مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

معجم الهيآت والإشارات والرموز في التراث العربي من خلال «لسان العرب» لابن منظور (الحلقة الثانية)

 

سنتحدث في هذه الحلقة عن الحدود أو التعريفات الموجودة في العنوان لغة، مع تحديد المقصود بها في البحث، فليس من الضروري أن يكون معناها لغة هو ما نقصده بها في البحث، وهي ثلاثة حدود: الهيئة والإشارة والرمز. 
أ- الهيئة:
الهَيْئَةُ والهِيئةُ في « لسان العرب» : ” حالُ الشيءِ وكَيْفِيَّتُه. وَرَجُلٌ هَيِّئٌ: حَسَنُ الهَيْئةِ. اللَّيْثُ: الهَيْئةُ للمُتَهَيِّئِ فِي مَلْبَسِه وَنَحْوِه. وَقَدْ هاءَ يَهاءُ هَيْئةً، ويَهِيءُ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَيْسَتِ الأَخيرة بِالوَجْهِ. والهَيِّئُ، عَلَى مِثَالِ هَيِّعٍ: الحَسَن الهَيْئَةِ مِنْ كلِّ شيءٍ، ورجلٌ هَيِيءٌ، عَلَى مِثَالِ هَيِيعٍ، كهَيِّئٍ، عَنْهُ أَيضاً.[…] الهَيْئَةُ: صورةُ الشيءِ وشَكْلُه وحالَتُه، يُرِيدُ بِهِ ذَوِي الهَيْئَاتِ الحَسَنةِ، الَّذِينَ يَلْزَمون هَيْئةً وَاحِدَةً وسَمْتاً وَاحِدًا، وَلَا تَخْتَلِفُ حالاتُهم بِالتَّنَقُّلِ مِنْ هَيْئةٍ إِلَى هَيْئةٍ. وَتَقُولُ: هِئْتُ للأَمر أَهِيءُ هَيْئةً، وتَهَيَّأْتُ تَهَيُّؤاً، بِمَعْنًى. وقُرئَ: وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ، بِالكَسْرِ وَالهَمْزِ مِثْلُ هِعْتُ، بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ لكَ. والهَيْئَةُ: الشارةُ. فُلَانٌ حَسَنُ الهَيْئةِ والهِيئةِ”(1). 

 

سنتحدث في هذه الحلقة عن الحدود أو التعريفات الموجودة في العنوان لغة، مع تحديد المقصود بها في البحث، فليس من الضروري أن يكون معناها لغة هو ما نقصده بها في البحث، وهي ثلاثة حدود: الهيئة والإشارة والرمز. 

أ- الهيئة:

الهَيْئَةُ والهِيئةُ في « لسان العرب» : ” حالُ الشيءِ وكَيْفِيَّتُه. وَرَجُلٌ هَيِّئٌ: حَسَنُ الهَيْئةِ. اللَّيْثُ: الهَيْئةُ للمُتَهَيِّئِ فِي مَلْبَسِه وَنَحْوِه. وَقَدْ هاءَ يَهاءُ هَيْئةً، ويَهِيءُ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَيْسَتِ الأَخيرة بِالوَجْهِ. والهَيِّئُ، عَلَى مِثَالِ هَيِّعٍ: الحَسَن الهَيْئَةِ مِنْ كلِّ شيءٍ، ورجلٌ هَيِيءٌ، عَلَى مِثَالِ هَيِيعٍ، كهَيِّئٍ، عَنْهُ أَيضاً.[…] الهَيْئَةُ: صورةُ الشيءِ وشَكْلُه وحالَتُه، يُرِيدُ بِهِ ذَوِي الهَيْئَاتِ الحَسَنةِ، الَّذِينَ يَلْزَمون هَيْئةً وَاحِدَةً وسَمْتاً وَاحِدًا، وَلَا تَخْتَلِفُ حالاتُهم بِالتَّنَقُّلِ مِنْ هَيْئةٍ إِلَى هَيْئةٍ. وَتَقُولُ: هِئْتُ للأَمر أَهِيءُ هَيْئةً، وتَهَيَّأْتُ تَهَيُّؤاً، بِمَعْنًى. وقُرئَ: وَقَالَتْ هِئْتُ لَكَ، بِالكَسْرِ وَالهَمْزِ مِثْلُ هِعْتُ، بِمَعْنَى تَهَيَّأْتُ لكَ. والهَيْئَةُ: الشارةُ. فُلَانٌ حَسَنُ الهَيْئةِ والهِيئةِ”(1). 

والمقصود بالهيئة في هذه الدراسة الهيئة الجسمية التي تصدر عنها دلالات خاصة قد لا تفهم بغيرها، مثل اللباس الذي يرمز لشيء معين في التراث العربي وقد يكون عند غير العرب لباسا عاديا لا دلالة له تُذكَر، وكذا بعض الهيئات التي تظهر على وجه الإنسان وتُفَسِّر حالته من الفرح أو الغضب أو غير ذلك دون أن يفصح عنها بالكلام، وأيضا بعض هيئات جلوس الإنسان التي لها دلالات خاصة وتكون في مواقف خاصة عند العرب وهي عند غيرهم لا دلالة لها في تراثهم.

ب- الإشارة:

الإشارة في اللغة الإشارية هي الوحدة الأساس التي تناظر الكلمة في اللغة المنطوقة(2)، والإشارة كذلك دال غير لغوي على مدلول، وهي علامة طبيعية أو صناعية تتوسط بين الباث والمستقبل بقصد التنبيه والإثارة(3). وتتألف الإشارات من حركات مختلفة بالأيدي أو الوجه أو الرأس(4).أما مهمة الإشارة باليد أو الأصابع فهي تعيين شيء ما، ولها اعتبار خاص في علم الدلالة؛ أي إننا يمكننا أن نعين معنى الكلمة بالإشارة إلى مرجعها(5).

ثم إن الإشارة – باعتبارها أداة سيميائية طبيعية في الدلالة على المعنى- لا يقتصر تحققها على اليد، ولكنها تصدر من جهات جسدية متنوعة، كما مر بنا آنفا، فتصدر على هيئة رفع الحواجب، أو كسر الأجفان، أو لَيِّ الشفاه، أو تحريك الأعناق، أو انقباض الوجه، أو التلويح من بعيد بثوب أو نحوه تجاه عين الناظر، وقد يستعين المتستر بالإشارة بالحاجب وبالطرف وبغيرهما من الجوارح لبيان المعنى من غير أن ينكشف أمره(6).

“وعلى سبيل المثال فإن ملامح الوجه تشير إلى ما يمور في باطن الإنسان من مشاعر وأحاسيس، فالإشاحة بالوجه تعني الإعراض والنفور، والإقبال بالوجه يعني الموافقة والاستجابة، وهز الرأس يمينا وشمالا يعني الرفض، وهز الرأس من أعلى إلى أسفل يعني الموافقة والرضا والاستحسان… إلى آخر تلك الإشارات والإيماءات”(7).

يقول الجاحظ:” وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخط، ثم الحال التي تسمى نصبة […] فأما الإشارة فباليد، وبالرأس، وبالعين والحاجب والمنكب، إذا تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف. وقد يتهدد رافع السيف والسوط، فيكون ذلك زاجرا، ومانعا رادعا، ويكون وعيدا وتحذيرا. والإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له، ونعم الترجمان هي عنه. وما أكثر ما تنوب عن اللفظ، وما تغني عن الخط. وبعد فهل تعدو الإشارة أن تكون ذات صورة معروفة، وحلية موصوفة، على اختلافها في طبقاتها ودلالاتها. وفي الإشارة بالطرف والحاجب وغير ذلك من الجوارح، مرفق كبير ومعونة حاضرة، في أمور يسترها بعض الناس من بعض، ويخفونها من الجليس وغير الجليس”(8).

ذلك أن ” اللغة تتركز في جسم الإنسان الذي ينفعل كله بما يعبر عنه، إن الإنسان لا يتكلم فقط بلسانه وأعضاء النطق الأخرى، ولكنه يتكلم بأعضاء جسمه أيضا، إنه يومئ برأسه، ويغمز يعينيه ويرمز بشفتيه، ويشير بأصبعه ويهز منكبيه، إن هذه الإشارات المصاحبة للألفاظ المنطوقة تقوم بتأكيد دلالات هذه الألفاظ من ناحية، أو إكمال ما يعتورها من نقص من ناحية ثانية، ومن هنا تتمثل لغة الإشارات الجسمية في نقل الأفكار والمشاعر والآراء والعواطف، وإذا كانت اللغة المنطوقة قد تتوقف على ألسنتنا لسبب أو آخر، فإن لغة الإشارات الجسمية لغة مستمرة متواصلة، لا تتوقف عن التعبير، إنها في تواصل مستمر مع الآخرين، كما أنها تعلن في كل وقت عن مكنونات النفس والفكر، وإذا كانت اللغة المنطوقة يمكن أن نخفي بها مشاعرنا ونكذب بها على الآخرين، فإن لغة الإشارات الجسمية تكشف دائما عما نخفيه، بل وكثيرا ما تفضحنا أمام الآخرين”(9).

ويكثر هذا الضرب من الإشارات في التراث العربي كما سنرى، خاصة على مستوى التواصل، ولكل إشارة منها دلالة خاصة بها تقوم مقام العبارة أو تتجاوزها في الدلالة وفي ذلك قال العرب:” رُبَّ إشارة أبلغ من عبارة”(10)، وسنعمل على بيان هذه الدلالات إن شاء الله تعالى.

ج- الرمز:

الرمز في «لسان العرب»:” الرَّمْزُ: تَصْوِيتٌ خَفِيٌّ بِاللِّسَانِ كالهَمس، وَيَكُونُ تحريكَ الشَّفَتَيْنِ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَفْهُومٍ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ إِبانة بِصَوْتٍ إِنما هُوَ إِشارة بِالشَّفَتَيْنِ، وَقِيلَ: الرَّمْزُ إِشارة وإِيماء بِالعَيْنَيْنِ وَالحَاجِبَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالفَمِ. والرَّمْزُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا أَشرت إِليه مِمَّا يُبانُ بِلَفْظٍ بأَي شيءٍ أَشرت إِليه بِيَدٍ أَو بِعَيْنٍ، ورَمَزَ يَرْمُزُ ويَرْمِزُ رَمْزاً “(11).

وليس المقصود بالرمز ما يتضمنه المعنى اللغوي في «لسان العرب»؛ إذ هو في الحقيقة حسب تصنِيفي للمواد في البحث تابع لباب الإشارة، فعندما نقول مثلا:” الرَّمْزُ إِشارة وإِيماء بِالعَيْنَيْنِ وَالحَاجِبَيْن وَالشَّفَتَيْن وَالفَم ” يكون الرمز بهذا المفهوم داخلا في باب الإشارة ألا ترى أن الإشارة بالعينين والحاجبين لكل منهما دلالة معينة، وإنما المقصود بالرمز تلك العلامات الدالة.

إن الرمز حسب تعريف محمد التونجي صاحب كتاب « المعجم المفصل  في الأدب »: ” علامة تعتبر ممثلة لشيء آخر ودالة عليه، فتمثله وتحل معه. والرمز يمتلك قيما تختلف عن قيم أي شيء آخر يرمز إليه كائنا ما كان، وهو كل علامة محسوسة تذكر بشيء غير حاضر. فالعَلَم، وهو قطع من القماش الملون، يرمز إلى الوطن والأمة، والصليب يرمز إلى المسيحية، والهلال يرمز إلى الإسلام. كما استخدم الشعراء ريح الصبا رمزا للمحبوب الغائب، والوردة رمزا للجمال، والتنيني عند الصينيين رمزا للقوة الملكية”(12)، وهكذا في تراث كل أمة من الأمم.  

ـــــــــــــــــــ

الهوامش:

1- لسان العرب 15/117.

2- في نشأة اللغة، من إشارة اليد إلى نطق الفم ص:130.

3- إستاطيقا الإشارة، دراسة بلاغية سيميوطيقية ص:12.

4- الإيجاز وبلاغة الإشارة ص:217.

5- الإيجاز وبلاغة الإشارة ص:217.

6- الإيجاز وبلاغة الإشارة ص:220.

7- جسد الإنسان والتعبيرات اللغوية ص:7.

8- البيان والتبيين 1/76-77-78.

9- الإشارات الجسمية دراسة لغوية لظاهرة استعمال أعضاء الجسم في التواصل ص:30- 31.

10- الخصائص 1/248.

11- لسان العرب 6/222- 223.

12- المعجم المفصل  في الأدب 2/488.

***********

المصادر والمراجع:

– إستاطيقا الإشارة، دراسة بلاغية سيميوطيقية، للدكتور مصطفى السعدني، عام الطبع: 1994م، منشأة المعارف، الإسكندرية.

– الإشارات الجسمية دراسة لغوية لظاهرة استعمال أعضاء الجسم في التواصل، للدكتور كريم زكي حسام الدين، ، الطبعة الأولى: 1991م، منشورات المكتبة الأنجلو مصرية، القاهرة.

– الإيجاز وبلاغة الإشارة في البيان النبوي، للدكتور عبد الرحمن بودرع، الطبعة الأولى عام 2009م، مطبعة الخليج العربي، تطوان، المغرب.

– البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، بتحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة السابعة عام 1418هـ/ 1998م.

– الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق محمد علي النجار، الطبعة الرابعة، عام 1999م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

– المعجم المفصل في الأدب، إعداد الدكتور محمد التونجي، الطبعة الثانية: 1419هـ /1999م، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 

– جسد الإنسان والتعبيرات اللغوية [دراسة دلالية ومعجم]، للدكتور محمد محمد داود، منشورات دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.

– في نشأة اللغة، من إشارة اليد إلى نطق الفم، ترجمة: محمود ماجد عمر، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد:325، مارس2006.

– لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور، الطبعة السادسة عام 2008 م، دار صادر، بيروت، لبنان.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق