مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك

“العقيدة الأشعرية وسؤال التقريب”(الحلقة الثانية)

بسم الله الرحمن الرحيم                       وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

  

 

إعداد: ذ. عبد الرحيم السوني                                               https://www.arrabita.ma/wp-content/uploads/

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

 

في إطار الأنشطة العلمية التي يقوم بها مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك، نظم هذا الأخير ندوة علمية وطنية بتعاون مع شعبة الدراسات الإسلامية، ومختبر “حوار الحضارات ومقارنة الأديان” بجامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس في موضوع “العقيدة الأشعرية وسؤال التقريب”، وذلك يوم الخميس 15 صفر 1435 الموافق لـ 19 دجنبر 2013 بقاعة المحاضرات العلامة عبد الواحد بن عاشر بمقر مركز دراس بن إسماعيل على الساعة التاسعة والنصف صباحا، برئاسة فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر رئيس مركز دراس بن إسماعيل، ومشاركة كل من السادة الأستاذة الأفاضل الدكتور عمر جدية رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس، والدكتور محمد زهير منسق مختبر “حوار الحضارات ومقارنة الأديان” بنفس الكلية، والدكتور مولاي إدريس غازي أستاذ باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

بعد الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم، أخذ فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر الكلمة حيث أطّر للموضوع انطلاقا من إبراز قيمته وأهميته، وبيان الحاجة الملحة اليوم لتجديد النظر في منظومتنا العقدية التي نافح عنها علماؤنا الأوائل، وصيانتها من التيارات الهادمة والهدامة، وذلك وفق شروط تواكب ظروف العصر، وتقرب المضامين للمتلقين بما يتناسب والظروف الحديثة. بهذا النظر التقريبي أطر فضيلته للمطارحات العلمية التي تقدم بها السادة الأساتذة في الموضوع في استشكالهم النظري والعملي للعقيدة الأشعرية وفق سؤال التقريب المنوط بعلمائها، مقصدا، ومنهجا، ومضمونا، وتنزيلا.  

بعد ذلك تناول الكلمة فضيلة الأستاذ الدكتور عمر جدية في موضوع “من ملامح التقريب في العقيدة الأشعرية” التي ركزها في جملة من القضايا المرتبطة بالبحث العقدي الأشعري ارتباطا بالبعد التقريبي لهذا المكون من مكونات هويتنا الدينية، معرفا بالخصائص المنهجية الذي تميز بنائه النظري، ثم بعد ذلك تناول إشكالية التقريب وأبعادها في ارتباط بهذا المكون، وبهذا الخصوص طرح فضيلته جملة من الرؤى المنهجية والمفهومية لأصل التقريب. ثم بعد ذلك تطرق لأهم السمات التقريبية التي نظمها الإمام الأشعري في بعده التأليفي وذلك عبر عدد من الإجراءات العملية والمنهجية والمضمونية منها: الأس الاعتدالي والوسطي، والأس الأصلي. ثم ذكر جملة من المميزات لهذه العقيدة؛ ومنها كونها عقيدة السواد الأعظم من العلماء المحققين من هذه الأمة، قيامها على الكتاب والسنة تقعيدا وتطبيقا وتقصيدا، سلامة مضمونها، انبنائها على الوسطية والاعتدال، كون مبادئها وأركانها مقررة على أساس الفطرة السليمة، رصانة منهجها في دفع انتحال المضلين… الخ. فالعقيدة الأشعرية بالإضافة إلى منهجها التقريبي، كانت عنصر تقريب بين العلماء على اختلاف توجهاتهم العلمية وتنوع مذاهبهم الفرعية وتباعد أقطارهم وأمصارهم، فجمعت بين المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين واللغويين والمؤرخين…، من قبيل الباقلاني والغزالي وابن حجر وابن خلدون، وغيرهم. في الإطار ذاته نبه فضيلته على الصلة العميقة والراسخة القائمة بين العقيدة وسائر العلوم الإسلامية وخاصة علم الفقه، حيث إن عددا من المنظومات الفقهية ـ المالكية ـ مثل رسالة ابن أبي زيد والمرشد المعين- جمعت بين العقيدة كما هي في الأصول الأشعرية والمادة الفقهية العملية المالكية، وفق نظر ناظم مقرب بين مكونات الهوية الدينية الإسلامية في شموليتها.  

في حين جاءت مداخلة فضيلة الدكتور مولاي إدريس غازي الموسومة بـ “معالم التقريب العقدي عند العلامة ابن عاشر” متركزة في نموذج واقعي للنظر التقريبي الأشعري من خلال علم من أعلامه هو الإمام عبد الواحد ابن عاشر من خلال نظمه الشهير المسمى بـ”المرشد المعين على الضروري من علوم الدين”، حيث خص العلامة ابن عاشر علم الاعتقاد بكتاب مستقل في منظومته المذكورة، قصد فيه إلى بيان أمهات العقائد على مذهب أبي الحسن الأشعري(ت360هـ)، وذلك في سياق تقريبي أجمله فضيلة الأستاذ الباحث في ثلاث خصائص كبرى هي: الإرشاد والتعليم والتماس أيسر الطرق في الفهم والإفهام، وتعميم الاستفادة من علم يتهيبه العوام و يختص به العلماء. مراعاة التكامل بين العقيدة وسائر علوم الشريعة، وخاصة علمي الفقه والتصوف، من حيث الجمع بين مراتب الدين الثلاث الذي اصطلح عليه الناظم بـ”الإسلام الرفيع”. ترسيخ الاشتغال؛ إذ ليس الغرض من عرض القضايا العقدية مجرد الطرح النظري وإنما العمل والاشتغال المتمثل في تحقيق العبودية لله سبحانه قولا وعملا وحالا عبر ذكر كلمة التوحيد. والناظر في هذا النظم ـ حسب ما يقرر الأستاذ ـ يدرك بجلاء معالم التقريب العقدي لدى هذا الإمام؛ حيث جاءت مقاصده معربة عن التوجهات الأصلية الكبرى للمذهب الأشعري، والتي ينتظمها أصل التنزيه والتعظيم مقصدا، وأصل الوسطية والاعتدال منهجا. كما أبرز الأصل التقريبي لدى الإمام ابن عاشر من خلال جملة من المقاصد التي تغياها من تأليفه ومنها: محو الأمية العقدية من خلال الدعوة إلى إحياء داعية النظر والتدبر وعدم الاكتفاء بالتقليد. تمهيد قواعد العقيدة الأشعرية إحياء للمذهب السني في الاعتقاد والمراعي لما كان موصولا بالتدين الأكمل الشاخص في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم، والمتوارث عنه بالسند المتصل جيلا بعد جيل إلى زمان الناظم، وهو ما تُرجم في النظر التكاملي لدى العلماء الذين جمعوا بين المحصلات العملية والعقدية والسلوكية.

أما مداخلة فضيلة الدكتور محمد زهير التي عنونها بـ “تجديد المذهب الأشعري بين ثقل الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل” وكما هو لائح من عنوانها، حاول فيها فضيلته طرح جملة من الأنظار التجديدية المرتبطة بالعقيدة الأشعرية وفق المستجدات الراهنة انطلاقا من عدد من المراجعات، وبهذا الخصوص طرح فضيلته سؤالا متساوقا مع سؤال التقريب وهو سؤال التجديد لهذا النظر التقريبي، وهو بحسبه ضرورة حضارية ومذهبية اليوم، حتى لا يُتجاوز هذا المذهب. وهنا تساءل فضيلته عن المباحث التي يمكن تجديدها؟ في هذا الإطار أكد على أن التجديد لا يشمل المضمون العقدي بقدر ما يجب أن يشمل طرق الاستدلال ومناهجه، وكذا اللغة التي تصاغ بها تلك المضامين بما يتناسب والفهوم المعاصرة.

وفي الختام طرح فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله معصر رئيس الجلسة جملة من الإشارات حول الزوايا الممكنة لتباحث الدرس العقدي الأشعري ـ بالإضافة إلى ما تقدم به السادة الأساتذة الأجلاء ـ والتي تحتاج بحسب نظره إلى عدد من المقاربات تشمل المقاربة التاريخية، والمقاربة المقاصدية، والمقاربة المعرفية وغيرها من المقاربات التي تتغيى تناول النظرين التقريبي والتجديدي تأصيلا وتحصيلا. وقد دعا فضيلته الباحثين إلى ضرورة الاشتغال اليوم بالأنظار التقريبية للمنهج الأشعري وفق ما يتناسب والمستجدات العصرية.

وقد ختمت الندوة بقصيدة من وحي الندوة ألقاها فضيلة العلامة الأستاذ عبد السلام اجميلي من علماء القرويين جاءت معبرة عن جماع ما دار فيها من مباحثات ومدارسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق