مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

نفحات روحية من السيرة النبوية (10)

4- التعاون في باب الخير

    ما زلنا في باب مولد النبي صلى الله عليه وسلم وما فيه من الأسرار والخيرات والبركات، المحيطة بهذا الحدث العظيم، الذي لم يكن ليمر دون تسجيل عجائب وغرائب حِكم الله تعالى، ونعمه العظيمة، وفضائله الجزيلة، لحبيبه وصفيه سيدنا ومولانا محمد الكريم صلى الله عليه وسلم.

    أثناء وضع السيدة آمنة بنت وهب لمولودها الحديث، فخر الكائنات، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، كان معها أربعة نسوة، أكرمهن الله تعالى بالحضور في هذا الحدث العظيم، وبشهود طلعة هذا المولود المبارك الجميل، وهن: السيدة أم أيمن، أمة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، السيدة الشفاء، أم عبد الرحمن بن عوف، السيدة فاطمة أم عثمان بن أبي العاص، السيدة ثويبة، أمة أبي لهب.

    فكل هؤلاء النسوة أكرمهن الله بالخير العميم والفضل الكبير بسبب شهود مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومساعدة السيدة آمنة بنت وهب على وضع مولودها، خير من ولد من الكائنات، حبيب رب العالمين، النبي صلى الله عليه وسلم.

    1- السيدة أم أيمن[1]: بركة الحبشية، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاضنته ورثها من أبيه، ثم أعتقها عندما تزوج بخديجة، وكانت من المهاجرات الأول، وقد تزوجها عبيد بن الحارث الخزرجي، فولدت له أيمن، ولأيمن هجرة وجهاد، استشهد يوم حنين ثم تزوجها زيد بن حارثة ليالي بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويعطف عليها، وكان يقول لأم أيمن: “يا أمه، ويقول: هذه بقية أهل بيتي”[2]، وقد أكرمها الله سبحانه وتعالى بكرامات عديدة إكراما لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم لما أولته من حنانها وعطفها، قال عثمان بن القاسم: “لما هاجرت أمُّ أيمن أمست بالمنصرف دون الرّوحاء، فعطِشتْ وليس معها ماء، وهي صائمة، جَهدها العطش، فدُلِّي عليها من السماء دلو من ماء بِرشاء أبيض، فأخذته فشربتْ منه حتى رويت، فكانت تقولُ: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرَّضتُ للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشتُ بعد تلك الشربة”.[3]

    عن سفيان بن عقبة قال: “كانت أم أيمن تُلْطِف النبي صلى الله عليه وسلم، وتقُوم عليه، فقال: (من سرَّه أن يتزوج امرأة من أهل الجنة، فليتزوج أم أيمن) قال: فتزوجها زيد”.[4]

والسيدة أم أيمن رضي الله عنها نالت من بركات حضورها مولد النبي صلى الله عليه وسلم كما رأينا، وامتدت هذه البركة إلى عقبها من أبنائها، فهي أم لعلمين من أعلام الصحابة الكرام وهما:

    – أيمن بن عُبيد[5]: هو الصحابي الجليل أيمن بن عُبيد بن عمرو بن بلال، وهو ابن أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو أسامة بن زيد لأمه، أكرمه الله سبحانه وتعالى بخدمة حبيبه صلى الله عليه وسلم، أَكرم بها من نعمة وفضل وخير، عن أبي ميسرة قال: “كان أيمن على مطهرة النبي صلى الله عليه وسلم، ونعليه، ويُعاطيه حاجته”،[6] وكان من عظيم فعله أنه ثبت فيمن ثبت يوم حنين، إلى أن استشهد رحمه الله مدافعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي عنى العباس بن عبد المطلب بقوله: [الطويل]

                  نصرنا رسول الله في الدين سبعة         وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشَعوا

                  وثامننا لاقـــى الحِـــــــــــــمام بنفســـــه          بما مسَّه في الدِّيــــــــن لا يتوجَّــــعُ[7]

    – أسامة بن زيد[8]: هو الصحابي الجليل أسامة بن زيد بن حارثة، وكان يُسمى حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أسامة بن زيد لأحب الناس إليَّ، أو من أحب الناس إليَّ، وأنا أرجو أن يكون من صالحِيكم، فاستوصوا به خيرا) [9].

    قال الذهبي: “وكان شديد السواد، خفيف الروح، شاطرا، شجاعا، رباه النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبه كثيرا”[10]. عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: (اللهم إني أحبهما، فأحبهما) أو كما قال[11].

2- السيدة الشفاء بت عوف[12]: 

    الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وأمها سلمى بنت عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن خزاعة، تزوجها عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة، فولدت له عبد الرحمن، شهد بدراً، والأسود أسلم وهاجر قبل الفتح، وعاتكة وأمة بني عوف.

    بعض المواقف من حياتها مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أسلمت الشفاء بنت عوف وابنتها عاتكة بنت عوف بن عبد عوف – رضي الله عنهما- وبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف من المهاجرات، هاجرت مع أختها عاتكة، وعاتكة هي أم المسور بن مخرمة، قاله الزبير. وقيل: إن الشفاء أم المسور. روى أبو أحمد العسكري ذلك هو وغيره. أخرجه أبو عمر مختصراً. وجاءت فيها سنة العتاقة عن الميت.

    توفيت – رضي الله عنها – في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله أعتق عن أمي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، فأعتق عنها. 

    والسيدة الشفاء بن عوف رضي الله عنها أكرمها الله تبارك وتعالى بسهم وافر من الخيرات والبركات، بسبب شهودها مولد النبي صلى الله عليه وسلم كما رأينا، وامتدت هذه البركة إلى عقبها من أبنائها، فهي أم الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، وأحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام.[13]

    ومن مناقبه رضي الله عنه زيادة على ما ذكر سابقا، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وراءه، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يصلي بالناس، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر، فأومأ إليه: أن مكانك، فصلى وصلى رسول الله بصلاة عبد الرحمن[14]. كما أنه رضي الله عنه أحد العلماء الذين يرجع إليهم في العلم والفتيا، “يُروى عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن أبيه قال: كان عبد الرحمن ابن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[15] كما أكرمه الله تعالى بوافر الرزق حتى صار من أغنى أغنياء الصحابة الكرام، وقد سخر ماله في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم وفي نصرة الدين.

الهوامش

[1] تنظر ترجمتها في : سير أعلام النبلاء، 2/223-227، طبقات ابن سعد، 8/223-226.

[2] طبقات ابن سعد، 8/223.

[3] المصدر السابق، 8/224.

[4] سير أعلام النبلاء، 2/224-225.

[5] تنظر ترجمته في: أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين ابن الأثير، تحقيق وتعليق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، قدم له وقرظه: محمد عبد المنعم البري، عبد الفتاح أبو سنة، جمعة طاهر النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1429هـ/2008م، رقم الترجمة: 353، 1/ 346. الإصابة في تمييز الصحابة، للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، قدم له وقرظه: محمد عبد المنعم البري، عبد الفتاح أبو سنة، جمعة طاهر النجار، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415هـ/1995م، رقم الترجمة: 394، 1/ 316-317.

تجدر الإشارة إلى أن بعض العلماء وقع لهم خلط بين أيمن الحبشي، وبين أيمن ابن أم أيمن، جاء في الإصابة، 1/ 317: وقد فرق ابن أبي خيثمة بين أيمن الحبشي، وبين أيمن بن أم أيمن”، وقد صوب ابن حجر قول ابن أبي خيثمة.

[6] المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ضبط نصه وخرج أحاديثه: أبو محمد الأسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1428هـ/2007م، رقم الحديث: 845، 1/ 225.

[7] أسد الغابة، 1/ 346.

[8] تنظر ترجمته في: أسد الغابة، رقم الترجمة: 84، 1 /194-197، الإصابة، رقم الترجمة: 89، 1 /202-203.

[9] زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، وشرحه فتح المنعم ببيان ما احتيج لبيانه من زاد المسلم، للشيخ محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطي، مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر، (ط/ت)، 5/ 118.

[10] سير أعلام النبلاء، 2 /498.

[11] صحيح البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب: مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، رقم الحديث: 3746.

[12] تنظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى، 8 /247-248.

[13] سير أعلام النبلاء، 1/ 68.

[14] المصدر السابق، 1/ 79.

[15] نفسه، 1/ 86.

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق