إن من كبريات الحقائق المتصلة بالتراث الإسلامي العربي، أن أمر تقريب العلم الشرعي تحصيلا وتوصيلا مما يكاد يعد أخص خصائص الكسب المعرفي عند علماء الإسلام، حتى ليجوز معه القول إن أمة الختم هي أمة التقريب بامتياز.ولقد حاز الكسب المعرفي المغربي النصيب الأكبر من هذه الخصيصة الكبرى والحقيقة العظمى، حيث كان سؤال التقريب مناط اشتغال علماء المغرب ومحل عنايتهم في سائر حقول المعرفة الإسلامية وسائر مناحي العلم الشرعي، تمهيدا لأصوله وبيانا لتفاصيله وكشفا عن تجلياته الفروعية، ووقوفا على مناطاته وموارده التنزيلية الممكنة، كل ذلك بوعي تربوي راسخ قوامه مراعاة مقتضيات الأحوال ومقامات المخاطبين، وسياقات التخاطب والتواصل، وأساسه استثمار كافة إمكانات التبليغ والتدليل والتوجيه المفيدة في التحقيق الأمثل لمقاصد التقريب والتي تتلخص في تحصيل التحقق الأكمل بمكارم الشريعة المحمدية.ولقد كان الوعي العميق بمسألة التقريب والتمثل الكامل لإشكالاتها وقضاياها الباعث الأقوى على تأليف كتاب "المذهب والعقيدة والسلوك" لفضيلة الدكتور عبد الله معصر رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك ، حيث جاء مؤلفه على طراز المبدعات التقريبية التي تفتخر بها المكتبة التراثية الإسلامية، وذلك من خلال مطارحة أبجديات المذهب والعقيدة والسلوك بمنهج جمع بين مراعاة مقتضيات التقريب من حيث تيسير العبارة وتمهيد المضمون ومحاولة استنطاق البنى المعرفية الكبرى الناظمة لمنظومة المذهب والعقيدة والسلوك، والتي تناولها المؤلف –تناول العارف الخبير بتفاصيلها ومعالمها- باعتبارها تشكل نسقا كليا مترابط العناصر ووحدة متسقة متكاملة ذات تجليات تنزيلية وآثار تشخيصية في الممارسة المعرفية والعملية الإسلامية، مع تركيز المؤلف حفظه الله على استحضار السياق الثقافي المغربي كمجال للاستنطاق والاستكشاف والتمثل ،لإيمانه بالنموذجية المثلى للكسب المعرفي المغربي في تمثل منظومة المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والسلوك السني التمثل التكاملي الراسخ، ذلك التمثل الذي يرى المؤلف ضرورة استلهامه الاستلهام الراشد واستحضاره الاستحضار الواعي في السياق المعاصر لمسيرة البناء الحضاري للأمة،علما بأن مشروع التقريب المعرفي و العملي لعلوم الاسلام يعد رسالة عظمى وتكليفا شرعيا أخذته الرابطة المحمدية للعلماء مأخذ التطبيق و التفعيل الناجز من خلال تأسيس مراكز البحث العلمي المتخصص و خاصة مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب و العقيدة و السلوك.