مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

من إلهامات الهجرة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين

 وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.

بقلم الباحثة: دة خديجة أبوري

وبعد:

ففي تاريخ أمتنا الإسلامية المجيدة أحداثا ووقائع  لها أثرها ودورها البالغ في حياة المسلمين، ومن هذه الأحداث «حدث الهجرة النبوية»؛ الذي جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فهي لم تكن حدثًا عاديًا، ولا عابرًا كغيره من أحداث التاريخ، بل كانت نقطة انطلاق وتحول، وحدا فاصلا بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.

ونظرًا لهذه المكانة الرفيعة التي تبوأتها الهجرة النبوية واحتلتها كأعظم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية، اخترت هذا الموضوع لأفرده بهذا المقال الذي سأتناول فيه إن شاء الله تعالى بعض إلهامات ودلالات هذا الحدث العظيم فأقول وبالله اعتمادي وسندي:

من إلهامات الهجرة النبوية

إن الهجرة النبوية ليست مجرد واقعة زمانية انتهت ومضت بمضي تاريخها؛ وإنما هي حركة إيمانية دائمة متجددة، وشاملة لدلالات وإلهامات متعددة خالدة،  التي يجدر بأمة الإسلام الوقوف عندها، ومن هذه الإلهامات أذكر:

* الإنتصار للإيمان وإعلاء لكلمة الله وتخليص النفس المؤمنة من أسر  الظلم والطغيان.

* هجر الذنوب والمعاصي والآثام من خلال تزكية النفس والعمل على التحرر من شهواتها، والحرص على التوبة والإنابة والرجوع إلى باب الرحمن فعن معاوية رضي الله عنه قال: تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها»([1]).

* المحبة للبلد والوطن وقد جسده النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من الغار ووقف في أطراف مكة مودعا لها في حزن على فراقها «أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت»([2])

* هجر البخل والشح وحب المال، وكل ما يبعد المسلم عن خصال الجود والكرم والإيثار والتكافل الإجتماعي، الذي يعزز أواصر المحبة ويجعلهم بمثابة جسد واحد مصداقا لقوله تعالى: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولائك هم المفلحون﴾ ([3])

* الأخذ بالأسباب المشروعة والتوكل على الله تعالى، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذه السنة الربانية من أول هذا الحدث إلى منتهاه فمثلا عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع رفيقه أبي بكر رضي الله عنه ليلا ومن باب خلفي، وقد سلكا طريقا غير مألوفة للقوم، مع الاستعانة بمن يدلهما على مسالك الطريق وهو عبد الله بن أريقط الليثي–وهو على دين قومه– والليل كما هو معروف ستار آمن، والتحرك فيه عادة يقلل من احتمالات رؤيتهما([4]) ،كما هيأ من يأتي له وصاحبه بالزاد والأخبار وهما: أسماء وعبد الله ابنا أبي بكر- رضي الله عنهما-، ومن يخفي آثارهما بغنمه بعد رجوعهما وهو عامر بن فهيرة – رضي الله عنه-.كما اختار صلى الله عليه وسلم الغار الذي يختبئ فيه وصاحبه أياما وهو غار ثور.

* التضحية وتربية النفس عليها من أجل الدين، وقد تجسد هذا في قصة صهيب بن سنان الرومي الذي خُيِّر بين الدين والدنيا فاختار الدين. روى ابن حبان في صحيحه عن أبي عثمان النهدي، أن صهيبا حين أراد الهجرة إلى المدينة، قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا، فكثر مالك عندنا، وبلغت ما بلغت ثم تريد أن تخرج بنفسك ومالك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم: «أرأيتم إن أعطيتكم مالي أتخلون سبيلي»؟ فقالوا: نعم، فقال: «أشهدكم أني قد جعلت لهم مالي»، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:  «ربح صهيب، ربح صهيب»([5])

* التربية على المحبة والأخوة الإسلامية الصادقة؛ لذلك كان  أول ما أقدم عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوم هاجر إلى المدينة مبدأ  الأخوة بين المهاجرين والأنصار مؤاخاة أقبل الأنصار فيها على إخوانهم المهاجرين يقاسمونهم الديار والأموال والمتاع؛ وقد خلد القرآن الكريم فعلهم هذا وأثنى عليهم بقوله: ﴿والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾([6]).

* ومن إلهاماتها: التفاؤل والأمل في الفرج بعد الشدة، والعزة والنصر بعد الذلة والهزيمة، والوحدة بعد التفرقة، مع الثقة بالله تعالى واليقين في وعده بالانتصار لدينه.

الخاتمة

وفي الختام أحمد الله  تعالى الذي وفقني في هذا المقال للحديث عن بعض إلهامات ودلالات الهجرة النبوية، سائلة المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع، وأن ينفع به إنه مجيب

 **************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه أحمد في مسنده (28 /111) برقم: (16906).

([2]) أخرجه أبو يعلى في مسنده (5 /69) برقم: (2662).

([3]) الحشر من الآية: (9)

([4])  في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية ص 86 ، والقصة رواها الحاكم في المستدرك 3/9 برقم 4272 من حديث عائشة رضي الله عنها.

([5]) أخرجه ابن حبان في صحيحه (15 /557) برقم: (7082).

([6]) الحشر الآية: (9).

*************

المراجع المعتمدة

1- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان. أبو حاتم البستي: محمد بن حبان البُستي. مؤسسة الرسالة. ط2/ 1414- 1993.

2- في السيرة النبوية قراءة لجوانب الحذر والحماية الدكتور إبراهيم علي محمد أحمد. العدد 54 رجب 1417 هـ

3- المستدرك على الصحيحين للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري مع تضمينات الإمام الذهبي في التلخيص والميزان والعراقي في أماليه والمناوي في فيض القدير وغيرهم من العلماء الأجلاء دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا . ط 2/ 1422 هـ – 2002 مـ دار الكتب العلمية بيروت لبنان .

4- مسند أبي يعلى. الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي. تحقيق: حسين سليم أسد دار المأمون للتراث – دمشق. ط1/ 1404 – 1984

5- المسند. أحمد بن حنبل. تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. ط2/ 1420-1999

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق