الرابطة المحمدية للعلماء

مستقبل الكتاب في زمن القراءة الرقمية

د. المهدي السعيدي: الكتاب الرقمي لا يلغي الكتاب الورقي والمهم في آخر المطاف هو القراءة

كان موضوع مستقبل الكتاب في زمن القراءة الرقمية محور النقاش في ركن حوار حي الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء، في نسخته الأخيرة ليوم الخميس 22 يوليوز الجاري من خلال استضافة الدكتور المهدي السعيدي، أستاذ الأدب العربي بجامعة ابن زهر أكادير، وأحد المختصين في البرامج الرقمية التراثية.

وبداية، كان ضروريا التوقف عند مقارنات أولية بين الكتاب الورقي ونظيره الرقمي الإلكتروني، حيث اعتبر الضيف الكريم أنه ينبغي التمييز بين مفهومين في هذا الحوار، فهناك القارئ الآلي أو الرقمي أو الإلكتروني، وهو الجهاز المخصص للقراءة والمركب من شاشة عرض ملونة كما في جهاز “أيباد” أو بالأبيض والأسود كما في جهاز كيندل، مثلا ومجموعة من الأزرار وذاكرة معينة تستطيع تخزين ما بين 1500 و3000 كتاب، وتجهيزات للاتصال بالشبكة اللاسلكية بأنواعها، وهذا هو جهاز القراءة المسمى بالإنجليزية (ebook reader) وبالفرنسية liseuse بينما هناك الكتاب الرقمي، أي نص الكتاب الذي جرت رقمنته أي تحويله إلى نص تمكن معالجته بالحاسوب ببرمجيات متعددة، ويمكن أن يكون بصيغ مختلفة مثلا صيغة النص المحمول pdf أو صيغة الكتاب الإلكتروني المستعملة بكثرة في أجهزة القراءة حاليا (epub) أو غيرها، فالمقصود إذن بالكتاب الرقمي هو النص المحول إلى صيغة رقمية معينة يتمكن القارئ الألي من عرضها بفضل البرمجيات التي توفر عليها.

وعن المقارنة بين الكتاب الورقي والرقمي، اعتبر الدكتور المهدي السعيدي أن الكتاب الرقمي لا يحتاج أي كلفة لقراءته، فيستطيع القارئ فتحه وقراءة المحتويات الموجودة به وتسجيل الملاحظات في دفتر والبحث في المعاجم الموجودة بين يديه إذا أراد فهم كلمة أو تعبير، أما جهاز القراءة فيمكن القارئ من القيام بكل هذه الأشياء مجتمعة، القراءة والتسجيل والبحث بل والمشاركة والنقاش مع الآخرين عبر الشبكة العالمية والشبكات الاجتماعية، كما يمكنه من حمل كتب كثيرة جدا في جهاز خفيف الوزن لا يكاد يجاوز 200 غرام، بمعنى أن المكتبة التي كان الصاحب بن عباد ينقلها معه أينما حل وارتحل على قافلة من الجمال، نستطيع الآن أن ننقلها في جهاز صغير خفيف لا يكاد يجاوز في حجمه كتابا متوسط الحجم.

وأضاف ضيف الموقع، أن الكتاب الرقمي لا يلغي الكتاب الورقي على المدى القريب والمتوسط، وأن المهم في آخر المطاف هو القراءة، وبقدر ما نحن في حاجة إلى التعلق بالمعرفة والتعلم والقراءة بقدر ما ينبغي أن نعرف أننا نعيش عصر تحول يماثل تحول المعرفة من الوعاء الخزفي في عهد المسماريين إلى الوعاء البردي في عهد المصريين ثم الورقي مع الصينيين.

وعن مستقبل الكتاب في العالم العربي في ظل هذا التحوّل، وواقع تعامل أمّة (إقرأ) في زمن القراءة الرقمية مع المعلومات لتطوير ثقافتها، أشار المهدي السعيدي إلى أن العصر الحديث عصر التقنيات الرقمية في كل المجالات، فبواسطة تقنية أساسية واحدة أمكن التعامل مع مجالات مختلفة، ومن ضمنها المجال المعرفي المتعلق على الخصوص بالكتاب، مؤكدا أن العالم الآن يشهد ثورة رقمية مازالت في بدايتها، وفيما يتعلق بالكتاب والقراءة، هناك ثورة جديدة تماثل وربما تفوق ثورة الطباعة، فلأول مرة في تاريخ البشرية يمكن التعامل مع النصوص اللغوية بطرق كثيرة مختلفة: قراءة وتعليقا ونسخا وتبادلا وتحليلا وتصنيفا، بمعنى أن هناك طرقا جديدة للقراءة والتعامل مع النصوص، وأساليب مبتكرة جديدة ستغير كثيرا من المسلمات في عالم المعرفة ومجال الكتاب على وجه الخصوص؛
أما في العالم العربي، فهناك تأخر بارز في اللحاق بالركب، ليس في مجال استهلاك النصوص وتنامي القراءة (وهو ما نشهد ازدهاره في الغرب حديثا باستعمال التقنيات الرقمية) ولكن على وجه الخصوص في إنتاج النصوص المرقمنة، وفي رقمنة التراث والكتب والمجلات.. وهذا ناتج أساسا من ضعف الإنتاج المعرفي في مجال الطبع والنشر الورقي، وذلك كله ناتج عن انتشار فكرة عدم جدوى الفكر والثقافة في مقابل انتشار ثقافة المتعة والترفيه.

وفيما يخص فاعلية القراءة الرقمية، أكد الضيف الكريم أن هناك نقاشا كبيرا في الموضوع بسبب حداثة التقنيات المستعملة، وكانت القضية مطروحة أساسا حول الحاسوب وطرحت أسئلة كثيرة من قبيل: هل القراءة في الشاشات مفيدة؟ هل هي ضارة؟ للعين؟ هل هي مكلفة بالنظر إلى الحاجة إلى أجهزة وطاقة، لولا أن النقاش الآن تغير بسبب ظهور أجهزة جديدة للقراءة وهي القارئات الرقمية (ebool reader) والتي توفر قراءة مثالية في مستوى القراءة العادية للكتب الورقية بالنسبة لطبيعة الخطوط، وشكل إدراكها البصري، إضافة إلى ميزات كثيرة مثل إمكانية تكبير أو تصغير الخط، وإمكانية تسجيل الملاحظات، ونسخ الفقرات، ومشاركة القراءة وهي آخر المجالات التي تشتغل عليها الشركات المنتجة بسبب ظهور مفهوم القراءة الجماعية أو المشتركة بسبب بروز اتجاه الشبكات الاجتماعية.

من الأسئلة الملحة والمطروحة على الصعيد العالمي في هذا الصدد، ذلك المتعلق بتأثير الكتاب الإلكتروني على مستقبل الكتاب المطبوع، حيث أشار الضيف الكريم، أنه إذا تحدثنا على الصعيد العالمي، يمكن أن نقول أن القراءة بخير والدليل على ذلك معارض الكتب وأرقام مبيعات الشركات العالمية المتخصصة في الكتاب ومن أبرزها شركة أمازون، أي أن الكتاب ما زال يقرأ ويشترى، ولم تزده هذه التقنيات إلا إزدهارا، وبالرغم من إعلان شركة أمازون، مطلع الأسبوع الجاري، ـ ربما لأغراض تجارية ـ أن مبيعاتها من الكتب الرقمية تجازوت لأول مرة مبيعاتها من الكتب المجلدة، إلا أن الكتاب الورقي مازال طاغيا، فالشركة لم تدخل في الحساب مبيعاتها من الكتب ذات الأغلفة من الورق المقوى.

أما الحديث عن العالم العربي والمغرب على وجه الخصوص، فدخول الكتاب الرقمي قد تم منذ زمن طويل، لولا أن دخول هذه الأجهزة لن يكون له أثر كبير في القراءة عندنا، ما عدا الأجهزة الهجينة التي تعرض الأشرطة والأغاني وتمكن من تصفح الإنترنيت مثل جهاز “إيباد”، والسبب، أننا أصلا مجتمع لا يقرأ والدليل على ذلك أننا لا نجد إهتماما كبيرا بأجهزة القراءة في صحفنا أو سائل الإعلام أو المواقع الشبكية إلا قلة قليلة جدا.

وأخيرا، توقف المهدي السعيدي عند تجاوب المناهج التعليمية والمؤسسات التربوية مع هذه الثورة، ملاحظا أن المستوى لا زال ضعيفا والدليل على ذلك أن تعلم التقنيات لا يتم وفق مقرر مضبوط، حتى أن العديد منا تعلم بشكل ذاتي واكتسب مهاراته في استعمال الحاسوب والشبكة العالمية وإعداد المواقع والمدونات والاشتراك في المنتديات بشكل فردي، انطلاقا من الملازمة الدائمة للجهاز ساعات طويلة، ومجددا التأكيد على أن نسبة المهارات التي تلقناها من مؤسساتنا التعليمية تبقى ضعيفة جدا، داعيا إلى حتمية اعتبار الحاسوب أساسيا في التكوين، ولو من باب الاستئناس دروس المبادرة الوطنية في تزويد الطلبة المهندسين في المعلوميات بالحواسيب المحمولة بتسهيلات وأثمنة مخفضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق