مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبية

مناقشة أطروحة الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي أبي مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي

نوقشَت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، يومَ الخميس 21 رجب 1440م/29مارس 2019م  أطروحَةُ الباحث السنغالي أبي مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي، والتي تقدم بها لنيل شهادَة الدّكتوراه من شعبة اللغة العربية وآدابها، أشرفَ عليْها فضيلة الدكتور محمد الحافظ الروسي، وتكونت لجنة المناقشة من: فضيلة الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي، والدكتور عبد الرحمن بودرع، والدكتور عز الدين الشنتوف، وموضوعها:

الشعر العربي في السنغال في القرن العشرين من خلال أبرز أعلامه- دراسة في الأغراض والأوزان –

وقَد نالَ الطالب الباحث درجة الدكتوراه في الأدب العربي، بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع.

ونص التقرير الذي تقدم به الطالب الباحث أمام اللجنة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا ومولانا محمد الأمين، المكين، وعلى آله وصحبه ذوي الرضوان والتمكين، أما بعد:

فهذا بحث بعنوان: «الشعر العربي في السنغال في القرن العشرين من خلال أبرز أعلامه» ويَسبَحُ  في فلك دراسة الشعر العربي بالسنغال وأغراضه وأوزانه؛ إذْ كانَ للسنغاليّين اهتمام كبير بالعربيّة وعناية، ومعرفة واسعة بفنونها وآدابها ودراية، فقد رفعوا رايتها ومنارها، وأحيَوْا معالمها وآثارها، فظهر فيهم أدباء يشارُ إليهم بالبنان، ولغويون ونحويون لا يقعقع لهم بالشِّنان؛ فمنهم من نظم المقدمة الآجُرّوميّة في النحو، ومنهم من شرح ألفيّة ابن مالك، ومنهم من شَرح الخَزرجيَّةَ في العروض، ومنهم من شرح أشعار الشعراء الستة الجاهليين للأعلم الشنتمريّ، ومنهم من شرح مقصورة ابن دريد المشهورة، ومنهم من نظم في غريب اللغة، ومنهم من قال:

النحو والعروض والبيان /// علمني أسرارها الرحمان

 ومنهم من قال: 

النحو والعروض والبيان /// لي سُلبت ولي بها عِيانُ

  ومن هؤلاء الأدباءِ كُتاب برعوا في الترسل والنثر، وشعراءُ مُفلقون أجادوا في صناعة القريض والشعر، ومنهم القائل: 

يا غاديًا تَرْكَبُ الأَهْوَالَ وَالخَطَرَ /// وَتَذْرَعُ الْبِيدَ كَيْمَا تُدْرِكَ الْوَطَرَا

فَبَلِّغَنْ كُلَّ قُحٍّ مِنْ بَنِي زَمَنِي /// أَنَّى تَوَجَّهْتُ أَنِّي أَشْعَرُ الشُّعَرَا

  ومنهم أيضا الشاعر الفحلُ ذو النون يونس لي الذي قال فيه الشيخ سعد أبيه الشنقيطيُّ: «إنك لعربيٌّ ضل عن قومهِ»!

وقد تناول هؤلاء الشعراءُ مختلف الأغراض والموضوعات، كالمدح والرثاء، والهجاء، والوصف، والغزل، والزهد والوعظ والإرشاد والنظم التعليمي، وأكثروا في مدح سيد الوجود -صلى الله عليه وسلم -، الذي تتنزل بذكره الرحمات، ويُنال بالثناء عليه اليمن والبركات، وكذلك في مدح المشايخ الصوفية والثناء عليهم؛ فالشيخ الصوفيّ مثابةُ العلماء والكبراء، وزاويتهُ بلاطُ الأدباء والشعراء، فهو هرِمهمُ وابنُ مَامتهم، ونُعمانُهم وسيف دولتهم، يُتوجونه بالمدائح الرائعة، ويؤبنّونه بالمراثي الفاجعة، ويسعدُهم التّعلّق بحباله، والتّمسّكُ بأذياله.

وإن من هؤلاء الشعراء طائفةً خلَّفوا دَواوينَ شعريّةً، ومنهم الشاعر الفحل ذو النون يونس لي القادريّ الذي يشتمل ديوانه على ستة آلاف بيت، والشيخ محمد الخليفة انياس التجانيّ صاحب ديواني «خاتمة الدرر في مدح سيد البشر –صلى الله عليه وسلم- »، و«الكبريت الأحمر في مدائح القطب الأكبر» أي الشيخ أبي العباس أحمد التجانيِّ –قدس الله سره – ويشتملان على أكثر من عشرة آلاف بيت، والشيخ إبراهيم جوب المشعري المريديِّ الذي يشتمل ديوانه في مدح شيخه الشيخ الخديم –قدس الله سرهما – على أربعة آلاف بيت ونيف، وغيرُهم، ممن يجب على الباحثين أن يعتنوا بتراثهم، ويشدُّوا الحيازيم لخدمة دواوينهم الشعرية بحثًا وجمعاً ودراسةً وتحقيقاً.

إشكالية البحث:

وَتتعلق إشكالية البحث بمحاولة الإجابة عن عدة أسئلة، منها:

– هل وجد الأدب العربي بالديار السنغالية تربةً خصبةً للنموِّ والازدهار؟

– وهل للتراث الشعريّ الذي خلفه الشعراء السنغاليون قيمة أدبية تجعله جديرا بالفحص والدراسة؟ 

– هل يرفعُ هذا التراث الشعري أولئك السنغاليين إلى مصافِّ مَن قبلهم من الشعراء الذين عرفهم تاريخ الأدب العربي؟

– ما الأغراض والأوزان التي طرقها الشعراء السنغاليون؟

أهمية الموضوع:

وللموضوع أهمية بالغة وفائدة كبرى، فمنها فضلا عما لوّحنا إليه:

ـ نفاسة التراث الشعري الذي خلفه أولئك الشعراء، فالبحث يحسر عنه الخمار، وينفض عنه الغبار.

ـ وَفرة التراث الشعري، وافتقاره إلى أبحاث أكاديميّة محكمةٍ تعنى بدراسته فنيا وكشف الظواهر الشعرية التي تستكنّ فيه.

ـ كون البحث عونًا في معرفة كثير من الشعراء الذين نبغوا في البلاد السنغالية، والاطلاع على أشعارهم ودررهم الغالية.

أسباب اختيار الموضوع:

لا تخرج الدوافع التي بعثتني على اختيار الموضوع عما يلي:

ـ حرصي الشديد على خدمة التراث السنغالي عموما، وخصوصاً الأدبيَّ والشعريَّ.

ـ أهمية الموضوع وجدارته بالبحث والدراسة، وعدم وقوفي على بحث يُعنى بدراسة ما نَرمي إليه ونُؤمِّل دراسته هنا.

ـ توجيهٌ من الأستاذ المشرف سيدي الدكتور محمد الحافظ الروسي، الذي ما زال يشجِّع على مثل هذه الموضوعات، التي تعدُّ بحقٍّ إضافةً جديدةً ونوعيّة إلى المكتبة العربية والإسلامية.

منهج البحث:

اعتمدنا في هذا البحث على المنهج الوصفيّ التحليليّ، مستأنساً بمناهج أخر إن اقتضت الحاجة. وكذلك فلا أتغافل هنا عن ذكر السبب الذي بعثني على حصر هذه الدراسة المتواضعة في أعلام الشعراء، وفي القرن العشرين الميلادي، وهو كثرة الشعراء الكاثرة وصعوبة استقصائهم، وكون القرن العشرين الميلاديّ قرنا زاهرًا عاش فيه جلة الأدباء وأعيان الشّعراء؛ فقد برَّزوا من خلفهم، وشأوا مَن بعدهم.

خطة البحث:

يقوم البحث على بابين اثنين، قبلَهُما مداخل، وبعدهما خاتمة فملحقٌ؛

أما المداخل فقد تكلمت فيها باختصارٍ عن: جغرافية السنغال، وعن دخول الإسلام فيها، وعن الحياة الاجتماعية، والحياة الدينية، والحياة السياسية، والحياة الثقافية.

أما الباب الأول، فقد حسرت فيه القناع عن أهم الأغراض التي تطرق إليها الشعراء السنغاليّون، وجاءَ على ثلاثة فصولٍ، احتوى أولها على دراسة المدح، والهجاء، والرثاء، وثانيها على دراسة الابتهال والتوسل، والفخر، والغزل، والوصف، وثالثها على دراسة الزهد والتصوف، والوعظ والإرشاد، والنظم التعليمي، وتلك عشرة كاملة.

أما الباب الثاني، فقد حسرت فيه الخمار عن أهم الأوزان التي استعملوها، وجعلتُها على ثلاثة فصول: خصصت أولها لدراسة الأوزان الشائعة، وثانيَها لدراسةِ الأوزان القليلة والنادرة، وثالثها لدراسة القوافي.

أما الخاتمة، فقد ذكرتُ فيها أهم النتائج التي توصَّلْتُ إليها.

أما الملحق، فقد أدرجتُ فيه تراجم الشعراء السنغاليين الذين ذكرتهم في البحث مختصرةً.

خاتمة البحث:

وقد تعرّض هذا البحثُ لأبرز الشعراء السنغاليين الذين عاشوا في القرن العشرين الميلاديّ على اختلاف طبقاتهم، بإيرادِ نماذج من أشعارهم، مع المناقشة والتحليل قدرَ المستطاع، إلى إبانة أهم الأغراض التي تطرقوا إليها، والأوزانِ التي استعملوها، وانتهَى إلى نتائج، أبرزها وأهمها:

– أن العربية وجدت في السنغال مرتعاً خصباً، وكنفاً واسعاً، وأناساً مغرمين بها، يؤثرونها على غيرها، ويتراسلون بها، كما كانت سلاحًا قوياًّ في أيدي العلماء الربانيين، يواجهون به الحملات الشرسة التي كان يشنها على الإسلام وذويهِ المستعمرون الفرنسيّون. 

– أن الأدب العربي ازدهر في السنغال، وبلغ أوج ازدهاره خلالَ القرن العشرين الميلادي الذي عاش فيه أدباء مبرّزون، فكان منهم كتّاب بارعون، وشعراء مفلقون لا يشق لهم غبار، مثل: الشاعر ذي النون لي، ومحمد الخليفة انياس، وإبراهيم جوب المشعري.

– وفرة المادة الشعرية التي خلَّفها أولئك الشعراء، ورصانتها وتنوعها، وحاجتها إلى الكشف والعناية دراسة وتحقيقا، وضروة مضاعفة الجهود للتعريف بهم، لاسيما المغمورين والمجهولين منهم.

– أن هذا التراث الشعري حافل بالظواهر التي تستحق النظر والدراسة، ففيه موضوعات خصبة لو انبرى لها عصبة من أولي الفهم والعلم والحزم لقدموا لعشاق الأدبِ عملا جليلاً وخدمةً مشكورةً.

– تفاوت الشعراء السنغاليين وتباين قدراتهم الشعرية؛ فمنهم من يغرفُ من بحر، ومن ينحِـَـت من صخر!

–  غلبة النزعة الصوفية على الشعراء المذكورين، وتجلّي ذلك في شعرهم، وفي الأغراض التي تطرقوا إليها، فحفلت دواوينهم الشعرية بقصائد كثيرة في الابتهال والتوسل، والمديح النبوي، ومدح المشايخ الصوفية، كما أن التربية الصوفية كان لها أثرها في هجرهم لبعض الأغراض، مثل الهجاء الذي لا يجدُ له الدارسُ إلا نزراً يسيراً من النماذج والأمثلة، ولا يبلغُ غالباً حدّ الفحش والإقذاع!

– تأثّر الشعراء السنغاليين بالتراث الشعريّ، وخصوصًا تراثَ المديح النبويّ؛ فقد تأثروا بالقصائد الجياد التي مُدح بها سيد الوجود –صلى الله عليه وسلم- تأثّرًا بالغاً، ومن ذلك: قصيدة «بانت سعاد» لكعب بن زهير –رضي الله عنه، والبردة للإمام البوصِيري، وكذلك عشرينيّاتُ  أبي زيد الفازاري القرطبي، وتخميسها لأبي بكر بن المهيب – رحمهم الله ورضي عنهم أجمعين -. 

– التزام الشعراء للأوزان الخليليّة وحرصهم على النظم فيها، فضلا عن مجيء غالب أشعارهم على الأعاريض الطويلة، مثل الطويل والبسيط اللذين يتصدران البحور التي استعملوها، وكذلك التزموا غالباً القافية الموحدة، وظلوا أوفياء لها.

وأخيرا، أحمد الله سبحانه وتعالى الذي وفقني لإكمال هذا العمل، داعيا أن يجعله مبرورا، وسعياً خالصًا مشكورًا، معتذرًا عمّا فيه من خطل، أو تقصير أو زلل، وأشكر للأستاذ المشرف الدكتور محمد الحافظ الروسيّ الذي لم يبرح منذ قبول الموضوع يحثّني ويشجعني، ويتعهد العملَ، ولم يضنَّ عليَّ بإرشادٍ ولا تَوجيهٍ حتى استوى على سوقهِ، كما أشكر الشكرَ العطرَ لأعضاء الجنة المناقِشة: فضيلة الدكتور جعفر ابن الحاج السلمي، والدكتور عبد الرحمن بودرع، والدكتور عز الدين الشنتوف الذين تجشموا عناء قراءة البحثِ وتصحيحه، وتقويم أودهِ وتنقيحه، وللحضور الكرام، داعياً المولى الكريم أن يجزلَ للجميع الأجر والمثوبة، ويتم عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق