مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةقراءة في كتاب

ميثاق الزوجية – عقدا ونقضا وأثرا – بين اللخمي والسرخسـي وموقع مدونة الأسرة بالقطر المغربي من اجتهاداتهما

إنَّ الأطروحة الجامعية الموسومة  ب‍‍‍ (ميثاق الزوجية – عقدا ونقضا وأثرا – بين اللَّخميّ والسَّرخسيّ وموقع مدونة الأسرة بالقطر المغربي من اجتهاداتهما) والمسَجَّلة ببنية: تأهيل الأسرة وآفاق التنمية (2014 – 2015م‍) بإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور: عبدالرحمان العمراني (سلَّمه الله)، لَتَرْتام في مَنحاتها وترتجي في مَشْرعتها؛ اقْتناص أعيان المسائل الفقهية الأسرية وتَقَصّـي رُؤوس مشكلاتها الخلافيَّة – المتَّصلة بميثاق الزوجية- التي وقع فيها خِلافٌ بين اللَّخْمي (المالكي) والسرخسـي  (الحنفي) ومدونة الأسرة المغربية، ومحاولة رصْد وسائل التَّوفيق والملاءمة بين المدارك المتضادَّة والأنظار المتعارضة، على الوجْه الذي يحفظ رُوَاء الشـريعة الغرَّاء، ويَكْفُل للمكلَّف حقَّ اليُسـر ومقصد التَّخفيف الموعود؛ بغية النهوض بأوضاع الدرس الفقهي– بالقطر المغربي خاصة – في شتى مستوياته وتفريعاته، فلأجل ذلك وغيره انفرشتْ أجزاء هذا الثالوث الفقهي المعلَن (اللخمي والسرخسـي ومدونة الأسرة) على صعيد المقاربة والموازنة في الحُكْم، بعد تعرُّف أصول النظر والاستدلال وتبيُّن مآخذ الحُكم وفرز طرائق الاستنباط ومسالكه، حَصْـراً للخلاف في إطاره وحيِّزه مع تعيين مَدارجه ومخارجه، مما له نوع اتصال بتبيين أَبْجَديَّات فقه الاختلاف وتحصيل أنْماطه ومآلاته.

وأما على التفصيل؛ فإن هذه الأطروحة تنُوءُ برصد المحدِّدات الفقهية للمدرسة المالكية القيروانية التي يمثِّلها اللخمي، وتُبيّن كيف انمازتْ عن سائر مدارس الفقه المالكي الأخرى (البغدادية والمصـرية والأندلسية)، على جهة المنهج المتَّبع في نقد مسائل (المدوَّنة)، وشدَّة الملازمة لها والتَّحَرِّي لمبانيها، بتحرير ألفاظها وتصحيح رواياتها، ثم بيان وجوه اضطرابات أجوبتها وما إليه، ثم تُبرِّزُ تجلِّيات الكيان الفقهي الحنفي، وما لقيه من خُلَّص تلامذته وخَدَمته، خاصَّةً الطبقة الثالثة التي ينتسب إليها السَّرخْسـي وأترابه، كما تُعْنى الأطروحة بلحْظ موقع مدونة الأسرة بالقطر المغربي في تشـريعاتها المعاصرة، من خلال الوقوف على وجوه استنباطاتها وطرائق اختياراتها وانفراداتها …، ثمَّ تبيين مدى حرصها على إنشاء قضاء اجتهادي عملي، ذي نجاعة وفاعلية في ضبط مُتَغَيِّرِ أفعال المكلَّفين… غايته كشف غموض بعض النصوص التشـريعية المُشْكِلة، وتتميم حُكْم سلطة المشـرِّع في النَّوازل الوقتيَّة المستجِدَّة مما لم يُعْهد قبلُ، حتى يستفيد لأجْل ذلك الباحثُ النَّاظرُ والقاضي المُمارِس، ثم قياس درجة حضور مبدإ التَّوسعة على السَّائرين المتعبّدين بتفصيلات خطاب الشريعة، وإيقافهم على طرائق ربْط الفروع الفقهية العمليَّة بأصولها ومنازعها النَّظريَّة في كل مذهب على حِدَة، وتركيب الأوجه الشرعيَّة على جهة الأَولوية الحُكمية، وتعيين الأحق – منها – بالتقديم في رعْي المصلحة، وتَثْبيت قَصْد الشَّارع الحكيم ومراده بشرائطه.

فشعار الأطروحة وديدنها كمنٌ في نهج سبيل المقارنة والمقاربة بين الأنظار الفقهية الثلاثة (اللخمي والسرخسي ومدونة الأسرة)، بُغْية تحصيل الموازنة الحُكْمية، ذاتِ الكَفَالَة بتحقيق استقرار الأسرة المسلمة الكريمة، والعائلة المتَّزنة المتشبعة بمبادئ الشـريعة الغرَّاء، في هدْي المسْتجِدِّ المعاصِر ومقتضياته (تنزيلا، تعليلا)، مع رعْي سُلَّم الثوابت الاجتهادية الشرعية ولحْظ ضابط التَّرتيبات المصْلَحيَّة المرعيَّة.

إن مدونة الأسرة باعتبارها الإطار القانوني المرجعي المنظم لأحوال المغاربة الشخصية، والضابط لعقودهم والتزاماتهم …؛ قد راكمت جملة من الإشكالات العملية أثناء تنزيل موادها ونصوصها في واقع الناس، ثم ليس مرجع الإشكال الذي اعترى تطبيق نصوص المدونة متصلا بطبيعة مادتها القانونية فقط، بل الأمر متَّصلٌ بتعدد تفسيرات المحاكم الترابية واختلاف تأويلاتها في الحكم، وكذلك وجود ممارسات مجتمعية تُفَرِّغ النصوص القانونية من مضامينها ومقاصدها المعتبرة، وأسباب أخر تضرب في أنماط خدمة المآرب الشخصية و التوجهات السياسية وما إليها.

وعليه؛ الأطروحة قد سجّلت في خاتمتها طائفة من النتائج المشكلة التي تتعلق بالبعد التشـريعي والتنزيلي لنصوص المدونة، وكذا القوانين الأسرية المواكبة التي تخلَّلت مطالب هذه الأطروحة وفقْراتها، ولعلَّ أبرز الإشكالات الكبرى التي أفرزها الواقع التنزيلي لمدونة الأسرة المغربية هي:

قضية الصُّلْح، وذلك في قضايا الفُرَق بين الزوجين والحضانة والنفقة وما إلىها، وما يتطلبه في القائم به [قاض، حكَم، مجلس عائلة] من مهنية عالية، وتكوين خاص في مجال حلِّ النزاعات وفي ظلِّ غياب قانوني منظِّم له؛ بغية تحصيل النتائج المرجوَّة، وهي الحفاظ على تماسك الأسرة وضمان استقرارها.

قضية زواج القاصر؛ إذ أضحتْ مثار جملة من التجاذبات ذات الأبعاد الدينية والثقافية والاجتماعية، التي تفتح مجالا تساؤليا عن مدى ملاءمة استمرار القبول به في ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن منطلق ما تقضي به الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية.

قضية صندوق التكافل العائلي؛ فإنه لم يَرُقْ جُلَّ الأسر المغربية المعوزة، نظرا لضعف المخصَّصات المالية المعيَّنة (350 درهما لكل مستفيد، على أن لا يتعدى مجموع المخصَّصات المالية لأفراد الأسرة الواحدة 1050 درهما)، زيادة على عسر الإجراءات الاستفادة من الصندوق وما إليها.

قضية سماع دعوى الزوجية، وذلك لأنَّ التوسع في تطبيق الاستثناء الذي تضمنته (المادة 16) قد أسفر عن جملة من الإشكالات مثل التهرُّب من المسطرة القانونية التي فرضتها مدونة الأسرة على بعض أنواع الزواج مثل: الزواج دون سن الأهلية وتعدُّد الزوجات خاصة وزواج الجنود والعساكر، إذ يتم استغلال هذه المقتضيات للقفْز عن الإذن المسبق وإحداث واقع يجعل المحكمة مضطرة إلى الاستجابة له خاصة عند وجود الأطفال وما إلى ذلك. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع.

د.مولاي مصطفى بوهلال

    • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق