وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

مسجد الأروى بمدينة مكناس

مسجد الأروى بمدينة مكناس

  وكان يعرف قديما بمسجد الأزهر، يعتبر هذا الصرح  التاريخي أيقونة معمارية دينية ومرجعا للعمارة الإسلامية المغربية، ويمثل قمة الفن المعماري في إبداعه، كما يمتاز بجماله وقيمته الدينية والثقافية.

 بني هذا المسجد العظيم في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1189م بمدينة مكناس، ويعد من  أوسع مساجد المدينة، ويتكون من أربعة صفوف ذات أقواس محمولة على أربعة وأربعين أسطوانة أو سارية،  وله أربعة أبواب، ثلاثة كانت للعموم والرابع خاص بالسلطان، وبجانبه توجد مدرسة وبيوت مخصصة للطلبة  وتتوسطها نافورة جميلة وبئر …

         قال ابن زيدان في إتحاف أعلام الناس:” ومن تأسيسات السلطان الأعظم، والملاذ الأفخم، سيدي محمد بن عبد الله بقلعة مِكناسَة عاصمة ملك جده المولى إسماعيل المسجد الأزهر، الرافل في حلل الأبهة والفخار، ذلك المسجد الحافل الفاخر المعروف اليوم باسم جامع الأروى، وكان تأسيسه له عام تسعة وثمانين ومائة وألف، وشاهد ذلك ما هو منقوش في الجبص على يمين المحراب وشماله ودونك لفظه:

“أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا محراب مبارك سعيد قد بناه بمسجدنا سيدنا ومولانا المنصور بالله المحروس بعين رعاية الله المجاهد في سبيل رب العالمين، المتوكل على الله القوي المتين، محمد بن عبد الله ابن إسماعيل في عام تسع وثمانين ومائة وألف.” [1].

ينتظم هذا المسجد من صفوف أربعة ذات أقواس محمولة على أربعة وأربعين سارية مبنية بالجيار واللبن، وصحن فسيح لا يوجد له نظير في القطر المغربي فيما أعلم، طول هذا المسجد ثمان وثمانون مترا ونيف، وعرضه ستون مترا، بوسط صحنه الرحب جابية من أصفى المرمر، وأعلاه من أكبر وأوسع ما أنت راء جوانبها الأربع أعني ما اتصل بها من الصحن مفروشة بزليج الرخام البديع، وباقي الصحن مفروش بالزليج الملون الفاتن الباهي[2]..

ولهذا المسجد ثلاثة أبواب لعموم المصلين أحدها في الجهة الغربية، وثانيها في الجانب الشمالي، وثالثها في الجانب الجنوبي وبويب صغير بالجانب الشمالي من الصفِ الأول يختص السلطان بالدخول منه لكيلا يقع في ورطة تخطي رقاب المصلين، ومع الأسف فقد أهمل هذا المسجد إهمالا ليس عليه من مزيد حتى عشش فيه الخراب والتلاشي والدمار وباض وفرخ، رغما عن كونه تقام فيه الجمعة والجماعة، وكونه من المعاهد الإسلامية السامية ذات البال، اندثر زليج أرضه ونبت الكلأ في صحنه، وتكاثف ونبت الكرم في خشب سقفه الذي كان على جانب من الزينة والزخرفة عظيم، هذا فيما بطن منه، فما ظنك بما ظهر من سطحه إلى غير هذا مما لا أذكره[3]..

                            صورة قديمة لفناء جامع الأروى أو الأزهر                        

وبخارج الباب الشمالي من هذا المسجد توجد مدرسة تحتوي على بيوت ستة وثلاثين عن اليمين والشمال بوسطها خصة لطيفة وبئر، وبآخرها قبة بديعة الشكل كانت على جانب من الزخرفة والنقش عظيم، وبهذه المدرسة منار المسجد المحدث عنه، كما يوجد خارج الباب الجنوبي مرحاض حافل محتو على خمس وعشرين مِيضَأَة[4]، بوسط صحنه صهريج للماء مستطيل كان في غاية اللطف، وخارج هذا المرحاض في جداره الشرقي صهريج مستطيل طوله نحو المترين منحوت في حجرة واحدة، ومع الأسف فقد أصبحت بهجة ذلك كله في خبر كان، ومدت الأيدي العادية لاختلاس مَائِهِ[5].

ومن هذا المسجد انبثقت و تكونت مدرسة المسجد الأزهر شأنها في ذلك شأن الجامعات والمدارس، فكانت وظيفتها التعليمية امتدادا للظاهرة التعليمية في المساجد آنذاك، ومن الأعلام البارزين الذين نزلوا جامع الأروى نذكر: أبو العباس أحمد بن على السوسي.

وقد استوطن العاصمة الإسماعيلية في صدر المائة الهجرية الثالثة عشرة، وكان علامة مشاركا مدرسا[6].

قال عنه ابن زيدان في إتحاف أعلام الناس: كان علامة مشارك نقاد مدرس نفاعة، أخبرني ابن حفيده شيخنا محمَّد السوسي أنه حدثه غير واحد من ذويه وقرابته أن المترجم كانت له يد طولى في علم الأوفاق وسر الحرف، وأنه رحل إلى الحج، وأن قدومه من بلاده الساقية الحمراء كان في دولة السلطان أبي الربيع مولانا سليمان، وأن السلطان المذكور هو الراغب في مقدمه عليه، وأنه وجه من طرفه من يأتيه به من مسقطٍ رأسه، ولما ورد وجد السلطان بالحضرة المكناسية فكرم مثواه وَنُزُلَه وأنزله بمدرسة الجامع الأزهر المعروف اليوم بجامع الأروى بطلب من المترجم، وأنه لما سمع بمقدمه العارف بالله مولاي عبد القادر العلمي توجه إليه بقصد زيارته على عادته رضي الله عنه مع فضلاء وقته المشار إليهم بالخير والصلاح، فلما اجتمعا سأل كل منهما صاحبه عن اسمه ونسبه عملا بسنة خير الأنام في ذلك[7].

هكذا حكى مسجد الأروى جانبا من حضارة عريقة عاشتها مدينة مكناس،  ويعكس هذا الصرح الديني قصة إبداع الفن المعماري في تلك الحقبة الزمنية …. والحاصل أن  مسجد الأروى في وقتنا الراهن، أصبح يعيش حالة من النسيان والإهمال، فحبذا لو يعود لهذا المسجد العظيم إشاعه الديني والعلمي كما كان في الماضي…

[1] – إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/232) الطبعة الأولى 2008م، مكتبة الثقافة الدينية

[2] – إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/232) الطبعة الأولى 2008م، مكتبة الثقافة الدينية

[3] – إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/258) الطبعة الأولى 2008م، مكتبة الثقافة الدينية.

[4] – ميضأة بالهمز ، مشتقة من لفظ توضأ ، وهي المطهرة التي يتوضأ منها ، وقد تطلق على المكان الذي يتوضأ فيه .

[5] – إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/259) الطبعة الأولى 2008م، مكتبة الثقافة الدينية.

[6] – محمد المنوني، في دعوة الحق: عدد 159.

[7] – إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (1/419) الطبعة الأولى 2008م، مكتبة الثقافة الدينية.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. المرجو العمل على إعادة قراءة اللطيف في المساجد بعد قراءة الحزب الراتب، عسى ان يفرج الله باسمه اللطيف…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق