وحدة الإحياءدراسات عامة

مناهج الاستمداد من السنة النبوية بين التجزيء والنسقية

لم تعد اليوم الدراسات التأصيلية لقضايا المنهج القويم في الاستمداد من الوحي بشِقَّيْه المعصومَيْن: الكتاب والسنة؛ من نوافل الجهود، أو هوامش الاهتمامات، بل أصبحت مطلبا ضروريا، وحاجة مصيرية؛ لتوجيه مسيرة الأمة نحو الطريق الأصوب في الاعتقاد والفهم والعمل، بعيدا عن التفرق والانحراف والتحريف، التي يفضي إليها الخلل في المنهج، والاضطراب في الموازين.

ويظهر هذا الخلل وذاك الاضطراب أكثر في بعض مناهج الاستمداد من السنة النبوية خاصة، ذلك لأن نصوص السنة جزئية تفصيلية، أما نصوص القرآن الكريم فهي في أغلبها مجملة كلية.

وبناء عليه، يرى هذا البحث أن الاتجاهات المعاصرة في الاستمداد من السنة النبوية اليوم تنقسم إلى منهجين:

1.  منهج التجزيء والتعضية.

2.  منهج التكامل والنسقية.

ولكل من المنهجين تداعيات ومظاهر:

فالمنهج الأول يقوم على: قراءة نص من السنة وإغفال آخر، أو قراءة بعض الأحاديث وإغفال البعض الآخر؛ مع استمداد الحكم الشرعي وتعميمه بناء على تلك القراءة المجتزأة والانتقائية، وإهمال دلالة السياق الموضوعي أو البلاغي أو النحوي أو المقصدي، وقلة الاهتمام بأسباب ورود الحديث، واتباع المتشابهات من السنن وإهمال ردها إلى المحكمات، وعدم التمييز بين السنة التشريعية وغير التشريعية، وغير ذلك من سمات وخصائص هذا الاتجاه.

وقد كان لهذا المنهج التجزيئي تداعيات وآثار خطيرة على سداد الاستمداد من السنة، وعلى واقع الأمة، بل على ظهور اتجاه آخر يدعو إلى نبذ السنة مطلقا، والاستغناء عنها بالقرآن الكريم وحده مصدرا للتشريع، والتشكيك في صحة ثبوت جمهرة الأحاديث النبوية.

وهو الذي حدا ببعض علماء الأمة المعاصرين المعتبرين، من مدرسة الوسطية والاعتدال، إلى الاجتهاد للوقوف على أسباب هذا الارتباك المنهاجي، مجسدين بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”؛ فنشأ بناء على هذا الاجتهاد منهج التكامل والنسقية في الاستمداد من السنة النبوية.

ويقوم هذا المنهج على معالم وضوابط أهمها: فهم السنة في ضوء القرآن الكريم، وفهم السنة في ضوء التفسير الموضوعي للحديث، وفهمها في ضوء أسباب ورود الحديث، وفهمها في ضوء علم مختلف الحديث، وفهمها في ضوء سياق الحديث، وفهمها في ضوء الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث، وفهمها في ضوء مدلولات ألفاظ الحديث، وفهمها في ضوء مقاصد الشريعة والقواعد الكلية.

وببيان معالم هذا المنهج: منهج التكامل والنسقية، لن تقف هذه الدراسة، إن شاء الله، عند حد العرض والتشخيص للأزمة المنهجية، بل تتجاوز ذلك، عبر التحليل والاستقراء، إلى محاولة تقديم معالجة علمية، تقوم على القراءة الشمولية والتكاملية والنسقية للسنة النبوية، والتخلص من براثن القراءة العِِضِين والتجزيئية، وآثارها الخطيرة الحاضرة والمستقبلية.

تمهيد: شرح ألفاظ عنوان البحث

1. مناهج: جمع منهج، وهو الطريق الواضح، ونهَجَهُ: سلكه، وفلان يستَنهِجُ سبيل فلان أي  يسلك مسلكه1.

2. الاستمداد: طلب المدد، واستمد من الدواة: أخذ منها مدادا2، وتحمل أيضا معنى الاستخراج والاستنباط.

3. السنة النبوية: السنة لغة: السيرة والطريقة المعتادة، حسنة كانت أو قبيحة3. واصطلاحا: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة 4، وهي عند الأكثرين مرادفة للحديث.

4. التجزيء: من الجزء، والجزء: البعض، وجزَأهُ: قسَّمه أجزاء، كجزأه، وجزأ بالشيء؛ قنِع واكتفى به، كاجتزأ وتجزَّأ، والجزء: الاستغناء بالشيء عن الشيء، وكأنه الاستغناء بالأقل عن الأكثر، فهو راجع إلى معنى الجزء5.

5. النسقية: من النسق، والنسق من كل شيء: ما كان على طريقة نظام واحد، وقد نسَّقتُه تنسيقا، ويُخَفَّف: نسَقَ الشيء ينسُقُه نسْقا ونسَقَهُ: نظَّمَهُ على السواء، وثَغْر نسَقٌٌُ إذا كانت الأسنان مستوية. ونسَقُ الأسنان: انتظامها في النِّبْتَة وحسن تركيبها، والتنسيق: التنظيم، والنَّسَقُ: ما جاء من الكلام على نظام واحد6.

6. ومن أمعن النظر؛ وجد كل هذه الألفاظ دالة بشروحها اللغوية على نفس المعاني الاصطلاحية المقصودة من هذا البحث.

مدخل: منهج الاستمداد من السنة النبوية بين سوء الفهم وصِحَّته

إن صحة فهم نصوص السنة النبوية قاعدة رئيسة لصواب الاستمداد، ولا يستطيع العالم أن يعرف مراد الله عز وجل، ومراد رسوله، صلى الله عليه وسلم، إلا حينما يستقيم فهمه لدلائل الكتاب والسنة، وبذلك يصير من الخلف العدول، الذين ينفون عن علم النبوة وميراث الرسالة ما يتعرض له على أيدي الغلاة، والمبطلين، والجهال، وذلك هو قوله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”7.

ولذلك كان لابد، اليوم، من ترسيخ مناهج الفهم الصحيح للسنة النبوية، وتنسيق قواعد الفقه لها بضوابطه وشروطه، وإشاعة طرائق الاستمداد السليم منها، وإدراك مقاصدها، وبيان مراميها.

وذلك قول عمر ابن الخطاب، في رسالته إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: “ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق”8.

والفهم الرديء إذا انضم إليه القصد السيئ؛ زاده ضِغْثا على إبَّالة؛ فأفضى إلى تحريف الكلم عن مواضعه، وإلى الانتحال الذي يحاول به أهل الباطل أن يُدخِلوا على المنهج النبوي ما ليس منه، وإلى الانحراف والزيغ في التأويل، بالإعراض عن محكماته وإتباع متشابهاته، ابتغاء للفتنة، وابتغاء للهوى المضل عن سبيل الله.

ولذلك كان حسن الفهم عن الله ورسوله، أصل كل استقامة وهداية في الفكر والمنهج والسلوك في تاريخ الأمة، وسوء الفهم عن الله ورسوله، كان سبب كل انحراف وبدعة وضلالة نشأت في الإسلام. ومعظم الفرق الضالة، والطوائف الخارجة، والفئات المبتدعة، والجماعات المنحرفة من فرق الأمة، إنما أهلكها سوء الفهم أو سوء التأويل.

وللعلامة ابن القيم، كلمة مضيئة في ضرورة حسن الفهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرها في كتابه “الروح”، ننقلها هنا بطولها لأهميتها، قال رحمه الله: “ينبغي أن يُفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مراده من غير غلو ولا تقصير، فلا يحمٌَّل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدى والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ما لا يعلمه إلى الله، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولاسيما إذا أضيف إليه سوء القصد،  فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع، مع حسن قصده، وسوء القصد من التابع، فيا محنة الدين وأهله! والله المستعان.

وهل أوقع القدرية والمرجئة والخوارج والمعتزلة والجهمية والروافض وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، حتى  صار الدين بأيدي أكثر الناس، هو موجب هذه الأفهام! والذي فهمه الصحابة، رضي الله تعالى عنهم ومن تبعهم، عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،  فمهجور لا يلتفت إليه، ولا يرفع به هؤلاء رأسا… حتى إنك لتمر على الكتاب من أوله إلى آخره، فلا تجد صاحبه فهم عن الله ورسوله مراده كما ينبغي في موضع واحد.

وهذا إنما يعرفه من عرف ما عند الناس وعرضه على ما جاء به الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأما من عكَسَ الأمْرَ، فعرض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، على ما اعتقده وانتحله، وقلد فيه من أحسن به الظن فليس يجدي الكلام معه شيئا، فدعه، وما اختار لنفسه، وولِّه ما تولى، واحمد الذي عافاك مما ابتلاه به”9.

وقال في “إعلام الموقعين”: “صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله، التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم؛ وطريق الضالين الذين فسدت فُهُومُهم، ويصير من المنْعَمِ عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة”10.

وإذا كان صحة الفهم وحسن القصد ساقي الإسلام؛ وقيامه عليهما، كما قال ابن القيم، فلابد أن لهما أصولا وضوابط علمية ومنهجية ينبغي أن تُطْلَبَ، ومحاذير ومزالِق ينبغي أن تُجتنَبَ.

وبناء على الأخذ بالضوابط أو الوقوع في المحاذير؛ انقسمت الاتجاهات المعاصرة في الاستمداد من السنة النبوية، اليوم، إلى منهجين:

1.  منهج التجزيء والتعضية.

2.  منهج التكامل والنسقية.

وقد تجلت القراءة العِضين11 للسنة النبوية عند أصحاب المنهج الأول في أشكال وأنواع ومظاهر، نقف في هذا البحث على أبرزها وأشدها خطورة وأكثرها حاجة للعلاج المنهج، وهي ثلاثة مظاهر كبرى، تعبر عن الخلل في فهم السنة.

وقد تعقبها أرباب المنهج الثاني، منهج التكامل والنسقية، بمحاولات للإصلاح، ورتق الفتق، وتسديد الفهم، وترشيد الفقه. وبهذا سنستبين، إن شاء الله، منزع المنهجين كلا على حدة؛ في الاستمداد من السنة، من خلال أمثلة ونماذج وتطبيقات معاصرة.

المبحث الأول: المظهر الأول: الأخذ ببعض الأحاديث وإغفال بعضها الآخر

تمثل النصوص الشرعية وحدة واحدة ومتناسقة يكمل بعضها بعضا، فلا تتضح المسألة، ولا يظهر الحكم أو الدليل إلا باستقراء جميع النصوص الواردة في الباب الواحد أو الموضوع الواحد؛ فالنصوص الثابتة تأتلف ولا تختلف؛ إذ هي كلها خرجت من مشكاة واحدة.

وإذا تقرر هذا: فإنه لا يجوز أن يؤخذ نص ويترك نص آخر في الباب نفسه، فهذا يؤدي إلى تقطيع النصوص وبترها، والخروج على الناس بفهم تجزيئي وتبعيضي مشوه.

وفي هذا الباب يقول الإمام أحمد بن حنبل: “الحديث إذا لم تَجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضا”12.

أ. أحاديث النهي عن كتابة الحديث وتدوينه

ومن أبرز تداعيات هذا المظهر، ما وقع فيه كثير من المستشرقين ومقلديهم من المعاصرين13؛ الذين أخذوا ببعض الأحاديث في “مسألة النهي عن كتابة الحديث وتدوينه” مع إغفال كامل لما جاء من أحاديث أخرى في نفس المسألة.

فقد وردت أحاديث بعضها بالنهي عن كتابة الحديث وبعضها الآخر بالإباحة: ومن أحاديث النهي: ما أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحُه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”14.

ووردت كذلك أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة، تبلغ بمجموعها رتبة التواتر في الإذن بالكتابة للحديث النبوي؛ بل وإثبات وقوعها في عهده صلى الله عليه وسلم، حيث كان عند بعض الصحابة صحف مدونة: كالصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص، وصحيفة علي بن أبي طالب، وصحيفة سعد بن عبادة، رضي الله عنهم أجمعين.

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: “ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب”15.

وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو، قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم، بشر يتكلم في الغضب والرضى؟! فأمسكت عن الكتابة! فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: “أكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق”16.

وفيه أيضا: عن أبي هريرة، قال: لما فتحت مكة قام النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الخطبة؛ خطبة النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: فقام رجل من أهل اليمن، يقال له: أبو شاه، فقال: يا رسول الله، اكتبوا لي، فقال: “أكتبوا لأبي شاه”17.

كل هذه الأحاديث الثابتة والصريحة، والأدلة المتضافرة، أعرض عنها بعض المستشرقين أمثال: جولدزيهر Goldziher وشبرنجر Sperenger18،  ونبذوها بالعراء، ولم يرفعوا بها رأسا، ليصلوا إلى أغراضهم التي إليها يهدفون، وغاياتهم التي لها يعملون، وأحكامهم المسبقة التي من أجلها يبحثون: وهي دعوى أن الحديث لم يكتب إلا في القرن الثاني أو الثالث الهجري، ولذلك فهو مظِنة الشك والبطلان كله.

وقد وجَدَتْ هذه الدراسات التجزيئية والانتقائية صدى واسعا في كتابات بعض المعاصرين من تلامذة المستشرقين ومقلديهم في العالم الإسلامي، ولا داعي هنا لذكر الأسماء؛ فهي معروفة لدى الباحثين.

ولو أنصف هؤلاء، وضموا الأحاديث الواردة بعضها إلى بعض لانتهوا إلى ما انتهى إليه المحققون من العلماء: بأن يكون ذلك من منسوخ السنة بالسنة؛ فكان النهي عن الكتابة ثم نسخ بالإباحة، وقال بعضهم: النهي خاص بمن خُشِي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أُمِن منه ذلك، وقيل: إنما نهى أن يكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط به ويشتبه على القارئ، فأما أن يكون نفس الكتاب محظورا وتقييد العلم بالخط منهيا فلا، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا بد من علة يدور عليها الإذن والمنع في آن واحد، والعلة هنا هو خوف الإنكباب على درس غير القرآن، وترك القرآن اعتمادا على ذلك، وأنه لما زالت العلة؛ ورد الإذن بالكتابة19.

إن هؤلاء المستشرقين وبعض أشياعهم المعاصرين لم يتجشموا جمع الأدلة والنصوص في مسألة التدوين، ولم يقوموا بالقراءة التكاملية والنسقية لها، وإنما هو التجزيء والتعضية، والقراءة المبتورة لأحاديث وردت في النهي دون أخرى تبيحها، انتهت بهم إلى هذه النتائج الخطيرة، وهي إنكار السنة الثابتة والصحيحة.

ب. حديث: (أنتم أعلم بأمر دنياكم)

 ومن أبرز مظاهر التجزيء والتعضية في هذا الباب كذلك: حديث: “أنتم أعلم بأمر دنياكم”20، الذي تتخذه بعض الاتجاهات المعاصرة تكِأة للتهرب من أحكام الشريعة في المجالات الاقتصادية والمدنية والسياسية ونحوها؛ لأنها،  كما زعموا، من شؤون دنيانا، ونحن أعلم بها، وقد وكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلينا! غافلين أو متغافلين عن نصوص الكتاب والسنة الوفيرة التي تنظم شؤون المعاملات من بيع وشراء وشركة ورهن وإجارة وقرض وغير ذلك من أمور الحياة.

والحديث: “أنتم أعلم بأمر دنياكم” يفسره سبب وروده، وهو حادثة تأبير النخل، وإشارته عليه الصلاة والسلام، عليهم برأي ظني يتعلق بالتأبير، وهو ليس من أهل الزراعة، وقد نشأ بواد غير ذي زرع، فظنه الأنصار وحيا أو أمرا دينيا، فتركوا التأبير، فخرج شِيصا21، فقال صلى الله عليه وسلم،: “إن  كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا، فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عزوجل22، وفي رواية أخرى قال: “إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي، فإنما أنا بشر”23.

ونجد هذه القراءة العِضين، كذلك، عند اتجاه معاصر آخر من بعض دعاة السلفية والعمل بالسنة، وحاشا لله أن نجعل هذا المنهج في سياق واحد مع المناهج التي سبقت، وإنما مرادنا الكشف عن مظاهر الخلل في منهج فهم السنة المطهرة.

1. أحاديث إسبال الإزار

ومن أمثلته عند الاتجاه المذكور: الأحاديث التي وردت في إسبال الإزار، وتشديد الوعيد عليه، وهو ما استند إليه كثير من هؤلاء الشباب المتحمس في شدة الإنكار على من لم يقصر ثوبه إلى ما فوق الكعبين، وغلوا في ذلك حتى أوشكوا أن يجعلوا تقصير الثوب من شعائر الإسلام، أو فرائضه العِظام، وإذا نظروا إلى عالم أو داعية مسلم لا يقصر ثوبه كما يفعلون، رموه في أنفسهم، وربما جهرا، برقة الدين!

ولو رجعوا إلى مجموع الأحاديث المتصلة بهذه المسألة، وردوا بعضها إلى بعض في ضوء نظرة شاملة ونسقية لمقاصد الإسلام من المكلفين في شؤون الحياة العادية؛ لفهموا المقصود من الأحاديث في هذا المقام، ولخففوا من غلوائهم، ولم يركبوا متن الشطط، ولم يضيقوا على الناس واسعا، ولم يحجروا عليهم رحْبًا24.

والأحاديث التي أخذوا بها في هذا الباب كثيرة، ولكن الحديث الدال على المراد هو قوله صلى الله عليه وسلم: “أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار”25، وورد في سنن النسائي بلفظ: “تحت الكعبين من الإزار ففي النار”26.

أخذوا بهذا الحديث وما ورد في معناه، وتركوا جملة الأحاديث الأخرى الواردة في هذا الموضوع؛ التي يتبين لمن يقرأها ما رجحه الإمام النووي، والحافظ ابن حجر، وحافظ المغرب ابن عبد البر، وغيرهم: أن هذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد “الخُيَلاء”؛ فهو الذي ورد فيه الوعيد بالاتفاق27.

ومن الأحاديث التي وردت بهذا القيد

ما رواه البخاري في “باب من جر إزاره من غير خيلاء” من حديث عبد الله بن عمر، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: “من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة”، قال أبو بكر: يا رسول الله، إن أحد شِقَّي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لستَ ممن يصنعه خُيَلاءَ”28.

وما رواه مسلم، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأذُنَيَّ هاتين، يقول: “من جرَّ إزاره، لا يريد بذلك إلا المَخِيلَة، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة”29، ففي هذه الرواية ذُكِرَ قيد الخيلاء بطريق الحصر الصحيح “لا يريد بذلك إلا المَخِيلة” فلم يدع مجالا لمتأول30.

هذه الأحاديث وغيرها، لو ضُم بعضها إلى بعض؛ لتبين أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال محمول على المقيد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال إذا سلم من الخيلاء، ذلك لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة، فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء.

وهكذا يتبين أنه لابد للاستمداد من السنة استمدادا صحيحا، وفهمها فهما سليما: أن تُجمع الأحاديث الصحيحة في الموضوع الواحد، بحيث يُرَدُّ متشابهها إلى محكمها، ويحمل مطلقها على مقيدها، ويفسر عامها بخاصها؛ ومجملها بمبينها.

2. أحاديث لباس المرأة

ومن منهج التجزيء والتعضية عند هذا الاتجاه نفسه؛ وفي نفس قضية اللباس: مسألة تعيين لباس المرأة، فهم مصرون على أن لبْسَ “النقاب” فرض على كل مسلمة، وأن تغطية الوجه واجب ديني لا يجوز التفريط فيه، ويتهمون الذين يقولون بوجوب لبس “الخمار” وليس بوجوب لبس النقاب؛ بأنهم متأثرون بأفكار الحضارة الغربية، مروجون لتقاليدها بين المسلمين، وذلك لهزيمتهم النفسية أمام هذه الحضارة الغالبة31، وأنه فَتْح لأبواب التبرج على مصراعيه…الخ.

ويعرضون عن الكثرة الكاثرة من نصوص الأحاديث الصحيحة والصريحة؛ التي ترجح أن الوجه والكفين ليسا بعورة، ولا يجب على المسلمة تغطيتهما، والتي تدل على أن أدلة هذا الرأي أقوى من رأيهم.

وقد صنف محدث العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وهو من المنتسبين أو ممن ينسبه الناس  إلى هذه المدرسة، ومع ذلك لم يشفع له هذا الانتساب، كتابا سماه: “جلباب المرأة المسلمة”، بين فيه وجه الحق في المسألة، وجمع فيه من النصوص القاطعة، ما يشفي العلة، ويروي الغُلَّة؛ لو وجد آذانا سامعة، ولكن القوم سلقوه بألسنة حِداد، وشنوا عليه حربا ضروسا دون هوادة، فاضطر إلى الرد عليهم في كتاب مفرد سماه: “الرد المُفحِم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب”، قال، رحمه الله، في مقدمته مبينا نهج التجزيء والتعضِية لدى القوم: “ولقد رأيت، والله، العجب العجاب؛ من اجتماعهم على القول بالوجوب، وتقليد بعضهم لبعض في ذلك، وفي طريق الاستدلال بما لا يصح من الأدلة رواية أو دراية، وتأويلهم للنصوص المخالفة لهم من الآثار السلفية، والأقوال المشهورة لبعض الأئمة المتبوعين، وتجاهلهم لها، كأنها لم تكن شيئا مذكورا! الأمر الذي جعلني أشعر أنهم جميعا، مع الأسف، قد كتبوا ما كتبوا مستسلمين للعواطف البشرية، والاندفاعات الشخصية، والتقاليد البَلَدِيَّةِ، وليس استسلاما للأدلة الشرعية؛ لأن ما ذكروه من الأدلة، على مذهبهم، هم يعلمون جيدا أنها لم تكن خافية علي؛ لأنهم رأوها في كتابي، حجاب المرأة المسلمة، مع الجواب عنها، والاستدلال بما يعارضها، وهو أصح عندنا من استدلالاتهم التي تشبثوا بها32.

ونحن لا ننكر على من يرى وجوب تغطية الوجه في بعض بلاد العالم الإسلامي؛ أخذا بعرف بلده مثلا، ولكن الذي ننكره عليهم حقا هو أن يفرضوا رأيهم على الآخرين أو الأخريات، وأن يحكموا بالإثم والفسق والميوعة والانحلال على من ترجح لديه الدليل الأقوى، وأن يعُدُّوا ذلك منكرا يجب محاربته، مع اتفاق المحققين من العلماء على أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية الخلافية.

المبحث الثاني: المظهر الثاني: إهمال مراعاة السياق وأسباب ورود الحديث

ومما يعين على فهم نصوص الحديث وألفاظها: مراعاة السياق الذي وردت فيه، فيربط النص أو اللفظ بسياقه ولا يقطع عما قبله وما بعده، يقول ابن القيم في ذلك: “السياق يرشد إلى تبيين المجمل، وتعيين المحتمِل، والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم؛ فمن أهمله، غلط في نظره، وغالط في مناظرته، فانظر إلى قوله تعالى: )ذق اِنك أنت العزيز الكريم( ( الدخان: 46)، كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير33.

ويؤكد ابن القيم أن قصور المجتهد عن فهم الدلالة والسياق طريق إلى سوء الفهم، والوقوع في الخطأ، يقول، رحمه الله، معددا أخطاء الظاهرية: “الخطأ الثاني: تقصيرهم في فهم النصوص، فكم من حكم دل عليه النص ولم يفهموا دلالته عليه، وسبب هذا الخطأ حصرهم الدلالة في مجرد ظاهر اللفظ، دون إيمائه وتنبيهه وإشارته وعرفه عند المُخاَطَبِين، فلم يفهموا من قوله تعالى: )فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما( ضربا ولا سبا ولا إهانة غير لفظ (أف)، فقصروا في فهم الكتاب، كما قصروا في اعتبار الميزان34.

وإن أكثر الميادين التي يظهر فيها مراعاة السياق في السنة النبوية: هي البحث عن أسباب ورود الحديث الشريف على غرار أسباب نزول آيات القرآن، وذلك لما يترتب عليه من أثر في الأحكام وتوجيهها، والكشف عن معاني الأحاديث بدقة، ووضعها في السياق الذي جاءت فيه، وحل الإشكالات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل عندما يُجرَّد الحديث من سياقه الذي ورد فيه35.

يقول العلامة ابن حمزة الحسيني الدمشقي، في بيان أهمية هذا العلم: “إن من أجل أنواع علوم الحديث معرفة الأسباب”36.

ويقول الدكتور نور الدين عتر، في تعريف هذا الفن: “أسباب ورود الحديث: وهو ما ورد الحديث متحدَّثا عنه أيام وقوعه، ومنزلة هذا الفن من الحديث كمنزلة أسباب النزول من القرآن الكريم، وهو طريق قوي لفهم الحديث؛ لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمُسَبَّبِ37.

أ. حديث: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين

ولنضرب مثلا لذلك بحديث: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تراءى ناراهما”38.

فقد ركب بعضهم شططا، وفهم من ظاهر هذا الحديث تحريم الإقامة في بلاد غير المسلمين مطلقا، وقد سمعت بنفسي في أوروبا بعض الشباب المتدين “يفتي” بذلك، وينشره في أوساط المسلمين هناك، وسُئلت هذا السؤال مرات كثيرة: هل يجب علينا العودة إلى ديارنا، ديار الإسلام، ويحرم علينا الإقامة في ديار الكفر نحن وأهلونا وأبناؤنا؟!

هذا، مع تعدد الحاجة إلى ذلك في عصرنا، للتعلم، وللتداوي، وللعمل، وللتجارة، وللسفارة، وللدعوة، ولغير ذلك، وخصوصا، بعد أن تقارب العالم اليوم حتى غدا كأنه قرية واحدة.

ولا يزال هذا الرأي الجانح ينتشر هناك اليوم، ويجد أنصارا وأتباعا، ويفشو فشُوَّ النار في الهشيم، وقاصمة الظهر هنا؛ هي الفصل بين الحديث وسبب وروده، والذي ترتب عليه خطف حكم من النص، وتنزيله في غير موضعه،وعلى غير واقعه.

ذلك أن الحديث ورد في سياق وجوب الهجرة من أرض المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لنصرته، وكان عليه الصلاة والسلام، معهم في حرب مُشْرَعة لم  تُلْقِ أوزارها بعد، وسبب وروده مضمن في نفس الحديث، ونصه: عن جرير بن عبد الله، قال:  بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَرِيَّة إلى خَثْعَم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر لهم بِنِصْفِ العقل، وقال: “أنا بريء من كل مسلم…الحديث”39. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين”؛ أي بريء من دمه إذا قُتِلَ، ولذلك أمر لهم، صلى الله عليه وسلم، بنصف الدية، ولم يكمل لهم الدية بعد علمه بإسلامهم؛ لأنهم قد أعانوا على أنفسهم، كما قال الخطابي، بمُقامِهم بين ظهراني الكفار المحاربين، فكانوا كمن هلك بجناية نفسه، وجناية غيره، فسقطت حصة جنايته من الدية40.

وهكذا، وبمعرفة سبب ورود الحديث يزول الإشكال الذي في أذهان القوم، بعدما تبين أن الحديث ورد في حق من أقام في بلاد الكفار والمشركين في الوقت الذي يكون المسلمون في حرب معهم، وفي حالة استنفار لأجلهم، ولم يتمكن المسلم المقيم بين أظهرهم من القيام بشعائر دينه، وخاف الفتنة على ذلك، ولم يأمن على نفسه وماله لأجل دينه، وهو فوق هذا كله مُعرَّض لغزو المسلمين مع أهل دار الحرب؛ فيصاب معهم، أو يصيبه ما يصيبهم، كما كان الحال لما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث. أما إذا أمن ذلك كله؛ فلا حرج عليه أبدا في الإقامة والمكث بها لغرض من الأغراض، ولم يقل أحد بتحريم ذلك41.

ب. إنكار حديث: “إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه”

ومن إهمال مراعاة السياق كذلك: فهم السنة بعيدا عن سياقها الزمني والواقعي الذي وردت فيه، وإغفال واقع المخاطبين وأعرافهم، وبيئتهم وملابساتهم، وظروفهم الزمنية الخاصة؛ التي سيقت من أجلها الأحاديث.

وقد أفضى هذا الخلل المنهجي لدى بعض المعاصرين إلى التسرع في رد الأحاديث الصحيحة الثابتة، وأوضح مثل لذلك ما جنَحَ إليه الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، وقلَّده فيه بعض المعاصرين، من إنكار حديث: “إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه”42؛ محتجا برد عائشة له، وحلفت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما قاله، ولكنه قال: “إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه” وقالت، رضي الله عنها: حسبكم القرآن:)ولا تزر وازرة وزر أخرى(43 (الأنعام: 166).

وعلق، رحمه الله، على كلام عائشة قائلا: “إنها ترد ما يخالف القرآن بجرأة وثقة، ومع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة؛ ما زال مثبتا في الصحاح؛ بل إن ابن سعد في طبقاته الكبرى كرره في بضعة أسانيد!”44.

وكأني بالشيخ، رحمه الله، يودُّ لو أن هذا الحديث وما ورد في معناه حُذِف من الصحاح، كصحيحي البخاري ومسلم، حذفا نهائيا؛ لِيَسْلَمَ له ما توهمَ من معنى في نفسه للحديث، ولو تمهل وتأمل، وبحث وأمعن النظر في شروح جهابذة فقهاء الحديث؛ لعلم أن معنى الحديث ليس كما فهم، وأنه ليس مخالفا للقرآن، أو لأصول الإسلام الثابتة، ولا تعارض بينه وبين حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، عند التحقيق.

وبيان ذلك من وجهين:

الوجه الأول: إن عائشة استكثرت أن يؤخذ الميت بجريرة غيره فيعذب، ولذلك أنكرته، وصرحت بتخطئة الناقل أو نسيانه، وحملها على ذلك: أنها لم تسمعه كذلك، وأنه معارض بقوله تعالى: )ولا تزر وازرة وزر أخرى(.

قال الإمام الحافظ أبو العباس القرطبي (المتوفى 656ﻫ): “وهذا فيه نظر؛ أما إنكارها؛ ونسبة الخطأ لراويه فبعيد، وغير بين، ولا واضح، وبيانه من وجهين:

أحدهما: أن الرواة لهذا المعنى كثير45؛ عمر، وابن عمر، والمغيرة بن شعبة، وقيلة بنت مخرمة. وهم جازمون بالرواية، فلا وجه لتخطئتهم، وإذا أُقدِمَ على رد خبر جماعة مثل هؤلاء مع إمكان حمله على مَحْمَلِ الصحيح فلأن يُرَدَّ خبر راو  واحد  أولى، فرد خبرها؛ أي عائشة أولى، على أن الصحيح: ألا يرد واحد من تلك الأخبار، وينظر في معانيها كما نُبَيِّنُهُ.

وثانيهما: أنه لا معارضة بين ما روت هي ولا ما رووا هم، إذ كل واحد منهم أخبر عما سمع وشاهد، وهما واقعتان مختلفتان، وأما استدلالها على رد ذلك بقوله تعالى: )ولا تزر وازرة وزر( فلا حجة فيه، ولا معارضة بين هذه الآية والحديث، على ما نبديه من معنى  الحديث إن شاء الله تعالى”46.

قلت: لله در أبي العباس! فقد وجه المعنى، فجمع فأوعى؛ حتى خصُب المرعى! لأن القاعدة المرعية في الأصول: أن الأصل في الدليلين الإعمال لا الإهمال، وأنه لا يُصار إلى الترجيح إلا إذا عز الجمع.

الوجه الثاني: إن معنى الحديث صحيح بَيِّن، أما المعنى الباطل الذي توهَّمه الشيخ الغزالي، رحمه الله، ومن قلده من المعاصرين؛ فبسبب إغفاله وضع الحديث في سياقه الزمني والواقعي؛ الذي سيق من أجله وعدم ربطه بظروفه وأسبابه وملابساته:

وهو أن عرب الجاهلية كانوا يُوصُون بالبكاء عليهم  والنياحة؛ بل يستأجرون لأجل ذلك النائحة، حتى غدا ذلك سنة سيئة لديهم، وعرفا مستقرا، يقلد فيه اللاحق السابق، وذلك موجود في أشعارهم؛ حتى قال قائلهم وهو طرفة بن العبد:

إذا مِتّ فانعَيْني بما أنا أهله   ***     وشُقي علي الجيْب يا ابنة معبد

وقد جمع عبد المطلب بناته عند موته، وأمرهن أن ينعينه ويندبنه؛ ففعلن، وأنشدت كل واحدة منهن شعرا تمدحه فيه، فلما فَرَغْن قال آخر ما كََلَّمَهُنَّ: أحسنتن، هكذا فانْعَيْنَنِي47.

ولهذا ترجم الإمام البخاري، وَفِقْهُ البخاري في تراجِمه، للباب بقوله: “باب قول النبي صلى الله عليه وسلم،: “يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه” إذا كان النَّوْح من سٌنته؛ لقول الله تعالى: )قوا أنفسكم وأهليكم نارا( (التحريم: 6)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم،: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”48. فإذا لم يكن من سُنَّته،فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: )لا تزر وازرة وزر أخرى(49، قال الحافظ ابن حجر في شرح ترجمة الباب: “حاصِل ما بحثه المصنِّف؛ (أي البخاري) أن الشخص لا يعذب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تَسَبُّبٌ”50، وبهذا الفقه العميق، والنظر الدقيق، جمع البخاري بين حديثي عمر وعائشة، رضي الله عنهما، مراعيا السياق وأسباب الورود.

ذلك أن النياحة معصية كبيرة، وهي من فعل الجاهلية، فالميت الذي يكون النَّوْح من عادته وسُنَّتِه؛ فمشى أهله على طريقته، عُذِّبَ بصُنعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء”51، والذي يوصي أهله بذلك في حياته؛ تلزمه العقوبة بما تقدم من أمره ووصيته في حياته، وهو تفسير عامة أهل العلم للحديث، ومن كان يَعْرِفُ من أهله النِّيَاحَة؛ فأهمل نهيهم عنها قبل موته، وتأديبهم بذلك: فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض، عُذب بتفريطه كيف أهمل النهي، ومن كان ظالما فَنُدِبَ بأفعاله الجائرة، عُذب بما ندب به، وعلى ذلك تُحمل رواية من رواه: “ببعض بكاء أهله عليه”؛ إذ ليس كل ما يُعَدِّدُونَه من خصاله يكون مذموما52.

وهكذا؛ فإنه بوضع الحديث في سياقه الزمني والواقعي، يرتفع الإشكال، ويتضح المقال، أما التسرع برد كل حديث يشكل علينا فهمه، وإن كان صحيحا ثابتا كما ها هنا، فهو مجازفة خطيرة، وجرأة غير محمودة.

المبحث الثالث: المظهر الثالث: الفصل بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للأحاديث النبوية

الاهتداء بالمقاصد في الاستمداد من السنة النبوية؛ أساس لمن يريد حسن الفهم للنص الشرعي، وأن لا يكتفي بالوقوف عند حرفية النصوص، ويجمد على ظواهرها، ولا يتأمل فيما وراء أحكامها من علل، وما تهدف إليه من مقاصد، وما تسعى إلى تحقيقه من مصالح.

وقد اتفق علماء الأمة، إلا فئة من الظاهرية، على أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد، ودفع المفاسد عنهم في المعاش والمعاد.

يقول الإمام الشاطبي: “إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا”53. ويُثْبِتُ شيخُ المقاصد العللَ والحِكَمَ للأحكام الشرعية؛ إثباتا لا يحتاج إلى تحقيق؛ لأنه ثابت باستقراء نصوص الشريعة نفسِها، ثم يؤكد ذلك بقوله: “وإذا دَلَّ الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه مفيدا للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة”54.

ولِشَيْخَي الإسلام: ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، كلمات بليغة ومعبرة بقوة عما قرره الإمام الشاطبي، يقول ابن تيمية: “إن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها؛ بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين، حتى يُقَدَّمَ عند التزاحم خير الخيرين، ويُدْفَعَ شر الشرين”55.

وعَقَدَ ابن القيم فصلا ممتعا في “إعلام الموقعين” في “تَغَيُّر الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد”؛ حيث قال  وما أجود ما قال”هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم في الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل”56.

هذا الكلام ينبغي أن نعضَّ عليه بالنواجذ في بيان منهج الاستمداد من السنة، وأن نَدُلَّ عليه بعض الحَرْفيين الجامدين الذين يُدَنْدِنُون صباح مساء حول ابن القيم وشيخه ابن تيمية، ولكنهم لم يحملوا عنهما هذه الروح، وهذه البصيرة، التي تنظر إلى الشريعة هذه النظرة النَّسَقِيَّة والشاملة، وترى ذلك أساسا لتَغَيُّر الفتوى بتغير الزمان والمكان والإنسان، وَفْقا للعلل والحكم، والمصالح والمقاصد؛ التي راعاها الشارع عند تشريعه للحُكْم الكلي أوالجزئي57.

إن معرفة مقاصد التشريع وعلل الأحكام تعين المستَمِدّ من السُنن النبوية على فهم الأحكام الجزئية في ضوء مقاصدها الكلية؛ فيتصورها تصورا متكاملا، وتجنبه الوقوع في أسر المسائل الجزئية والنصوص المبتورة، ولعل الغفلة عن هذا الباب العظيم؛ أدت ببعض المشتغلين بالحديث من المعاصرين إلى ظاهرية مفرطة، جردت النصوص من مقاصدها وحكمها وعللها، وجمدت على حرفيتها، وأفسدت تناسقها وتكاملها وترابطها58.

أ. سفر المرأة مع محرم

ومن أبرز الأمثلة على ذلك اليوم: تشَدُّد بعضهم في وجوب سفر المرأة مع مَحْرَم؛ مهما كانت الظروف والأحوال، مُتَمَسِّكِين بما جاء في الصحيحيْن من حديث عبد الله بن عباس وغيره، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: “لا تُسَافِرَنَّ امرأة إلا مع محرم”59.

فقد تَشَدَّد هؤلاء في هذا الأمر60، دون الالتفات إلى العلة من وراء هذا النهي، وهو: الخوف على المرأة من أخطار الطريق؛ إذا سافرت وحدها بلا زوج ولا محرم؛ في زمن كان السفر فيه على الجمال أو البغال أو الحمير، وتجتاز فيه غالبا صحاري ومفاوز، وفيافي وقفارا، تكاد تكون خالية من العمران والأحياء. فإذا لم يُصب المرأةَ، في مثل هذا السفر، شر في نفسها أصابها في سمعتها.

ولكن إذا تغير الحال، كما في عصرنا، وأصبح السفر في طائرة تُقِلّ مائة راكب أو أكثر، أو في قطار يحمل مئات المسافرين، ولم يَعُد هناك مجال للخوف على المرأة إذا سافرت وحدها، فلا حرج عليها شرعا في ذلك، ولا يُعد هذا مخالفة للحديث61.

بل قد يؤيد هذا؛ حديث عدي بن حاتم في الصحيح، حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عدي: هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أُنْبِئْتُ عنها، قال: فإن طالت بك حياة، لَتَرَيَنَّ الظعينة ترتحل من الحيرة؛ حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدا إلا الله”62، وأورده الحافظ ابن حجر بلفظ: “يُوشِك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا زوجَ معها”63.

وقد سيق الحديث في سياق المدح بظهور الإسلام، ورفع مناره في العالمي، وانتشار الأمان في الأرض، فَيُحْمَلُ على الجواز؛ كما نقل الحافظ ابن حجر، عن بعض أهل العلم64؛ فلا غرو أن وجدنا بعض الأئمة الأعلام يجيزون للمرأة أن تحج بلا محرم ولا زوج في الأحوال الآتية:

–  إذا كانت في رفقة مأمونة من الرجال: وهو مذهب عائشة، رضي الله عنها؛ إذ حجت وطائفة من أمهات المؤمنين في عهد عمر، ولم يكن معهن أحد من المحارم، بل رافقهن عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف، رضي الله عنهم،  كما في صحيح البخاري65، وبه قال ابن سيرين، والأوزاعي، قال ابن سيرين: “جائز أن تحج مع ثقات المسلمين من الرجال”66. هذا في سفر الحج، وطَرَدَهُ الإمام أبو الوليد الباجي المالكي (المتوفى 447ﻫ) في كل الأسفار، فعلَّقَ على من قال: إن المرأة ليس لها أن تسافر في غَيْرِ فرضِ الحج إلا مع ذي محرم، بقوله: “وهذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة؛ فهي عندي كالبلاد، يَصِحُّ فيها سَفَرُها دون نساء وذوي محارم”67.

ولا شك أن الباجي راعى هنا انتفاء علة الخوف على المرأة، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وهو مَلْحَظ مقاصدي عميق، وفقه دقيق، يربط النصوص الجزئية بعللها ومقاصدها الكلية. ومثل القوافل العظيمة، التي ذكرها أبو الوليد، الطائرة والباخرة والقطار والسيارات الكبيرة أو الصغيرة التي تخرج في قوافل؛ في عصرنا هذا.

–  إذا كانت مع نسوة ثقات: وهو مذهب مالك والشافعي؛ بل قال الشافعي: “ولو خرجت مع المرأة واحدة مسلمة لِلَّه، فلا شيء عليها”68.

–  تسافر وحدها إذا كان الطريق آمنا: نقله الكرابيسي عن بعضهم، وصححه في “المهَذَّب”؛ وهذا في سفر الحج والعمرة، وَطَرَدَه بعض الشافعية: كالقَفَّال في الأسفار كلها، واسْتَحْسَنَه الروياني69.

ومن الفقهاء الكبار في عصرنا؛ الذين اطَّلَعْتُ على فتاويهم، والذين أجازوا للمرأة السفر لوحدها بشرط أمن الطريق: الفقيه الكبير الشيخ مصطفى الزرقا70، وفقيه العصر الدكتور يوسف القرضاوي71، ومفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة72.

كل هؤلاء الفقهاء نظروا إلى مدار علة النهي في الحديث؛ وهي الخوف على المرأة، فإذا انتفت هذه العلة انتفى التحريم وثبت الجواز؛ لأن الحكم يثبت بثبوت علته، وينتفي بانتفائها؛ كما هو مقرر في قواعد الأصول واعتبار هذا في عصرنا أولى، لاسيما إذا أضفنا إلى انتفاء العلة ثلاث قواعد مقاصدية جليلة:

أولا؛ إن الأصل في العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد؛ بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى الغايات والمقاصد، كما قرر ذلك الإمام الشاطبي في “الموافقات” ووضَّحَه واستدل له. ومسألة سفر المرأة من صِنْف العادات والمعاملات.

ثانيا؛ إن ما حُرِّم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة؛ فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدا للذريعة73.

ذلك أنه كثرت إليه حاجة النساء في عصرنا لأغراض شتى، والمنع يُفْضِي إلى وقوع المشقة والحرج والعُسر؛ مما يقتضي الرُّخصة والتخفيف؛ إذ الفقهُ الرُّخْصَةُ من ثقة، أما التَّشْدِيد فيُحْسِنُه كل أحد؛ كما قال إمام السنة والفقه والورع سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله.

ثالثا؛ عموم البلوى؛ لأن هذا الأمر أصبح اليوم واقعا وشائعا في جميع البلاد؛ بحيث يتعذر على الإنسان أن يتخلص منه أو يبتعد عنه؛ لأنه لو أُخِذَ بأصل الحكم في هذا الأمر لأدى إلى المشقة والعسر كما تقَدَّم، بل ربما إلى تعطيل المصالح، وهو نوع من المشقة كذلك.

ب. أحاديث إخراج زكاة الفطر

ومن الأمثلة على ذلك أيضا: تشدد هذا الاتجاه الحرفي، ومعهم بعض مُتَعَصِّبَة المذاهب من المتأخرين، في الإصرار على إخراج زكاة الفطر من الأطعمة، ورَفْضِ إخراجها بقيمتها نقدا رفضا مطلقا، وينادون في الناس كل عام في أواخر رمضان: أن من أخرج زكاة الفطر نقودا فزكاته باطلة؛ لأنها خلافُ السنة، وعليه أن يعيد إخراجها ثانية من الطعام حتى تُقبل.

وحُجتهم في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “كنا نخرج زكاة الفطر، صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أَقِط 74، أو صاعا من زبيب”75.

فوَقَفَ القوم عند ظاهر النص؛ عند ما عَيَّنَه من أصناف الأطعمة مما هو غالب قوت البلد، ولم يلتفتوا إلى المقصد الشرعي من الحديث وهو “إغناء المساكين” يوم العيد، الذي يدل عليه ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: “أَغْنُوهُم في هذا اليوم”76، وفي رواية للبيهقي: “أَغنوهم عن طواف هذا اليوم”77.

وهذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف78؛ فإن معناه صحيح في بيان المقصود من هذه العبادة المالية، وهو إغناء المسكين في هذا اليوم السعيد، وإدخال الفرح والسرور عليهم، وليس المقصود نوعا أو أنواعا معينة بذاتها من الأموال.

فينبغي النظر إلى العلة والحكمة والغاية من إيجابها، والتمييز بين الوسائل والمقاصد، ذلك أن زكاة الفطر ليست عبادة مالية محضة وتوقيفية لا دخل للعقل فيها، وإنما هي عبادة مالية من أصلها معقولة المعنى مثل زكاة الأموال، ويجب عند الاشتباه النظر إلى ما هو أنفع للفقير، أو أيسر على المكلف79.

وإخراج القيمة نقدا، في عصرنا، هو الأيسر على المعطي، والأنفع للآخذ، ولهذا وجدنا الأئمة المتبوعين من الفقهاء المجتهدين؛ لما زاد مجتمعهم توسعا وتعقدا؛ لم يقفوا عند الأطعمة المنصوص عليها في الحديث، بل قاسوا عليها ما هو غالب قوت البلد.

بل زاد بعضهم فأجاز إخراج القيمة، لاسيما إذا كانت أنفع للفقير، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه، ومذهب الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وقد صح هذا عن الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيَّب وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير من التابعين، كما صح عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز80.

فتبين بذلك أن نص الحديث معَلَّل “بالإغناء”، والإغناء يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر وأيسر؛ لأنها أقرب إلى دفع حاجة الفقير؛ إذ تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس مما هو أحوج إليه، وخصوصا في عصرنا، وفي هذا رعاية لمقصود النص النبوي، وتطبيق لروحه، وهذا هو الفقه الرشيد، الذي يربط النصوص الجزئية بمقاصدها الكلية.

وقد ألف أحد علماء المغرب: هو الحافظ المحدث أحمد بن الصديق الغماري المتوفى بالقاهرة سنة 1380ﻫ رسالة لطيفة أسماها: “تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال”، وقد استوفى فيها بحث المسألة من كل أطرافها، وأيد بالأدلة من الكتاب والسنة والآثار؛ ما ذهب إليه من جواز إخراج زكاة الفطر بالنقود، بل تفضيله على غيره في هذا الوقت.

ج. تحريم التصوير الفوتوغرافي

ومن إهمال العلل والمقاصد عند المدرسة المذكورة: التشدد في تحريم التصوير الضوئي “الفوتوغرافي” وعند بعضهم حتى التلفزيوني81؛ الذي عرفه الناس في هذا العصر، والذي تطور تطورا كبيرا؛ متمسكين بالوعيد الشديد الوارد في السنة في هذا الأمر: مثل حديث عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: “إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة: المصورون”82، ولم ينظروا إلى العلة التي ذكرتها الأحاديث المحرمة للتصوير، والتي لعنت المصورين: أنهم يضاهون خلق الله، كما في حديث عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”83، وفي رواية لمسلم عنها: إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله”84.

وهذا ينطبق على التصوير “المجسم” كالأصنام التي تعبد من دون الله، أو ما نسميه اليوم “بالتماثيل”، أما هذا التصوير؛ فليس فيه مضاهاة خلق الله، وإنما خلق الله نفسه، انعكس على الورق المخصوص، كما تنعكس الصورة على المرآة، ويؤكد هذا الكلام: أن بعض البلاد الإسلامية يسمون الصورة: عكسا، والمصور عكاسا، ويقول الشخص له: اعكسني، أو متى آخذ العكوس منك، وهذا واضح في التصوير بالفيديو، والتصوير التلفزيوني، حيث يشاهد الإنسان خلق الله كما هو، ولا تتضح فيه قضية المضاهاة، التي هي علة التحريم، كما تنص على ذلك الأحاديث85.

ومع ذلك لا يزال بعض هؤلاء يفتي بتحريم مشاهدة التلفزيون، أو إدخاله في بيت المسلم، لا لأنه يعرض أشياء محظورة شرعا مثل: الرقص والأغاني الخليعة، والمناظر الخارجة عن أدب الإسلام، بل هو حرام؛ لأنه قائم على التصوير المحرم، وإن كان كل ما يعرضه حلالا لا شائبة فيه، غير أن الكثير منهم الآن قد رجع عن هذا الرأي، وأباحوا التلفزيون ومشاهدة برامجه؛ فضلا عن إدخاله بيت المسلم، وهذا أمر محمود86.

وإباحة التصوير المذكور هو الرأي السديد الذي أفتى به كبار علماء الأمة في هذا العصر، ومن أشهرهم مفتي الديار المصرية العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، رحمه الله، الذي  استوفى جمع الأدلة في رسالة نفيسة سماها: “القول الكافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي” وانتهى إلى القول بحِله وإباحته، ملتفتا إلى أن علة التحريم في بعض الأحاديث هي: المضاهاة، وهي منتفية في هذا النوع من التصوير.

خاتمة

والكلام في هذا الموضوع طويل الذيول واسع الجوانب؛ إذ هذه أمثلة فحسب لهذه القراءة التجزيئية للسنة النبوية تدل على ما هو من جنسها، ولو رامت هذه الدراسة الإحاطة لانكسر القلم دون ذلك؛ لأن هذا العصر حافل بمظاهر كثيرة لمنهج التعضِية في الاستمداد من السنة؛ تتشعب لتشمل أنواعا مختلفة من سوء الفهم والتفسير للأحاديث، تشترك كلها في التعضية والبتر والتقطيع والفهم التجزيئي، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وما لا يدرك كله لا يترك جله.

نتائج البحث

وأرى أنه لابد في ختام هذا البحث أن ألخص النتائج التي انتهى إليها في النقاط الآتية:

ـ الدراسات التأصيلية للمناهج القويمة في الاستمداد من الوحي ليست من نوافل الجهود، بل غدت مطلبا ضروريا؛ لتوجيه الأمة نحو الأصوب في الاعتقاد والفهم والعمل.

ـ يظهر الخلل والاضطراب، اليوم، أكثر في مناهج الاستمداد من نصوص السنة النبوية خاصة؛ لأن طابعها أنها جزئية تفصيلية، أما نصوص القرآن الكريم فهي في أغلبها مجملة كلية.

ـ منهج التجزيء والتعضِية في الاستمداد من السنة النبوية له تداعيات وآثار خطيرة على واقع الأمة المعاصرة، بلغ إلى حد ظهور اتجاه آخر، كرد فعل عنيف، يدعو إلى نبذ السنة مطلقا، والاستغناء عنها بالقرآن وحده، والتشكيك في صحة ثبوت جمهرة الأحاديث النبوية.

ـ بروز اتجاهين معاصرين في منهج الاستمداد من السنة اليوم: منهج التجزيء والتعضِية، ومنهج التكامل والنسقية.

ـ وقد وقف هذا البحث على أبرز مظاهر الخلل في الاستمداد من السنة عند أصحاب المنهج الأول؛ ثم تعقبها ببيان طريقة المنهج التكاملي والنسقي في رتق الفتق، وتسديد الفهم، وترشيد الفقه، فكانت أهم مظاهر الخلل المنهجي في الاستمداد من السنن ثلاثة وهي:

1. الأخذ ببعض الأحاديث وإغفال بعضها الآخر. وعلاجه المنهجي: هو ضم الأحاديث الواردة في الباب الواحد أو الموضوع الواحد؛ بعضها إلى بعض؛ ليكون الاستمداد صحيحا، والفهم سليما.

2. إهمال مراعاة السياق وأسباب ورود الحديث، وإغفال واقع المخاطَبين وأعرافهم، وملابساتهم وظروفهم. وعلاجه المنهجي: مراعاة ذلك كله في الاستدلال، وعندئذ يرتفع الإشكال، ويزول الإعضال، ويتضح المقال.

3. الفصل بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للأحاديث النبوية؛ بالوقوف عند حرفية النصوص، والجمود على ظواهرها، وإهمال النظر فيما وراء أحكامها من علل، وما ترومه من مقاصد، وما تهدف إليه من مصالح.

وعلاجه المنهجي: هو الوصل بين ذلك كله، وترك الفصل: الذي يفضي إلى نتائج خطيرة، ويفسد تناسق هذه الشريعة الباهرة، وتكاملها، وترابطها.

وقد ضربت لكل هذه المظاهر الكبرى أمثلة ونماذج من تطبيقات معاصرة؛ تمثل أبرز أنواع الخلل في منهج الاستمداد من السنة النبوية في هذا العصر.

الهوامش


1. أنظر: لسان العرب، لابن منظور، 14 /300، ومختار الصحاح، للرازي، ص330، مادة: نهَج.

2. لسان العرب،13/52، مادة: مدد.

3. المصدر السابق 6/399، مادة: سنن.

4. قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، لمحمد جمال الدين القاسمي، ص85، بتحقيق: مصطفى شيخ مصطفى.

5. القاموس المحيط، للفيروز آبادي، ص36، ولسان العرب 2/268، مادَّة:جزأ.

6. لسان العرب 14/127، مادة: نسَق.

7. رواه ابن جرير الطبري، وابن عدي في “الكامل” 1/152، والخطيب في “شرف أصحاب الحديث” ص 40، ط.عالم الكتب بيروت، وابن عبد البر في التمهيد1/59، وحسنه الحافظ العلائي بقوله: وهذا حديث حسن غريب صحيح، وقواه ابن القيم في “مفتاح دار السعادة”، 1/497 لتعدد طرقه.

8. “إعلام الموقعين”، لابن القيم،1/130. وهذا الأثر في: سنن الدار قطني 4/206-207، و”سنن البيهقي الكبرى”: 10/115.

9. الروح، لابن القيم، ص 84، بتحقيق خالد العطار، دار الفكر، بيروت، ط.1، 1419ﻫ-1998م.

10. “إعلام الموقعين عن رب العالمين” لابن القيم،1/8، بتحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.

11. مأخوذة من التعضية، وتعني: تجزئة الأعضاء، وهي من عَضَوتُهُ أي فرقته، أنظر: مختار الصحاح، ص 211. مادة: عضَه.

12. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، للخطيب البغدادي، ص 370.

13. أنظر أثر القراءة العِضين وتداعياتها في فهم السنة النبوية، للدكتورة رقية طه العلواني، ص 153، بحث طبع  ضمن مجموع الأعمال المقدمة لندوة “الحديث الشريف وتحديات العصر” المنعقدة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.18-20 صفر 1426ﻫ28-30 مارس 2005م.

14. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، رقم: 3004.

15. أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب: كتابة العلم، رقم: 113.

16. أخرجه أبو داود في السنن، كتاب العلم، باب في كتاب العلم، رقم: 3646، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/408.

17. أخرجه أبو داود في نفس الكتاب والباب السابقين، رقم: 3649، وصححه الألباني في نفس المصدر السابق.

18. انظر علوم الحديث ومصطلحه، للدكتور صبحي الصالح، ص33 وما بعدها، وقد نقل المؤلف عن كتب المستشرقين المذكورين المترجمة إلى الفرنسية.

19. انظر تقييد العلم، للخطيب البغدادي، ص 28 وما بعدها، بتحقيق: يوسف العش، وهو من أجود الكتب التي أفردت لجمع أحاديث النهي والإباحة، وإزالة التعارض الظاهري بينها، وقد رد محقق الكتاب في مقدمته ردا كافيا على المستشرقين المذكورين بما يقطع شبهتهم.

20. أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا دونما ذكره صلى الله عليه وسلم، من معايش الدنيا على سبيل الرأي، رقم: 2363.

21. والشيص بالكسر والمد: التمر الذي لا يشتد نواه، وإنما (يتشيَّص) إذا لم تُلقَحِ النخل، مختار الصحاح، مادة:شيَص،ص171.

22. أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، رقم:2361.

23. رواه مسلم في كتاب:الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا،رقم: 2362.

24. انظر كيف نتعامل مع السنة النبوية، للدكتور يوسف القرضاوي، ص103.

25. أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب “ما أسفل من الكعبين فهو في النار” رقم:5787.

26. أخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب “ما تحت الكعبين من الإزار” رقم:5345، وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي:3/417.

27. فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، 10/323.

28. رواه البخاري في كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء، رقم: 5784.

29. أخرجه مسلم  في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم جر الثوب خيلاء وبيان حد ما يجوز إرخاؤه إليه وما يستحب، رقم:2085.

30. كيف نتعامل مع السنة النبوية، ص 105.

31. انظر النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه، للدكتور يوسف القرضاوي، ص6.

32. الرد المُفحِم، لمحمد ناصر الدين الألباني، ص6-7.

33. بدائع الفوائد، لابن القيم، 4/815.

34. إعلام الموقعين، 1/338، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.

35. مراعاة السياق وأثره في فهم السنة النبوية، لأستاذنا الدكتور فاروق حمادة، بحث منشور بمجلة الإحياء، ص 65، العدد.26، شوال 1428ﻫ- نوفمبر 2007م.

36. البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، لابن حمزة الحسيني الدمشقي، 1/ 19، خطبة الكتاب.

37. منهج النقد في علوم الحديث، للدكتور نور الدين عتر، ص334.

38. أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود، رقم: 2645، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/135.

39. نفس المصدر السابق.

40. معالم السنن، للخطابي، 2/235.

41. حكم الإقامة ببلاد الكفار وبيان وجوبها في بعض الأحوال، لعبد العزيز بن الصديق الغماري، ص                                13، وص 35- 36، بتصرف، وقد أورد المؤلف المحدٌِثُ في هذا الكتاب أدلة كثيرة وفوائد غزيرة على ما ذهب إليه؛ فليراجع.

42. متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم،: “يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه”، رقم: 1286، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم: 928.

43. الحديث عن عائشة، أخرجه البخاري، في كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم،:              ” يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه”، رقم:1288، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم: 929. وانظر الإجابة لا يراد ما استدركته عائشة على الصحابة، لبدر الدين الزركشي، ص 84.

44. السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، لمحمد الغزالي، ص22.

45. ولم ينفرد بروايته عمر وابنه – رضي الله عنهما– كما وهم الشيخ الغزالي – رحمه الله – لما قال: “إن الخطأ غير مستبعد على راو ولو كان في جلالة ابن عمر” مُغْفِلا ذِكْر غيرهما من الصحابة ممن روى هذا الحديث، أنظر السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث، ص 23.

46. المُفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس القرطبي، ج: 2، ص 581– 582.

47. انظر: المصدر السابق، 2/582.

48. جزء من حديث متفق عليه، وهو من حديث ابن عمر – رضي الله عنه-.

49. صحيح البخاري، كتاب الجنائز، الباب رقم:32.

50. فتح الباري،3/197.

51. أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، رقم: 1017.

52. انظر فتح الباري، ج:3، ص 199– 200، وشرح السنة، للإمام البغوي، ج:5، ص 442– 443، والمفهم، ج:2، ص583.

53. الموافقات، للإمام الشاطبي، 2/9، بتحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان.

54. المصدر السابق، 2/13.

55. منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، ج 6، ص 118، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سليم.

56. إعلام الموقعين، ج:3، ص14.

57. انظر المرجعية العليا للقرآن والسنة، للدكتور يوسف القرضاوي، ص235.

58. انظر منهج التلقي والاستدلال  بين أهل السنة والمبتدعة، لأحمد بن عبد الرحمان الصويان، ص59.

59. متفق عليه، كما في اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، لمحمد فؤاد عبد الباقي، حديث رقم:850. والأحاديث الثلاثة قبله.

60. انظر مثلا: فتاوى علماء البلد الحرام، ص 693، فتوى الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله– في حكم  سفر المرأة بالطائرة.

61. كيف نتعامل مع السنة النبوية، ص129.

62. أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم:3595.

63. ذكره ابن حجر في “الفتح”، 4/94، وعزاه إلى البخاري في الصحيح.

64. انظر فتح الباري، 4/94.

65. أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، رقم:1860.

66. الاستذكار، لابن عبد البر، 13/369.

67. إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض، ج 4، ص 446.

68. الاستذكار، ج:13، ص368.

69. فتح الباري، ج:4، ص93.

70. انظر فتاوى الزرقا، ص276.

71. انظر فتاوى معاصرة، 1/347.

72. انظر فتاوى عصرية، للدكتور علي جمعة، ص267.

73. انظر فتاوى معاصرة، للدكتور يوسف القرضاوي، ج:1، ص 350.

74. الأقط  بوزن الكتف، وهو اللبن المُجَفَّف، مختار الصحاح، مادة: أَقِط، ص19.

75. أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر صاعا من طعام، رقم:1506.

76. رواه الدارقطني في السنن، كتاب زكاة الفطر، رقم:67، 2/152 – 153.

77. رواه البيهقي في السنن، كتاب الزكاة، باب وقت إخراج زكاة الفطر، 4/175.

78. كما قال الحافظ ابن حجر في “بلوغ المرام”، رقم: 647، ص 125.

79. انظر العقل والفقه في فهم الحديث النبوي، لمصطفى الزرقا، ص 58، وما بعدها.

80. انظر المحلى، لابن حزم، 6/130-131، تحقيق: أحمد شاكر، وراجع: فقه الزكاة، للدكتور يوسف القرضاوي، 2/ 948.

81. انظر مثلا: فتاوى علماء البلد الحرام، ص 776، حيث سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز –رحمه الله-: عن حكم تصوير المحاضرات بجهاز الفيديو للاستفادة منها في أماكن عامة لتعم الفائدة؟ فأجاب: بأن هذا محل نظر، وأنه عنده في هذه المسألة توقف من أجل ما ورد من الأحاديث في حكم التصوير. وانظر ص 78 حيث سئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 1/480”  عن حكم التصوير بالكاميرا للذكر والتسلية؟ فأفتت بتحريم تصوير الأحياء مطلقا على أي وجه كان هذا التصوير.

82. أخرجه البخاري في كتاب: اللباس، باب، عذاب المصورين يوم القيامة، رقم: 5950، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان…، رقم: 2109، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

83. أخرجه البخاري في كتاب: اللباس، باب: ما وُطِئَ من التصاوير، رقم: 5954، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، رقم: 2107.

84. أخرجه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم:2107.

85. دراسة في فقه مقاصد الشريعة، للدكتور يوسف القرضاوي، ص76.

86. المرجع السابق، ص77، والحاشية (2) من نفس الصفحة.

Science

د. توفيق الغلبزوري

أستاذ التعليم العالي بكلية أصول الدين

جامعة القرويين-تطوان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق