وحدة الإحياءدراسات وأبحاث

معالم البناء المنهجي للمعرفة في القرآن الكريم

كانت “اقرأ“، الإطار المعرفي الذي انتظمت فيه علاقة إمام المرسلين المصطفى الأمين بذاته من جهة، وبالمسطور القرآني والمنظور الكوني من جهة ثانية، والنهج الذي سلكه حتى اكتملت استقامة المعتقد عنده؛ فإذا كانت سورة “العلق” قد رجت بثقلها، عقله وبدنه، صلى الله عليه وسلم، لتثبته على المنهج القويم، والمعرفة المستقيمة، فإن سورة “المدثر” وجهته عليه السلام توجيها ممنهجا، فحركت فاعلية النبوة فيه، وحرضته على الإيجابية الدعوية والتبليغية، كرسول مسؤول عن إماطة سدول الجهل، واقتلاع أوتاد الفوضى، وإعادة رسم الحدود الإيمانية للعقل البشري عامة، بما يحفظ له اتزانه في كون منظم، أتقن تصميمه وإنشاءه إله عليم أحسن خلق كل شيء.

والقرآن الكريم دعوة إلى المنهج الحق لبلوغ الحق، والاهتداء للتي هي أقوم، بواسطة أدوات مسخرة للإدراك، والاستبصار، والتثبت، يقول المولى عز وجلّ:

“والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والاَبصار والاَفئدة لعلكم تشكرون” [سورة النحل/الآية: 78].

القرآن المجيد وقيم الفاعلية

والواقع أن الاستقامة المعرفية، ترتبط ببيئة القرآن ولا تنفصل عنها.

وكما سخر الله الجوارح المدركة للتلقي المستقيم للمعرفة، التي اهتم القرآن الكريم بصياغة مراميها ومقاصدها، وجه الله -عز وجلّ- المتلقي إلى العناية بتوسيع دائرة هذه المعارف الكلية، مستثيرا فاعليته لإنبات معارف جديدة، على أرض قرآنية تشترط فيمن ينتمي إلى بيئتها، أن يستمسك بخيوط قواعدها المنهجية المبثوثة في آياته، وسوره، وإشاراته، وإلماعاته، وتلميحاته…

والقرآن، بما هو دائرة للمعارف، لا يهتم بتلقين المعرفة وبثها فحسب، بل يعمل على تفجير الطاقات الإبداعية أيضا، يقول السيوطي في هذا الأمر: “وإن كتابنا لهو مفجر العلوم ومنبعها ودائرة شمسها ومطلعها. وأودع فيه سبحانه وتعالى كل شيء، وأبان فيه كل هدي وغي، فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد[1]“.

وباستثارة الكتاب المجيد للفاعلية الكامنة في الإنسان، يتيسر لهذا الإمساك بهذا المنهج، والاستمساك به، والثبات عليه.

ومعلوم أن الفاعلية مقوم من المقومات المؤسسة للاستجابة، وبها تتحدد الحركية الإيمانية للإنسان، حتى أن التغير الممنهج، لا يكون إلا فعلا إنسانيا ينبثق نوره من ذات الإنسان المؤمن، بعد عقله للحق عن الخالق، واقتناعه بوثوقية، ويقينية وصلاح المنهج القرآني. ومن ثمة يلتزم بضوابطه الشرعية، وبقانونه المعرفي. ولعل ما يكسبه الخصوصية، أنه تغير ينبعث نوره من إرادة بشرية، تستظل بظلال ربانية، فهو تغير غير اجتهادي، بل توقيفي يستمد من “المعرفة المُؤَسِّسَة”، التي سخرت وسائل التحول والتغير ليشغلها العقل في حدود ما تمت مأسسته من معارف، في الوحيين القرآني والنبوي، وتحت مظلة المقصدية الشرعية، وفي انسجام مع الخطاب الرباني، بما يمكنه من إثبات أهليته المعرفية، وكفايته لتحقيق استخلافيته في الكون. والاستخلاف رهين باستكمال الإنسان تكوينه المعرفي عقلا، ونفسا، وسمعا، وبصرا.. وهو مستسلمٌ لسلطان المعرفة الإلهية، حين يضطلع بمهمة التمثيل العمراني وهذه تشترط الثبات المعرفي والمنهجي، وتفعيل المعرفة القرآنية في الواقع الإنساني، على هدى تعاليم الخطاب الشرعي التي يأتمر فيها المستخلف في الأرض، بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم: “قل اِن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” [الأنعام: 164-165].

ثم إن المعرفة القرآنية معرفة عادلة، تدرب من يأتمر بأمرها على التوازن والاستقامة الإيمانية، والسلوكية والفهمية.. والتي تنشئ للإنسان كيانا فاعلا، به تتحقق خيريته.

وقد اعتبرت المعرفة القرآنية الفاعلية الذاتية عتبة أولى لتفعيل الإنسان لإيجابيته في الكون، فجعلتها قاعدة تأسيس هذه الحركية؛ إذ بها تنشأ وتتكون، مصداقا لقول الحق سبحانه: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” [الرعدة: 12].

وبهذا يتضح البعد التأصيلي للتربية المعرفية الإسلامية، حيث العناية بتثبيت قيمة الفاعلية الإيجابية في الإنسان المسلم، ضمن رعايتها لحرية العقل البشري في الارتقاء إلى النظام، واستمداد اليقين المعرفي من الكتاب والكون معا، ليتعلم الحق فتحصل الهداية.

خصائص المعرفة القرآنية

ومن المعلوم أن المعرفة في القرآن الكريم مفارقة – في مفهومها و طرق تحصيلها، ومناهج البحث فيها… للمعرفة البشرية غير الربانية، التي لا تمتلك مقومات الأبدية، ولا الحقيقة المطلقة، بل هي مذهبية مثقلة بالافتراضات، مما جعلها غير يقينية، بل قابلة للتخريب.

أما في القرآن المجيد، فالمعرفة تمتاز بقوتها الشيء الذي يضمن سلامتها من عيب النقص الذي يسم المعرفة البشرية. و قوتها تلك، هي التي تعهد لها بدور تنشيط العقل، وتثوير طاقته وفق قاعدتين أساسيتين:

1. القاعدة التفاعلية على المستوى العمودي، حيث يوجه العقل للاستمداد المعرفي من مصدر عليم هو الوحي، الذي يضمن يقينية و طهر المعرفة. ويستدعي  هذا الاستمداد الإدراك والاستبصار: أي كدح الإنسان في النظر بما أوتيه من طاقة وقدرات، ووسائل تمكنه من الفهم الشريف، في حدود رسمها مدار التكليف، كضوابط التلقي، وحافات التأويل، والتي بها تتضح معالم الاختلاف بين معرفة لدُنية أزلية، ومعرفة دينية نشطت على هامشها. والإنسان في حركة الفهم هذه، محكوم بالإمكان العقلي الغيبي، وبتجاوز وتعالي المعرفة القرآنية، حين يصطدم بمعرفة تتعدى حدود مقدرته العقلية، لعجزه عن إدراك سبيل منهجي للتعامل معها، وهي حالات الانحسار العقلي التي يسببها التعارض بين النص وظاهر العقل، أو تجاوز النص المعجز للإمكان العقلي البشري.

2. القاعدة التفاعلية على المستوى الأفقي، حيث يشغل العقل، والحس، والحدس، في حركة امتداد للذات في الآخر أثناء بنائه لدورة حضارية، أساسها التشارك الإنساني في مشروع عمارة الأرض.

إن المعرفة المسطورة تخضع لتصميم عليم بحركات النفس، والعقل، والكون… إذ تنتظم في الكتاب، وفق ضوابط إلهية تمتلك من القوة والتماسك، ما لا يسمح للباطل أو التيه أو العبث.. أن يأتيه  مهما ادعى العقل البشري رقيه، وتعاليه، وأياٍّ كانت درجة زهوه بقوته المعرفية؛ لأن مصدرها العليم، يذكر الإنسان بحاجته المستمرة إلى الاكتمال، فيوجهه إلى استمداد الحق من المسطور، ثم الامتداد في الكون لكي يرسم لذاته الحدود الإيمانية التي تنقذه من محنة التشتت والفوضى، وتقيه أزمة الاغتراب عن المنهج وعن المقاصد الربانية، فتحدث إثر ذلك الاستجابة الفورية، وهي رد فعل صحي لعقل أدرك أولا حدوده كعقل، تم استقرت لديه ثانيا، الآليات المنهجية لتعقل الحق، بعيدا عن مزالق الظن والوهم..

إن القرآن الكريم ينفتح أمام الأفهام لتستنبط منه الثوابت المعرفية، التي يستخرج منها منهج عقل الحق عن الله تعالى، بل إن الكتاب المجيد يعمل على إثارة الدافعية في المتلقي المؤمن، لإنشاء المدارات الحضارية القرآنية المصدر، حيث إن المعارف المسطورة تدربه على الإيجابية والحركية، حينما تهيئ له أسباب الدخول في بيئة القرآن المعرفية، لتحدث فيه الرسوخ في العلم والثبات على المنهج. بل إن وسائل الإثارة المدعمة في البيئة المعرفية القرآنية –وهي أدوات خطابية بامتياز– تلامس أوتار القلب حينا، وتهز العقل أحيانا، أو تداعب الحدس لتقنع المتلقي بإلوهية الخالق وعبودية المخلوق في أحيان أخرى، مجددة المجال للتفاعل مع الحق، وتكرار الاستجابة له عبر الانتقال التدرجي للأمر والنهي الإلهيين، بحسب الظروف، والمقامات، و سياقات التلقي.

 فالتحريم مثلاً، خضع  لمنهج يراعي خصوصية الإنسان المتحولة، وحدود قابليته للتغير، كتحريم “الخمر” الذي زامن البيئة الملائمة لتعليم المسلم حفظ الحدود والمواقع، بينما لم يخضع تحريم الشرك لهذه المثيرات الشرطية؛ لأن الفطرة بنيت  وشكلت لتكون موحدة: أي أن الفطرة في ذاتها بيئة خصبة لتحقيق الاستجابة للأمر بالتوحيد، وإحداث التحول الإيجابي الفردي، والجماعي، كشأن إبراهيم -عليه السلام- الذي أنشأ لنفسه مدارا عمرانيا ممتدا من الذات إلى الله )القوة المركزية الناظمة لشتاته الفكري والنفسي والعقدي…( ثم منه إلى المحيط الوجودي الذي يملك استطاعة التفاعل معه، حتى أنه كان “أمة” مسؤولا عن نفسه ومسؤولا عن غيره أثناء إنشاءه للعمران وهذا لا يكون إلا جمعا، حتى وإن كان فعلا فرديا في ظاهره.

وهذا هو البند الرئيس في الميثاق المنظومي إلوهية/عبودية والذي ينص على ممارسة الإنسان لمهمة الاستخلاف التكليفية ليبلغ اليقين “واتقوا الله ويعلّمكم الله” [البقرة: 281].

وعمارة الأرض في القرآن الكريم، قوة و لكنها لا تقاس بالكفاءة المعرفية فحسب، بل تتحدد قيمتها بالفاعلية الايجابية أيضا، والتي تجمع بين القوة الجسمانية وتفعيلها بالحق في الوجود، وهما معا يشكلان القاعدة التي ينبغي أن يستند إليها في بناء الكيان العمراني للأمة “خير من استاجرت القوي الاَمين” إنها الكفاءة العمرانية التي تضمن سعادة الإنسان، والسعيد في القرآن الكريم هو الذي مكن الله له المعرفة بالمفهوم العمراني لا التخريبي، كذي القرنين الذي “آتاه الله من كل شيء سببا” والسبب أداة منهجية لممارسة العبودية، وعمارة الأرض، بينما يقدم القرآن لشقي المعرفة المستضعف، نموذج القوم الذين لقيهم ذو القرنين بين الجبلين: “وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا” [الكهف: 89]، إن ثبات ذي القرنين على المنهج دفعه إلى العناية بما هو أهم من قوة المال، حينما التمس قوتهم البشرية قال: “فأعينوني بقوة اَجعل بينكم وبينهم ردما” [الكهف: 91] لإنجاز مشروع عمراني، وإحداث انتفاضة عمرانية، وصناعة البأس لأجل ضمان الاستقرار، الذي يعد دعامة العمران الأساسية. إن ذا القرنين يمتلك مثيرا قويا مدعما هو الذي ملكه وضوح الرؤية ووضوح الغاية العمرانية، “ما مكني فيه ربي خيرٌ” [الكهف: 91] وهو السبيل نفسه الذي سلكه المرسلون، فهذا سليمان عليه السلام يجزم بعقيدة سليمة: “أتمدوننِ بمال فما ءاتاني الله خير مما ءاتاكم بل اَنتم بهديتكم تفرحون” [سورة النمل/الآية: 37]، وبذلك تتحدد ملامح البناء المنهجي للمعرفة القرآنية، إنه  بناء يستهدف تدبير النفس، وإدارة العقل، وتوجيه الطاقة لدى المؤمن بغاية صياغة مفهوم عمراني للقوة. وتقوم إدارة المعرفة في القرآن الكريم على مفهوم ترتيب الأولويات. لذلك اهتم الكتاب المجيد بالطاقة البشرية، يستثيرها بالتحفيز، والتحذير، أو التوجيه، مهيئا المجال البيئي لتدبير الكفاءات، والسلوكات ضمن تخطيط منهجي قيادي ورقابي واضح الأهداف.

إدارة الفهم في القرآن الكريم

ولعل أعتى قاعدة تحمل المشروع المعرفي في القرآن الكريم، هي القاعدة التي تخص إدارة الفهم: “ففهمناها سليمان وكلا ـاتينا حكما وعلما” [سورة الاَنبياء/الآية: 88]، “وورث سليمان داوود وقال يأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء” [سورة النمل/الآية: 16].

وليست إدارة الفهم، سوى توجيه ممنهج لتقويم المعرفة وإغنائها وتخصيبها  وتثبيتها على الحق بغية تزكية العقل والقلب: “ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون” [سورة ءال عمران/الآية: 78].

وتقوم إدارة الفهم في القرآن الكريم على منهج:

– التيسير بالتوضيح و البيان، وذلك لتطوير المعرفة وإنمائها: “ولقد يسرنا القرءان للذّكر فهل من مدّكر” [سورة القمر/الآية: 17].

وليست إدارة الفهم استبدادية، بل هي إدارة رحيمة عادلة، تدعو إلى المنهج، وتحث على التثبت بإعمال مبادئ العقل قياسا واستنتاجا: “قل سيروا في الاَرض فانظروا كيف بدأ الخلق” [سورة العنكبوت/الآية: 19].

“قل انظروا ماذا في السموات والاَرض” [سورة يونس/الآية: 101].

“اَو لم ينظروا في ملكوت السموات والاَرض وما خلق الله من شيء” [الأعراف/الآية: 185].

ذلك لأن إدارة الفهم في القرآن، منهج تربوي يرمي إلى  تحويل الإنسان إلى كائن كفء معرفيا، والتربية إقناع للعقل وترغيب له في الفضلية العمرانية، كسبيل لإنشاء معرفة وثوقية: يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والاَرض لا إله إلا هو فأنى توفكون” [سورة فاطر/الآية: 3] ومعلوم أن البرهان يمنح القوة للعقل وللحواس: “أ.إله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” [سورة النمل/الآية: 66].

والقرآن بهذا يقدم هندسة معمارية للأمر والنهي متماسكة وعادلة، يحافظ بها على فاعلية الإنسان وحريته في اختيار المنهج، فالأمر والنهي يحفزان العقل على التأمل في آيات الله، وتدبرها.

 والتأمل فاعلية تدل على حركية المؤمن وإيجابيته، متى استطاع أن ينزع عن القلب والعقل أقفالهما: “أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب اَقفالها” [سورة محمد/الآية: 25]، وليس التأمل والتدبر سوى خطوات معرفية ممنهجة، للتحرر المعرفي من الهوى، والمصلحة الضيقة، والباطل، والشتات: “ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” [سورة الحج/الآية: 8].

عن القرآن هنا، يذكرنا بشروط التفاعل اللغوي، وأهمها تعرف الذوات المتكلمة )المجادلين أو المتحاورين( على حق التكلم، وفق شروط تتعلق بهوياتهم المعرفية؛ فكل تفاعل أو تبادل كلامي، رهين بإستراتيجيات معرفية، تسمح بتحقق المقبولية لكلام المتكلمين. وغياب هذه الإستراتيجيات؛ (أي إمكانات الاختيار المعرفية المعقولة) في الجدل أو الحوار، يؤدي إلى الاعتداء على انسجام الخطاب، بتحريف مقصد يته، وتشويه حقيقته.

ولهذا أنشأ القرآن الكريم، للحوار بناء معماريا خاصا؛ إذ جعله قائما على العدل، واحترام الحدود والمواقع، حينما ينطلق من منطلق علمي يستند إلى فرضيات –على ضعفها وتفاهتها– لأجل نصرة الحق: يقول الحق تعالى: “قل اِن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين” [سورة الزخرف/الآية: 81]، أو ينطلق من منطلق عليم: “قل هو الله احد” [سورة الإخلاص/الآية: 1]، وهو ملمح آخر من ملامح الوثوقية واليقينية المعرفية في القرآن الكريم. فهذه الحركية البرهانية، مخربة للانغلاق والتقهقر المعرفي، حيث تشن حربا ضروسا على المعرفة المصنَّمة، وتدعوا إلى التجديد المعرفي، بما هو عتبة عمرانية لبناء الأصالة ضدا على خطاب الإمَّعِيّين المقلدين الذين يقولون: “إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على ءاثارهم مقتدون” [سورة الزخرف/الآية: 22].

هاهنا يتدخل تدبير الفهم موجها إلى الحق: “قل اَو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه ءابائكم” [سورة الزخرف/الآية: 23] “أو لو كان ءاباؤهم لا يعقلون شيئا” [سورة البقرة/الآية: 169].

إن تدبير الفهم في القرآن الكريم، يعنى بقيادة الإنسان إلى التغير متى حصل التكيف مع بيئة القرآن. ومعلوم أن البعد عن الكتاب المجيد، هو الذي فجر الأزمة، وهي أزمة منهج وأزمة معرفة، نتج عنهما أزمة فهم، بل وأزمة تنزيل أيضا.

وهكذا تكون المعرفة في القرآن الكريم منظومية البناء، يتشابك فيها السلوك  مع المعتقد والرؤية، وعليه تكون أقرأ دعوة إلى المعرفة: أي الأساس الذي يُنشَأ فوقه الصرح العمراني للأمة؛ وكل عملية تعلمية لا تثمر إلا بتحديد سياق معرفي تجري فيه عملية تقويم العقل، والنفس، والسلوك البشري،وتكون “باسم ربك” دعوة إلى المنهج  والثبات عليه بغاية الرسوخ في العلم.

ومن معالم البناء المنهجي للمعرفة في القرآن الكريم، هذه الكلية التي يعامل بها الكيان البشري؛ إذ تهتم المعرفة القرآنية بحاجة الإنسان الطبيعية إلى الامتداد خارج الذات؛ لأن الإنسان كلٌ متناسق الأبعاد والمنطلقات؛ والتناسق لا يكون إلا بضم وتركيب الشتات والمختلف، وتفاعل الأنساق حول مركز معرفي كامل، قوي وواحد، وهو ما يحفز الحركية ويقي من آفة الانحسار في الذات، عند الارتهان إلى الهوى، أو المصلحة الذاتية، فيذكي بذلك جذوة الفاعلية، وهي فاعلية المرسلين، والذين اهتدوا بهديهم.

 الهوامش

 1. السيوطي، “الإتقان في علوم القرآن”، دار الكتاب العربي، ج1/6، 1419ﻫ الموافق1999م.

Science

دة. رشيدة زغواني

كلية الآداب والعلوم الإنسانية/بني ملال

عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق