مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

«معجم الهيآت والإشارات والرموز في القرآن الكريم من خلال تفسير «التحرير والتنوير» للإمام الطاهر ابن عاشور» (الحلقة الأولى)

في ترجمة الطاهر ابن عاشور:

أ- اسمه ونسبه وولادته:

هو محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن محمد بن محمد الشاذلي بن عبد القادر بن محمد بن عاشور، وأمه فاطمة بنت الشيخ الوزير محمد العزيز بن محمد الحبيب بن محمد الطيب بن محمد بن محمد بوعتور، ولد بقصر جده للأم بالمرسى في جمادى الأولى عام 1296هـ سبتمبر 1879م(1).

ب- عصره وحياته:

1- عصره:

عاش الإمام الطاهر ابن عاشور في فترة كان العالم الإسلامي آنذاك يمر من أقصاه إلى أقصاه بمرحلة قاسية وخطيرة، ساد فيها الجهل والفقر والمرض واختلال الأمن، كما ذاع فيها القلق والحيرة والتشاؤم واليأس، والأمر كذلك في البلاد التونسية فقد كان عصر الشيخ ابن عاشور عصر اضطرابات وفتن، فالبلاد ترزح تحت وطأة الديون الخارجية وكان العبث والفساد والارتشاء قد عم حكام البلاد. غير أن نسمة مباركة من الله تعالى، وروحا من الإيمان المستقر في قلوب الصادقين المخلصين من عباده، دفعا بجمهرة كبيرة من أئمة الفكر وزعماء الإصلاح ودعاة التغيير، في مختلف الأقاليم، إلى تحدي صروف الزمن، فرفعوا أصواتهم منادين بالحق وإلى سبيل المؤمنين، داعين من وراءهم من إخوانهم إلى الخير في المشرق والمغرب، يعملون على بعث الحياة، وتجديد أسباب العزة والمنعة والقوة في نفوس المسلمين(2).

وقد كان لهذه الثلة من الأئمة المفكرين وزعماء الإصلاح تأثيرا واضحا، وتميز هذا التأثير بكونه تأثيرا عميقا «تتجاوب أصداؤه في بلاد الخلافة وسائر الولايات الخاضعة لحكمها والتابعة لها»(3) وبكونه أيضا تأثيرا شاملا لمختلف مجالات الحياة في العالم الإسلامي.

2- حياته وطلبه للعلم:

تسنى للشيخ الطاهر ابن عاشور بفضل ما توفر له من ظروف علمية مواتية أن يحيا حياة علمية زاخرة؛ فقد أقبل منذ نعومة أظفاره على حفظ القرآن الكريم وترتيله على الشيخ المقرئ محمد الخياري، بمسجد سيدي أبي حديد وبالضبط سنة 1885، كما حفظ مجموعة من المتون العلمية كابن عاشر والرسالة والقطر ونحوها، ودرس في نفس المسجد شرح الشيخ خالد الأزهري على الأجرومية(4).

ثم التحق في سنة 1310هـ الموافق ل 1893م بالجامع الأعظم، جامع الزيتونة وسنه آنذاك أربعة عشر عاما، وقد «شَهِدَ له شيوخه بتفوقه ونبوغه فيها، وبقدرته الفائقة على احتواء موضوعاتها وتعمق أسرارها»(5)، حيث درس علوم النحو، والصرف، والبلاغة، والمنطق من جهة، وعلوم المقاصد كتفسير القرآن، والقراءات، والحديث ومصطلح الحديث، والكلام وأصول الفقه، والفقه والفرائض من جهة ثانية(6).

وفي سنة 1898 أخذ يتعلم اللغة الفرنسية متطلعا إلى حضارة فرنسا وآدابها، وحصل سنة 1899 على شهادة التطويع بنظامها الجديد الذي أحدث في تلك السنة (مقال ودرس وأسئلة). وفي سنة 1903 انخرط في سلك مدرّسي جامع الزيتونة من الطبقة الثانية بعد نجاحه في المناظرة ثم ارتقى إلى درجة مدرس من الطبقة العليا بعد فوزه في المناظرة أيضا وكان ذلك في سنة 1905(7).

أما عن حياته فلعل أهم ما يميزها هو دوره الإصلاحي الذي اضطلع به فقد «اشتهر محمد الطاهر ابن عاشور منذ تلك الأعوام بآرائه الإصلاحية وحرصه على تجديد الفكر الديني والتعليم الزيتوني التي لم يتردّد في الإصداع بها سواء بالتعبير عنها في المجالس الأدبية والمحافل الثقافية وفي الجمعية الخلدونية التي كان عضوا في هيئتها المديرة في سنة 1905 أو بالتحاليل الكتابية في المجلات العلمية خاصة في مدة زيارة الشيخ محمد عبده الثانية لتونس في سنة 1903. وكان محمد الطاهر ابن عاشور من أشد العلماء التونسيين حماسا لمواقف رائد الحركة السلفية الإصلاحيّة»(8).

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق