وحدة الإحياءدراسات عامة

مقاصد الشاطبي.. بحث في المفهوم والوظيفة، والأبعاد التجديدية

هذه المداخلة خلاصة بحث علمي تم إجراؤه في موضوع المقاصد.. وحاول من خلاله الباحث أن يعيد طرح واحدة من أهم القضايا الإشكالية في (موضوع المقاصد) منذ بداية الاهتمام به في العصر الحديث.. لكن أيضا هي واحدة من أبجديات الإشكالات وأولياتها الضرورية، ليس في هذا الموضوع فحسب، بل في مختلف الموضوعات والمجالات المعرفية من غير استثناء..

 وينطلق هذا البحث من أن الدارسين المعاصرين وإن وقفوا مع هذه الإشكالية وقفة طويلة، إلا أنهم مع ذلك لم يفعلوا بالشكل المطلوب..! لذلك ظلت جهودهم تحوم حول الموقع الصحيح لها، لكن دون أن تتمكن أن تقع عليه.. تلك إشكالية: “تعريف المقاصد عند الإمام الشاطبي”، أو بالأحرى: “إشكالية عدم تعريف المقاصد عند الشاطبي!”.

 هكذا اعتقد الباحثون المعاصرون أن مفهوم المقاصد معلوم، إنما المشكلة هي مشكلة تعريف فحسب؛ أي “لم لم يعرف الشاطبي المقاصد؟” يعنون: لمَ لم يأت في مبتدأ من الكلام بعبارة لغوية محررة (في سطر أو شطر سطر) مصوغة على الطريقة المعهودة في التعريفات عند أهلها، وذلك إما بالحد الحقيقي، أو الرسمي، أو اللفظي، أو غير ذلك..؟!

هذه الدراسة تستعيد اليوم تلك الإشكالية وتستدعيها مرة أخرى إلى دائرة البحث وإعادة النظر من الأساس.. لتجعل مفهوم المقاصد نفسه، لا تعريفها فحسب، موضع (شك معرفي) خالص، ومساءلة منهجية دقيقة!

سوف أعمل هنا، بحول الله، على تقديم الخلاصات والنتائج التي توصل إليها البحث، والاقتصار عليها في الغالب، وذلك بحسب ما يسمح به الحيز المخصص للكتابة والمشاركة في هذه الندوة العلمية المباركة.

تتوزع هذه المداخلة إلى ثلاثة مباحث أساسية:

الأول: عن مفهوم المقاصد.. كما هو عند الشاطبي، وكما هو عند العلماء المسلمين تبعا لذلك..

الثاني: وظيفة المقاصد.. والاستدلال عليها بما فعل الشاطبي..

الثالث: الأبعاد التجديدية للمحاولة الشاطبية في هذا الخصوص..

وقد أحطتهما بمبحثين إضافيين؛ تمهيدي.. وختامي..

مبحث تمهيدي: في عدم تعريف الشاطبي المقاصد

قال الباحثون المعاصرون: “الشاطبي لم يعرف المقاصد”!! وكادوا يتفقون على ذلك، لكنهم بعد ذلك اختلفوا في أسبابه ومعاذيره.. وقد اعتبر هذا البحث، انسجاما مع ما سيكشف عنه من نتائج توصل إليها، أن الشاطبي عرف المقاصد.. لقد فعل ذلك في موضعين من الموافقات:

الموضع الأول؛ عن مقاصد الشريعة خاصة، وإن لم يرد فيه ذكر الشريعة والتنصيص عليها لفظا.. وذلك حين عقد كتابا خاصا (الكتاب الثاني) من كتب الموافقات، سماه «كتاب المقاصد»، واستعمل في تلك التسمية (أل) التعريف.. ولم تكن تلك الـ (أل) لتفيد تعريف الجنس حتى تحتاج إلى تحديد ثان وتعريف، بل هي عنده هنالك لتعريف (العهد)، كما يميز اللغويون والنحاة، فـ”تعريف العهد يبطل الإبهام! من حيث إن حقيقته أن تقصر الشيء على واحد معين، والإبهام أن يصلح لكل شيء من الجنس[1]“.. معهود ذهني كلما ذكر اللفظ لم ينصرف الذهن إلا إليه، دون سواه، مما هو سابق عليه، أو مقارن له في الزمن، أو لاحق به، وجد هذا اللاحق بعد أم لم يوجد..

 إن أبرز محطة عرفتها المقاصد على الإطلاق قبل الشاطبي إنما كانت محطة الغزالي، حيث نضجت المقاصد واستقرت تماما، فهي إذا (مرحلة النضج والاستقرار)، والأصوليون من بعد الغزالي منهم من تحدث في المقاصد ومنهم من سكت! وكل من تحدث لم ينقض شيئا مما استقر مع الغزالي فيها، بل كانوا موافقين متفقين.. ولا أعني هنا ما تعلق بالجزئيات والتفاصيل، أو طريقة العرض وأسلوب البيان.. إنما أعني المكونات الأساسية، والإطار العام.. فما المقاصد إلا إطار! وما هي إلا بنية!

تلك العناصر الأساسية المشكلة لمفهوم المقاصد التي استقرت داخل الذهنية المعرفية الأصولية منذ الغزالي وحتى الشاطبي عبر محطات بينهما بارزة عرفها الدرس الأصولي.. لم تكن سوى؛ “الكليات الثلاث من الضروريات بأنواعها الخمسة.. ثم الحاجيات.. والتحسينيات.. مع ما لكل مرتبة فيها من تتمة ومكمل..”.

وعليه، فلم يحدث أن استعمل أحد من الأصوليين مصطلح المقاصد أصوليا للدلالة على غير هذه الأشياء المذكورة.. وأؤكد هنا على كلمتي (مصطلح) و(أصوليا)، وذلك حتى تخرج الاستعمالات اللغوية التي لا تحمل أي دلالات اصطلاحية، أو تحمل لكن ليس بالقدر الكافي، وحتى تخرج الاستعمالات غير الأصولية؛ أي تلك المنتمية إلى مجالات علمية أخرى، سواء تلك البعيدة عن الأصول أو القريبة منها..

نعم، الكليات الثلاث.. الضروريات الخمس.. تلك (أيقونة) المقاصد، إذا جازت لنا مثل هذه العبارة هنا، وذلك بصرف النظر عن فهم المتلقي لحقيقة تلك الصور والأشكال، وإلامَ ترمز؟ وعلامَ تدل؟ حتى لو لم يفهم ذلك، أو فهمه على غير حقيقته، أو اختلف العلماء في تأويله، كله غير مهم فيه، سوف يصير الأمر مهما خطرا فقط في حالة واحدة، وذلك حينما يتحول سوء الفهم إلى حالة من التفاقم والظهور، يحاول معها أربابه أن يتدخلوا في (الوجود الذاتي) للأيقونة نفسها، وهو وجود محسوس، يكاد يكون ماديا ملموسا، يتدخلوا فيه بالتغيير والتبديل بما يلائم سوء الفهم ذاك، هنالك الخطورة!

من هنا يمكن القول؛ إن الشاطبي قد عرف المقاصد فعلا حين أتى فيها بـ (الألف واللام) المفيد لتعريف العهد، والشيء إذا كان معلوما للمخاطب؛ إما مشارا إليه حسا يراه بعينه، أو يلمسه بيديه أو يكاد.. أو كان محالا عليه يعقله في ذهنه ويستحضره.. فأي حاجة بعد ذلك إلى تعريفه مرة ثانية؟ بل أي فائدة؟ وهذه (بيداغوجيا) و(تربويات) يلتزم بها الشاطبي بناء على رؤيته لمفهوم العلم.. وأنه لا يراد لذاته.. وأن كل ما يعطل الوصول إلى المطلوب ينبغي أن لا يعتنى به، بل إنما يجتنب ويتقى!

الموضع الثاني؛ عن المقاصد عامة، وإن كان ذكر فيها الشارع وأضافها إليه.. وذلك عندما تحدث عن الفرق بين الإرادة التشريعية والإرادة التكوينية، صرح أن ما يسميه “قصد الشارع” إنما هو “الإرادة التشريعية” تماما من غير زيادة أو نقصان، قال: “فإذا رأيت في هذا التقييد؛ (أي الموافقات) إطلاق لفظ القصد وإضافته إلى الشارع: فإلى معنى الإرادة التشريعية أشير[2].”

إذن، “القصد” عند الشاطبي هو بمعنى: “الإرادة”! ويصرح تصريحا أن قصد الشارع معناه: الإرادة التشريعية.. التكليفية.. لا شيئا آخر غيرها، والإرادة التشريعية.. هكذا بإطلاق! من غير تخصيص بمتعلق دون آخر.. إذ التخصيص لابد له من دليل.. بل الدليل قائم أن العكس هو الصحيح، كما سنرى.

إن الراجح بالنسبة لهذه الدراسة، مما أفضى إليه البحث والتنقير اللغوي والصرفي فيها، أن “المقاصد” إنما هي جمع “مقصد” (بفتح الصاد) الذي هو اسم مصدر.. لا (بكسر الصاد) الذي هو اسم مكان.. ومعلوم أنه لا فرق عندهم يذكر بين المصدر واسمه، فتكاد تكون “المقاصد” جمع “قصد” الذي هو بمعنى “الإرادة”، وهذا واضح في تعبيرات الشاطبي؛ إذ يقول مثلا في (كتاب المقاصد) مفصلا في أقسامها وأنواع أقسامها: “قصد الشارع..”، “قصد المكلف..”، “قصد الشارع في وضع الشريعة لكذا..” الخ، فيعبر عن الفرد من أفراد ذلك المجموع (جمع التكسير) بصيغة (المصدر)! وهو الشأن عنده في مواضع أخرى أيضا، كقوله: “بحسب المقاصد الطارئة على ذلك القصد الأول»[3].. وعليه سوف يكون مفهوم “القصد” حين يضاف إلى الشارع هو نفسه حين يضاف إلى المكلف، وهو “الإرادة” في كليهما، إنما الذي سوف يفترقان فيه، كما سنرى: محل تلك الإرادة.

المبحث الأول: في مفهوم المقاصد..

قد كان من النتائج الكلية وغير المتوقعة التي أفضت إليها جملة الأشغال والجهود البحثية المتصلة التي عرفتها هذه الدراسة، طيلة الفترة التي استغرقتها، أن تم الكشف عن كون المقاصد مفهوم ابستمولوجي، وليس مادة معرفية، ولا حتى عملية برهانية. إن المقاصد “مفهوم (أو آلية) أوجدها (طورها) العلماء المسلمون لدراسة الموضوعات المعرفية، ذات الصبغة الوضعية.. ومعالجتها من حيث التصور لا التصديق، والغرض «معرفة الموضوع على ما هو عليه»، وليس ذلك إلا «بالعلم بما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به، من حيث قصدت المعرفة به..».”

فلنفصل هذه الجملة من القول:

1. المقاصد للمعالجة التصورية لا التصديقية.. البيانية لا البرهانية..

كان أن أدت عمليات الاستقراء والتصنيف الجارية في هذه الدراسة إلى حصر الموضوعات المعرفية (جزئية كانت أو كلية)، مما يمكن أن يكون في الغالب محل اشتغال وتشريح من قبل الآلة المقاصدية، ومما يرتبط عموما بمجال الشريعة، وإن كان لا يقتصر عليه وحده، بل يجري في غيره أيضا، في سبعة أنواع من المتعلقات، كانت:

أ. الخطاب، وعوارضه من الأوامر والعمومات..

ب. الأحكام والتكليفات..

ج. العلل والمصالح..

د. المفاهيم والأصول..

ﻫ. الصناعات والعلوم..

و. الجماعات والمذاهب..

ز. الحادثات والنوازل..

فمن حيث موضوعاتها لا تتعلق هذه (الآلية) بالأفراد من الموجودات، ولا بالعقليات والمجردات، ولا بالفعليات من حيث تتعلق بالواقع.. إنما هي تخص “الوضعيات” وحدها. والوضعي نسبة إلى الوضع، الذي هو في الأجسام: “عبارة عن حالة تحصل للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى البعض الآخر، وإلى مكانه، كالتربيع والانسطاح ونحوه[4].”

 فالوضعي عامة: كل شيء، معنوي أو محسوس، مركب، صدر عن فرد أو مجموعة، فجاء على حال (هيئة) من الترتيب.. هي اختيارية (جوازية)، لا يقتضيها العقل (لا يوجبها)، وإن كانت معقولة؛ (أي لها منطق داخلي مفهوم يحكمها وتتحقق به غايتها).. كاللغة حين تضعها جماعة بشرية، والقوانين، والفلسفات، والعادات، والوجود نفسه الذي وضعه الله تعالى، والشرائع الموضوعة من السماء، والكلام حين يصدر عن آحاد المتكلمين، وأمثال ذلك، والمستويات السبعة من المتعلقات التي ذكرناها هي من هذا القبيل. فضد “الوضعي” “العقلي”، و”الوضعيات” تقع في مقابلة “العقليات”..

“المقاصد”، إذن، مصطلح وضع لمعرفة “الوضعيات”، كما وضع الذاتي والعرضي، مثلا، لتعريف الكليات من الموجودات؛ إذ لما كان الوضعي متكثرا ومركبا، كان ذلك فيه مصدر إبهام ومنشأ غموض، فاحتاج الأمر واقتضى نوعا من الفرز والتمييز (البيان)، وهي حاجة على سبيل الضرورة واللزوم، لا الفضول الزائد والتكلف، فحتى لو كان الوضعي من الوضعيات أمامك، ماثلا بين يديك، لا يعزب عن نظرك منه جهة من الجهات، ولا جزء من الأجزاء، مع كل ذلك أنت تحتاج فيه إلى بيان آخر فوق ذلك، يجلي لك حقيقة كل جهة مما ترى، وكل جزء مما تعاين، وذلك من حيث الأهمية والقدر لكل واحد منها، فذلك واجب قبل أن أي تعاط علمي معه.

ذلك بأن “الوضعي اختياري”، كما سلف! أي يخضع لإرادة الواضع وقصده، فهو، إذن، قابل للتبدل.. فبهذا الاعتبار وجب كل مرة تجديد المعرفة به، وطلب الوقوف على حقيقته وحاله؛ إذ مادام قابلا للتبدل بحسب قصد الواضع وإرادته، فقد ينقلب ما كان أعلى فيه إلى الأسفل، وما كان أيسر يصير أيمن، وما كان وجها قد يتحول ظهرا، وما كان سرا قد ينقلب جهرا، وما كان أولا يصير آخرا، وما كان معتبرا يصير لغوا.. وهلم جرا.

وقد تبين بمضمون ما سبق أن “المقاصد” تعالج إشكال التصور (الإدراك وبناء المعنى) لا التصديق.. فهي بذلك ذات وظيفة بيانية، وليست قياسية (عقلية برهانية)، المقاصد إجابة عن سؤال (ما؟)، وليس سؤال (لم؟)! فمثلا (إخراج المكلف عن داعية هواه…) الذي هو قصد الشارع في دخول المكلف تحت أحكام الشريعة (النوع الرابع من القسم الأول من المقاصد)، إنما هو حقيقة هذا القصد لا علته.. أي أن الامتثال أو التعبد إنما هو حقيقة الشريعة (من هذه الحيثية المنظور منها إليها)، لا أنه غايتها أو هدفها.. فتأمله!!

غير أن الإجابة عن (ما؟) هنا لتكون تامة وكافية إنما تمر بالضرورة عبر الإجابة عن (أيّ؟)!.. وهو ما سنبحثه في مواضع مقبلة من هذا البحث.

2. “العلم بالموضوع على ما هو عليه.. وما لا يعرف الموضوع إلا به!”

تستدعي المقاصد لأجل المساعدة في “العلم بالموضوع على ما هو عليه[5]“، وذلك: العلم بحقيقة الموضوع، كما هو في نفسه، وبشكل موضوعي.. ومن غير تعريج على أية زوائد، من أوصاف أو لواحق خارجة عن الذات كما بينا، وذلك إذا كان ينظر في الموضوع في ذاته؛ أي من حيث هو.. ومن الأمثلة فيما يعد خارجا عن الذات، مما كنا جعلناه آنفا مماثلا لـ (الصفات العارضة) على سبيل من التشبيه والإفهام لا غير، أنواع من المعالجة والنظر، نذكر منها فيما تعلق بمجال (الصناعات والعلوم) ما كان من: أ. مقدمات. ب. مبادئ. ج. نظر استدلالي. د. نظر تعليلي. ﻫ. نظر تأريخي. و. نظر نقدي.. ز. نظر توظيفي. ح . نظر تنزيلي. ط. نظر انجراري.

فهذه أمثلة من الأمور الخارجة عن المقاصد.. وفرق ما بينهما أنك ترى أنه يمكن الاستغناء عن هذه الأنظار والمعارف في المعرفة والتعريف.. فمقاصد موضوع ما: “ما لا يعرف ذلك الموضوع إلا به..[6].”

وحين ننفي عن الموضوع، أو عن تصورنا له، الأجزاء العالقة به، التي ليست بجزء من حقيقته، قد نحتاج، بعد ذلك، المرور إلى عملية أخرى أدق، وهي التمييز في الموضوع بين ما هو أصلي من المقاصد، وما هو تابع لا غير!

وقوله: “من حيث قصدت المعرفة به[7]“؛ أي من الجهة التي يراد تناوله منها، وهو تقييد مهم جدا ودقيق؛ إذ الموضوع الواحد يمكن النظر إليه ومعالجته من جهات وحيثيات مختلفة، لا من واحدة فحسب! فمثلا: “أجسام العالم” موضوع واحد، لكن له حيثيات مختلفة، ويمكن في كل مرة تناوله من واحدة منها، ويكون له بكل حيثية من تلك الحيثيات علم يناسبه.

يقول الغزالي: “أما العلم الطبيعي، فموضوعه: أجسام العالم؛ من حيث إنها وقعت في الحركة والسكون والتغير، لا من حيث مساحتها ومقدارها، ولا من حيث شكلها واستدارتها، ولا من حيث نسبة بعض أجزائها إلى بعض، ولا من حيث كونها فعل الله تعالى، فإن النظر في الجسم يمكن من هذه الوجوه كلها، ولا ينظر الطبيعي فيه إلا من حيث تغيره واستحالته فقط[8].”

وهذا تماما ما فعله الشاطبي، رحمه الله، بـ«الشريعة المطهرة» باعتبارها موضوعا معرفيا، وإنها حقا لـ(موضوع معرفي وضعي) من الدرجة الأولى، وهكذا نظر إليها الأصوليون الذين استخدموا المقاصد، وهو موضوع يصح أن يدرج في النوع الخامس من المتعلقات، كما يجوز أن يدخل في النوع الذي بعده.. لما نظر إليها الشاطبي كذلك، نظر إليها باعتبار أن لها حيثيات مختلفة، فكان لها عنده من كل واحدة مقاصد[9]..

وهكذا فـ “العربية” مثلا موضوع معرفي، وله أيضا جهات مختلفة يمكن في كل مرة أخذه من واحدة منها، وله بكل جهة علم، وبكل علم مقاصد، فلننظر أولاً؛ أي جهة نريد؟ لنعلم أي علم ينبغي تحصيله؟ ثم أي مقاصد؟ قال: “فالاجتهاد في الاستنباط من الألفاظ الشرعية، يلزم فيه: المعرفة بمقاصد ذلك المناط؛ (أي العربية)، من الوجه الذي يتعلق به الحكم، لا من وجه غيره[10].”

فإذن، مقاصد موضوع ما، الأشياء والعناصر التي إذا حزتها فيه إدراكا وعلما حزت بها ذلك الموضوع جملة إدراكا وعلما، من الحيثية التي تريد إدراكه منها، وبعد ذلك ربما لم تحتج في ذلك إلى شيء غيره، وهي أيضا الأشياء التي إذا غابت عنك أو فاتتك فاتك إدراك الموضوع وغاب عنك علمه.

المبحث الثاني: في الوظيفتين البيانية والتأصيلية للمقاصد

ثبت في المبحث الأول أن المقاصد إنما هو مفهوم ابستمولوجي.. له متعلقات مختلفة من الموضوعات المعرفية.. ولما كانت الشريعة واحد من تلك الموضوعات، كانت من ثم (مقاصد الشريعة) فردا من أفراد ذلك المفهوم (مفهوم المقاصد)، ومندرجة تحته.

 وكان أن اقتضى النظر المنهجي في ذلك المبحث أن يرد فيه، على سبيل البيان والاستدلال، ذكر لعدد من الموضوعات المعرفية، كان جميعها مما ينتمي إلى صنفين من تلك المتعلقات، أو ثلاث، وهي: (الصناعات والعلوم)، و(العادات والمذاهب).. والآن سيكون هذا المبحث هنا في عمومه متخصصا في صنف آخر غير ما سبق: (المفاهيم والأصول)!

فلقد استخدم الشاطبي (مفهوم المقاصد) في معالجة كل قضايا الدرس الأصولي، وما هذا الدرس في معناه وحقيقته إلا جملة مفاهيم وأصول..! وكما في جميع الوضعيات المركبات، وكل وضعي هو مركب، يقتضي النظر العلمي في الواحد منها إخراجه من حالة الغموض والإبهام، وما تكون عليه عناصره من اختلاط.. وازدحام.. وتوارد.. وتشاوب.. وتلازم.. وما إلى ذلك، وإخراجها جميعا إلى حالة الوضوح والبيان التام! آنذاك يمكن في الموضوعات التي هي (مفاهيم وأصول) الحديث عن أصول فعلا؛ إذ يتناقض أن تكون (أصول) وهي في الوقت ذاته مبهمة غامضة، هل هذا إلا عين الخلف والمحال؟!

هذا جزء من أشياء فعلها الشاطبي لما قال بقطعية الأصول؛ أي إعادة تأصيلها، وكان السبيل إلى ذلك هو (البيان) فيها، والسبيل إلى البيان فيها استخدام (مفهوم المقاصد)، إذ المقاصد كما سبق هذه وظيفتها، فإنما هي آلية ابستمولوجية مختصة حصرا في معالجة ما هو إشكال تصور، وإدراك، وبناء للمعنى، لا شيئا آخر!

إن ثمة معضلة كبيرة تواجهها الوضعيات عموما، أو تواجهنا فيها، وذلك إذا نحن أردنا أن نتعاطى معها معرفيا، الوضعي إذا كان في الواقع الخارجي تبيّن ولم يتأصل! فإذا هو انتقل إلى اللغة[11] تأصّل ولم يتبيّن! إذا هو ظل في الخارج لم نستطع تحويله إلى معرفة علمية، فبأي شيء إذاً ينفع البيان؟! أما إذا نحن انتقلنا به إلى اللغة، على أساس أن نتمكن من المعاطاة العلمية، أخلت مقتضيات التجريد اللغوي، التي هي مقتضيات عقلية بالأساس، بمطلب البيان، الذي هو مطلب علمي كذلك، لكنه من مقتضيات الواقع والتعيين، فبأي شيء عندها أيضا ينفع التأصيل؟!

هذه هي المشكلة، وهي من حرجين، ومن بينهما سوف يخرج الشاطبي رحمه الله! فلقد جاء بمستوى آخر من التدقيق في مقتضيات الخطاب الشرعي (من الأحكام)! سوف نتبين دواعيها في المطلب الموالي بتفصيل..

والمفاهيم أحكام..! فلذلك تتأكد الحاجة فيها أكثر إلى البيان.. لنعرف في كل مفهوم وأصل ما هو مقصود فيه، من العناصر والأجزاء، أو من الجهات والأنحاء، أو ما شئت، مما ليس بمقصود، ما هو مطلوب مما ليس بمطلوب، ما هو معتمد، عند الشارع، مما ليس معتمدا.. وفيما هو مقصود مطلوب معتمد ما كان كذلك أصالة وما كان تبعا.. ولعل هذه هي خلاصة العملية التنظيمية (البيانية) التي تتولاها المقاصد في الموضوعات المختلفة:

أن تميز في كل موضوع بين ثلاثة مستويات، أو ثلاث دوائر: 1. ما هو مقصود أصالة. 2. ما هو مقصود تبعا. 3. ما هو غير مقصود.

الأصلي هو في الغالب من الأحوال واحد في نفسه غير متعدد، وإن تعددت مظاهره وأشكاله، أما المقاصد التبعية فهي في الغالب متعددة، ومتفاوتة الدرجات أيضا.

لقد استدللنا، في الأصل من هذه الدراسة، على ما نقوله هنا من استخدام الشاطبي للمقاصد بغرض البيان والتأصيل، بما يربو على العشرين مثالا، أغلبها من باب (المفاهيم والأصول).. لكن نجتزئ في هذه المداخلة ببعض من ذلك فحسب، وهي:

1. المباح

يشغل هذا الأصل (المباح) حيزا كبيرا جدا ضمن رقعة الأحكام التشريعية، بل له المساحة الأكبر على الإطلاق، لكن تلك السعة في المجال الذي يمتلكه هي نفسها مصدر المتاعب والمشكلات التي تلحقه، ولقد صار هذا الأصل في محتواه المعرفي على درجة من الغموض والتضارب كبيرة، بحيث يكاد يفقد عند الكثير من الناس، هويته الذاتية، بل ظهر من ينكر وجود شيء اسمه المباح؛ إذ يصعب أولاً من الناحية الذهنية تقبل أن يكون شيء ينتمي إلى الشرع، ثم هو، مع ذلك، قصد الشارع فيه أن لا قصد في فعله ولا في تركه! فدرجة الحياد هذه صعبة على الذهن! إذ القصد في العادة إما أن يكون إثباتا (إيجاب فقط)، وإما أن يكون نفيا (سلب فقط)، أو على الأقل نفي وإثبات معا (سلب لشيء، وإيجاب لشيء آخر)، أما أن يكون لا نفيا ولا إثباتا!! فشيء ليس باليسير على الذهن أن يستسيغه، فهذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وُجِد عند الرجوع إلى الواقع أنه قلما يُصادَف مباح مستقل عن التلبس بالعوارض والمستلزمات الخارجية، أي قلما نجد لهذه الكلمة عائدا مرجعيا مطابقا من غير زيادة أو نقصان..

فهذا يؤدي بالكثير من الناس إلى التشكيك في القاعدة المقررة (الأصل)، والتي أعاد الشاطبي التذكير بها، وهي: أن الأصل في المباح أن لا قصد للشارع في فعله، كما لا قصد له في تركه! فيقولون: نعم هذا مباح، ولكن ها هو الآن مطلوب الفعل مثلا، أو مطلوب الترك، خصوصا أن تلك العوارض لا تزيل عنه اسم الإباحة، أو تجعله يندرج تحت اسم آخر غيرها.. فمن ثم عمل الشاطبي من خلال مناقشات علمية وحجاجية طويلة على إزالة كل ما تعرض له هذا الأصل من خلل في التصور والفهم، وحاول أن يثبت القاعدة والأصل المقرر، وهو أن المباح قصد الشارع فيه دائما التخيير.. وأن ما اعتبر مطلوب الفعل، أو مطلوب الترك من ذلك المناط، فإنما ذلك للأمور الخارجية التي تلبست به حين التنزل، وجعلته كذلك، قال: “وهذا هو الجاري على الأصل المتقدم، في تصور المباح بالنظر إلى نفسه، لا بالنظر إلى ما يستلزم[12]“، وهكذا يعالج الإبهام الذي صار يسكن هذا الأصل، نتيجة أسباب سنذكرها لاحقا في مكانها، ويستبدله بالبيان الذي يعيد له أصليته..

2.المصلحة

المصلحة التي يتضمنها أمر الشارع هي غالبا مختلطة بمفسدة ما.. هذا أصل في العاديات معلوم، وفي الشرعيات بناء عليه. فإذن، إلى أي منهما ستتوجه إرادة الشارع؟ ينبغي أن تتوجه إلى جهة واحدة منهما تكون من ثم هي المقصود، وذلك جهة المصلحة.. والنتيجة حينها أن أمر الشارع الذي هو مصلحة مطابق لقصده، فالمفسدة المغلوبة داخلة في المسمى وضعا، فكانت مشمولة بالاسم بذلك الاعتبار، إلا أنها، مع ذلك، ليست بداخلة فيه قصدا، لأنها ليست جزءا من القصد، ولا هي داخلة فيه، والقصد أخص وأدق من الاسم (الأصل الوضعي).

وما قيل هنا في المصلحة قيل مثله في المفسدة، “فالحاصل من ذلك أن المصالح المعتبرة شرعا، أو المفاسد المعتبرة شرعا، هي خالصة غير مشوبة بشيء من المفاسد، لا قليلا ولا كثيرا، وإن توهم أنها مشوبة فليست في الحقيقة الشرعية كذلك[13]“، وهو مضمون المسألة الخامسة من النوع الأول من قصد الشارع، فليرجع إليه.

3.المسببات

ومثل قوله في المصلحة قوله في المسببات الناتجة عن الأسباب: إن “الأسباب الممنوعة أسباب للمفاسد لا للمصالح، كما أن الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد[14]“، بل زاد الأمر تدقيق بيان، فذهب إلى أن “الذي يجب أن يعلم أن هذه المقاصد الناشئة عن الأسباب المشروعة، والمصالح الناشئة عن الأسباب الممنوعة، ليست بناشئة عنها في الحقيقة، وإنما هي ناشئة عن أسباب أخر مناسبة لها[15]“، ثم أعطى لذلك أمثلة تبين بها.

4.التكليف

كذلك المشقة (المعتادة) التي يتضمنها التكليف ويستلزمها ليست بمقصودة فيه، قال: “فما تضمن التكليف الثابت على العباد من المشقة المعتادة أيضا ليس بمقصود الطلب للشارع من جهة نفس المشقة، بل من جهة ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف[16]“، “إذ هو قاصد نفس المصلحة لا ما يلزم في طريقها من بعض المفاسد (…) فإذا كان التكليف على وجه، فلابد منه وإن أدى إلى مشقة؛ لأن المقصود المصلحة[17]“، هذا إن كانت من قبيل المشقة المعتادة، فأما «إن لم تكن معتادة، فهي أولى أن لا تكون مقصودة للشارع[18].”

وفي هذا المقام نوع من التدقيق كبير، فالمشقة المعتادة ليست (غير مقصودة) كليا، بل هي غير مقصودة من حيثية معينة، أو نقول: هي مقصودة من حيثية معينة فحسب، ولذلك كان مثابا عليها إذا حصلت، قال: “ومن هذه الجهة يصح أن تكون كالمقصودة، لا أنها مقصودة مطلقا، فرتب الشارع في مقابلتها أجرا زائدا على أجر إيقاع المكلف به، ولا يدل هذا على أن النصب مطلوب أصلا[19].”

ثم يعرج على إشكال لغوي لطيف مرتبط بما نحن فيه هنا، فيقول عن تسمية العمل تكليفا: “وإنما سمي تكليفا باعتبار ما يلزمه، على عادة العرب في تسمية الشيء بما يلزمه، وإن كان في الاستعمال غير مقصود، حسبما هو معلوم في علم الاشتقاق، من غير أن يكون ذلك مجازا، بل حقيقة الوضع اللغوي[20].”

5.الأمر بالمطلقات

بين الأنحاء التي تتجه إليها إرادة الشارع عند الأمر بالمطلق من تلك التي لا تتجه إليها.. فقال: “الأمر بالمطلق لا يستلزم الأمر بالمقيد (…) وإذا ثبت أن الأمر [بالمطلق] لا يتعلق بالمقيد، لزم أن لا يكون قصد الشارع متعلقا بالمقيد من حيث هو مقيد، فلا يكون مقصودا له، لأنا قد فرضنا أن قصده إيقاع المطلق، فلو كان له قصد في إيقاع المقيد لم يكن قصده إيقاع المطلق، فهذا خلف لا يمكن[21].”

فالمقيد، إذن، يستلزم المطلق في الواقع، لكن لا يستلزمه في التشريع! “فثبت أن القصد إلى المطلق من حيث هو مطلق، لا يستلزم القصد إلى المقيد من حيث هو مقيد، بخلاف الواجب المخير، فإن أنواعه مقصودة للشارع بالإذن… فإن تعيين الشارع المخير فيه يقتضي قصده إلى ذلك دون غيره، وعدم تعيينه في المطلقات يقتضي عدم قصده إلى ذلك[22].”

6.التكليف بالكلي

في التكليف بالكلي تكون «الجزئيات مقصودة معتبرة في إقامة الكلي (…) لأن الكلي من حيث هو كلي لا يصح القصد في التكليف إليه، لأنه راجع لأمر معقول لا يحصل في الخارج إلا بحصول الجزئيات، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق، (…) فإذا كان لا يحصل إلا بحصول الجزئيات فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات[23].”

المبحث الثالث: في الأبعاد التجديدية: الممارسة تفكك الأصول..!

لقد اشتغل أصول الفقه في مرحلته الأولى بوضع الأصول من حيث هي أصول.. ولم يكن يراعي الممارسة الاجتماعية للدين، التي هي عمل الناس بالأحكام الفقهية، كان يدل الفقهاء كيف ينتجون الأحكام، ويضع لهم القواعد التي تمكنهم من الإجابة عن احتياجات المجتمع، غير أن الفقهاء والأصوليين بعد ذلك، أو معه، لم يقوموا بمتابعة عملهم ذاك، فيلاحظوا الممارسة كيف تتم؟ وحتى حين لاحظوا، أو لاحظ بعضهم،  مع مرور الوقت، إنما قام بتصحيح ونقد جزئي؛ أي نقد الممارسة نفسها.. ولم يرق صنيعه ذاك إلى درجة وضع أصول في ذلك، بينما الشاطبي هو من تولى تلك المهمة، فوضع موجة ثانية من الأصول، فيها استدراك، وتتميم، وإعادة تأصيل.. نعم هناك من العلماء من تجاوز النقد الجزئي وفارق وهاده، ولكن فقط إلى محاولة التقعيد الفقهي لا التأصيل الكلي..

ويعنيني هنا، أساسا، (محاولة القرافي في الفروق) ففي هذه المحاولة تحديدا يتبين أن الحاجات والدوافع بين الشاطبي وسائر العلماء كانت واحدة ومشتركة؛ فالقرافي حاول إزالة اللبس والتداخل الذي خلفته الممارسة في كثير من القضايا العلمية، وهو الأمر نفسه الذي تولاه الشاطبي حين ميز بين ما هو مقصود وما هو غير مقصود! أقصد الأمر نفسه من حيث الحاجات والدوافع لا من حيث العمل!

فكأن الممارسة عملت على تفكيك وحل كل (المفاهيم الأصولية)، فبدت أصول الفقه وكأنها مجرد هياكل، وجذوع جوفاء من الداخل، غير ذات جدوى.. وعاجزة أمام الواقع.. فبذلك احتاجت إلى من يعيد عقدها وبناءها ثانية، لتستعيد حاكميتها! فلقد زلزلت الممارسة الأصول حتى أوشكت تتصدع.. وليس المفاهيم وحدها بل حتى (التكاليف) نفسها تعرضت للاهتزار.. وكاد يُعصف بها! فالمباح، مثلا، من حيث هو أصل، ها هو مباح، وما هو بمباح! كما رأينا. وكذلك المصلحة، هاهي مصلحة، وما هي بمصلحة![24].

وكانت الصوفية باعتبارها أبرز ممثل للممارسة الدينية، تدعي ذلك وتُقْنِع به رمزيا على الأقل، أعادت في الظاهر من الفعل خلط كل الأوراق..! فـ”الصوفية قد التزمت في السلوك مالا يلزمها، حتى سوت بين الواجب والمندوب في التزام الفعل، وبين المكروهات والمحرمات في التزام الترك، بل سوت بين كثير من المباحات والمكروهات في الترك، وكان هذا النمط ديدنها…[25].”

وهنا مثال آخر، وذلك أنهم؛ (أي الأصوليون) في المطلق والمقيد كانوا يناقشون المسألة في إطار النصوص ذاتها؛ أي تقييد نص لنص آخر (مطلق).. أما الشاطبي فيعالج تقييد المكلف للنص المطلق، وذلك عندما يحاول العمل بالحكم وامتثاله.. فيعمل العمل على هيئة أو حال من أوصاف وتقييدات بكيفيات ووجوه لم يرد بها النص.. “فالمأمور بالعتق، مثلا، أمر بالإعتاق مطلقا من غير تقييد، مثلا، بكونه ذكراً دون أنثى، ولا أسود دون أبيض، ولا كاتبا دون صانع، ولا ما أشبه ذلك (…) وكذلك إذا التزم في صلاة الظهر أن يقرأ بالسورة الفلانية دون غيرها دائما، أو أن يتطهر من ماء البئر دون ماء الساقية، أو غير ذلك من الالتزامات[26].”

ونراه في موطن آخر يدفع شبهة تأثير الممارسة على المبدأ (الأصل من الأصول)، وينفي أي احتمالية للإطاحة به، حين يعتبر أن “المطلوب الفعل بالكل هو المطلوب بالقصد الأول، وقد يصير مطلوب الترك بالقصد الثاني، كما أن المطلوب الترك بالكل هو المطلوب الترك بالقصد الأول، وقد يصير مطلوب الفعل بالقصد الثاني، وكل واحد منهما لا يخرج عن أصله من القصد الأول[27]“، وهذه القاعدة بأمثلتها وأدلتها هي مضمون المسألة الخامسة عشرة من النظر الثاني (=عواض الأدلة) من الطرف الأول (=الأدلة على الجملة) من كتاب الأدلة، فراجعها.

وكانت العلة في السابق لدى الأصوليين لتعدية الحكم إلى ما استجد من الوقائع التي لم تكن من قبل، وهو معنى القياس. أما مع الشاطبي فقد صارت العلة جزءا من مفهوم العمل من الأعمال الشرعية (=الحكم)؛ أي مقصودا من المقصود! وذلك لأن لها عنده وظيفة أخرى غير ما ذكر، وهي: الملاءمة بين أفعال المكلفين وأحكام الشرع (الامتثال)، فصار من اللازم عنده مراعاة العلل، لا لأجل القياس هنا، ولكن ليتأتى في الأفعال التي يأتي بها المكلفون المطابقة لقصد الشارع.. وكان مما دعا إلى ذلك عنده: انتشار الحيل وكثرتها!

وبفعل هذا صار يتمكن الفقيه إذا صدرت الأفعال، التي هي تكليفات شرعية، من المكلفين، أن يحكم عليها بالصحة أو البطلان.

فالتكاليف والأعمال الشرعية حين وصلت الممارسة فيها أحيانا إلى حال من أنواع التلاعب والالتفاف، صارت تماما في مهب الريح! وما ذاك إلا لعدم تعريفها والإحاطة بمقاصدها.. (نقصان بيانها وعدم اكتماله)، فانقلب الواحد من تلك الأعمال المشروعات إلى حالة من الإبهام والغموض.. فجاء الشاطبي ليكمل بيانها، فراعى العلة، وأدخلها في المسمى، واعتبرها جزءا منه كما ذكرنا، وبذلك انضبطت تلك (الموضوعات الشرعية) وصارت بينة معرفة، لا جهالة.. لا غموض..

ومن ذلك؛ اعتياد الترخص “كمسألة الأخذ بالهوى في اختلاف أقوال العلماء، ومسألة إطلاق القول بالجواز عند اختلافهم بالمنع والجواز[28]“، وغير ذلك…

مما بدا معه الأمر عند كثير من الناس، وكأن الرخصة يمكن أن تنتهض أصلا كليا مزاحما للعزيمة، وعند آخرين أنها كذلك بالفعل، فيما هي في واقع الحال الشرعي ليست كذلك.. ولذلك بين أن الرخصة وإن كانت من مقصود الشارع، نعم، إلا أن ذلك بالقصد الثاني، والعزيمة هي المقصود بالقصد الأول، “والعزيمة بالنسبة إلى كل مكلف أمر كلي ثابت عليه، والرخصة إنما مشروعيتها أن تكون جزئية، وحيث يتحقق الموجب[29]“، “فإذاً العزيمة من حيث كانت كلية، هي مقصودة للشارع بالقصد الأول، والحرج من حيث هو جزئي عارض لتلك الكلية، إن قصده الشارع بالرخصة فمن جهة القصد الثاني[30].” ثم من الناس من صار يقصد المشقة في العمل.. مع “أن المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف…[31].”

كما شاع “أخذ الأمر والنهي بالحظ، أو أخذ العمل بالحظ[32]“؛ أي البناء على المقاصد التابعة ومراعاتها في العمل، مع نسيان قصد الشارع الأصلي وإغفاله، وبذلك صار العاملون محل تشنيع.. محل تشنيع من قبل آخرين، هم على الضد منهم، يعتقدون أن الأعمال كيفما كانت ينبغي أن تبنى على المقصد الأصلي… لكنه جاء بالفصل من القول في المسألة، فبين أن مراعاة المقاصد الأصلية نعم هي أفضل، وفوائدها أعم وأكثر.. ذلك فحسب، دون أن يعني عدم صحة ما بني على المقاصد التابعة، فبين في هذه المعادلة الحل الصحيح، وهو مضمون المسألة الخامسة من النوع الرابع، فلتراجع!

وما كل ذلك إلا لأن الشريعة في حالة من البيان الدائم لذاتها عبر الفعل (الممارسة).. وعليه، فالحفظ الذي كلف به القائمون عليها لا ينبغي أن يقتصر فيه على النصوص والأقوال فحسب، بل الأفعال كذلك ينبغي التنبه لها! وهذا ما قام به الشاطبي! وعيا منه لخطورة الممارسة، عبر الزمن، ووظيفتها الخفية الدائبة في إعادة التأصيل!

إذن، فالممارسة كانت الداعي إلى إعادة تعريف وبيان المفاهيم الأصولية (تأصيلها)!!

مبحث ختامي: في المستند النظري: والنتائج المعرفية

إن الأساس النظري والمنطقي الذي بنينا عليه القول بأن المقاصد “مفهوم ابستمولوجي.. لمعالجة ما هو تصور لا ما هو تصديق، وما هو بيان لا ما هو برهان”، ذلك الأساس هو التمييز في الموضوع المراد معالجته معرفيا: هل هو موضوع سكوني ثابت (وضع من الأوضاع)؟ أم هو موضوع متحرك (فعل من الأفعال)؟

الأول يَعتبِر الموضوع من حيث هو في نفسه ومكوناته الداخلية.. فيما الثاني ينظر إلى الموضوع من حيث وقوعه في الخارج وعلاقته بالمعطيات الخارجية (الزمانية والمكانية والحالية..). الأول له اعتبار كلي.. أما الثاني فجزئي. وبناء على هذا التمييز يختلف مفهوم “المقصد” ويتبدل مدلوله، وذلك لاختلاف محل “الإرادة” ومتعلقها:

 فإذا كنا أمام فعل من الأفعال التي هي متحركة بطبعها وجزئية، كما ذكرنا، فمحل إرادة الفاعل وقصده يكون، بلا شك، غاية ذلك الفعل ونهايته، التي هي في الوقت ذاته علة الفعل والباعث عليه، في مثل هذه الحال يكون صحيحا معقولا أن يقال إن (المقصد) هو العلة أو الغرض.. وذلك أيضا هو (المقصود).. وسواء هذا أو ذلك فالجمع (المقاصد).

أما إذا تعلق الأمر بوضع من الوضعيات، التي لاشك أنها من الراسيات السكونيات، فإن متعلق إرادة الواضع في تلك الحال مما يختلف عن الأولى، فالنظر في الباعث أو الغاية هاهنا مما لا يُهِمّ أبدا ولا يعني؛ إذ هما من الأشياء الخارجة عن الموضوع، من حيث هو موضوع، ولا تنتمي أبدا إليه.. ما يجعل محل الإرادة حينها ومتعلقها مكون من المكونات الداخلية للموضوع، وعنصر من العناصر المشكلة له، يختار الواضع أحد تلك العناصر والمكونات ويجعله “المهم”، “المعتمد”.. وهو الأمر الذي يجعل العناصر الأخرى تتنزل في مراتب ذلك الوضع منازل متفاوتة تلقائيا تبعا لذلك، فيأخذ كل واحد منها مكانا له في ذلك الوضع.. فيكون الأول مقصودا أصليا والباقي مقاصد تابعة..

ويكون كذلك صحيحا معقولا في حالة الأفعال أن نتحدث عن “وسائل” إلى جانب ما هو “مقاصد” هنالك، فكل ما سوى الباعث والغاية هو وسائل!

أما في الحالة الأخرى (الوضع) فليس ثمة من وسائل إلى جوار المقاصد.. هذه الثنائية لا وجود لها هنالك، بل ثنائية أخرى: “مقاصد أصلية” و”مقاصد تابعة”، فالمقاصد التابعة ليست وسائل، وكيف تكون وسائل وهي جزء من الموضوع، ومكون من مكوناته؟! بينما الوسيلة ما يتوصل به إلى الغير، فهي شيء مفارق للمتوسل إليه، وهنا ليس معنا من (غير) يحتاج إلى (التوصل إليه)، بل نحن أمام شيء واحد (في الاعتبار) وثابت (في الوجود)، ومعلوم أن التوصل حركة! فإذا لا يتصور من الناحية المنطقية، بل يتناقض كليا، أن نتحدث فيما هو (وحدة وارتباط) و(ثبات).. عن (تعدد وانفصال) و(حركة)!

إذا ثبتت هذه الأشياء من هذا الأساس النظري، فكيف لنا إذاً أن ننزل ذلك على الموضوع الذي ننظر فيه، وهو: الشريعة، أو مقاصد الشريعة..؟ لابد أن نعيد إدراك هذا المفهوم، وتأوله وفق ما تمهد من أساس منطقي قاطع. فماذا تعد الشريعة إذًا؟! وهل الشريعة فعل أم وضع؟

لقد تم النظر إلى الأحكام التي جاءت بها الشريعة على أنها أفعال.. وهي نظرة جزئية! وليست صحيحة إلا من هذه الحيثية، فإنها نزعت من تلك الأحكام الاعتبار الكلي الذي ينظر إلى جملة الشريعة من حيث هي كذلك..

إذا أخذت الأحكام في النظر والاعتبار مأخذا كليا مجردا كانت وضعا من الوضع.. إنه وضع إلهي! أما إذا لم تؤخذ كذلك فلا شك أن كل واحد من تلك الأحكام هو فعل من الأفعال الواقعة في الوجود وفي الاجتماع..

فإذا الحكم الشرعي إذا أنت نظرت إليه على أنه شيء يقع في الخارج فيصدر من المكلف كان من باب الأفعال لا الأوضاع، أما إذا أنت نظرت إليه على أنه حكم صادر عن الشارع ضمن مجموعة أحكام أخرى كان من قبيل الأوضاع لا الأفعال، فالشارع في تشريعه للأحكام هو واضع لها لا فاعل، أما المكلف ففاعل غير واضع!

ولقد عولجت المقاصد ضمن صنفين من العلوم في الإسلام: صنف خالص متمحض أصيل.. هو: علم أصول الفقه.. وصنف مشوب مختلط حادث متأخر! فالأصوليون نظروا إلى الشريعة وما فيها من أحكام على أنها وضع، فكانت المقاصد عندهم (مقاصد وضعيات)، فيما نظر أصحاب الصنف الثاني من المؤلفات إلى الشريعة وأحكامها على أنها أفعال يقوم بها المكلف، فكثر لذلك عندهم استخدام مصطلح (المقصود) في الدلالة على الباعث والغاية أو الهدف.. وهذا كثير في كتابات الأئمة: العز بن عبد السلام والقرافي، وابن تيمية وابن القيم، وأمثال هؤلاء، كأن المعنى في القصد عندهم (قصد المكلف)! أما الذين كتبوا في (علم الأصول) فقد استخدموا في ذلك مصطلحي العلة والمصلحة، وغيرهما.. أما مصطلح المقاصد فاستعملوه فيما يستعمل له حين يتعلق الأمر بالموضوعات لا الأفعال، كما بينا آنفا ما بينهما من فرق.

فلم تكن “مقاصد الشريعة” عندهم أهدافها ولا عللها أو مصالحها.. فهذه المصطلحات مفارقة، ولها مدلولات محددة تستعمل عندهم فيها، إنما مقاصد الشريعة عناصرها الأساسية المعرفة لها من الحيثية التي أريد معرفتها منها[33]..

فإذا أخذنا الشريعة جملة واحدة، ونظرنا إليها:

  1. يمكن أن ننظر إليها “من حيث هي في نفسها ومعناها؛ أي باعتبارها مصالح”، فتكون المقاصد فيها: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وما لكل واحد منها من مكمل.. وفي الضروريات: حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال..
  2. أما إذا نحن نظرنا إليها على أنها “لغة وخطاب”، كان لها بذلك الاعتبار مقاصد..
  3. فإذا نظر إليها على أنها “تكليف”، كان لها بهذا الاعتبار كذلك مقاصد..
  4. فإذا نظر إليها على أنها “امتثال”، كان لها بذلك الاعتبار مقاصد..

هذا ما فعله الشاطبي، رحمه الله، وأقامه من بنيان، وسوّى، في الكتاب الثاني من الموافقات، وما جعل فيه من أنواع وأقسام!

ثم كان كذلك من النتائج العلمية المترتبة على اعتبار الشريعة موضوعا معرفيا وضعيا أن كانت الأعمال والتكليفات الواردة فيها هي كذلك من المقاصد! عكس ما توهمه الناس بسبب من الغلبة الطاغية واللاشعورية لموضوع (الأفعال) حين التصور الذهني للموضوعات.. والذهول التام عن وجود صنف آخر من الموضوعات المعرفية، قسيم لموضوع الأفعال، مغاير له، مختلف الطبيعة عنه! وإنما يمكن للأعمال والتكليفات الشرعية أن تتحول إلى وسائل في أحوال معينة فحسب، وذلك مثلا:

إذا اعتبرت اعتبارا جزئيا؛ أي أفعالا، غير منتمية إلى موضوع معرفي كلي، ولا هي مؤطرة داخله.. وحتى في هذه الحالة هناك فرق دقيق بين ما إذا كان الفعل امتثالا وموافقة وبين ما إذا لم يكن امتثالا موافقا، فإذا لم يكن امتثالا وموافقة، بحيث بني على أساس من الفصل والتفريق بين السبب والمسبب؛ أي بين العمل والقصد، كما جمع بينهما الشارع وطلبهما مرتبا بعضهما على بعض، في هذه الحالة فقط يمكن الحديث عن “ثنائية الوسائل والمقاصد”، كذلك يمكن الحديث عن تلك الثنائية في حالة الأفعال العادية التي لا تنتمي إلى موضوع معرفي شريعة أو غيرها من الموضوعات ا الأخرى..

لقد حشدنا، استدلالا لهذا “القول”، في النص الأصلي لهذه الدراسة، عشرات الأدلة من الحجج والبراهين والشواهد والنصوص.. وذلك لما كان المقام هنالك يسمح بذلك التبسط، لكن لنكتف هنا بنقل نص واحد من ذلك فحسب، نص جامع يشير إلى كون العلة، مع الشاطبي، بل في الدرس المقاصدي عامة، صارت جزءًا من المقصود، جزء من المقصود فحسب، لا أنها كل المقصود، ولا أنها حين صارت مقصودا نزعت المقصودية عن الأعمال، أو أنها حولتها إلى وسائل، وفيه أيضا ما ذكرناه من الحالات التي تتحول فيها الأعمال حقا إلى وسائل، ويجوز أن يقال عنها فيها إنها وسائل لا مقاصد.. يقول الإمام الشاطبي ما لفظه: “إن المكلف إنما كلف بالأعمال من جهة قصد الشارع بها في الأمر والنهي، فإذا قصد بها غير ذلك كانت بفرض القاصد وسائل لما قصد لا “مقاصد”!! إذ لم يقصد بها قصد الشارع فتكون مقصودة، بل قصد قصدا آخر جعل الفعل أو الترك وسيلة له، فصار ما هو عند الشارع مقصود وسيلة عنده، وما كان شأنه هذا نقض لإبرام الشارع وهدم لما بناه[34].”

الهوامش

[1]. عبد القاهر الجرجاني، المقتصد، ج1، ص584.

[2].  أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان،  مج2، ج3، ص111-114.

[3].  المقاصد الشافية، ج1، ص357.

[4]. الآمدي، فقرة 178، ص113، وانظر كذلك: معيار العلم، ص325-326.

[5]. الموافقات، م، س، مج2، ج4، ص527.

[6]. المرجع نفسه.

[7]. المرجع نفسه.

[8]. مقاصد الفلاسفة، (القسم الثاني: الإلهيات)، ص6.

[9]. انظر الإشارة إلى ذلك في فقرة خاصة من المبحث الختامي من هذه المداخلة.

[10]. الموافقات، مج2، ج4، م، س، ص429.

[11]. اللغة هنا باعتبارها أداة للمعرفة العلمية، لا اللغة بمعنى الخطاب؛ إذ هذه تكون من قبيل الوضعي الموجود في العالم الخارجي، وقد ذكرت في ما سميناه في الفقرة الأولى من المبحث الأول: أنواع المتعلقات.. فتنبه له!

[12]. الموافقات، مج1، ج1، م، س، ص265.

[13]. المرجع نفسه، مج1، ج2، ص341.

[14]. المرجع نفسه، مج1، ج1، ص211.

[15]. المرجع نفسه، ص212.

[16]. المرجع نفسه، ص429.

[17]. المرجع نفسه، ص432.

[18]. المرجع نفسه، ص437-438.

[19]. المرجع نفسه، ص433.

[20]. المرجع نفسه، مج1، ج2، ص431-432.

[21]. المرجع نفسه، مج 2، ج3، ص117-119.

[22]. المرجع نفسه، مج 2، ج3، ص121.

[23]. المرجع نفسه، مج2، ج2، ص371-372.

[24]. من أمثلة النوازل والإشكالات العملية، التي غبرت في وجه المصلحة، باعتبارها أصلا من الأصول، أمثلة وردت عند الشاطبي، في سياق غير بعيد عن هذا.. قال: “[وذلك] كالدافع عن نفسه مظلمة يعلم أنها تقع بغيره، أو يسبق إلى شراء طعام أو ما يحتاج إليه، أو إلى صيد أو حطب أو ماء أو غيره، عالما أنه إذا حازه استضر غيره بعدمه، ولو أخذ من يده استضر (…) ومن ذلك الرشوة على دفع الظلم، إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك، وإعطاء المال للمحاربين وللكفار في فداء الأسارى (…) كل ذلك انتفاع أو ضرر بتمكين من المعصية، ومن ذلك طلب فضيلة الجهاد، مع أنه تعرض لموت الكافر على الكفر، أو قتل الكافر المسلمَ (…) ويؤيد ذلك إكراه صاحب الطعام على إطعام المضطر، إما بعوض، وإما مجانا، مع أن صاحب الطعام محتاج إليه، وقد أخذ من يده قهرا، لما كان إمساكه مؤديا إلى إضرار المضطر” وتراه يجيب عن تلك المسائل، مستخدما الأدوات المقاصدية، فيقول: “إن هذا كله لا إشكال فيه، وذلك أن إضرار الغير في المسائل المتقدمة والأصول المقررة ليس بمقصود في الإذن، وإنما الإذن لمجرد جلب الجالب ودفع الدافع، وكونه يلزم عنه إضرار أمر خارج عن مقتضى الإذن (…) وأما مسألة المضطر فهي شاهد لنا؛ لأن المكره على الطعام ليس محتاجا إليه بعينه حاجة يضر به عدمها، وإلا فلو فرضته كذلك لم يصح إكراهه، وهو عين مسألة النزاع! وإنما يكره على البذل من لا يستضر به، فافهمه!” الموافقات، مج1، ج2، م، س، ص628-632.

[25]. المرجه نفسه، مج2، ج3، ص298.

[26]. المرجع نفسه، ص189-190.

[27]. المرجع نفسه، ص193.

[28]. المرجع نفسه، مج1، ج1، ص294.

[29]. المرجع نفسه، ص288.

[30]. المرجع نفسه، ص313.

[31]. المرجع نفسه، مج1، ج2، ص434.

[32]. المرجع نفسه، ص501.

[33]. رأينا قبل، في المبحث الثاني، أهمية (الحيثية) في مفهوم المقاصد.. وأوردنا من كلام الغزالي والشاطبي في ذلك.

[34]. الموافقات، مج1، ج2، م، س، ص617.

Science

د. عبد الحميد الإدريسي

الكلية المتعددة التخصصات/تازة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق