مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

من أقوال الصحابة رضي الله عنهم عند الموت (2)

 

 

 

تقديم واختيار: ذ.نورالدين الغياط. 

إنّ للصحابة رضي الله عنهم فضل كبير في تبليغ الدعوة ونشـر هذا الدين، وقد ورد فضلهم هذا في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشـريفة. لما تمتعوا به من  الصفات العالية والأخلاق الحميدة، فقد كان الصّحابة مثالًا في الورع والصّلاح والتّقوى والبذل في سبيل الله، وكان لكلّ واحدٍ منهم صفة تميّزه عن غيره، فكلّ الصّحابة كانوا مناراتٍ يُهتدى بها في ظلمات الحياة ودياجيرها، نهل جميعهم من نور النبوة والصحبة الشـريفة لسيد الخلق بنصيب وافر، وفازوا بذلك فوزا كبيرا.

لذلك فضّلهم النّبي صلّى الله عليه وسلم على غيرهم، فقال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»([1])، كما نهى أن يتعرّض لهم أحد بالسّوء، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسـي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([2]).

ومن بين هؤلاء الأعلام الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي قال عنه النبي H:«إيه، يا ابن الخطاب، والذي نفسـي بيده ما لقِيَك الشيطانُ سالكًا فجًّا قطُّ، إلا سلك فجًّا غيْر فجِّك»([3])؛ وقال فيه أيضا: «لو كان بَعدي نبيٌّ، لكان عمر بن الخطاب»([4]).

هو عمر بن الخطاب بن نفيل، أبو حفص، الفاروق، أمير المؤمنين، المحدَّث الملهم، وثاني الخلفاء الراشدين، وهو أحد العشـرة المبشَّـرين بالجَنَّة. وأحد السابقين الأولين، وصهر رسول الله H، من كبار علماء الصحابة وزهادهم.

وُلد رضي الله عنه بعد عام الفيل بثلاث عشـرة سَنَة، وكان مِن أبطال قريش وأشرافهم، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، دخل في الإسلام قبل الهجرة بخمس سنين، وكان إسلامه عزًّا وقوة للمسلمين، وفرجا من الضيق. فعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

قال: «اللهم أَعِزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب»، قال: «فكان أحبَّهما إليه عمر بن الخطاب»([5]). وفي الصحيح: «مازلنا أعزة منذ أسلم عمر»([6]).

وقد اشتُهِر عمر رضي الله عنه بعدله، وغدا مضـرب المثل في ذلك، يحرص على تفقُّد أحوال الناس بنفسه، فكانت له الهيبة على سائر نواحي الدولة الإسلامية.

لقد أُعطَي الفَارُوقُ عِلْما، ونَظَرًا ثَاقبا وفَهما، ورُؤْيةً وَاسعةً وحِكْمةً، فكان الحق يجري على لسانه: قال رسول الله H: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»([7])، وقد قال عنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لقد كان فيما قبلكم مِن الأمم ناس محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد، فإنه: عمر»([8]) ، وربما رأى الفاروقُ رضي الله عنه رأيًا، أو خَطَرَ على باله خاطرٌ، فيأتي الوحيُ مؤيِّدًا رأيه، وهذا ما عُرف بالموافقات([9]).

قال عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (ما على ظهر الأرض رجلٌ أحبُّ إليَّ مِن عمر).

وقال فيه عليٌّ رضي الله عنه: (إذا ذُكر الصالحون، فحَيَّهَلَ([10]) بعمر، ما كنا نُبْعِدْ أن السكينة تنطق على لسان عمر).

وفيما يلي درر مختارة من أقواله رضي الله عنه لمّا طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وحضره الموت:

عن نافع أن عمر رضي الله عنه لما طُعِنَ قال: (من طعنني؟) قالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فقال للعباس رضي الله عنه: (هذا عملك وعمل أصحابك، والله لقد كنت أنهاكم أن تجلبوا إلينا منهم أحدا)، وقال: (الحمد لله الذي لم أخاصم في ديني أحدا من المسلمين)([11]).

قال عبدالله بن عمر: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه. فقال: (ضع رأسي على الأرض). فقلت: (ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!) فقال: (لا أم لك، ضعه على الأرض). فقال عبدالله: (فوضعته على الأرض). فقال: (ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عزّ وجلّ)([12]).

وقال رضي الله عنه لما طعنه أبو لؤلؤة : (أوصيكم بكتاب الله عز وجل؛ فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه. قال: قلنا: أوصنا. قال: أوصيكم بالمهاجرين؛ فإن الناس سيكثرون، ويقلون، وأوصيكم بالأنصار؛ فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه، وأوصيكم بالأعراب؛ فإنهم أصلكم ومادتكم. ثم سألته بعد ذلك، فقال: إنهم إخوانكم، وعدو عدوكم، وأوصيكم بذمتكم؛ فإنها ذمة نبيكم صلى الله عليه وسلم، ورزق عيالكم، قوموا عني. فما زاد على هؤلاء الكلمات )([13]).

عن المسور بن مخرمة، قال: لما طُعِنَ عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه: يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون، قال: (أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه، فإنما ذاك مَنٌّ مِنَ الله تعالى مَنَّ به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه، فإنما ذاك مَنٌّ مِنَ الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل، قبل أن أراه)([14]).

قال ابن عباس: لما طعنه أبو لؤلؤة يعني عمر فذكر كلاما قال عمر: (وإنَّ للأحباء نصيبا من القلب، وما كنت أظن أني أكره الموت، ولكني كرهته حين نزل، ولقد تركت زهرتكم كما هي ما لبستها فأخلقتها، ولم تكن يانعة في أكمامها أكلتها وما جنيت ما حميت منها إلا لكم، ولا أخرجتها في سواكم، ولا في غير مصلحتكم. وما تركت ورائي درهما ما عدا اثنين وأربعين درهما، ولوددت أنها في. . في حرثكم هذا)([15]).

عن المسور بن مخرمة انه دخل مع ابن عباس ليلة طُعِنَ عمر فلما أصبح من الغد فزعوه فقالوا: الصلاة ففزع وقال: (نعم ولا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة)، فصلى وجرحه يثغب دما([16]).

وقال ابن عباس: أنا أول من أتى عمر حين طُعِنَ، فقال: (احفظ عني ثلاثا، فإني أخاف أن لا يدركني الناس، أما أنا فلم أقض في الكلالة قضاء، ولم أستخلف على الناس خليفة، وكل مملوك له عتيق، فقال له الناس: استخلف، فقال: أي ذلك أفعل فقد فعله من هو خير مني: إن أدع إلى الناس أمرهم فقد تركه نبي الله – صلى الله عليه وسلم -، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى، أبو بكر، فقلت له: أبشر بالجنة، صاحبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأطلت صحبته، ووليت أمر المؤمنين فقويت وأديت الأمانة، فقال: أما تبشيرك إياي بالجنة فوالله لو أن لي، قال عفان: فلا والله الذي لا إله إلا هو لو أن لي الدنيا بما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر، وأما قولك في أمر المؤمنين فوالله لوددت أن ذلك كفافا لا لي ولا علي، وأما ما ذكرت من صحبة نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فذلك)([17]).

و عن ابن عمرَ قال: أوصاني عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (إذا وَضَعتني في لَحْدي، فَافْضِ بخَدِّي إلى الأرضِ حتى لا يكونَ بين خدِّي وبين الأرض شيءٌ)([18]).

ومما أوصى به ابنه عبدالله: (يا بني، إذا حضـرتني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني، ويدك اليسـرى  على ذقني، فإذا قبضت فأغمضني، واقصدوا في كفني، فإنه إن يكن لي عند الله خير أبدلني خيرا منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن يكن لي عند الله خير وسع لي فيها مد بصـري، وإن كنت على غير ذلك ضيقها علي حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرجن معي امرأة، ولا تزكوني بما ليس في، فإن الله هو أعلم بي، وإذا خرجتم بي فأسرعوا في المشـي، فإنه إن يكن لي عند الله خير قدمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك كنتم قد ألقيتم عن رقابكم شرا تحملونه)([19]).

ودخلت عليه ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقالت: (يا صاحب رسول الله، ويا صهر رسول الله، ويا أمير المؤمنين، فقال عمر لابن عمر: يا عبدالله أجلسني، فلا صبر لي على ما أسمع، فأسنده إلى صدره، فقال لها: (إني أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأما عينك فلن أملكها، إنه ليس من ميت يندب بما ليس فيه إلا الملائكة تمقته)([20]).

وقال رضي الله عنه لابنه: (يا عبدالله بن عمر، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها، أن أدفن مع صاحبي، قالت: كنت أريده لنفسـي فلأوثرنه اليوم على نفسـي، فلما أقبل، قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين، قال: ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي، فادفنوني، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين، إني لا أعلم أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فمن استخلفوا بعدي فهو الخليفة فاسمعوا له وأطيعوا، فسمى عثمان، وعليا، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وولج عليه شاب من الأنصار، فقال: أبشـر يا أمير المؤمنين ببشـرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله، فقال: ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا علي ولا لي، أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا، أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوؤوا الدار والإيمان أن يقبل من محسنهم، ويعفى عن مسيئهم، وأوصيه بذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم)([21]).([22])

 


([1]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم:4/1963 رقم: 2533.

([2]) أخرجه مسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب النهي عن سب أصحاب النبي H وفضلهم على من بعدهم:2/465 رقم: 1746.

([3]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب المناقب– باب مناقب عمر بن الخطاب:5/11 رقم: 3683، ومسلم في الصحيح-كتاب فضائل الصحابة– باب فضائل عمر بن الخطاب:4/1863 رقم: 2396.

([4]) أخرجه الترمذي في الجامع-مناقب عمر بن الخطاب رقم: 3619. والحاكم في المستدرك: 3/92 رقم: 4495.

([5]) أخرجه أحمد في المسند: 9/506. والترمذي في السنن-أبواب المناقب- باب في مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه-6/58 رقم: 3681. قال أبو عيسى: (هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر).

([6]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب المناقب– باب مناقب عمر بن الخطاب:5/11 رقم: 3684.

([7]) أخرجه الترمذي في الجامع-كتاب المناقب-باب في مناقب عمر بن الخطاب 5/436، رقم: 3583، قال أبو عيسى: (وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه).

([8]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب المناقب– باب مناقب عمر بن الخطاب:5/12 رقم: 3689.

([9]) ينظر كتاب عمر الملهم وموافقاته للآي التنزيل للدكتور بدر العمراني من اصدارات مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين التابع للرابطة المحمدية للعلماء. دار الأمان-ط1-2012.

([10]) حَيَّهَلَ: كلمة يستحث بها . انظر لسان العرب:14/211.

([11]) أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة: 3/903.

([12]) أخرجه ابن الجعد في المسند: 1/136، وأبو داود في الزهد: 1/65، وأبو نعيم في حلية الأولياء: 1/52، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 44/445.

([13]) أخرجه أحمد في المسند: 1/419، قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (حديث صحيح، رجاله ثقات)، وأخرجه ابن أبي جعد في مسنده: 1/195، واللفظ له، والبيهقي في السنن الكبرى: 9/347.

([14]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم–باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه- 5/12 رقم: 3692.

([15]) أخرجه ابن أبي داود في الزهد: 1/71-72.

([16]) أخرجه ابن كثير في مسند الفاروق: 1/136-137.

([17]) أخرجه أحمد في المسند: 1/408، وقال المحقق شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح).

([18]) أخرجه أحمد في الزهد: 1/120، وعنه ابن كثير في مسند الفاروق: 1/350.

([19]) أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/358-359، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 44/446.

([20]) أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/361، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 44/448.

([21]) أخرجه البخاري في الصحيح-كتاب الجنائز-باب- باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما-2/103-104 رقم: 1392.

([22])  طبقات ابن سعد، المحقق: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، الطبعة: الأولى، 1968م. تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي- دار الفكر للطباعة والنـشر والتوزيع. طبع سنة 1415 هـ – 1995م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق