مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

وَظَائِف شَوَّال

بسم الله الرحمن الرحيم

 


بقلم الباحثة: دة. خديجة أبوري

      تحل على الأمة الإسلامية من كل عام مواسمُ عظيمة، وأوقاتٌ فاضلة، هي للمؤمنين مغنَم لاكتساب الخيرات ورفعِ الدرجات، وهي لهم فرصة لتحصيل الحسنات، والحط من السيِّئات. ومن هذه الأوقات شهر شوال؛ وهو من أعظم الشهور عند الله تعالى، ويستحب استغلاله بكثرة الطاعات والعبادات، وفعل الخيرات.

وشوال: اسم الشهر الذي يلي رمضان، وهو شهر عيد الفطر وأول أشهر الحج.

قال ابن فارس: «وزعم ناس أن الشوال سمي بذلك؛ لأنه وافق وقتاً تشول فيه الإبل، أي: ترفع ذنبها للقاح »([1]).

وقال غيره: «سمي بتشويل ألبان الإبل، وهو تولِّيه وإدباره، وكذلك حال الإبل في اشتداد الحر، وانقطاع الرطب، وكانت العرب تطير من عقد المناكح فيه، وتقول: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم طيرتهم؛ فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله ﷺ في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله ﷺ كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن ُتدْخِلَ نساءها في شوال) ([2]).

فمن وظائف هذا الشهر الفضيل، والتي يستحب للمسلم القيام بها: «التزوج والتزويج والدخول» دفعا لما هو متعارف عليه في أيام الجاهلية الأولى الذين يتشاءمون من وقوع الزواج فيه.

قال النووي – رحمه الله – في شرحه لحديث عائشة  المتقدم-رضي الله عنها-: «فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه ، واستدلوا بهذا الحديث . وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله بعض العوام اليوم، من كراهة التزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار  الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع » ([3]).

قال ابن كثير-رحمه الله-:«وفي دخوله صلى الله عليه وسلم بها – بعائشة- رضي الله عنها- في شوال رد لما يتوهمه بعض الناس من كراهية الدخول بين العيدين خشية المفارقة بين الزوجين ، وهذا ليس بشيء»([4]).

ومن وظائف هذا الشهر التي هيأها الله لعباده كذلك: وظيفة  صيام ستة أيام منه، لحديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا الذي خرجه مسلم في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من صام رمضان، ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر»([5]).

وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه «لطائف المعارف» منها:

1-أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.

2- أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص؛ فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه متعددة. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.

3- أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان؛ فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده.

4-أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب ([6]).

ومن وظائف شهر شوال كذلك: 

أن  شوال من أشهر الحج كما قال الله في كتابه العزيز: ﴿الحج أشهر معلومات﴾([7]).

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ( وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال، وذو القعدة وذو الحجة…)[8])وهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

المراجع المعتمدة في هذا المقال:

1- الجامع الصحيح (المسند من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه). البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. قام بشرحه وتصحيح تجاربه وتحقيقه: محب الدين الخطيب- رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه واستقصى أطرافه: محمد فؤاد عبد الباقي- نشره وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية القاهرة. ط1- 1400.

2- السيرة النبوية. ابن كثير: أبو  الفداء إسماعيل بن كثير. تحقيق: مصطفى عبد الواحد. دار المعرفة  بيوت. ط/ 1396- 1971.

3- شرح النووي على صحيح مسلم. النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. مؤسسة قرطبة. ط2 /1414-1994.

4- صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمحمد مرتضى الزبيدي. مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري. دار طيبة الرياض ط1/ 1427-2006.

5- فتح الباري شرح صحيح البخاري. ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. طبعة جديدة منقحة ومقابلة على طبعة بولاق والطبعة الأنصارية والطبعة السلفية التي عني بإخراجها الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار السلام الرياض. ط1/ 1421-2000.

6- لسان العرب. ابن منظور: محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري. دار صادر – بيروت. 

7- لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف. ابن رجب الحنبلي: زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي. تحقيق: ياسين محمد السواس. دار ابن كثير بيروت. ط5/ 1420-1999.

8- معجم مقاييس اللغة. ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر. ط1/ 1399-1979.

 

هوامش المقال:

***********

([1])  معجم مقاييس اللغة (3 /230) «مادة شول».

([2])  لسان العرب (11 /374) «مادة شول».

والحديث رواه مسلم في صحيحه (1 /642) كتاب النكاح، باب: استحباب التزوج والتزويج في شوال، واستحباب الدخول فيه، برقم (1423)  واللفظ له.

([3]) صحيح مسلم بشرح النووي (9 /298).

([4]) السيرة النبوية (2 /333).

([5])  أخرجه مسلم في صحيحه (1 /521) كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعا لرمضان برقم: (1164).

([6])  لطائف المعارف ص: (393).

([7])  سورة الحج من الآية: (197).

([8])  رواه البخاري في صحيحه (1 /485) كتاب الحج ، باب (قول الله تعالى: ﴿ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام﴾) برقم: (1572)، من طريق أبي كامل فضيل بن حسين البصري معلقا .

وقال ابن حجر في فتح الباري(3 /547):( ويحتمل أيضا أن يكون أخذه – البخاري- عن أبي كامل نفسه فإنه أدركه ، وهو من الطبقة الوسطى من شيوخه).

*راجع المقال: الباحث محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق