مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي (الحلقة السابعة والعشرون)

– س-

[38] السَّانِح: “السانِحُ: مَا أَتاكَ عَنْ يَمِينِكَ مِنْ ظَبْيٍ أَو طَائِرٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، وَالبَارِحُ: مَا أَتاك مِنْ ذَلِكَ عَنْ يَسَارِكَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سأَل يونُسُ رُؤْبةَ، وأَنا شَاهِدٌ، عَنِ السَّانِحِ وَالبَارِحِ، فَقَالَ: السَّانِحُ مَا وَلَّاكَ مَيامنه، وَالبَارِحُ مَا وَلَّاك ميَاسره؛ وَقِيلَ: السَّانِحُ الَّذِي يَجِيءُ عَنْ يَمِينِكَ فتَلِي ميَاسِرُه مَياسِرَك؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيباني: مَا جَاءَ عَنْ يَمِينِكَ إِلى يَسَارِكَ وَهُوَ إِذا وَلَّاك جَانِبَهُ الأَيسر وَهُوَ إِنْسِيُّه، فَهُوَ سَانِحٌ، وَمَا جَاءَ عَنْ يَسَارِكَ إِلى يَمِينِكَ وَولَّاك جَانِبَهُ الأَيمنَ وَهُوَ وَحْشِيُّه، فَهُوَ بارح”(1)، ومن دلالات السَّانِح في التراث العربي:

1- التَّيمن والتَّبَرك: العرب تتيمن بالسانح لأنه أمكن للرمي والصيد، وفي المثل: “مَنْ لِي بِالسَّانِحِ بَعْدَ البَارِحِ”(2)، وهو مثل يُضرَب في اليأس عن الشيء، قالت الخنساء:

عَلَيْكُمْ بِإِذْنِ اللهِ يُرْجَى مُصَمِّمَا        سَوَانِحَ لَا تَكْبُو لَهَا وَبَوَارِحَا(3) 

قال ذو الرمة:

خَلِيلَيَّ لَا لَاقَيْتُما، مَا حَيِيتُمَا،       مِنَ الطَّيْرِ إِلَّا السَّانِحَاتِ وَأَسْعَدَا(4) 

وقال آخر:

أَقُولُ، وَالطَّيْرُ لَنَا سَانِحٌ،            يَجْرِي لَنَا أَيْمَنُهُ بِالسُّعُودِ(5) 

وقال آخر:

جَرَتْ لَكَ فِيهَا السَّانِحَاتُ بِأَسْعَد(6) 

2- الشُّؤم والتشَاؤم: قال أبو ذؤيب الهذلي:

أَرِبْتُ لِإِرْبَتِهِ، فَانْطَلَقْـــ            ـــتُ أُزْجِي لِحُبِّ اللِّقَاءِ السَّنِيحَا(7) 

قال أبو سعيد السكري: “« أَرِبْتُ لإِرْبَتِه»، أي كانت لي حاجة مع حاجته، وكانت لي في صحبته حاجة، فانطلقت لا أتطير. و«السنيح»، ما يسنح له فيتشاءم به، إذا مرت به طير لم يلتفت إليها. و« الإربة»، الحاجة. يقول: كنت إذا مرت بي طير لم ألتفت إليها، أدعها وأمضي. وهذيل تتشاءم بالسنيح، وغير هذيل يتشاءم بالبارح”(8)، وقال ابن قتيبة: “وكانت هذيل تتشاءم بالسنيح وغيرها بالبارح”(9).

قال عمرو بن قميئة:

فَبِينِي عَلَى نَجْمٍ شَخِيسٍ نُحُوسُهُ؛              وَأَشْأَمُ طَيْرِ الزَّاجِرِينَ سَنِيحُهَا(10) 

وقال كثير يرثي عبد العزيز بن مروان:

أَقُولُ إِذَا مَا الطَّيْرُ مَرَّتْ مُخِيفَةً                سَوَانِحُهَا تَجْرِي، وَلَا أَسْتَثِيرُهَا(11) 

قال ابن قتيبة في شرح البيت: “يقول لا أزجرها لأثيرها ثقة بك وعلما بأنك لا تأتي ما أكره وإن جرت السوانح به”(12).

وجد عند بعض العرب من يتشاءم بالسانح ويتيمن بالبارح خلافا لمن يتيمن بالسانح ويتشاءم ويتطير بالبارح، وأكثر هؤلاء أهل نجد ومنهم كثير، ومنه قول أبي العلاء المعري:

أَسُرِرْت إِذْ مَرَّ السَّنِيحُ تَفَاؤُلًا                  وَالفَألُ مِنْ رَأْيٍ لَعَمْرُكَ فَائِلِ(13) 

ومعنى البيت أن فأل من يظن أن السنيح يتفاءل به فأل أو رأي مخطئ.

[39] الاستنباح: يقال” اسْتَنْبَحَ الكلبَ إِذا كَانَ فِي مَضِلَّة فأَخرج صَوْتَهُ عَلَى مِثْلِ نُباح الكَلْبِ، لِيَسْمَعَهُ الكَلْبُ فَيَتَوَهَّمَهُ كَلْبًا فَيَنْبَح فَيَسْتَدِلَّ بِنُباحِه فَيَهْتَدِيَ”(14)، ومنه المستنبح وهو الرجل الذي يضل الطريق ليلا فينبح لتجيبه الكلاب إن كان قريبا منه، فإذا أجابته تبع أصواتها، فأتى الحي فاستضافهم، قال الفرزدق:

اَلْحَامِلُ الثِّقْلَ قَدْ أَعْيَاهُ حَامِلُه            وَالُموقِدُ النَّارَ لِلْمُسْتَنْبِحِ السَّارِي(15) 

وللاستنباح في التراث العربي دلالات كثيرة أهمها:

1- طلب الجود والقِرى: وشاهده أبيات قالها عمرو بن الأهتم في وصفه للضيف يطرقه في الليل في قرة الشتاء، وما يلقى من عناء، ثم ما يستقبله من جود وقرى:

وَمُسْتَنْبِحٍ بَعْدَ الْهُدُوءِ دَعَوْتُهُ          وَقَدْ حَانَ مِنْ نَجْمِ الشِّتَاءِ خُفُوقُ

يُعَالِجُ عِرْنِيْناً مِنَ اللَّيْلِ بَارِدًا                    تَلُفُّ رِيَاحٌ ثَوْبَهُ وَبُرُوقُ

تَأَلَّقُ فِي عَيْنٍ مِنَ الُمزْنِ وَادِقٍ             لَهُ هَيْدَبٌ دَانِي السَّحَابِ دَفُوقُ(16)

وقال عوف بن الأحوص:

وَمُسْتَنْبِحٍ يَخْشَى القواء ودُونَهُ          مِنَ اللَّيْلِ بابا ظلمة وسُتُورُهَا(17) 

فصور بذلك صورة المستنبح الذي يأوي إلى نار القرى التي يوقدها في الليل. وقال آخر:

ومُسْتَنْبِحٍ يَعْوِي الصَّدَى لعُوائِه،            رأَى ضَوْءَ نَارِي فاسْتَناها وأَوْمَضا(18) 

2- ضلالة الطريق: وشاهده بيت عتبة بن بجير الحارثي:

وَمُسْتَنْبِحٍ بَاتَ الصَّدَى يَسْتَتِيهُهُ       إِلَى كُلِّ صَوْتٍ فَهْوَ فِي الرَّحْلِ جَانِحُ(19) 

3- موضع الضيافة: قال الفرزدق:

وَطَارِقِ لَيْلٍ قَدْ أَتَانِي، وَسَاقَهُ             إِلَيَّ سَنَا نَارِي وَكَلْب معودِ

وَمُسْتَنْبِحٍ أَوْقَدْتُ نَارِي لِصَوْتِهِ،            بِلَا قَمَرٍ يَسْرِي وَلَا ضَوْءِ فَرْقَدِ(20) 

[40] السَّائِبة: قال ابن منظور: “السائِبَةُ الَّتِي فِي القُرْآنِ العَزِيزِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ)؛ كَانَ الرجلُ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَعيدٍ، أَو بَرِئَ مِنْ عِلَّةٍ، أَو نَجَّتْه دابَّةٌ مِنْ مَشَقَّةٍ أَو حَرْبٍ قَالَ: ناقَتي سائبةٌ أَي تُسَيَّبُ فَلَا يُنْتَفَعُ بِظَهْرِهَا، وَلَا تُحَلَّأُ عَنْ ماءٍ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ كَلإٍ، وَلَا تُركَب”؛ وهو رمز يدل عند العرب على:

1- القربان: تعدُّ السائبة بمثابة القربان يعبر به الرجل عن شكره لعدم إصابته بالمكروه، قال جواد علي في المفصل:” ومن النذور والقرابين ما يكون حيوانات حية، تسمى كلها أو بعضها باسم الأرباب، فتحبس عليها، وتكون حرة طليقة لا يجوز مسها بسوء. وقد أشير في القرآن الكريم إلى “البحيرة”، و”السائبة”، و”الوصيلة”، و”الحام”، وللعلماء في هذه المصطلحات كلام، مهما تضارب واختلف، فإنه يوصلنا إلى نتيجة هي أن الجاهليين كانوا يراعون هذه الأمور مراعاة شديدة، ولهم فيها قواعد وأحكام ترجع إلى تقاليد موروثة قديمة، حافظوا عليها، وظلوا يحافظون عليها إلى أن منعها الإسلام”(21). وهي كذلك “مما خصصه الجاهليون لآلهتهم تطوعًا، وذلك تزكية لأموالهم وأملًا في نماء أموالهم الجديدة وحدوث البركة فيها”(22).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 7/270.

2- مجمع الأمثال 2/356.

3- ديوان الخنساء ص: 360.

4- ديوان ذي الرمة ص: 58.

5- لسان العرب 7/270، دون نسبة.

6- لسان العرب 7/270، دون نسبة.

7- ديوان أبي ذؤيب ص:111، شرح أشعار الهذليين 1/203.

8- شرح أشعار الهذليين 1/203.

9- المعاني الكبير لابن قتيبة 3/1186.

10- ديوان عمرو بن قميئة ص:17.

11- ديوان كثير عزة ص:316.

12- المعاني الكبير لابن قتيبة 1/274.

13- اللزوميات 2/245.

14- لسان العرب 14/173.

15- ديوان الفرزدق ص:199.

16- المفضليات ص:126.

17- المفضليات ص:176.

18- البيت في لسان العرب 7/284، دون نسبة.

19- شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص:1089.

20- ديوان الفرزدق ص: 130.

21- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 11/203.

22- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 9/316.

*****************

المصادر والمراجع:

– ديوان أبي ذؤيب الهذلي، تحقيق وتخريج الدكتور أحمد خليل الشال، منشورات مركز الدراسات والبحوث الإسلامية ببور سعيد، الطبعة الأولى عام 1435هـ/ 2014م.

– ديوان الخنساء، دراسة وتحقيق الدكتور إبراهيم عوضين، الطبعة الأولى: عام 1405هـ/ 1985م، مطبعة السعادة.

– ديوان الفرزدق، شرحه وضبطه وقدم له الأستاذ علي فاعور، الطبعة الأولى: عام 1407هـ /1987م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان ذي الرمة، قدم له وشرحه أحمد حسن سبج، الطبعة الأولى عام 1415هـ/1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

– ديوان عمرو بن قميئة، عني بتحقيقه وشرحه والتعليق عليه حسين كامل الصيرفي، منشورات جامعة الدول العربية معهد المخطوطات العربية، عام الطبعة 1385هـ/ 1965م.

– ديوان كثير عزة، جمعه وشرحه الدكتور إحسان عباس، عام الطبعة: 1391هـ/1971م، نشر وتوزيع دار الثقافة، بيروت، لبنان.

– شرح أشعار الهذليين، صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري، حققه عبد الستار أحمد فراج، راجعه محمود محمد شاكر، منشورات مكتبة دار التراث، القاهرة.

– اللزوميات، لشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري، تحقيق أمين عبد العزيز الخانجي، منشورات مكتبة الهلال، بيروت، مكتبة الخانجي، القاهرة. 

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

– مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، قدم له وعلق عليه نعيم زرزور، الطبعة الثالثة: عام 2010م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.  

– المعاني الكبير في أبيات المعاني، لابن قتيبة الدينوري، صححه المستشرق الكبير سالم الكرنكوي، منشورات دار النهضة الحديثية، بيروت، لبنان.

– المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، للدكتور جواد علي،  منشورات دار الساقي، الطبعة الرابعة: 1422هـ/ 2001م.

– المفضليات، للمفضل بن محمد بن يعلى الضبي، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد عبد السلام هارون، الطبعة التاسعة: عام 2006م، دار المعارف، القاهرة، مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق