل في متن الشاهد أو سنده.

المرض الرابع

العجز عن بناء الموقف النقدي

 علته، تكمن في ضعف التربية والتكوين المهاريين زيادة عن ضعف التكوين المعرفي والمنطقي.

أعراضه:

– عدم القدرة على المناقشة الداخلية للخطاب. (في المناقشة الداخلية للخطاب أن الذي تستفيد منه أو تقف عليه أو تدرسه أمريين أساسيين: الأمر الأول يتمثل في الكشف عن بياضات الخطاب، عن فراغات النص، عن ما لم يقله ولماذا لم يقله، هل لأنه يزعجه؟ أم لأنه غفل عنه؟ أم لسبب آخر. الأمر الثاني يتمثل في الكشف البنيوي في النص (حين يقف الكاتب في تعارضات، فالباحث عليه أن يقف هو كذلك على هذه الإختلالات والتعارضات الخفية والظاهرة التي تقع في الكتب).

– تجاهل الأدلة المضادة أو المخالفة.

– التسرع في إطلاق الرأي المخالف دون دليل. (تعليل كل عملية نقدية تنجزها على المخالف).

– عدم إتقان المناقشة الخارجية. (استحضار نفس النظريات الأخرى التي تعرضت لنفس الفكرة للشيء الذي تدرسه).

–  سوء الأدب مع المخالف.

المرض الخامس

ضمور القدرة التركيبية.

سببه، ضعف التربية والتكوين المهاريين.

أعراضه: أولا: القطع واللصق. ثانيا: ضعف التخريجات أو استخراج نتائج مخالفة لمقاصد الوثيقة. ثالثا: الخروج بنتائج مبتسرة وضعيفة جدا وغير ناضجة بسبب التعلق بنظرية مثيرة أو شخصية مهمة، فتأتي كل النتائج متسرعة لا ترقى إلى نتائج البحث العلمي المعتبر. رابعا: غياب مهارة الاستنتاج.

الأمراض المتعلقة بصورة البحث  من حيث عللها وأمراضها.

المرض الأول

فقدان منهجية العرض

سببه، ضعف التربية والتكوين المهاريين.

أعراضه: أولا: عدم القدرة على السبر والتقسيم الدقيقين في عملية تقسيم مفاصل العرض. (أصعب ما يواجه الباحث هو وضع الخطة محكمة للبحث، يجب أن تحتاج هذه الخطة عقلية جبارة في المنهج قادرة على التمييز ما بين الكلي والجزئي وما بين العام والخاص وتضع العناوين الكلية في أماكنها والخاصة في أماكنها كذاك).

ثانيا: عدم القدرة على تحقيق التسلسل المنطقي في عرض الأفكار. (الباحث الأكاديمي يجب عليه أن ينسق أفكاره ويضعها في قالب منظم وواضح).

ثالثا: أن يكون في العرض غياب للتوازن الكمي في الفقرات والمطالب والمباحث والفصول والأبواب.

المرض الثاني

عدم الضبط والإبداع في التسمية والعنونة.

أعراضه: أولا: مشكلة الإستغراق (مصطلح منطقي يقصد به أن اللفظ يجب أن يكون مستغرقا للمعنى أو الأفراد التي يعمها المعنى).

ثانيا: عدم الانسجام بين العناوين الكبرى والصغرى بعدم مراعاة تفاوتها الدلالي تعميما وتخصيصا. (عنوان الباب عام، وعنوان الفصل خاص من العام وعنوان المبحث الخاص من خاص العام وهكذا…، هذا التراتب الدلالي يجب أن يظهر في سبك العبارة وأنت تختار عملية العنونة).

 ثالثا: عدم ضبط ألفاظ العنونة (كالإتيان مثلا: بالألفاظ الفضفاضة والجمل الطويلة بدل الألفاظ العلمية الدقيقة).

المرض الثالث

قلق العبارة

سببه، ضعف التكوين اللغوي أو المنهجي، وعدم التمرن على الكتابة.

من أعراضه: إما أن يكون القلق في الكلمة أو أن يكون القلق في الجملة. ثم أيضا اختيار الكلمة الغريبة المكلفة، أي نحت كلمات على غير قياس النحو العربي. ثم قلق الجملة، أي اختيار الجملة الطويلة الركيكة. ثم عدم تكييف الأسلوب مع المجال المدروس، أي الانزلاق إلى الأساليب المبتذلة والعامية. ثم أخيرا التملق، أي تقديس المشرفين على البحث بكلمات تصل التقديس.

المرض الرابع

سلطة الأشكال

 سببه، ضعف التكوين المنهجي.

أعراضه: أولا: تغليب الكم على الكيف (تقدير أهمية العمل بعدد الصفحات، يظن الباحث أنه إذا كتب عددا كبيرا من الصفحات سيذكره التاريخ. لكن العكس في الحقيقة هو الصحيح، حين تقدر المادة بالكم تصير مبتذلة، وحين تكون بالكيف تصير رفيعة).

ثانيا: الحرص على اختصار الزمن على حساب جودة العمل (الرغبة في إنهاء البحث في أسرع وقت ممكن للحصول على العمل).

ثالثا: المقدمات الطَلَلِيَّة ( يجب الدخول في الفكرة مباشرة وتحريرها تحريرا علميا دقيقا دون الحاجة إلى هذه التوسعة للوصول إلى الفكرة).

المرض الخامس

سلطة الأشخاص والمنافع

علته، ضعف التكوين السلوكي الأخلاقي.

أعراضه: الكتابة للأشخاص لا للتاريخ. (الباحث عليه أن يكتب لا لسواد عيون المشرف، أنت تكتب للتاريخ، أكتب للتاريخ ودعك من الأشخاص، لا تكن براغماتيا وكن مخلصا للعلم فقط).

يصنف الأستاذ أسباب أو علل كل هذه الأمراض في ثلاث علل رئيسية: نوع منها علمي، ونوع منها تربوي مهاري، ونوع منها نفسي إرادي.

فالعلل ذات الطابع العلمي، منها ما يسمى بالقعود في سفح الجبل وضعف التكوين المنهجي والعلمي واللغوي. وأما العلل التربوية المهارية فترجع إلى الأساليب التربوية عند التلاميذ والمشايخ وضعف التربية والتكوين المهاريين في المؤسسات. وأما العلل النفسية الإرادية فتظهر في سيطرة البراغماتية على المواقف المبدئية في العلم وفتور همة الطالب.

وقبل الختم أكد الأستاذ على ضرورة تصحيح مزدوج لمشروع التدبير المنهجي الأكاديمي في مناهج الفهم الإنساني ومناهج تحليل الخطاب ولشخصية الباحث نفسه من مدخل التخلق بأخلاق العلم.

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق