مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

مختصرات عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري (156- 214 ﻫ)

ترجمة مختصرة لعبد الله بن عبد الحكم:

   هو أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعيَن بن الليث بن رافع مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الفقيه المالكي المصري.[1]

   سمع مالكا، والليث، وبكر بن مضر، والقعنبي، وابن لهيعة، وابن علية، وابن عيينة وغيرهم، وروى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرا.

   وروى عنه بنوه (محمد وعبد الرحمن وعبد الحكم وسعد)[2] والربيع ابن سليمان، وابن المواز، وابن حبيب، وأحمد بن صالح، وغيرهم.

   سجن عبد الله بن عبد الحكم بعدما سجن الخليفة المعتصم القاضي عيسى ابن المنكدر الذي كان ابن عبد الحكم صاحب مسائله، فمرض عبد الله، فمات لإحدى وعشرين ليلة خلت من رمضان، سنة أربع عشرة ومائتين، وهو ابن ستين سنة.[3]

كان ابن عبد الحكم رجلا صالحا ثقة متحققا بمذهب مالك، وثقه النقاد كأبي زرعة وغيره[4].

قال الشيرازي: “وإليه أفضت رئاسة المذهب بمصر بعد أشهب، وكان أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله”[5].

مؤلفات ابن عبد الحكم:

   ألف عبد الله بن عبد الحكم ثلاث مختصرات في الفقه وهي: المختصر الكبير والمختصر الأوسط والمختصر الصغير، قال القاضي عياض: “روى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرا، وصنف كتابا اختصر فيه أسمعته، ثم اختصر منه كتابا صغيرا”[6].

   وقال: “ومن تواليف عبد الله بن عبد الحكم المختصر الكبير، يقال إنه نحا به اختصار كتب أشهب، والمختصر الأوسط، والمختصر الصغير.

   فالمختصر الأصغر قصره على علم الموطأ، والمختصر الأوسط صنفان: فالذي من رواية القراطيسي فيه زيادة الآثار، خلاف الذي من رواية محمد ابنه وسعيد بن حسان”[7].

ومما ذكر له من كتبه الأخرى:

-كتاب القضاء في البنيان

-وكتاب المناسك

*المختصر الكبير

مشمولاته:

   أصل كتاب المختصر الكبير أسمعة عبد الله بن عبد الحكم من مالك وابن وهب وابن القاسم وأشهب، فألف منها مختصره الكبير، قال ابن عبد البر: “سمع من مالك سماعا نحو ثلاثة أجزاء، وسمع الموطأ، ثم روى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرا من رأي مالك الذي سمعوه منه”[8]، وقال: “وصنف كتابا اختصر فيه تلك الأسمعة بألفاظ مقربة”[9]. فمحتوى مختصر ابن عبد الحكم أمران:

الأول: أسمعته من مالك

الثاني: أسمعته من أصحابه الثلاثة

ومما يدل على اشتمال المختصر على أقوال مالك نصوص فيه كثيرة منها:

-” قال مالك: وإذا كان الرجل تاجرا يبيع العرض بالعرض ولا يبيع بشيء من العين فلا زكاة عليه”[10]

-” قلت لمالك: أرأيت الأمة إذا ولدت من سيد..”[11]

-” قال عبد الله: قال مالك في السمة في وجوه البهائم: لم أزل أسمع أنه يكره”[12]

 أما نقوله عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب فهي كثيرة في المختصر الكبير.

   لذلك فقول القاضي عياض: “يقال إنه نحى به (أي بالمختصر الكبير) اختصار كتب أشهب”[13] محمول على الأغلب.

   ويحتوي المختصر بالإضافة إلى الرواية عن مالك آراء كثيرة لابن عبد الحكم كما يلاحظ من شرح الأبهري له، غير أن كتاب الجامع الذي ختم به عبد الله بن عبد الحكم مختصره يكاد يخلو من هذه الاختيارات والآراء الخاصة.

   ومما يلاحظ في المختصر أيضا أن ابن عبد الحكم لم يعن بإيراد الأحاديث في مسائله ولا ذكر الآثار والشواهد إلا في القليل النادر.

عدد مسائله

   احتوى المختصر على ثمانية عشر ألف مسألة فقهية، قال القاضي عياض ” ذكر بعضهم أن مسائل المختصر الكبير ثمانية عشر ألف مسألة”[14]. وقال في ترجمته للأبهري: ” وفيهما (أي في شرح المختصر الكبير والصغير للأبهري) نحو عشرين ألف مسألة”[15]

اعتماده

   اعتمد العراقيون مختصر ابن عبد الحكم، وقد أسبقوا ذلك بعرض مسائله على الكتاب والسنة حيث قال فقيههم البرنكاني (ت308ﻫ): “عرضت مختصر ابن عبد الحكم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فوجدت لكلها أصلا إلا اثنتي عشرة مسألة لم أجد لها أصلا”[16]

   ولشدة ما اهتم مالكية العراق بمختصر ابن عبد الحكم فقد قدموا أقواله على ما يعارضها من أقوال غيره، قال ابن ناجي:”فهم إذا وجدوا في المسألة قولين لمن ذكر قدموا قول ابن عبد الحكم”[17].

ولعل مرد هذا التقديم إلى أمرين:

الأول: مكانة ابن عبد الحكم الفقهية في المذهب. قال القاضي عياض:”كان أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله”[18].

الثاني: أن مختصر ابن عبد الحكم جمع أسمعة التلاميذ الكبار من أصحاب مالك ابن القاسم وأشهب وابن وهب.

   غير أنه لا يفهم من قولنا إن البغداديين يقدمون رواية ابن عبد الحكم أنهم يرجحونها أو يرجحون بها، بل إنما يتبع البغداديون في المذهب الروايات التي اعتمد أئمتهم [وخصوصا رواية المدنيين والعراقين والمصريين]، ويرجحون بالأقيس والأنسب لقواعد المذهب والاستنباط[19].

   وهذه المكانة لمختصر ابن عبد الحكم في مدرسة العراقيين لم تكن كذلك في المدارس الأخرى للمذهب، وهذه مدرسة مصر التي نبغ فيها ابن عبد الحكم لا يلوح فيها ممن صنف على كتابه غير ابن شعبان المصري، أما مدرسة القيروان القريبة منها فقد ذكر القاضي عياض عن سلمة بن الأشج أنه قال: “رأيت أهل القيروان يفضلون مختصر أبي بكر الوقار على مختصر ابن عبد الحكم”.[20]

   ولعل ذلك راجع إلى اعتناء المالكية هناك بمدارسة كتب المذهب الأخرى كالمدونة والواضحة والعتبية وغيرها من الأمهات.

الجهود عليه

   اهتم المالكية بمختصر عبد الله بن عبد الحكم الكبير وخصوصا مالكية العراق قال ابن ناجي: “إن أهل بغداد قد اعتنوا بمختصر ابن عبد الحكم أكثر من غيره”[21]. وقال القاضي عياض: “وقد اعتنى الناس بمختصراته ما لم يعتن بكتاب من كتب المذهب بعد الموطأ والمدوّنة”[22].

ويعبر عن كثرة اهتمامهم به أمران:

الأول: كثرة قراءته والمذاكرة به في درسهم قال الأبهري: “قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة”[23].

الثاني: “مؤلفاتهم عليه، ومنها – غير الأول- ما يلي:

1- مختصر عبد الله بن عبد الحكم بالآثار لأبي إسحاق بن شعبان المصري الشهير بابن القرطي (ت355ﻫ)[24].

2- شرح المختصر الكبير لأبي بكر محمد بن صالح الأبهري الكبير (ت375ﻫ)[25].

3-شرح المختصر الكبير لمحمد بن جعفر البصري الخفاف (من طبقة الأبهري)، “قال القاضي عياض: “قال ابن حارث: وهو ديوان كبير أبان فيه، قال أبو بكر الأبهري: ولم يشرح المختصر الكبير أحد إلا الخفاف”[26].

4- تعليق في شرح على المختصر الكبير عن أبي جعفر الأبهري الصغير[27] “مائتي جزء”[28].

5- تعليق في شرح مختصر ابن عبد الحكم لمحمد بن عبد الله أبي عبد الله القيرواني من العراقيين “من أصحاب الأبهري”[29]  

مخطوط المختصر الكبير لابن عبد الحكم:

   توجد من مختصر ابن عبد الحكم الكبير قطعة مخطوطة بخزانة القرويين رقمها 810 وعدد أوراقها 30 وهو مكتوب على الرق بخط أندلسي بحالة سيئة، ويحتوي الموجود منه على كتاب الحج، وكذا على كتاب الجهاد، والوصايا والمدبر، والمكاتب، والعتق والولاء، وأمهات الأولاد، ثم كتاب الجامع وبه ينتهي.[30]

   وقد اعتمد عليها المستشرق جوناثان بروكوب من كلية باردي نيويورك في تحقيقه لقطع منه طبعت في الولايات المتحدة.

                                     بقلم الباحث: عبد الكريم الهواوي

 


[1]  ترتيب المدارك (3/363) ط وزارة الأوقاف.

[2]  كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم  105 ج2 ق 2 

 [3] ترتيب المدارك 3/363 وذكر ابن عبد البر أنه توفي سنة (210 ﻫ)  وهو ابن ستين سنة (الانتقاء 99) وذكره في موضع آخر أنه توفي 214 ص 175.

[4]  كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 105 ج 2 ق 2 ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند 1953

[5] ترتيب المدارك 3/364

[6]  ترتيب المدارك 3/364

 [7] نفسه 3/365.

[8]  الانتقاء ص: 99.

[9]  الانتقاء ص: 99.

[10]  شرح الأبهري على مختصر ابن عبد الحكم الكبير مخطوط المكتبة الازهرية رقم 1459 ج  12 ورقة 15.

[11]  نفسه ورقة رقم 1

[12]  شرح الأبهري على الجامع من المختصر الكبير ص 35 ط دار الغرب الإسلامي بتحقيق د حميد لحمر الطبعة الأولى 1425/2004.

[13]  ترتيب المدارك 3/365

[14]  ترتيب المدارك: 3/367.

[15] ترتيب المدارك 6/188.

[16] ترتيب المدارك: 5/16.

[17]  التفريع لابن ناجي، عن قسم الدراسة ص: 94 ط دار الغرب الإسلامي.

[18] ترتيب المدارك 3/364

[19]  ينظر المدرسة البغدادية للمذهب المالكي بحث مرقون بكلية الآداب بالرباط سنة: 1993 ص 202 وما بعدها

[20]  ترتيب المدارك: 4/189، الديباج ص:333  [444].

[21]  عن التفريع لابن ناجي قسم الدراسة ص 94 ط دار الغرب الإسلامي.

[22]  ترتيب المدارك: 3/366

[23]  ترتيب المدارك 6/186.

[24]  التعريف ص: 261.

[25]  ترتيب المدارك: 6/183.

[26]  ترتيب المدارك: 6/201.

[27]  وفيات الأعيان: 4/296.

[28]  ترتيب المدارك: 3/366.

[29]  ترتيب المدارك: 7/75.

[30]  ينظر دراسات في مصادر الفقه المالكي 24

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. شكر الله صنيعكم ما أحوجنا لمن ينفظ الغبار عن تراثنا العريق

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق