مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات وأبحاثدراسات محكمةمفاهيم

1 / 1 تحديد مفهوم القيم

إن فصل الحديث في القيم، قصد التصدي للهجمات الهادفة للنيل من مقوماتنا الإسلامية، يتطلب تأسيس خطاب هادف، يحدد مبدئيا مفهوم القيم قصد توحيد المصطلح، الذي يتم التعامل بموجبه في كل استراتيجية لبناء الأنسقة القيمية. 

أ. المفهوم اللغوي:

يرتبط هذا المفهوم ويكتمل معناه بمفاهيم أخرى جنيسة :

1- « القيمة » : واحدة القيم ، فعله ا» يُقَيِّمُ «، و ماضيها « قَيَّمَ  » ، وأصله الواو لأنه يقوم مقام الشيء. فالقيمة ثمن الشيء بالتقويم. تقول تقاوموه فيما بينهم.1 وما له قيمة إذا لم يدم على شيء2.

2-  القيام: العزم ومنه قوله تعالى: (.. إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ …) (سورة الكهف.الآية 14) أي عزموا فقالوا. وهو المحافظة والإصلاح ومنه  قوله تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) (سورة النساء.الآية34). وقوله تعالى:(…إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا…) (سورة آل عمران.الآية75، أي ملازما  ومحافظا و هو الوقوف و الثبات و منه قوله تعالى:(… وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا …)(البقرة، الآية 19)  أي وقفوا و ثبتوا في مكانهم.

3- القائم بالدين: المستمسك به الثابت عليه. و كل من ثبت على شيء فهو قائم عليه3 والقائم في الملك الحافظ له4. وماء قائم أي دائم.

4- أقام الشيء : أدامه.

5- الاستقامة: الاعتدال, يقال استقام له الأمر. ومنه قوله تعالى:(…فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ…)(فصلت الآية 6)    أي في التوجه إليه دون غيره.

6- وقام الأمر واستقام : اعتدل واستوى، وقد تأخذ القيم أحيانًا هذا المعنى للاستقامة، يقول كعب بن زهير:

  «  فهم صرفوكم، حين جزتم عن الهدى #   بأسيافهم حتّى استقمتم على القيم  » 

7- قَوَّمْتُه: عدلته فهو قَويم و مستقيم.

8-القَوَام: العدل و منه قوله تعالى;  (…وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) (الفرقان، الآية 67) وقوام الرجل أيضا قامته وحسن طوله5.

9- قِوام الأمر: نظامه و عماده و مِلاكُه الذي يقوم به و منه قوله تعالى: (…أموالَكُمُالَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا …)( (النساء، الآية 5) أي بها تقوم أموركم6.

10- القَيِّمُ: المستقيم و منه قوله تعالى: (…ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ…)(سورة الروم.الآية29) أي الذي لا زيغ فيه و لا ميل عن الحق.  و قوله تعالى: ( فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)(سورة البينة.الآية3)، أي مستقيمة تبين الحق من الباطل.

11- المقام والمقامة: المكان الذي تقيم فيه.

12- قَيِّمُ المرأة: زوجها الذي يقوم بأمرها.7

يتضح مما سبق تقديمه أن لفظ »القيمة« مرتبط بمادة «قَوَمَ» التي استعملت في اللغة لإفادة عدة معان منها:

  • قيمة الشيء وثمنه؛ 
  • الاستقامة والاعتدال؛ 
  •  نظام الأمر وعماده؛
  • الثبات والدوام والاستمرار.

 ولعل اقرب هذه المعاني لدلالات لفظ »القيمة« هو الثبات والدوام والاستمرار على الشيء.

ولمفهوم »القيمة« في اللغات الأجنبية دلالات تلامس دلالات هذا المفهوم في اللغة العربية حيث:

♦       يقال في اللغة اللاتينية « valeres »؛

♦       ويقال في اللغة الفرنسية  « valeurs »؛

♦       ويقال في اللغة الإنجليزية  « values» ؛

♦       ويقال في اللغة الألمانية «werte »  .    

وترجع كلمة « valeur »  في أصلها الاشتقاقي إلى الفعل اللاتيني «valeo »    ويعني  «أنا قوي » و«  أنا في صحة جيدة »  كما تدل على الشجاعة و البسالة vaillance والصلابة و القوة ، وهو معنى يتضمن فكرة المقاومة والصلابة و التأثير و الفعالية و ترك بصمات قوية على الأشياء8

و تشتق كلمة “قيمة” في اللغة العربية من القيام وهو نقيض الجلوس، أو القيام بمعنى العزم ومنه قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)[سورة الجن آية 19]

ويدل لفظ القيام عند العرب على المحافظة والإصلاح ومنه قوله جل وعلا: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾ [سورة النساء آية 34]

وأما القوام فهو العدل وحسن القول وحسن الاستقامة ،وهذا ما فسره إبن منظور في لسان العرب إذ يقول:  القوام :العَدْل؛ قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ﴾[سورة الفرقان آية 67]؛وتفيد أقوم الحالات التي يتم فيها تَوْحِيدُ الله، وشهادةُ أن لا إله إلا الله، والإيمانُ برُسُله، والعمل بطاعته.وهذا ما تؤكده الآية الكريمة : (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) [سورة الإسراء آية 9]

وتدل كلمة “قيمة” على معان متعددة، فمنها ما هو ذو علاقة بالجانب الروحي، ومنها ما هو ذو علاقة بالطابع المادي، ومنها ما له علاقة بالمحيط الاجتماعي، والقيمة يسعى أفراد المجتمع إلى تحقيقها متى كان فيها نفعهم، وطردها والابتعاد عنها متى كانت مضرة بهم، وهذا ما يؤكده الدكتور طه عبد الرحمن بقوله: “القيم هي جملة المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها متى كان فيها صلاحهم، عاجلا أو آجلا، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم، عاجلا أو آجلا.”9

يتبين لنا مما سبق أن للقيم طابعا روحيا خالصا، وأن أفراد المجتمع هم الذين يبدعون هذه القيم التي تصبح متواجدة بينهم، فهي تكسو المعارف المختلفة والصنائع المتنوعة، يصح لنا القول بأن القيم هي ما يسعى أفراد هذا المجتمع أو ذاك إلى إيجادها داخل محيطهم الاجتماعي خاصة عندما تكون لهذه القيم مصلحة ترتبط بهذا المجتمع في القريب العاجل أو المستقبل القريب، فأفراد المجتمع باستطاعتهم إزالة هذه القيم عندما يرون بأنها تضر بهم حاضرا أو مستقبلا.

كيف نفرق بين القيم المتعددة ؟

هناك رأي يبين أننا عندما نركز على التمسك بقيمة موجودة في منظومة من القيم فإننا لا نأخذها بمعزل عن القيم التي تجاورها، وذلك لكونها ترتبط بها وتشكل معها وحدة واحدة. وهناك رأي آخر يرى بالإمكان الفصل بين القيم اعتبارا للمقوم الذي نستند إليه فهناك المقوم المادي وهناك المقوم الحضاري، وهذا الرأي هو ما ذهب إليه صاحب كتاب الحق العربي في الاختلاف الفلسفي:

 ” لذلك يصح أن نفرق في بناء ” القومية الحية” بين مقومين إثنين أحدهما المقوم العلمي التقني، وقد نسميه بـ”المقوم الحضاري” أو “المادي”، وهو قابل للنقل إلى الغير والاشتراك معه فيه؛ والثاني المقوم العملي  القيمي، وقد نسميه بـ”المقوم الثقافي” أو “الروحي”، وهو الذي ينزل من القومية منزلة قِوَامِهَا؛ فإذن القوام هو مجموعة القيم التي يأخذ بها القوم؛ وتنقسم هذه القيم المعنوية إلى قسمين إثنين: القيم الخاصة، وهي التي يتفرد بها القوم ولا يشاركهم فيها غيرهم؛ والقيم المخصصة، وهي القيم العامة التي يشتركون فيها مع غيرهم، لكن اجتماعها إلى القيم الخاصة في المجال التداولي يجعلها تتشكل بشكله وتتلون بلونها، فتصير أشبه بالخاصة منها بالعامة.”10

  • فعلماء اللغة يرون أن لكلمة قيمة دور في تحديد معنى الجملة، وأن قيمة الألفاظ تكمن في الاستعمال الصحيح لها؛
  • كما يستعمل علماء الرياضيات كلمة “قيمة ” للدلالة علىالعدد الذي يقيس كمية معينة؛
  • ويستخدم رجال الاقتصاد القيمة للدلالة على تقدير مادي لسلعة معينة ويؤكد هذا الرأي ابن منظور: “قَوَّمَ السِّلْعة واسْتَقامها: قَدَّرها”.11
  • ويستخدم أهل الفن كلمة قيمة للدلالة على الجمع بينالكم والكيف، وهي بهذا تعبّر عن كيفية الألوان والأحداث والأشكال، والعلاقة الكمية القائمة بينها.

يتضح من التعريفات المختلفة للقيمة (valeur) أن مفهومها من المفاهيم التي يشوبها نوع من الغموض والخلط في استخدامها، فقد اختلف الباحثون في وضع تعريف محدد جامع لها، وهذا الاختلاف يعزى بالدرجة الأولى إلى الموروثات الفكرية والدينية والمنطلقات النظرية والصبغة التخصصية التي لا تجعل الباحثين يتفقون بالضرورة على تفسير واحد للقيمة فإن منهم علماء الدين الذين يعنون بالقيم الدينية ومنهم علماء النفس الذين يعنون بالقيم النفسية ومنهم علماء الاقتصاد الذين يعنون بالقيم الاقتصادية ومنهم علماء الاجتماع الذين يعنون بالقيم الاجتماعية وهكذا دواليك.” والقيم بهذا إدراك معرفي وإرادة نفسية يتدخل فيهما العقل والشعور ليتبلورا في ممارسات يجلّيها الواقع عبر السعي إلى تحقيق غايات معينة، وفي معايير ثابتة ومقاييس موضوعية تحكمها تعاليم ملزمة، وتوضحها تطبيقات منضبطة، وترسخها تقاليد متداولة؛ لكن دون التجرد من فعل الذات بكل ما يعمل فيها من مؤثرات تتدخل في التمييز، ثم في توجيه الرغبات؛ مما يعكس مدى الالتزام بما تفرده تلك المعايير والمقاييس وما لها من سلطة، كما يعكس رد فعل الآخرين تجاه هذا السلوك؛ ومما يثير في النهاية معادلة ثنائية بين ما هو فردي وما هو جماعي، ثم بين ما هو ظاهر وما هو باطن، وكذا بين ما هو صواب وما هو خطأ”12.

استنادا لما سبق يمكن تحديد القيمة بأنها جملة المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء والمعاني وأوجه النشاط المختلفة والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحوها وتحدد له السلوك المقبول أو المرفوض، والصواب أو الخطأ، وكل هذا بنسبية ظاهرة لا سبيل إلى نكرانها .
فالقيم -كما يقول أهل الاصطلاح- قيم شخصية وقيم جماعية واتحاد هذه القيم يكون ما يسمى القيم الاجتماعية التي يدخل في معناها كل القيم التي ورثهاالمجتمع من دين أو عصبية أو غيرها من الروابط والضوابط والتقاليد والعوائدوالعلاقات التي تستوعب اللسان كما تستوعب الدين والفكر في شكل عقد اجتماعي تكون غايته التواضع على قيم اجتماعية معينة، تحدد طبيعة ووجهة المجتمع، وتضفي عليه صبغة خاصة خالصة له، لا تكون لغيره، وهناك اعتقاد خاطئ عند كثير من الباحثين الاجتماعيين في حصر القيم الاجتماعية في العلاقات الاجتماعية التي تكون بين أفراد أمة من الأمم أو شعب من الشعوب، فهذه نظرة ضيقة وقاصرة للقيم الاجتماعية، التي تضم في حقيقتها –وحسب ما يدل عليه وضعها الاجتماعي– كل ما ينتجه المجتمع ويفضي إليه الاجتماع وبذلك فإنه لا يمكن فصل القيم الشخصية والقيم الدينية والاقتصادية والسياسية عن القيم الاجتماعية التي تمثل بوتقة تنصهر فيها كل القيم السابقة، من حيث كون القيم الاجتماعية أصلا لهذه القيم المتفرعة عنها، والقيم الاجتماعية التي نتحدث عنها هي من شاكلة المفاهيم القيمية التي تشمل الكرامة الإنسانية والحرية والمساواة.

ب-المفهوم الاصطلاحي:

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للقيمة عن المعنى اللغوي، فهي تعني اصطلاحا: (ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان)13، ومن مرادفات القيمة: (الثمن، والسعر، والمثل. ).

إن لفظة “القيمة” أو لفظة “القيم” تعتبر من الألفاظ ذوات المدلول الغني من حيث الدلالات.  ويميز لالاند Lalande في قاموسه14 بين أربعة معان مختلفة تعود إلى أربع خاصيات للأشياء و تقوم على:

أ‌-     “كون هذه الأشياء تلاقي إلى هذا الحد أو ذاك تقديرا أو رغبة شخص، أو بصورة أكثر عادية، جماعة معينة من الأشخاص”.

ب‌-“كون هذه الأشياء تستحق هذا القدر أو ذاك من التقدير”.

ج‌-  ” كونها تلبي غرضا معينا”.

د‌-  ” واقع جماعة اجتماعية معينة، و في لحظة معينة، يجري تبادلها  ومحددة من سلعة تتخذ كوحدة”.

 ومع أن الأمر يتعلق في هذه التعريفات، بصفات الأشياء، فإن هذه الصفات يقدرها الناس، ويجري تقييمها تبعا للمنفعة التي تقدمها الأشياء للأشخاص. وعلى كل حال، فإن القول بأن شيئا ما ذو قيمة يعني الاعتراف الضمني بأن ذلك الشيء يحقق خيرا. إن التفكير في القيم هو التفكير فيما هو خير اجتماعيا أو فرديا.

و ينفي الأستاذ ناصر الدين الأسد ورود كلمة “القيم” في التراث العربي15بالمعنى الذي يستعمل اليوم، بحيث لم توظف هذه الكلمة بهذا المعنى لا بصيغة المفرد”القيمة”ولا بصيغة الجمع “القيم”. و لكن جرى على ألسنة العرب مقابل دلالة هذه اللفظة في معناها المعاصر كلمات »الخلق« و»الأخلاق« و»الخليقة« بحمولتها المتضمنة للسيئ  والحسن أو الإيجابي والسلبي، وأورد شواهد على ذلك منها قوله تعالى: في وصف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم، الآية 5). لكن لفظة ٌالخلقٌ لا تحيل إلى معنى القيم.

وبالرجوع إلى كل من د. محمد عابد الجابري وبول ريكور نلاحظ أنهما يقيمان فصلا ما بين  لفظتي “morale ” و “ethic” على أساس أن الأولى من أصل يوناني والثانية لاتينية الأصل والتمييز بينهما يقوم على أساس أن لفظة » ” مورال” تحيل إلى سلوك الفرد البشري أعني إلى الخصال التي يتحلى بها الفرد في سلوكه والتي تجعل هذا السلوك مقبولا ممدوحا، بينما تحيل اJ”إيتيك” إلى القيم التي تخص المجتمع ، أعني منظومة القيم التي تستمد منه الجماعة التوجيه في حياتها العملية واختياراتها الفكرية وتصدر عنها في أحكامها المعيارية العامة الأخلاقية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية « 16

 غير أن هناك رأيا آخر بخصوص هذين اللفظين يتجلى فيما يلي : »…فمعلوم أن اليونان استعملوا للدلالة على هذا الموضوع لفظ ” ethikos   ” (أي خلقي ) وهو الذي نقله اللاتين إلى لغتهم بلفظ moralis””؛ وقد استعمل المتقدمون من فلاسفة الغرب اللفظين بمعنى واحد باعتبارهما مترادفين وأنه كنا نجد بينهم من يوثر استعمال هذا اللفظ أو ذاك؛ أما المعاصرون منهم ، فأبوا إلا أن يفرقوا بينهما؛ وليس بدعا أن يحدث المرء تفرقة اصطلاحية فيما كان مجموعا تحت مصطلح واحد متى دعت الحاجة إلى أن يعبر بوضوح عن ضربين مختلفين من الانشغالات أو الاعتبارات أو الاستشكالات؛ لكن لا يبدو أن الأخلاقيين المعاصرين استوفوا شرط الوضوح الاصطلاحي في لجوئهم إلى التفريق بين ( ” Morals  ” ) أو ( ” Morale ” ) وبين ( ” Ethics ” ) أو ( ” Ethique ” )، ليس ذاك لأن الذي فرّق به الواحد منهم بين المصطلحين المذكورين يختلف عن الوجه الذي فرق به الآخر بينهما فقط ، بل أيضا لأنه يجوز أن يتردد هذا الواحد بين وجهين فأكثر من وجوه التفرقة أو ينساق إلى استعمال أحد اللفظين في معنى الأخر أو يورده في المواضع التي ينبغي أن يورد فيها هذا اللفظ الثاني.

فهذا يجعل “Morale  ” عبارة عن جملة الأوامر والنواهي المقررة عند مجتمع مخصوص في فترة مخصوصة، في حين تكون “Ethique  ” عنده عبارة عن العلم الذي ينظر في أحكام القيمة التي تتعلق بالأفعال، إن تحسينا أو تقبيحا؛ والحال أن الأوامر والنواهي التي تدور عليها الأولى هي بالذات الأصل في أحكام التحسين والتقبيح التي تدور عليها الثانية، بحيث لا تختلف Morale”” عن”Ethique” إلا كما يختلف الشئ عن العلم بهذا الشئ، بمعنى أن” Morale ” أنما هي الموضوع ذاته الذي تختص ” Ethique” بالنظر فيه؛ وحينئذ، لا غْروَ أن ينتهي واضع هذه التفرقة إلى الإقرار بوجود تداخل بين مسائل المفهومين المذكوري. 17  

وهناك من يرى  أن لفظة الأدب مفردة أو جمعا أقرب في معناها المستعمل عند القدامى إلى لفظة “ايتيك” بالمعنى المعاصر، لكنه يرجح استعمال لفظة ” أخلاق ” أو ” أخلاقيات “، دون تمييز بينهما في المعنى، بديلا عن لفظتي ” أدب” و”آداب”، وسنده في ذلك شيوع استعمال هذين اللفظين في الخطابات العربية المعاصرة للدلالة على ” منظومة القيم ” 18

نتبين من خلال ما سبق أن هناك عدة تعاريف اصطلاحية للفظة « قيمة»: 

♦      ” القيمة “، بإيجاز: »هي الوجود من حيث كونه مرغوبا فيه، أو موضع رغبة ممكنة. فهي إذن ما نحكم بأن من الواجب تحققه.

♦       و هي من الناحية الذاتية : صفة في الأشياء قوامها أن تكون موضع تقدير إلى حد كبير أو صغير، أو أن يرغب بها شخص، أو جماعة من أشخاص معينين.

♦     ومن الناحية الموضوعية : هي صفة الأشياء من حيث إنها جديرة بشيء قليل أو كثير من التقدير، ومثلا: قيمة الحياة، قيمة العقل، قيمة الحرية، والثقافة، والإبداع…وكلها قيم أخلاقية تواكب قيما أخرى هي القيم الجمالية كالحسن والجمال والرشاقة والأناقة، و قيما ثالثة ندعوها القيم المنطقية، وفيها الصواب، والخطأ، والمحتمل، وقيما رابعة وخامسة اقتصادية وسياسية واجتماعية، و ما إلى ذلك«19.

فالقيمة هي عبارة عن الأحكام التي يصدرها الفرد  لاستحسان أو استهجان موضوع سيكولوجي (شخص أو شيء أو حدث أو فكرة ) وذلك في ضوء تقييمهأو تقديره لهذه الموضوعات أو الأشياء، وتتم هذه العملية من خلال احتكامالفرد في ذلك  لمعارفه وخبراته و مكونات الإطار الحضاري الذي يعيش فيه ويكتسب من خلاله هذه الخبرات  و المعارف. 

 و تتحدد القيم إجرائيا استنادا لهذا التعريف على النحو التالي:

♣    أنها محك نحكم بمقتضاه  ونحدد على أساسه ما هو مرغوب فيه أو مفضلفي موقف توجد فيه عدة بدائل تتحدد من خلالها أهداف معينة أو غاياتووسائل لتحقيق هذه الأهداف أو الغايات.

♣    أنها حكم سلبي أو إيجابيي على مظاهر معينة من الخبرة في ضوء عملية التقييم التي يقوم بها الفرد.

♣    أنها تعبير عن هذه المظاهر في ظل بدائل متعددة أمام الفرد. وذلك حتى.يمكنه الكشف عن خاصية الانتقائية التي تتميز بها القيم. و تأخذ هذهالبدائل أحد أشكال التعبير الوجوبي مثل:  «يجب أن.. » أو « ينبغي أن.. »حيث يكتشف ذلك عن خاصية الوجوب أو الإلزام، التي تتسم بها القيم.

♣    أنها ذات وزن ، ويختلف وزن القيمة من فرد لآخر بقدر احتكام هؤلاء الأفرادإلى هذه القيمة في ا لمواقف اﻟﻤﺨتلفة.  وفي ضوء ذلك تمثل القيم ذاتالأهمية بالنسبة للفرد وزنا نسبيا أكبر في نسق القيم ، و تمثل القيمةالأقل أهمية وزنا نسبيا أقل في هذا النسق.

واستنادا إلى ما سبق بيانه من تعريفات يمكن استنتاج أن  القيمة هي مجموع المعتقدات والقناعات  التي ينظر من خلالها الفرد إلى أي موضوع سيكولوجي: إنسان، حدث، سلوك، أو شيء والتي تعمل على توجيه رغباته واتجاهاته نحو هذه المواضيع السيكولوجية وتحدد طبيعة سلوكه تجاهها: القبول، الرفض، اللامبالاة، التعاطف، التحامل…

                    

                                       يتبـــــــــــــع

 

المراجـــــــــــع:  

1- لسان العرب لابن منظور و الصحاح في اللغة  للجوهري : مادة (قوم)

2-   القاموس المحيط للفيروز أبادي مادة (قوم)

3-  لسان العرب لابن منظور – الصحاح في اللغة  للجوهري مادة (قوم)

4-  القاموس المحيط للفيروز أبادي مادة (قوم)

. ا5-(انظر الصحاح في اللغة (2  /  102

6-  لسان العرب لابن منظور –   الصحاح في اللغة  مادة (قوم)

7-  لسان العرب لابن منظور مادة (قوم)

8-  JOHN. Laird, The idea of value, 1929

9 — د. طه عبد الرحمان الحق العربي في الاختلاف الفلسفي ط. 2 ص: 68 – المركز الثقافي العربي  الدار البيضاء المغرب 2006

10 – د. طه عبد الرحمان الحق العربي في الاختلاف الفلسفي ط. 2 ص: 68-69  المركز الثقافي العربي  الدار البيضاء المغرب 2006

11 – ابن منظور – لسان العرب – باب “قوم”.

12-الدكتور عباس الجراري – مفهوم القيم وفلسفتها وإشكالية الواقع والمثال في منظور الاسلام- من أعمال ندوة ” أزمة القيم و دور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر”، الدورة الربيعية لسنة 2001، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “الدورات” مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2002، -ص126 .

13- ـ الموسوعة الفقهية ـ مادة قيم ـ م 34 ص 132.

14- André LALANDE, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, revu par MM. les membres et correspondants de la Société française de philosophie et publié, avec leurs corrections et observations par André Lalande, membre de l’Institut, professeur à la Sorbonne, secrétaire général de la Société (2 volumes, 1927). Réédition : Presses Universitaires de France, Paris, 2006.

15 – ناصر الدين الأسد “نظرات في لغة المصطلح و في مضمونه” من أعمال ندوة ” أزمة القيم و دور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر”، الدورة الربيعية لسنة 2001، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “الدورات” مطبعة المعارف الجديدة الرباط 2002، ص 49.

16 – د.محمدعابد الجابري –نظام القيم في الثقافة العربية – مجلة فكر ونقد العدد19 دار النشر المغربية الدار البيضاء مايو 1999.

17 – د.طه عبد الرحمان – سؤال الاخلاق – ط.1 – ص: 17 – المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب 2000

18 – نفس المرجع السابق .

19- جان بول رزفيبر (Jean Paul Resweber) “فلسفة القيم”، ترجمة د. عادل العوا، عويدات للنشر  والطباعة، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2001 ، ص.6.

Science

ذ. عمر رياض

• باحث بمركز الأبحاث والدراسات في القيم بالرابطة المحمدية للعلماء.
• عضو العصبة المغربية لمكافحة الأمراض التناسلية المعدية والسيدا.
• حاصل على شهادة عالمية في معالجة الإدمان من مدرسة السلوكيات الإدمانية، مركز الحرية، واد النطرون، مصر.
• ناشط وفاعل في مجال مقاربة التثقيف بالنظير في العديد من الهيئات والجمعيات المدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق