مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

محمد بن علي الدُّكَّالي (تـ1364هـ/1945م)

هو الإمام العلاّمة، المؤرّخ المقتدر، الشيخ الفقيه، محمد بن محمد بن علي الدُّكّالي الهلالي السَّلَوي، ولد بمدينة سلا في بيت اشتهر بالعلم والنزاهة والأدب، وحرص والده منذ صغره على تربيته وتعليمه وتوجيهه، فاستظهر القرآن في سن مبكرة، ثم وجّهه والده لأخذ مبادئ العلوم عن أكابر شيوخ سلا؛ في مقدّمتهم شيخ الجماعة القاضي الحاج إبراهيم بن الفقيه الجريري؛ فقرأ عليه صحيح البخاري برواية ابن سعادة، والقاضي أبو محمد عبد الله بن خضراء، وأبو العباس أحمد بن خالد الناصري. ولم يكتف المترجم بالارتواء من منابع سلا؛ بل جرّه وَلَعُه الكبير بالمعارف إلى شدّ الرّحال إلى مدينة فاس سنة 1303هـ، فقصد القرويين وأخذ عن العلاّمة جعفر الكتاني، وأحمد بن الخياط الزكاري، وعبد المالك السجلماسي، والتهامي كنون، ومحمد بن جعفر الكتاني، وغيرهم من العلماء البارزين، وكان رحمه الله ينوّه كثيرا في مجالسه بشيوخه ويثني عليهم أشد الثناء، واستمر في الطلب يتردّد بين سلا وفاس مدّة تقارب اثني عشر عاما، ثمّ عاد إلى مسقط رأسه، واعتكف على تلقين المعارف لأبناء بلده.

وفي سنة 1315هـ انخرط الشيخ محمد في سلك عدول سلا، ثم عيّن عدلا بمرسى طنجة سنة 1317هـ، وفي عام 1320هـ عاد لمسقط رأسه فاشتغل بالكتابة لدى الباشا عبد الله بن سعيد، ثمّ كاتبا مع الباشا الطيب الصبيحي، وبعد ذلك عُيّن كاتبا بالبنك المغربي مع المندوب المخزني الأمين محمد بن عبد الهادي زنيبر السّلوي، وفي عهد السلطان عبد الحفيظ العلوي عيّن كاتبا في السلك المخزني بفاس، ثمّ لم يلبث أن رجع إلى مسقط رأسه سنة 1329هـ شاغلا منصب العدالة من جديد. وفي متمّ سنة 1330هـ رشّحه السلطان يوسف بن الحسن الأول كاتبا بالأعتاب الملكية، عقب ذلك ترقّى إلى العضوية بالمحكمة العليا، ومنها انتقل إلى الكتابة بمندوبية العلوم والمعارف.

وتقديرا لمكانة المترجم العلمية استفاض على ألسنة العلماء الثناء عليه وذكره بما يستحق من الحلى والأوصاف؛ فقال في حقه العلامة عبد السلام بن سودة: «العلاّمة المشارك المطّلع، المؤرّخ الشهير، المؤلّف الكبير»، وقال عنه الأستاذ عبد الله الجرّاري: «كان ابن علي السلوي من أكابر المؤرّخين، فما من موضوع تاريخي إلا وله فيه اليد الطولى».

ولم تمنعه كثرة انشغالاته من ترك ذلك الزخم من العلوم حبيس الصدر، بل تفنّن مُتَرجَمنا وأبدع في التأليف وأجاد؛ فمن أهم مؤلفاته وتقاييده: أدواح البستان في أخبار العدوتين ومن درج بهما من الأعيان، والسراج الوهاج والكوكب المنير من سنا صاحب التاج مولانا الأمير ـ يعني الحسن الأول ـ، وإتحاف أشراف الملا بأخبار الرباط وسلا، والدرة اليتيمة في أخبار شالة القديمة والحديثة، وتأليف يتعلّق بأحوال السكك الإسلامية التي كان التعامل بها قديما بالمغرب إلى العهد الحاضر، وتأليف في الحسبة في الإسلام، وتأليف في أحوال اليهود قديما وحديثا بالمغرب، وغير ذلك من التصانيف والتقاييد التي تدلّ على بُعده الفكري، وعمقه المعرفي.

وواصل مترجمنا رسالته السامية في الاشتغال بالعلم إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة سادس جمادى الثانية من سنة 1364هـ الموافق لثامن عشر ماي سنة 1945م بمسقط رأسه في مدينة سلا فدفن بها رحمه الله تعالى رحمة واسعة على ما قدّم للإسلام والمسلمين.

مصادر الترجمة: سل النصال (107)، إتحاف المطالع (2/502)، من أعلام الفكر المعاصر (2/177).

إعداد: ذ.نور الدين شوبد

Science

الدكتور نور الدين شوبد

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق