مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

نظرة القرآن الشمولية للنساء ج. 2

الجزء الثاني 

3. منهج القرآن في تصحيح صورة النساء:

أثناء عرض القرآن لصورة النساء في شريعة الإسلام عرض شكلين لهذه الصورة: الصورة  السلبية والصورة الإيجابية، الصور السلبية التي تسيطر على مخيلة العرب، والتي جعلتهم يتعاملون مع النساء بمكاييل مختلفة حسب مصلحتهم منهن، ويمكننا استخلاص هذه الأوضاع المتردية التي عشنها في الجاهلية من خلال تلك النواهي والأوامر الواردة في القرآن بشأن قضايا النساء، كقول الله تعالى مثلا:﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[1]، ونلاحظ هنا اهتمام القرآن حتى بالفتيات والمقصود بهن الإماء، فالإكراه على الفاحشة لا فرق فيه بين الحرة والأمة، فالقصد القرآني الحفاظ على كرامة النساء بغض النظر على مرتبتهن الاجتماعية، ومثل ذلك قوله تعالى:﴿فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[2]، فكُره الرجال لنسائهن لم يذكر هنا من باب الافتراض، بل هو أمر واقع في المجتمع الجاهلي، ومثل هذا كثير كمسألة العضل، أو حرمان النساء من حقوقهن في الميراث أو الرضاع أو الحضانة وغيرها..

كما أن القرآن أثار موقف المجتمع من إنجاب الأنثى وبيَّن بطلان ما تذهب إليه العرب عند اشمئزاز الرجال من إنجاب البنات، فبنى نقده لهم على تناقض مواقفهم، ففي الوقت الذي يرفضون أن تنسب لهم البنات يدَّعون أن الملائكة بنات الله، فينسبون لله ما ينزهون أنفسهم عنه، قال الله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ[3]، فالله تعالى في هذه الآية يبرز تناقض المشركين إذ يجعلون لله، وهو خالقهم ومعبودهم، البنات وينزهون أنفسهم عن ذلك ويكرهونه، وأشار الله عز وجل في هذه الآية إلى الأنثى على أنها بشارة، والبشارة لا تكون إلا بالشيء الجميل الحسن مع أنه يعلم أنهم يكرهون البنات، وبيّن أن موقفهم هذا صادر عن الهوى والشهوة، وهو حكم سيء جائر كما جاء في آخر الآية، والأمثلة على مثل هذا في كتاب الله كثيرة.

ومن الحقوق التي منحها الحق عز وجل للنساء وأمر بتحقيقها حق الحياة، قال تعالى:﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾[4]، وقال عليه السلام:” من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها- يعني الذكر- أدخله الله بها الجنة[5]، وقال صلى الله عليه وسلم:”من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو أختين أو بنتين، فأدبهن وأحسن إليهن فله الجنة[6] وقال عليه السلام أيضا:” من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار[7]، وقال عليه السلام:”إنما النساء شقائق الرجال[8]. وفي عهده صلى الله عليه وسلم عرفت النساء مشاركة فعالة في كل الميادين سواء السياسية (كالمشاركة في البيعة وفي الغزوات)، أو العلمية (بتلقين مبادئ الإسلام)، أو الاجتماعية، أو الصحية، أو المالية.. وهذا في حقيقة الأمر تطبيق عملي للنصوص القرآنية على أرض الواقع.

وإلى جانب هذا ذكر القرآن نماذج نسائية قلَّ نظيرهن في التاريخ، فكان بذكره لهن في إطار قصصي دور في تفعيل حقوق النساء في الواقع، فنجده بذكر قصة زوجة فرعون وقصة زوجة لوط وزوجة نوح مغزى عقديا، فللمرأة حق في اختيار الدين وعدم إكراهها على أن تدين بدين أهلها، فالأولى مؤمنة متزوجة بكافر، والثانية والثالثة كافرتان في عصمة نبِيَّين من أنبياء الله تعالى وهما نوح ولوط عليهما السلام، قال تعالى:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[9]، وفي ذكر قصة بلقيس إشارة إلى حق المرأة في تقلد المهام السياسية وحكمها لقومها واعتمادها مبدأ الشورى، قال تعالى:﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ. قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾[10]، وفي قصة مريم أعطى للمرأة الحق في تولي المناصب الدينية في الوقت الذي كان فيه قومها يحرمونها من هذا الحق ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[11]، وفي قصة المجادلة بيّن حق المرأة في الدفاع عن نفسها، قال تعالى:﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[12].

هذه بعض الأمثلة على عناية واهتمام الشرع بالنساء، ولا يمكن لأي متتبع للآيات القرآنية أن ينفي الاهتمام الذي أولاه القرآن الكريم للنساء في كثير من المراحل من البنت إلى الأخت إلى الزوجة إلى الأم، وضرب الكثير من الأمثلة.

وقد مثل عصر النبوة خير مثال على تحقيق ذلك في الواقع، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان معلما ومصلحا ومرشدا لنساء المسلمين، بدءا من بناته وزوجاته، يتوجهن إليه في الأمور الكبيرة والصغيرة، ولم يكن لهن قامعا أو مانعا، بل كان كلامه يوافق التنزيل الرباني.

 

4.خاتمة

وكما رأينا فالقرآن يقدم صورة متكاملة للنساء، ونظرة شمولية تعم عدة جوانب، كالجانب التشريعي والجانب العملي والجانب الأخلاقي والجانب الحقوقي والجانب التربوي، من خلال أحكام الزواج والطلاق والإرث والمعاملات… في إطار تنظيم العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وإعطاء كل ذي حق حقه بلا حيف ولا ضرر وفق العدل الإلهي الذي يتحقق به مفهوم الاستخلاف في الأرض.

وخلاصة القول إن القرآن لم يميز بين النساء والرجال، بل حتى خطابه لم يكن خطابا ذكوريا، وإنما كان موجها لكلتا الفئتين فئة الرجال وفئة النساء، مستعملا صيغا متعددة تدل على عموم المخاطب (الرجل والمرأة) مثل: “يا بني آدم” “يا أيها الذين آمنوا” “يا أيها الناس” ” أمة” ” قوم”… فهو خطاب شمولي يعم الإنسان بشقيه الذكر والأنثى، قال تعالى:﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾[13].


[1] سورة النور، الآية: 33.

[2] سورة النساء، الآية: 19.

[3] سورة النحل، آية: 57-59

[4] سورة التكوير، الآيات: 8-9.

[5] مسند الإمام أحمد رقم الحديث 1958.

[6] سنن أبي داود، أبواب النوم،، رقم الحديث 5147.

[7] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، رقم الحديث: 1352.

[8] رواه أبو داود في كتاب الطهارة رقم الحديث: 236.

[9] سورة التحريم، الآيات: 10/12.

[10] سورة النمل، الآيات: 29/34.

[11] سورة آل عمران، الآيات:35/37.

[12] سورة المجادلة، الآية: 1.

[13] سورة آل عمران، الآيات 191-195

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق