مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات وأبحاث

من آثار غزوة أحد

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

  الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد: 

     فإن من رحمة الله بعباده أن جعل المحن والابتلاءات فرصة لمراجعة النفس البشرية وتصحيح أخطائها، فهي سنة الله تعالى في خلقه  قال سبحانه: ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾([1]).

وغزوة أحد من المحطات الكبرى في تاريخ الإسلام لحق فيها بالمسلمين هزيمة ميدانية في وقت قريب من انتصار سابق ببدر، بسبب مخالفة الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الهزيمة التي تجاوزها المسلمون بسرعة، فكانت نقطة انطلاق جديدة في مسيرة الدعوة الإسلامية التي حققت الانتصار بعد ذلك فدخل الناس في دين الله أفواجا.

       لقد كان لهذه المعركة صدىً كبيرا في تاريخ الإسلام، ومجريات أحداثه الجسام؛ لأنها تحمل في طياتها آثار وفوائد جليلة وحِكم ربانية عظيمة، ينبغي الوقوف عليها للاعتبار، وقبل الحديث عن هذه الآثار وتفاصيلها؛   لابد من العُروج أولا بذكر بعض أحداثها الكبرى، وتوثيق مجرياتها باختصار فأقول وبالله التوفيق:

أحداث غزوة أحد باختصار:

لما أصيب صناديد قريش بالهزيمة، عظم المصاب عليهم لذهاب أكابرهم ، وترأس فيهم أبو سفيان لمحاربة الرسول وأصحابه، فجمع لهم قريباً من ثلاثة آلاف من قريش ، والحلفاء والأحابيش، وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا، ثم أقبل بهم نحو المدينة فنزل قريباً من جبل أحد،  فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الخروج إليهم، وكان رأيه أن لا يخرجوا، ووافقه عبد الله بن أبي ـ رأس المنافقين ـ على هذا الرأي . فبادر جماعة من فضلاء الصحابة – ممن فاته بدر – وأشاروا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم بالخروج، وألحوا عليه فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته، وخرج عليهم، فقالوا: اسْتَكْرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج . ثم قالوا: إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل، فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه».

فخرج في ألف من أصحابه، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، فلما كان ببعض الطريق رجع عبد الله بن أبي في نحو من ثلاثمائة من أصحابه إلى المدينة.

واستقل رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن بقي معه فخرج حتى نزل الشعب من أُحد ، وجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم. 

فلما أصبح يومُ السبت تعبأ للقتال وهو في سبعمائة، وكان فيهم خمسون فارساً واستعمل على الرماة – وكانوا خمسين – عبد الله بن جبير، وأمرهم: أن لا يفارقوا مركزهم واقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل حمزة ومصعب بن عمير رضي الله عنهما حتى قُتلا وأبلى المسلمون بلاء حسنا، وبينما هم كذلك إذ انهزم المشركون، ولو مدبرين، حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرماة ذلك مالو إلى العسكر فشغلوا عن القتال بجمع الغنائم حتى أتاهم المشركون من خلفهم، وخلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصابته الحجارة فجرح في وجهه الكريم و كسرت رباعيته اليمنى السفلى وقاتل معه نفر من المسلمين الذين بقوا معه  نحو من عشرة فقتلوا وصرح صارخ: ألا إن محمدا قد قتل، فتراجع المسلمون، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، و تولى أكثرهم، وكان أمر الله. و مر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المسلمين، فكان أول من عرفه تحت المغفر كعب بن مالك رضي الله عنه ولما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض، فقاتلوا معه، وقد استشهد من المسلمين نحو السبعين([2]).

من آثار وفوائد غزوة أحد

قال ابن حجر: قال العلماء: وكان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها:

تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذي أمرهم الرسول أن لا يبرحوا منه.

ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة كما تقدم في قصة هرقل مع أبي سفيان، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين لتمييز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق المنافقين كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من الفعل والقول عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.

ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها،  فلما ابتلي المؤمنون صبروا وجزع المنافقون.

ومنها: أن الله هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا إليها.

ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها إليهم.

ومنها:  أنه أراد إهلاك أعدائه فقيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق بذلك الكافرين. اهـ([3])

الخاتمة

وختاما أرجو أن أكون بهذا المقال قد جليت قبسا من أنوار هذه الغزوة ، سائلة  المولى عز وجل حُسن القبول، وجميل الجزاء، ومن القارئ بالغ العذر إن قصرت، أو أخللت، والحمد لله رب العالمين.

*****************

هوامش المقال:

([1]) سورة البقرة الآية: (154).

([2]) وللتفصيل راجع في ذلك: سيرة ابن هشام ص:(386-431)، السيرة النبوية لابن كثير (3 /18-96)، صحيح السيرة النبوية لإبراهيم العلي ص: (274-315) وغيرها.

([3]) فتح الباري (7 /433).

**************

المراجع المعتمدة:

السيرة النبوية. أبو محمد عبد الملك ابن هشام. دار ابن حزم بيروت لبنان. ط2 /1430-2009.

السيرة النبوية. إسماعيل بن كثير. دار المعرفة بيروت لبنان. ط 1375-1976.

صحيح السيرة النبوية. إيرلهيم العلي. تقديم: د. عمر سليمان الأشقر- د. همام سعيد. دار النفائس عمان الأردن. ط 8/ 1427-2007.

فتح الباري شرح صحيح البخاري. أحمد بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421-2000.

* راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق