وحدة الإحياءدراسات عامةتراث

مباحث في المنطق كقراءة جديدة للتراث في جزأين

ذ. أحمد بودهان

(العدد 8)

الجزء الثاني: نظرة المسلمين للمنطق

المبحث الأول: المنطق بين بين…

نعم، المنطق بين بين، هو عنوان مبحثنا الأول من هذا الجزء الثاني من هذه الدراسة ككل، “مباحث في المنطق”، ويأتي هذا المبحث بعد مباحث الجزء الأول من هذه الدراسة[1]، والتي كان يشتمل على ستة مباحث، تتمحور حول المنطق تعريفا ونشأة وتقسيما لمحاوره الرئيسية (التصور – التصديق – البرهان) بعد بيان الهدف من معالجة هذه الدراسة في المبحث الأول من ذلك الجزء الأول، وهذا المبحث الأول من هذا الجزء الثاني الذي شرعنا فيه الآن، يعتبر من المباحث التي تمثل بيت القصيد من هذه الدراسة ككل، وذلك على أساس أن مباحث الجزء الأول المشار إليها، كانت بمثابة مقدمة لهذا الجزء الثاني، الذي سنبين فيه “نظرة المسلمين إلى المنطق” إجمالا وتفصيلا، بعد أن أعطينا للقارئ نظرة موجزة ومركزة على حقيقة المنطق تعريفا، وتاريخا وتقسيما في مباحث الجزء الأول الستة.

وبناء على هذا، فإن هذا الجزء الثاني من هذه الدراسة، سيشمل مبدئيا[2] المباحث التالية:

المبحث الأول وهو الذي بين أيدينا تحت عنوان:المنطق بين بين، وسنحلل محاوره.

 المبحث الثاني حول الاتجاه المؤيد للمنطق، ويمثله الأشاعرة على يد أبي حامد الغزالي.

المبحث الثالث حول الاتجاه المعارض للمنطق، ويمثله الحنابلة بزعامة ابن تيمية…

المبحث الرابع حول مبررات الاتجاه الأول المؤيد للمنطق.

المبحث الخامس حول مبررات الاتجاه الثاني المعارض للمنطق.

المبحث السادس القول الفصل بخصوص نظرة الإسلام إلى المنطق.

أما بخصوص المبحث الأول من هذه المباحث الستة، والذي نعالجه الآن، فإن محاوره ستدور فقط حول: أساس إشكالية التعارض التي جعلت المنطق بين بين، تاريخ ظهور هذه الإشكالية، تطورها بتطور المنطق عند المسلمين – الاتجاهان الرئيسيان لإشكالية التعارض – هوامش.

 1. إن أساس إشكالية التعارض بخصوص المؤيدين والمهاجمين للمنطق، يعود كما هو معلوم – إلى ذلك الصراع الذي حصل بين المسلمين، بسبب دخول الفلسفة بصفة عامة إلى التراث الفكري العربي الإسلامي، نقلا عن الفكر اليوناني، على يد المترجمين من المسلمين غير العرب أمثال:

الفارابي[3] (260-339ﻫ) (874-950م)، وابن[4] سينا (370-428ﻫ) (980-1037م). وأمثال ابن رشد من العرب (520-595ﻫ) (1126-1198م) وغير هؤلاء، وذلك منذ القرن الثالث الهجري[5]وحوالي القرن9 م خلال العصر العباسي الأول وما بعده.

فكلنا يعلم عمق هذا الصراع الذي كان يتمثل في الاتجاه المعارض للفلسفة بزعامة أبي حامد الغزالي، والاتجاه المدافع عنها، بزعامة ابن رشد، فكتاب الغزالي الأول “مقاصد الفلاسفة”، الذي استعرض فيه فقط آراءهم، دون نقد صريح[6]، ثم كتابه الثاني “تهافت الفلاسفة”[7] الذي انتقد فيه آراءهم وكفرهم في بعضها، وابتدعهم في الباقي، وفي الطرف المقابل، المدافع عن الفلسفة، نجد الكتاب الأول لابن رشد “تهافت التهافت” كرد على الغزالي في كتابه “تهافت الفلاسفة”، ثم الكتاب الآخر لابن رشد “فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” كل هذا يعطينا فكرة واضحة عن أساس إشكالية التعارض بين المؤيدين والمعارضين للمنطق، وذلك على أساس أن المنطق – كما نعلم – جزء لا يتجزأ من الفلسفة عامة، والفلسفة الإسلامية خاصة، بجانب “علم الكلام” أيضا، الذي يعتبر اللبنة الأولى للفلسفة الإسلامية[8]، والعلاقة بين هذه وهذا وذاك تظهر في كون الفلسفة في مجالها الإلهي والميتافيزيقي، تحاول أن تبرهن على الحقيقة المطلقة عقليا مجردا عن النقل، وهذا أمر ليس في مقدور العقل البشري، إلا إذا رضخ لصوت السماء (الوحي) وآمن به واستعان بتوجيهاته، وإلا عجز، ومن هنا تعتبر الفلسفة التجريدية كتابا مفتوحا لن يغلق أبدا، ما دام وصولها إلى الحقيقة المطلقة لن يتم تجريديا في المجال الميتافيزيقي، ومن هنا يأتي ذلك الصراع المعروف بين الفلسفة والدين، اللهم إذا ربطنا بين العقل والنقل، بين الفلسفة والشريعة، أما التعارض الحاصل في المنطق بين مؤيديه ومعارضيه، فناتج عن كون المنطق جزءا من الفلسفة كما ذكرنا، إلا أن المنطق عند معظم المفكرين في الإسلام، وعلى رأسهم أبو حامد الغزالي كما سيأتي لاحقا – هو في خدمة الدين لأننا به نزن[9] نتائج أفكارنا، بخصوص البرهنة على حقيقة الوجود، اعتمادا على العلاقة بين العلة والمعلول”، والفكر والذات والنفس والواقع، أما المنطق عند بعض المفكرين الآخرين، وعلى رأسهم ابن تيمية، مثلا، فهو خطر على الدين، لأنه من الصعب أن نمنطق كل شيء في المجال الميتافيزيقي، ومن هنا جاء التعارض، أما علم الكلام فنقول فيه نفس ما قلناه في المنطق من حيث التأييد والتعارض، فالمعتزلة، قبل أن يبالغوا، استعملوا علم الكلام لدعم النقل بالعقل لتأييد وتقوية العقائد الإيمانية[10] فكريا وتأمليا ونظريا، ولما بالغوا وتاهوا في المتاهات الفلسفية بتغليب العقل على النقل حين التعارض تحت تأثير الفلسفة اليونانية والأفكار الفارسية والهندية واليهودية والمسيحية، قام الأشاعرة بالتوفيق بين المعقول والمنقول، فحاولوا إخماد الفتنة الناجمة عن إطلاق العنان لعلم الكلام المعتزلي[11]، وخاصة فتنة القول بخلق القرءان، الذي لم يفهم عند العامة، وهكذا نرى أن إشكالية التعارض بخصوص المؤيدين والمعارضين للمنطق، لا يمكن أن نعالجها إلا في إطار ذلك الصراع العام المعروف بين المسلمين حين دخول الفلسفة إلى فكرنا الإسلامي، حسب ما حلله ابن خلدون في مقدمته المشهورة بإيجاز حين تحدث عن الفلسفة وإخطارها بما في ذلك المنطق كما سنرى[12] لاحقا… والذي يبدو أن الصراع بخصوص دخول الفلسفة، كان أقوى بالمقارنة مع الصراع الناجم عن إدخال علم الكلام والمنطق لفكرنا الإسلامي، والسبب، كما أشرنا آنفا، هو أن الفلسفة تحاول أن تعرف المطلق تجريديا بالاعتماد على صوت العقل وحده دون صوت النقل، بينما علم الكلام والمنطق لا يحاولان معرفة المطلق (حقيقة الله) بقدر ما يحاولان تحديد علاقة الإنسان بالخالق وبالواقع وبالنفس هذا باختصار ما يمكن أن نقوله بخصوص إشكالية التعارض بين المؤيدين والمعارضين للمنطق، وسبب الإشكالية الراجع إلى دخول الفلسفة في المجال الفكري الإسلامي. (المحور الأول من محاور بحثنا هذا) وتبقى مسألة أخرى، وهي: متى بدأت هذه الإشكالية؟ وكيف؟ وهل يمكن تحديد الإطار التاريخي لها كبداية قبل أن تتطور عبر القرون إلى يومنا هذا؟ ذلك ما سنعالجه في هذا المحور الثاني فنقول:

2. بخصوص هذا المحور الثاني، المتعلق بتحديد تاريخ بداية ظهور رد فعل المجتمع الإسلامي تجاه المنطق، نرى أن المنطق دخل إلى العرب ضمن ما يسمى بالعلوم الدخيلة التي نقلها العرب من لغات الأمم الأخرى وخاصة من الشعوب الفارسية والهندية واليونانية وشعوب أهل الكتاب، ومن هذه العلوم الدخيلة[13] ما هو نظري كالمنطق والفلسفة الميتافيزيقية، ومنها ماهو عملي كالجبر والهندسة والموسيقى والفلك والطبيعيات والكيمياء وعلم النباتات وعلم الحياة والطب والصيدلة والشاهد عندنا نحن هنا هو “المنطق” الذي كان ضمن العلوم الدخيلة…

ومن المعلوم، أن كل دخيل على الثقافة الأصلية من العلوم، لابد أن يجد رد فعل تجاهه إما بالرفض وإما بالقبول، وإما بين بين، وهذا الرد للفعل إما أن يظهر بمجرد ظهور العلم الدخيل، وإما أن يتأخر وغالبا ما يتأخر رد الفعل السلبي، ويتقدم عليه رد الفعل الإيجابي أحيانا، نظرا لانبهار الناس بالجديد عادة قبل أن يكتشفوا آثاره السلبية إذا كانت.

وبالنسبة لتحديد تاريخ بداية رد الفعل تجاه المنطق اليوناني الدخيل من طرف العرب، يظهر أن إشكالية التعارض بين المؤيدين والمهاجمين جاءت في ظرف زمني واحد، أي أنها جاءت بعد دخول المنطق للعرب مباشرة، ويمكن لنا أن نستنتج هذا التزامن بالنسبة للإعراض، والإقبال معا، بالنظر إلى بداية تاريخ دخول المنطق إلى العرب على يد فلاسفة الإسلام، بالمقارنة مع تاريخ بداية ظهور رد الفعل الأول من طرف شخصين متناظرين متعارضين في مسألة المنطق اليوناني…

إذ من المعلوم أن المنطق دخل إلى العرب رسميا[14] منذ بداية القرن الرابع، مرورا بالقرن الخامس، إلى القرن السادس الهجري، موافق حوالي القرن العاشر إلى ثاني عشر الميلادي، وهذه الفترة هي التي ولد فيها وعاش فلاسفة الإسلام، الذين ترجموا منطق اليونان، ونقلوه إلى العرب، ونعني بهم الفارابي (260-339ﻫ) (874-950م)، وابن سينا (370-428ﻫ) (980-1037م)، وابن رشد (420-595ﻫ) (1126-1198م)، وقد تزامنت هذه الفترة تقريبا مع ظهور أول تنظير بين شخصين بخصوص قبول أو عدم قبول منطق اليونان الدخيل، ونعني بذلك تلك الوثيقة الأدبية التاريخية الهامة، التي أرخها لنا في هذا المجال المنطقي أبو حيان التوحيدي في كتاب “الإمتاع[15] والمؤانسة” في بداية القرن الرابع الهجري، بين رجل يتحمس لمنطق اليونان، وهو “متى” وآخر متعصب لمنطق العرب وهو النحو والبيان بدل منطق اليونان، فلنستمع إلى أبي حيان التوحيدي في هذه المناظرة التي ترأسها وزير الملك العباسي المقتدر، حيث جاء فيها على الخصوص ما يلي:

“لما انعقد المجلس سنة ست وعشرين وثلاثمائة، قال الوزير ابن الفرات للجماعة[16]: ألا ينتدب منكم إنسان لمناظرة “متَّى” في حديث المنطق، فإنه يقول: لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والخير من الشر، والحجة من الشبهة، والشك من اليقين، إلا بما حويناه من المنطق، فقال أبوسعيد السيرافي مخاطبا متى: حدثني عن المنطق، ما تعني به؟ فإنا إذا فهمنا مرادك فيه، كان كلامنا معك في قبول صوابه، ورد خطئه على سنن مرضى، وطريقة معروفة، قال متَّى: أعني به أنه آلة من آلات الكلام، يعرف بها صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه، كالميزان فإني أعرف به الرجحان من النقصان، فقال أبو سعيد: أخطأت لأن صحيح الكلام من سقيمه يعرف بالنظم المألوف، والإعراب المعروف، إذا كنا نتكلم بالعربية، وفاسد المعنى من صالحه يعرف بالعقل إذا كنا نبحث بالعقل، وهبك عرفت الراجح من الناقص من طريق الوزن، فمالك بمعرفة الموزون، أيما هو؟ حديد أو ذهب أو رصاص؟ فأراك بعد معرفة الوزن فقير إلى معرفة جوهر الموزون وإلى معرفة قيمته وسائر صفاته التي يطول عدها… وقد ذهب عليك شيء ها هنا، وهو ليس كل مال الدنيا يوزن، بل فيها ما يوزن، وما يكال، وما يذرع وما يسمح وما يحرز… وإذا كان المنطق وضعه رجل من اليونان، على لغة أهلها… فمن أين يلزم الترك والفرس والعرب النظر فيه… قال متَّى: إنما لزم ذلك لأن المنطق بحث عن الأغراض المعقولة، والمعاني المدركة، والناس في العقولات سواء، ألا ترى أن أربعة وأربعة ثمانية، عند جميع الأمم…؟ قال أبو سعيد: لو كانت المطلوبات بالعقل والمذكورات باللفظ ترجع إلى هذه المرتبة البينة في أربعة وأربعة زال الاختلاف، وحضر الاتفاق، لكن ليس الأمر هكذا، ولقد موهت بهذا المثال… ولكن إذا كانت الأغراض المعقولة، والمعاني المدركة، لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة… أفليس قد لزمت الحاجة إلى معرفة اللغة؟ قال متَّى: نعم: قال أبو سعيد: أخطأت، قل في هذا الموضع بلى، قال: بلى، أنا أقلدك في مثل هذا، قال أبو سعيد: أنت إذن لست تدعونا إلى علم المنطق، إنما تدعونا إلى تعلم اللغة اليونانية، وأنت لا تعرف لغة اليونان…قال متَّى: إن الترجمة حفظت الأغراض… قال أبو سعيد: إذا سلمنا أن الترجمة صدقت وما كذبت وقومت وما حرفت…فكأنك تقول لا حجة إلا عقول يونان… قال متَّى: لا لكنهم من أصحاب عناية بالحكمة والبحث… قال أبو سعيد: أخطأت وتعصبت وملت إلى الهوى، فإن علم العالم مبثوث في العالم بين جميع من في العالم… بل إن اليونان كغيرهم من الأمم، يصيبون ويخطئون… وواضع المنطق واحد منهم، وقد أخذ عمن قبله، كما أخذ عنه من بعده… ودع هذا، أسألك عن حرف واحد، وهو الواو في العربية ما معانيه في منطق أرسطو؟… قال متَّى: هذا نحو، والنحو لم أنظر فيه، المنطقي لا يحتاج إليه، والنحوي يحتاج إلى المنطق… قال أبو سعيد: أخطأت لأن الكلام والنطق واللغة واللفظ والإفصاح والإعراب والإبانة… كلها من واد واحد… والنحو منطق، ولكنه مسلوخ من العربية والمنطق نحو ولكنه مفهوم باللغة… ما تقول في قول القائل: زيد أفضل الإخوة؟ قال متَّى: صحيح، قال أبو سعيد: ما تقول في «زيد أفضل إخوته» قال متَّى: صحيح، قال أبو سعيد: فما الفرق بينهما مع الصحة، فبلح وجنح وغص بريقه، فقال أبو سعيد: أفتيت على غير بصيرة… جوابك عن الأولى صحيح ولكنك غافل عن وجه صحتها، وجوابك عن الثانية غير صحيح ولكنك ذاهل عن وجه بطلانها، إذا قلت: «زيد أفضل إخوته» لم يجز، لأن إخوة زيد غير زيد، أي أنه خارج عن جملتهم، وإذا قلت: زيد أفضل الإخوة، جاز، لأنه أحد الإخوة، فقال ابن الفرات: ما بعد هذا البيان مزيد، ولعل جل علم النحو عندي بهذا الاعتبار، وهذا الاستفسار…”

والذي نستنتجه من هذه المناظرة التي حذفنا منها بعض الجمل من حين لآخر ما يلي:

أولا: أنها تحدد لنا بداية رد فعل العرب اتجاه المنطق، وكانت سنة 326ﻫ…

ثانيا: أن الفترة الزمنية السابقة لهذا التاريخ، وهي زمن المامون وغيره كانت قد أثرت في الناس بسبب ما جرته هذه العلوم الدخيلة من صراعات لذا تخوف الناس من المنطق.

ثالثا: أن أبا بشر بن متَّى هو معلم الفارابي لذا تحمس للمنطق خلاف ابن سعيد فهو نحوي…

رابعا: يبدو أن أبا سعيد كان يمثل الجهة الرسمية لذا كان يستعمل لهجة قوية، أما متَّى فكان يمثل الجهة الشعبية الضعيفة ولكنها ستنتصر للمنطق فيما بعد.

خامسا: إن المناظرة لم تعطنا صورة حقيقية لرد فعل العرب تجاه المنطق لتحيز أبو سعيد لجهة الوزير الذي كان ميالا إلى معارضة منطق اليونان…

3. إذا كان منطوق الحوار في المناظرة السابقة بين السيرافي ومتَّى يجعلنا نميل إلى القول بأن موقف العرب من منطق اليونان كان سلبيا فهذا إنما هو في الظاهر فقط، أما في الواقع فإن موقف العرب من هذا المنطق كان إيجابيا، أي أن الاتجاه المؤيد لمنطق اليونان كان أقوى، أو على الأصح سيصبح أقوى من الاتجاه المعارض الذي كان يمثله السيرافي، والدليل على ذلك، هو أن الفترة الزمنية التي جاءت بعد تلك المناظرة، هي الفترة التي ظهر فيها أساطين المنطق اليوناني ممثلا في فلاسفة الإسلام، الذين نقلوا هذا المنطق إلى العرب، أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد كما أشرنا من قبل، وناهيك عن دور الأشاعرة بزعامة أبي حامد الغزالي، هذا بالإضافة إلى ذلك الحشد الهائل من المؤلفات التي ألفها العرب في هذا المنطق اليوناني، إلى درجة تطويره وتحديثه، ثم مرحلة الشروح والهوامش والحواشي والتعليقات، إلى عهد انبعاث المذهب الحنبلي المتجدد على يد ابن تيمية الذي هاجم المنطق فيما بعد، إلى أن انتعش المنطق من جديد من طرف المناطقة العرب خلال القرن العشرين.

وقد قسم الدكتور عادل فاخوري مراحل تطور المنطق عند العرب، منطلقا من الفترة التي جرت فيها المناظرة المذكورة أعلاه والموافقة للقرن التاسع الميلادي، وهو زمن بداية نقل منطق اليونان إلى العرب على يد المسلمين كما قلنا، إلى أن بلغ مرحلة التطور والتحديث، ثم مرحلة الركود نسبيا خلال القرن 13م ثم مرحلة الشروح حتى القرن العشرين، وفي هذا المجال يقول الدكتور عادل فاخوري[17]: “…هذا التقسيم التاريخي الآتي يتفق إجمالا مع تطور المنطق عند العرب، وهو كما يلي:

1. عصر بداية النقل للمنطق اليوناني من طرف العرب – القرن 9م.

2. عصر الفارابي..

3. عصر ابن سينا.

4. عصر ابن رشد.

5. عصر التأليف والتطوير والتحديث من القرن 11م إلى القرن 13م.

6. عصر الشروح حتى القرن العشرين حيث بدأ التأليف المعاصر في المنطق[18]

ونخلص إلى القول، بأن المحور الأول من هذا المبحث طرحنا فيه سبب إشكالية وجود التعارض بين المؤيدين والمعارضين للمنطق اليوناني انطلاقا من الفلسفة اليونانية التي لقيت معارضة من طرف بعض المسلمين بما فيها المنطق، والمحور الثاني، طرحنا فيه إشكالية تحديد زمن بداية رد فعل العرب اتجاه هذا المنطق، وأن هذا الزمن كان مع بداية القرن 4ﻫ، وكان رد الفعل سلبيا نوعا ما تجاه المنطق ولو ظاهريا فقط، أما المحور الثالث هذا فيحدد التطور الإيجابي تجاه المنطق من طرف العرب، أما المحور الرابع الموالي فسنعالج فيه الاتجاهين المتعارضين للمنطق.

4. من خلال ما سبق في المحور الثالث، وكذلك في المحورين الآخرين قبله، نستطيع أن نقول، مع قليل من التحفظ، بأن رد فعل العرب تجاه منطق اليونان، كان في معظمه إيجابيا، وخاصة بعد ظهور الأشاعرة بزعامة أبي حامد الغزالي، مما جعل الفكر الحنبلي المحافظ والمناهض للنزعة العقلانية بما فيها المنطق يبدو باهتا وضعيفا بخصوص معارضته السلبية للمنطق، على غرار معارضته السلبية لعلم الكلام، كما هو معلوم[19]، إلى عهد ابن تيمية محيي المذهب ومجدده، في انتظار الوهابية (ق 13ﻫ) التي فرضت وجوده بالقوة والحجة…

ومعنى هذا أن رد فعل العرب تجاه المنطق اليوناني، لم يفصح عنه بوضوح إقبالا وإعراضا كاتجاهين متناقضين، إلا من خلال الدور البارز لهذين الفكرين الساميين: الفكر الأشعري التوفيقي بين المعقول والمنقول من جهة، وبين المنطق العربي النحوي البياني العقلي، والمنطق اليوناني الاورغانوني الآلي من جهة أخرى، والفكر الحنبلي السفلي السني المحافظ الذي يعطي الهيمنة التامة للجانب النقلي النصي الشرعي مهما كانت قوته أو ضعفه…وإذا كان الفكر الأشعري يمثل رد الفعل الإيجابي للمنطق اليوناني، منذ ظهوره إلى أن بلغ أوجه في عهد الغزالي، إلى حدود القرن السابع الهجري، فإن الفكر الحنبلي بدوره، أخذ منذ القرن السابع المذكور، يمثل الدور السلبي المعارض للمنطق اليوناني، على يد ابن تيمية…

وبهذا يكون المبحث الأول من هذا الجزء الثاني من هذه الدراسة ككل (مباحث في المنطق)، قد أفرز لنا لحد الآن اتجاهين متعارضين رئيسيين بخصوص رد فعل المسلمين تجاه منطق اليونان.

الاتجاه الأول، هو الاتجاه المدافع عن المنطق، ويمثله الأشاعرة عموما باستثناء القليل منهم، ويعتبر الغزالي النموذج الأشعري القوي المؤيد للمنطق.

 الاتجاه الثاني، وهو الاتجاه المعارض للمنطق اليوناني ويمثله الحنابلة بلا استثناء، ويعتبر ابن تيمية النموذج الحنبلي القوي المعارض للمنطق اليوناني هذا، لكن ماذا يقول كل منهما عن اتجاهه الخاص به؟ وما هي مركزاته ومبرراته؟ ولماذا وكيف؟ وكيف نوفق بينهما؟ هذا ما سنعالجه في المباحث المقبلة بحول الله.

وإلى هنا ينتهي الكلام في هذا المبحث، على أن يكون المبحث الموالي تحت عنوان: “المنطق عند الأشاعرة: الغزالي نموذجا في الدفاع عن المنطق”.

المبحث الثاني: المنطق عند الأشاعرة: الغزالي نموذجا

سبقت الإشارة، إلى أن نظرة المسلمين للمنطق تتجلى في اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول، هو الاتجاه المؤيد للمنطق، ويمثله الأشاعرة عموما، وأبو حامد الغزالي خصوصا، الاتجاه الثاني، المعارض للمنطق، ويمثله الحنابلة عموما، وابن تيمية خصوصا، وفي هذا المبحث الثاني، من هذا الجزء الثاني، من هذه الدراسة ككل، “مباحث في المنطق”، سنفصل الكلام حول هذا الاتجاه الأول المدافع عن المنطق، بالنسبة للأشاعرة.

ومن المعلوم أن الجزء الأول من هذه الدراسة ككل، كان يحتوي على ستة مباحث، تدور كلها حول “المنطق وتقسيماته”، وقد أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة من باب التذكير والربط بين المباحث، أما الجزء الثاني من هذه الدراسة، فسيشمل أيضا ستة مباحث بحول الله، تدور كلها حول “نظرة المسلمين إلى المنطق”، وهذا هو المبحث الثاني من تلك المباحث الستة بعد المبحث الأول السابق، الذي كان يتعلق بطرح إشكالية رد فعل المسلمين تجاه المنطق اليوناني، وكان تحت عنوان “المنطق بين بين”.

وهذا المبحث الثاني الذي بين أيدينا، سيشتمل على محورين أساسيين وتحت كل محور مسائل، والمحوران هما:

أولا: المنطق عند الأشاعرة عموما، وفيه:

أ. من هم الأشاعرة؟

ب. الأشاعرة والمنطق.

ثانيا: المنطق عند الغزالي خصوصا، وفيه:

أ. الغزالي والعبقرية.

ب. الغزالي والحقيقة.

ج. الغزالي والمنطق.

أ. من هم الأشاعرة

الجواب عن هذا السؤال، بخصوص التعريف بالأشاعرة، نجده مفصلا في دراستنا المتواضعة، التي نشرت مؤخرا في أكثر من عشرة أعداد  من ملحق “الفكر الإسلامي” الأسبوعي لجريدة “العلم” تحت عنوان “علم الكلام والعقيدة الأشعرية بين المعقول والمنقول”، وبالأخص في العددين: 112 بتاريخ 20 ماي 94 و113 بتاريخ 3 يونيه 94 من أعداد الملحق الأسبوعي المذكور، لا أعداد الجريدة لذا فإنني سوف لا أتحدث هنا عن الأشاعرة كدراسة تاريخية مفصلة، وإنما سآتي ببطاقة تعريف مختصرة، كأرضية نمر بها إلى الحديث عن موقفهم من المنطق عموما، فأقول:

إن الأشاعرة هم أتباع أبي الحسن الأشعري (260-324) في مذهبه السني العقدي التوفيقي الاعتدالي، الذي خرج به على الناس، حين ترك الاعتزال نهائيا، وعاد إلى الفكر السني السلفي على غرار جده الأعلى أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم[20]، ذلك أنه لما بالغ المعتزلة في تقديم العقل على النقل في بعض قضايا علم الكلام في المسائل العقدية، كالقول بنفي الصفات الواردة في القرءان لله تعالى، والقول بخلق القرءان دون تحفظ من فكر العامة، والقول بنفي رؤيته تعالى يوم القيامة، والقول بوجوب قضية الصلاح والأصلح على الله وما شابه ذلك… أقول لما أصبح الأمر فتنة بسبب هذا كله، تبرأ الأشعري من اتجاهه الاعتزالي الذي كان علما بارزا فيه وانسلخ منه، وأخذ يقرر مبدأ الاعتدال والتوفيق بين العقل والنقل، مع ترجيح النقل على العقل حين يعجز هذا الأخير عن التوفيق، فأخمد نار الفتنة التي أوقدها المعتزلة، وفرح بذلك قادة السنة من الفقهاء والمحدثين وأتباع المذاهب الفقهية، حتى أطلقوا على عقيدة المسلمين التي هي عقيدة الجميع من أهل السنة والجماعة اسم “العقيدة الأشعرية”، تقديرا وتعظيما واعترافا بهذا الدور العظيم الذي أسداه أبو الحسن الأشعري للعقيدة الإسلامية،[21] ثم تبعه الجميع في ذلك، إلا الذين جعلوا العقل فوق النقل كالمعتزلة، والذين حاولوا التوفيق تكلفا كالماتريدية، والذين رفضوا الخوض في علم الكلام كالحنابلة خاصة، ومنذ ذلك الحين إلى الآن سمي الذين ناصروا الأشعري في اتجاهه العقدي الاعتدالي التوفيقي “بالأشاعرة” على اختلاف طبقاتهم عبر تاريخ الإسلام، كطبقات المتقدمين وطبقات المتأخرين، والطبقات الحالية المعاصرة… سواء تعلق الأمر بالطبقات العامة، أو بالطبقات المثقفة من مفكرين ومنظرين ومؤلفين ومحللين، أمثال “الباقلاني” (ت 403ﻫ)، و”الجويني” (ت 478ﻫ)، و”الغزالي” (450 – 505ﻫ)، والأسفراييني (ت 406ﻫ)، والعكبري (ت 387ﻫ)، والبغدادي والشهرستاني وابن حزم، وابن رشد، وابن عساكر، والإيجي، وابن الخطيب، وابن خلدون… الخ[22].

ب. الأشاعرة والمنطق

إذا استثنيا موقف الغزالي من الفلسفة، في كتابه “تهافت الفلاسفة”، الذي رد عليه ابن رشد، في كتابه “تهافت التهافت”[23]، والغزالي، كما هو معروف، كان سنيا أشعريا “أقول” إذا استثنينا موقفه السلبي هذا من الفلسفة اليونانية فإننا نستطيع القول، بأن الأشاعرة عموما، وأساطينهم من الكتاب والمؤلفين والمنظرين والمحللين خاصة، كلهم يتعاملون مع المنطق اليوناني تعاملا لا يخلو من الإيجابيات بصفة عامة، حيث إنهم يجيزون الاشتغال به، بل إن بعضهم كالغزالي مثلا يرى أن المنطق في خدمة الدين…[24].

ولعل اهتمام الأشاعرة بالمنطق يعود إلى سببين رئيسيين هما: أولا – وجود تلك النزعة العقلانية التوفيقية الغالبة على الفكر الأشعري، وخاصة عند أساطينهم العظام المشار إليهم آنفا في بطاقة تعريف تلك النزعة العقلانية التي ربما جاءت نتيجة لتأثرهم بالنزعة “الكلامية” حيث نعلم أن معظم الأشاعرة خاضوا في علم الكلام، وحاولوا تهذيبه، وتحديد حدود ومجال استحسانه، كما حاولوا توفيقه بين العقل والنقل، إذا لم يكن هناك تعارض، أو اعتبار النقل قبل العقل حين التعارض، خلاف المعتزلة الذين بالغوا في سلطان العقل كما هو معلوم…

وبما أن النزعة الكلامية ليست بعيدة عن النزعة المنطقية على كل حال، لوجود القاسم المشترك بينهما وهو “العقل” باعتبار أن “علم الكلام” يعمل على دعم العقائد النقلية بالأدلة العقلية، والمنطق يعمل على تهذيب نتائج الفكر، حين الاستدلال حتى يعصم العقل من الوقوع في الخطأ – فإن الأشاعرة تكونت لديهم قابلية أو قناعة تجعلهم يتحمسون أحيانا للدفاع عن منطق اليونان، خلاف الفكر الرافض لعلم الكلام، كالفكر الحنبلي مثلا كما سنرى لاحقا عند ابن تيمية[25]

ثانيا: إن الأشاعرة، وعلى رأسهم الغزالي، قسموا علوم الفلسفة إلى علوم لا تخدم الدين كفلسفة الدهريين والطبيعيين والإلهيين، وعلوم لا تتنافى مع الدين، بل وقد تخدم الدين، مثل العلوم الرياضية والمنطقية والسياسية والخلقية، بل وحتى العلوم الطبيعية شريطة الإيمان بأن الله هو الخالق لهذه الطبيعة، والشاهد عندنا هنا هو المنطق، حيث يرى الأشاعرة أن المنطق بطرقه الاستدلالية، وأقيسته الصحيحة، وبراهينه اليقينية، يمكن استخدامه في المقاصد الدينية، والقضايا العقدية، مثل إثبات علاقة “العلة بالمعلول”، والصانع بالمصنوع، والحادث بالمحدث والخالق بالمخلوق… وسيأتي توضيح هذا لاحقا، حين تنسب الأقوال إلى أصحابها، وخاصة موقف الغزالي من المنطق، المهم أن علم الكلام كنزعة عقلية، واعتبار المنطق خادما للدين، ربما كانا من الأسباب الرئيسية التي دفعت الأشاعرة إلى قبول منطق اليونان، حسب ما سنرى عند علمائهم عموما، والغزالي خصوصا…

فهذا أبو بكر الباقلاني المتوفى سنة 403ﻫ 1013م، يعتبر على رأس طبقة الأشاعرة الأوائل الذين كتبوا في مجال علم الكلام، ومجال علم المنطق، وذلك على أساس أن كتابه “التمهيد”[26]، يعتبر أهم مصدر في المنظومة الأشعرية بالنسبة لطبقات المتقدمين من الأشاعرة، وذلك بالرغم من تحفظاته التي أبداها الباقلاني من منطق اليونان، بسبب قلة انتشاره في أرض الإسلام، أو بسبب نفور بعض المتكلمين من هذا المنطق، الذي يصعب معه استنباط الأدلة واستخراج الأقيسة بسهولة حسب ما يرى ابن خلدون[27]، وحسب ما استنتجه الدكتور سعيد بن سعيد العلوي[28]، ثم هذا أبو المعالي عبد الملك الجويني، المتوفى سنة 478ﻫ، 1085م، الذي كان أشعريا ومتكلما ومنطقيا ومفتيا وإماما للحرمين الشريفين على غرار ما كان أبوه قبله… أقول إن هذا الإمام يعتبر من طبقات الأشاعرة الأوائل، ومن المعلوم أن الأقيسة المنطقية، كادت تعتبر مهجورة، أو ضعيفة عند الأشاعرة الأوائل، حتى ألف الجويني كتابه “الشامل” أولا، ثم لخصه في كتابه “الإرشاد” ثانيا، وبذلك انتشرت علوم المنطق في الملة الإسلامية، ففرق الناس بينها وبين الفلسفة[29] وباختصار فإن الجويني هذا كان أول الأشاعرة الذين اهتموا اهتماما خاصا بالمنطق تعلما وتعليما ودراسة وتدريسا، إلى درجة أننا حين نتصفح حياة أبي حامد الغزالي، نجد أنه تعلم علوم الفقه والمنطق والأصول عن شيخه وأستاذه الجويني هذا، وذلك بنيسابور سنة 473ﻫ… ومن أهم مؤلفات الجويني كتابه “البرهان في أصول الفقه” في جزئين…

وإذا طرحنا جانبا دور “الكندي” (805-873م)، ودور الفارابي (873-950م)، ودور ابن سينا (980-1037م) ودور من سبقهم في نقل الفلسفة اليونانية وغير اليونانية إلى الملة الإسلامية، لأن أمر هؤلاء مشهور ومعروف في مجال الفلسفة عامة، والمنطق خاصة، وإذا أرجأنا دور “الغزالي” في هذا المجال المنطقي خاصة إلى محوره الذي سيأتي باعتباره المدافع الأكبر عن المنطق عند الأشاعرة…” أقول” إذا تركنا هؤلاء جانبا، واكتفينا بالقليل من الكلام عن الباقلاني والجويني – فإننا نأتي إلى الحديث عن أكبر فلاسفة الإسلام في القرون الوسطى وموقفه من المنطق خاصة وأعني به “ابن رشد”، وبغض النظر عن مؤلفات هذا العملاق المعروفة في العلوم العقلية، وعلوم الشريعة، وبغض النظر أيضا عن موقفه القوي لمناصرة الفلسفة في رده على الغزالي[30]، فإن الذي يهمنا هنا هو موقفه من “المنطق” خاصة، ونجد ذلك من خلال ثنايا كتابه “فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال” وكذلك كتابه “تهافت التهافت”، وبالرغم من كون “ابن رشد” ساهم في الدفاع عن الفلسفة عامة، أكثر مما ساهم في الدفاع عن المنطق خاصة، فإنه مع ذلك نراه يقرر “بأن المنطق ضروري قبل الاشتغال بشيء من العلوم، وهو معجب بمنطق أرسطو، ولكنه في علم المنطق لا يخرج  عما رأينا عند الفارابي وابن سينا من التصور والتصديق والبرهان والقياس”[31] وفي مجال المنطق دائما، يوجب ابن رشد النظر العقلي لكسب المعرفة، انطلاقا من معرفة “الصنعة” أو العلوم الآلية، للوصول إلى المقصود، والمراد بالعلوم الآلية هي “النحو، البلاغة، الحساب، اللغة، المنطق… الخ”، لأنها آلات أو وسائل بها نتوصل إلى العلوم المقصودة التي نريدها… فالمنطق آلة أو ميزان أو معيار به نزن مصداقية أفكارنا، ومدى صحتها وخطئها حين الوصول إلى النتائج… وبخصوص ضرورة ممارسة المنطق يقول ابن رشد: “… فقد وجب أن نشرع في الغوص عن الموجودات على الترتيب والنحو الذي استفدناه من صناعة المعرفة بالمقاييس البرهانية… غير أننا قبل أن نبدأ بالنظر ونعمل بالقياس، يجب أن يكون لنا معرفة بأنواع البراهين وبأنواع القياس كالقياس البرهاني والقياس الجدلي، والقياس الخطابي والقياس المغالطي…”[32].

وبعد ابن رشد، يأتي عالم ومؤرخ كبير، يعتبر أول من أسس علم الاجتماع، إنه… ابن خلدون” (732-808ﻫ)- (1332-1406م)، ابن خلدون الذي أعطى لدور العقل مكانته بغض النظر عن الأديان والمعتقدات، كما أعطى للعلوم العقلية مكانتها الطبيعية بالنسبة للإنسان بما في ذلك علوم المنطق، فقسم هذه العلوم العقلية الفلسفية إلى سبعة، هي: المنطق وهو المقدم منها، والتعاليم من هندسة وأعداد، وعلم الهيئة، والموسيقى والطبيعيات، والإلهيات، وحساب المتواليات…الخ[33].

وعن المنطق يقول ابن خلدون: “هو قوانين يعرف بها الصحيح من الفاسد في الحدود المعرفة للماهيات، والحجج المفيدة للتصديقات… فيحكم بثبوت أمر لأمر أو بنفيه… فاقتضى ذلك تمييز الطريق الذي يسعى به الفكر، في تحصيل المطالب العلمية ليتميز الصحيح من الفاسد، فكان ذلك قانون المنطق…”[34].

ومن المعلوم أن ابن خلدون هو، أيضا، أشعري العقيدة، مالكي المذهب، رغم تلك النزعة الاعتزالية التي يراها فيه بعض الباحثين والدارسين…[35].

والدليل على أن الأشاعرة عموما، ضربوا بسهم عريض لمناصرة المنطق اليوناني – هو كثرة التآليف التي ألفت من طرفهم في ميدان المنطق، سواء منهم من ينتمي إلى طبقة المتقدمين أو طبقة المتأخرين، أو الأشاعرة المعاصرين حاليا منذ بداية القرن العشرين، وللقارئ أن يقف على ذلك في كتاب “منطق العرب”[36] عند تحديد عصور المؤلفين في المنطق – ص: 20 حتى 35، إلا أن المناصر الأكبر، والمدافع الأقوى للمنطق بالنسبة للأشاعرة يبقى دائما هو”الغزالي” كما سنرى في المحور الموالي…

ثانيا: المنطق عند الغزالي خصوصا

أ. الغزالي والعبقري

العبقرية بمفهومها الأدبي ملحوظة ولو نسبيا عند الكثير من المبدعين والمفكرين، والمؤلفين والكتاب الملهمين، ومن هنا، فقد لا نكون مغالين، إذا قلنا إن لأبي حامد الغزالي (450-505ﻫ) نصيبا من هذه العبقرية، مع التذكير بأن هذه العبقرية عند الإنسان، لا تنزل عليه من السماء، أو تأتيه عفوا دون عناء وجهد واكتساب وتدريب وتكوين وممارسة وتجارب، أي أن العبقرية لا تعطى بالمجان، أو تمنح كشيء موهوب كما يزعم البعض، بل هي نتيجة لوجود قدرات واستعدادات شخصية، ثم تصقل بالعمل والاكتساب والتجارب، وعبقرية الغزالي، جاءت من هذا المنحى الاكتسابي، حيث نجد أن عبقريته جاءت بعد مخاض مرير، ومرير جدا، كمخاض غيره من العباقرة.

فعبقرية الغزالي نابعة من أسباب ذاتية شخصية متصلة بحياته وجذورها “التربوية” و”التعليمية” و”النفسية” و”الصحية”، ومن أسباب موضوعية بيئية محيطية اجتماعية “دينيا” و”سياسيا” وفكريا” وسلوكيا” ومذهبيا” فبالنسبة للأسباب الذاتية المكونة لعناصر عبقرية الغزالي نرى أنه نشأ يتيما، أو على الأقل في معظم سنوات اليتم، حيث توفي والده محمد بن محمد الغزالي وابنه أبو حامد محمد الغزالي طفل بجانب أخيه أبي الفتوح أحمد وهو طفل أيضا، فتولى العناية بهما جار له وكان صوفيا، وبعد نفاذ مال أبيهما على تعليمهما وتربيتهما بمدينة طوس بخراسان مسقط رأسيهما، أدخلهما مدرسة داخلية للإيواء والتعليم معا، حتى إن الغزالي كان يقول دائما: “طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله”[37].

وقبل أن يتعلم الغزالي ويتكون ويصبح فقيها ومحدثا ومفسرا…ومتفلسفا وصوفيا ومتكلما ومناظرا على يد شيوخه بطوس وجرجان ونيسابور، وقبل أن يعين مدرسا بالمدرسة النظامية ببغداد، كان قد تعود الاعتماد على النفس، حاملا في مشاعره ذكريات الطفولة واليتم والفقر، فاندس ذلك في نفسيته، لينعكس بعد ذلك على صحته، فيصاب بمرض الكنظ[38] فينصحه الأطباء بالسياحة، فينيب أخاه عنه في التدريس، وينتقل هو بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة، ثم يعود إلى بغداد فمسقط رأسه طوس حيث توفي، بعد أن اشتهر أمره، وذاع صيته، وظهرت عبقريته…

أما بالنسبة للأسباب الموضوعية المكونة لعناصر عبقريته أيضا، فتتجلى في الصراعات المختلفة التي كانت قائمة في عهده، والتي تأثر بها وعاشها وعايشها وواجهها وكان طرفا فيها أحيانا، التي دفعته ليتخذ موقفا منها، وذلك مثل الصراع الديني العقدي المتمثل أساسا في الفرق الكلامية، وخاصة منها المعتزلة والأشاعرة، فمال الغزالي إلى الأشاعرة للتوفيق بين العقل والنقل مع ترجيح النقل على العقل حين التعارض، فألف في هذا المجال كتابين هامين، هما: “الاقتصاد في الاعتقاد”، و”إلجام العوام عن علم الكلام”، ومن هنا كان الغزالي أشعريا سنيا سلفيا على طريقة أهل السنة والجماعة[39].

ومن ذلك أيضا الصراع القائم بين الباطنية والظاهرية عند الشيعة الإمامية خاصة، فهاجمهم وفضح معتقداتهم في كتابه الذي سماه “فضائح الباطنية” – المستظهري – وكذلك الصراع القائم بين الصوفيين السنيين، والمتصوفة والغلاة منهم، فبين حقيقة التصوف، وختم حياته في شأنه دراية وسلوكا، وألف في هذا الشأن كتابه: “إحياء علوم الدين”، كما عاصر الغزالي صراع المذهب فكان شافعيا وألف في الفقه والأصول كما هو معلوم، وخاصة كتابه “المستصفى في علم أصول الفقه”.

ولا ننسى أيضا الصراع السياسي في عهده، حيث كانت الباطنية معادية لملك البلاد، نظام الملك الذي قرب الغزالي وعينه مدرسا بالمدرسة النظامية ببغداد، قبل أن يقتله الباطنية، فيؤلف الغزالي “فضائح الباطنية”.

ولعل أخطر صراع استجاب له الغزالي ونشط أكثر لمواجهته، هو موقفه من الفلسفة اليونانية وغير اليونانية التي نقلها المسلمون إلى مجتمعنا الإسلامي، خاصة على يد “الفارابي” و”ابن سينا”، لذا نجد الغزالي يعكف أولا على دراسة هذه الفلسفة وضبط علومها، وتحديد مقاصدها، فألف كتابه “مقاصد الفلاسفة” ثم بعد ذلك رد عليهم في كتابه “تهافت الفلاسفة”، الذي جاء فيما بعد “ابن رشد” ليرد على الغزالي في كتابه “تهافت التهافت”[40]، وسيأتي التوضيح أكثر حين نتكلم عن موقف الغزالي من المنطق وهو بيت القصيد، المهم أن الرجل كان عبقري زمانه…

ب. الغزالي ومنهجه في البحث عن الحقيقة

البحث عن الحقيقة المطلقة كتاب مفتوح دائما ولا يغلق ما دام العثور على هذه الحقيقة مستحيلا دون الاستعانة بصوت السماء، لذا كان الفلاسفة ولا زالوا يتيهون حين يبحثون عن الحقيقة تجريديا، ويحاولون العثور عليها بالعقل دون الاستعانة بالنقل… يتيهون لأن العقل عاجز عن إدراك الماورائيات في الأمور الغيبية…

والإمام أبو حامد الغزالي مر بهذه التجربة عبر مراحله الفكرية حتى كان يشك في كل شيء باحثا عن الحقيقة “عن اليقين” عن الإيمان الحق.

طرق باب التقليد فلم يقتنع بإيمان المقلد أمام ضغط فضوليات العقل الذي يريد أن يعرف… طرق باب المحسوسات، فلاحظ أن العقل لا يوافقه دائما، وأن الحواس خداعة أحيانا…

طرق باب المعقولات فرأى من الصعب على العقل أن يدرك ماهية الماورائيات.

طرق باب الأديان والمعتقدات، فلاحظ تناقضا بينها أحيانا بسبب التخريف أو سوء الفهم…

ولما شك في كل شيء، قرر أن يقصد باب الحقيقة مباشرة دون الوسائط المذكورة فخضع لصوت القلب والوجدان والفطرة واتجه إلى الله خاشعا ورعا زاهدا سالكا طريق التصوف، فهداه الله إلى طريق الحق، وأنقذه من الضلال، فعاد إيمانه بالمحسوسات والمعقولات والمعتقدات، وهذا ما يجده القارئ مبسطا في كتابه “المنقذ من الضلال”.

ج. الغزالي والمنطق

هذا هو بيت القصيد في هذا المحور كله، وقد مهدنا له بتلميح مختصر جدا مذكرين بعبقرية الرجل، ومنهجه في البحث عن الحقيقة، اعترافا بمكانة الغزالي وفكره وعلومه… نعم إننا عندما نتحدث عن الغزالي باعتباره المدافع الأكبر عن المنطق  اليوناني، قد يستغرب البعض ذلك التناقض الواضح بين موقف الغزالي من الفلسفة، التي هاجمها وعارضها واعتبرها ضلالا وإلحادا، وموقفه من المنطق، الذي ناصره ودافع عنه، واعتبره خادما للدين، مع العلم أن المنطق جزء من الفلسفة عامة: والذي يراه الغزالي كجواب على هذا الاستغراب المفترض، هو أن الكثير من الشبان الذين لا عمق لهم في الأمور الفكرية، قد ينجرفون وراء هذه الفلسفة فيعجزون عن التوفيق بينها وبين الدين، وخاصة في الإلهيات، فيعتريهم الشك وقد يلحدون، ومن هنا قسم الغزالي علوم الفلسفة، إلى ستة، خمسة أجاز الاشتغال بها، ولا خطر فيها على الدين، وهي العلوم الرياضية، والمنطقية، والطبيعية، والسياسية والأخلاقية، أما السادسة وهي “الإلهيات” فيقول عنها: “ففيها أكثر أغاليطهم فما قدروا على الوفاء بالبراهين على ما شرطوا في المنطق، ولذلك كثر الاختلاف[41]” بينهم وقد ألف الغزالي كتابه “تهافت الفلاسفة” لهذا الغرض.

ويقول عنه الدكتور عمر فروخ: “الغزالي مفكر عبقري لا ريب في ذلك… وكان علما من أعلام المنطق والفلسفة، إلا أنه استخدم المنطق لنصرة الدين، وحمل على الفلسفة لأنها تضل ذوي الاستعداد العقلي القاصر”[42]، ولكنه استعار براهينها للدفاع عن الدين” ويقول الغزالي عن المنطق هو النظر في طرق الأدلة والمقاييس وشروط البرهان، ولا يتعلق شيء منه بالدين، نفيا ولا إثباتا، وبالتالي لا يجوز جحد المنطق وبراهينه…”[43].

ويعود اهتمام الغزالي بالمنطق اليوناني، منذ أن كان عمره 23 سنة، حيث بدأ في دراسة المنطق على شيخه “الجويني” نيسابور، وعنه أخذ المذهب الأشعري، كما أخذ التصوف عن الفارمدي الطوسي…[44].

والحقيقة، أن الذي يتأمل في مؤلفات الغزالي، يستنتج أن فكر الرجل يطغى عليه الطابع المنطقي في كل شيء، ما دام أن هذه المؤلفات تتناول في معظمها “العلوم العقلية” لدعم وإثبات “العلوم النقلية الدينية”، سواء تعلق الأمر بالمجال العقدي، أو بالمجال العلمي التشريعي. ومن هنا نجد في كتابات الغزالي تلك النزعة المنطقية العقلانية في كل مؤلفاته: فلسفية كانت؛ كـ “مقاصد الفلاسفة” و”تهافت الفلاسفة”، أو كلامية؛ كـ”الاقتصاد في الاعتقاد”، و”إلجام العوام عن علم الكلام”، و”القسطاس المستقيم”، أو صوفية وباطنية؛ كـ”فضائح الباطنية” و”التفرقة بين الإسلام والزندقة”، و”الرسالة اللدنية”، و”شفاء الغليل…”، أو كانت أخلاقية؛ كـ”الإحياء” و”كيمياء السعادة”، و”مشكاة النوار” و”الولدية” أو كانت أصولية فقهية؛ كـ”المستصفى…”.

أو كانت منطقية بحته؛ كـ”معيار العلم في فن “المنطق”، و”محك النظر”، و” مقدمة” و”المستصفى”…الخ.

إلا أن مقدمته المشهورة هاته، في أول “المستصفى”[45]، تعتبر أهم ما كتبه الغزالي في المنطق عامة، والبرهان خاصة” البرهان المنطقي الذي تحدث عنه في كل فصوله الستة “صورة” و”مادة و”دعائم” و”استقراء وتمثيلا” و”نتائج” و”علة ودلالة” وللقارئ أن يقف بنفسه في الكتاب المذكور على ذلك.

وبهذا يكون الغزالي أول من أقام ذلك التواصل المعروف في الفكر الإسلامي بين علم الكلام وعلم المنطق خاصة، وبين علوم الإسلام وممارسة الاستدلال المنطقي عامة، كما يعتبر الغزالي بعمله هذا أول من شجع الذين جاءوا من بعده، على مواصلة الكتابة، في مجال المنطق، حتى نعت الدارسون عصر الغزالي “بعصر التوفيق” المنطقي بسبب محاولاته التوفيقية بين العقل والنقل، وبين الشرع والمنطق، بعد محاولات “الأشعري” وأتباعه كما نعتوا العصر الذي بعده “بالعصر الذهبي” بسبب إقبال الباحثين على الدراسات المنطقية التي دشنها الغزالي، فكثر التأليف في المنطق بعده على يد ابن باجة، وابن رشد، وابن الصلت، وابن مالكة، والرازي، والطوسي، والسهروردي، والخونجي، والأبهري، والقزويني، والآمدي، والسكاكي، والتهانوي، والكلنبوي، والتفتازاني، والسنوسي، والأخضري، والتحتاني، والجرجاني، والدواني…الخ[46].

وأمام هذا الحشد من التآليف والشروح للمنطق، نهض ابن تيمية في وجه كل هؤلاء، حفاظا على الدين من أخطار المنطق، كرد فعل معاكس لموقف الأشاعرة، كما سنرى في المبحث الموالي “المنطق عند الحنابلة ابن تيمية نموذجا”.

المبحث الثالث: المنطق عند الحنابلة “ابن تيمية نموذجا”

هذا هو المبحث الثالث، من هذا الجزء الثاني، من هذه الدراسة ككل، حول “مباحث في المنطق”، وموضوعه يأتي كمقابل لموضوع المبحث الثاني الذي سبقه، حيث نجد السابق كان يتعلق بالاتجاه المؤيد لمنطق اليونان، والذي يمثله الأشاعرة عموما، والغزالي خصوصا، بينما هذا يتعلق بالاتجاه المعارض لمنطق اليونان، ويمثله الحنابلة عموما، وابن تيمية خصوصا.

مع التذكير أن هذه الدراسة ككل، حول “مباحث في المنطق”، تشمل جزئين: الجزء الأول: فيه ستة مباحث، تدور كلها حول “المنطق وتقسيماته”، وهذا الجزء الثاني سيشمل أيضا ستة مباحث، الأول كان حول إشكالية رد فعل المسلمين تجاه منطق اليونان والثاني حول الاتجاه المؤيد لهذا المنطق وهذا الثالث الذي بين أيدينا حول الاتجاه المعارض للمنطق، على أن تكون المباحث الثلاثة الباقية حول مبررات كل اتجاه من الاتجاهين على حدة، ثم في الأخير المحاولة التركيبية للخروج من الإشكال.

وعليه، فإن هذا المبحث الثالث من هذا الجزء الثاني من الدراسة سيشتمل على محورين أساسيين كالعادة، وتحت كل محور مسائل:

المحور الأول: المنطق عند الحنابلة عموما، وفيه:

1. الحنبلية وجذورها.

2. الحنبلية وسماتها.

3. الحنبلية والمنطق.

المحور الثاني: المنطق عند ابن تيمية خصوصا، كنموذج للمعارضة، وفيه:

1. عصر ابن تيمية.

2. ابن تيمية يهاجم منطق اليونان.

المحور الأول: المنطق عند الحنابلة عموما

أولا: الحنبلية وجذورها

الحنبلية أو الحنابلة أو الحنبليون، هم أتباع أحمد بن حنبل في مذهبه المعروف من بين المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، ويمثل هذا المذهب، بأتباعه الذين تمذهبوا به وناصروه دائما، الجذور الأولى للسلفية السنية القديمة منها والحديثة والمعاصرة، على اختلاف مراحلها وتطوراتها وتوجهاتها، بجانب سلفية أتباع المذاهب السنية الأخرى حسب المفهوم العام للسلفية عند المسلمين، من أهل السنة والجماعة، وهو بهذا المعنى يمثل في نفس الوقت، الجذور الأساسية لما اصطلح على تسميته حاليا “بالأصولية” بمفهومها الديني الإسلامي النزيه والسليم، لا بمفهومها المشوه من طرف المغرضين الذين يكيدون  للإسلام والمسلمين، بإيعاز من توجيهات وإيديولوجيات خارجية وداخلية، باسم الدين، والدين منهم بريء.

وهكذا يبدو جليا، أن مكانة الحنبلية باعتبارها المناصرة لهذا المذهب السني، مكانة لا تقل أهمية عند المسلمين، عن مكانة الشافعية والمالكية والحنفية، بل إن هذا المذهب الحنبلي بأتباعه الحنابلة السنيين السلفيين المؤمنين حقا، يعتبر الأمل الأكبر عند المسلمين، في مواجهة التحديات الخطيرة المناهضة للإسلام، بسبب الخصائص والمميزات والسمات التي عرف بها هذا المذهب، والتي هي في خدمة الإسلام والمسلمين، إذا وجدت من يوجهها الوجهة الصحيحة، دون مغالاة أو تشدد أو تطرف…

وقبل الحديث عن موقف الحنابلة من المنطق عموما، على غرار موقفهم من العقل والعقلنة والعلوم العقلية، بالمقارنة مع موقفهم من النقل عامة، كان لابد من ذكر جذور هذا المذهب، والظروف التي نشأ فيها، انطلاقا من مؤسسه، وطبقات أتباعه عبر العصور إلى يومنا هذا، حتى يمكن لنا أن نعرف لماذا كان موقفه من المنطق، غير موقف الأشاعرة مثلا.

ظهر هذا المذهب في العصر العباسي الأول، وبالتحديد زمن حكم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وهو زمن يمتد من 198ﻫ إلى 247ﻫ حيث توفي المتوكل، وهي الفترة الزمنية التي اشتهر فيها أمر الإمام ابن حنبل، بعد أن كان قد بلغ من العمر أزيد من ثلاثين سنة[47] كما أن هذا المذهب جاء في أعقاب المذاهب الفقهية المشهورة التي سبقته، والتي كانت قد انتشرت في جل ربوع العالم الإسلامي، وهي مذهب أبي حنيفة (80-150ﻫ)، ومذهب مالك (95-179) ﻫ، ومذهب الشافعي (150-204ﻫ)، والذي يتأمل أحوال الأمة الإسلامية، في هذه الفترة التي ظهر فيها مذهب ابن حنبل، يدرك الظرف الحاسم الذي واجهه صاحب هذا المذهب السلفي السني المحافظ، نتيجة ظهور التيارات الفكرية والكلامية والفلسفية والمذهبية، بجانب ظهور التيارات السياسية والمادية والنزيفية والبذخية والآراء الإلحادية والزندقية، والمناظرات الفقهية والعقدية والمجادلات الكلامية التي لا جدوى ولا طائل من ورائها، سوى تمزيق صفوف الأمة… أجل “في هذا الظرف المشحون ظهر ابن حنبل، وفي شأن ذلك يقول محمد علي قطب: “عندما فتح ابن حنبل عينيه على الحياة، وجد نفسه في مجتمع عجيب، ليس فيه من الدين إلا اسمه، وليس فيه من الإسلام إلا رسمه… مجتمع تطغى فيه البدعة على السنة “زاخر بألوان المنكرات” تكتظ خزائن بعض الناس بالذهب والفضة… رأى الإمام أحمد ذلك، وتأثر به، ووازنه في ضميره الصافي وعقيدته السليمة، فأعلن إنكاره لكل ذلك، وسمى كل ما يحدث بدعة، ونذر نفسه لمقاومتها، وإحياء سنة رسول الله…[48]، لكن، من هو ابن حنبل هذا؟

هو أحمد بن حنبل الشيباني، وقد عده الداودي في طبقات المفسرين على رأس الطبقة العاشرة[49]، كما أوصل نسبه إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، ويلتقى هذا النسب بالرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، في الجد الأعلى عدنان[50].

ولد رحمه الله ببغداد في شهر ربيع الأول سنة 164ﻫ حسب ما ذكره هو نفسه عن ولادته كما يقول ابن الجوزي[51] والحافظ الذهبي[52] وأبو زهرة[53]، توفي والده وهو صغير لا يكاد يتذكره، وقامت أمه على تربيته وتعليمه، ورفضت الزواج مرة أخرى بسببه، حفظ القرءان، ودرس اللغة، واهتم بفقه الصحابة والتابعين، ثم تفرغ بعد ذلك إلى الحديث، يتنقل بين الكوفة والبصرة ومكة والمدينة والشام في طلبه ودوَّن ذلك في كتابه “مسند الإمام أحمد” “ستة أجزاء” وجمع فيه ما يزيد على أربعين ألف حديث، ومن هنا يعد ابن حنبل محدثا أكثر منه فقيها عند بعض الدارسين والباحثين والمؤرخين كالطبري وابن النديم، والحقيقة أنه درس الفقه منذ صغره على الشافعي، كما اهتم بفقه الصحابة والتابعين وفتاويهم، ثم تفرغ للحديث كما يذكر الذهبي وأبو زهرة وغيرهما[54]. وتوفي ابن حنبل ببغداد سنة 241ﻫ، ويذكر الباحثون والدارسون والمؤرخون أن ابن حنبل كان على جانب كبير من الصفات الخلقية الفاضلة، فمن ذلك أنه كان نزيها عفيفا أمينا  زاهدا تقيا صلبا في عقيدته، شديد التمسك بسيرة السلف الصالح، لا يقبل عطية من أحد، ولا يطلب منصبا أو ولاية، كما كان يكره الخوض في أمور العقيدة خلاف ما كان شائعا في عهده وسط المتكلمين، حتى إننا نعلم أنه عاصر كل الفرق الإسلامية من شيعة وخوارج ومرجئة وقدرية ومعتزلة، ومع ذلك لم يكن يجادلها، بل كل ما عرف عنه أنه كان يكره علم الكلام ومجادلاته، ويكتفي بما هو هام واضح وبين في القرءان والحديث، حسب ظاهر النص دون تأويل أو تحليل أو تعليل أو عمق نظر، وخاصة في الأمور العقدية، ومحنته مع المأمون بسبب رفضه القول بخلق القرءان معروفة، كما كان يكره أن تكتب عنه فتاويه ولا يميل إلى الاجتهاد كثيرا أو القول بالرأي، بل يكتفي بظاهر النص ويؤمن بما فهم على طريقة الصحابة والتابعين، لذا عد سلفيا سنيا نقليا محافظا حتى قيل عنه: “إنه تابعي كبير تخلف به الزمن”[55]، أي أنه كان على سلوك السلف الصالح من التابعين، رغم أنه لم يكن في عصر التابعين…

يقول عنه الشيخ عويضة: “لقد قاطع الإمام أحمد كل الذين يخوضون في غير ما أثر عن السلف مقاطعة تامة، وكان على ذلك إلى أن مات، وكان ينهى أصحابه عن الخوض في علم الكلام، حيث يمكن أن يتيه العقل في متاهات لا جدوى من ورائها…”[56] ثم يقول: “لم يكن ابن حنبل مجادلا، ولم يكن يستجيز العكوف المطلق على الدراسات العقلية، أو الجدال في أي صورة من صوره، كمسألة الإيمان والقدر والصفات ومرتكب الكبيرة ورؤية الله، والقول بخلق القرءان…الخ[57].

ومن المعلوم، أن رأي ابن حنبل في هذه المسائل، هو رأي السلف من الصحابة والتابعين أما مؤلفات ابن حنبل، فإن ابن الجوزي [58]يرى أنه لم يرد أن يترك أي مؤلف سوى “المسند” إلا أن ولد ابن حنبل عبد الله ذكر أن أباه ألف حوالي عشرين كتابا، وقد ذكر أسماء هذه الكتب الشيخ عويضة[59]، وعلق عليها كثيرا أبو زهرة، والحقيقة كما يقول أبو زهرة أن ابن حنبل كان يتحرى ويتحفظ في مسألة الكتابات الفقهية، والفتيا، إلا أنه بعد محنته التي تعرض لها مع المأمون بخصوص قضية خلق القرءان، اشتهر أمره وأخذ الناس يقصدونه للاستفتاء، فاعتبر فقيها ومحدثا[60].

وتلكم كانت هي جذور هذا المذهب في أسسه وخصائصه وطبيعة صاحبه، بقي أن نعرف كيف استقبله أتباعه (الحنبلية) وما هي السمات التي عرفوا بها…

ثانيا: الحنبلية وسماتها

كل مذهب من المذاهب الفقهية السنية له سماته وله طابعه العام الغالب عليه، رغم أن أصحابها جميعا يستقون من معين واحد، هو معين الكتاب والسنة، ولكنهم قد يختلفون في بعض الفروع، نتيجة اختلافهم في فهم بعض النصوص، وهذا لا يهمنا هنا، وإنما الذي يهمنا هو اختلافهم في الطابع العام الغالب على كل منهم بخصوص دور العقل والنظر والفكر والاجتهاد، وإلى أي حد وظف الرأي مراعاة للظروف والأحوال، ورغبة في التيسير والمرونة والتسهيل، أو عدم توظيفه تشددا وتصلبا وتحفظا وتزمتا، من طرف أتباع هذا المذهب أو ذاك؟

فالمعروف عن الحنفية مثلا أنهم ساروا على مذهب صاحبهم أبي حنيفة في توظيف دور الرأي والعقل والنظر والاجتهاد بجانب النص، مراعاة لظروف العراق البعيدة عن مهد الإسلام بالحجاز والمعروف عن المالكية أنه اقتفوا أثر صاحب المذهب مالك بن أنس، في إعطاء الأولوية للنص ثم الرأي والنظر والاجتهاد مراعاة للمصلحة ولظروف الحجازيين في معاشهم البسيط، والمعروف عن الشافعية أنهم ساروا على منهج صاحب المذهب الإمام الشافعي الذي وفق بين أصحاب الرأي (الحنفية)، وأصحاب النص (المالكية)، أما الحنبلية فالمعروف عنهم أنهم ضيقوا نطاق العقل والرأي والفكر والاجتهاد إلا نادرا، حين عرفوا بسمة التشدد، نتيجة اكتفائهم بظاهر النص حتى ولو كان ضعيفا أو مرسلا بالنسبة للحديث، أو كان قابلا لأكثر من معنى تأويلا بالنسبة للقرءان، المهم أن الحنبلية متشددون وخاصة في الأمور العقدية وأمور العبادات، وأنهم مقيدون بالنصوص دون اجتهاد، ودون مراعاة ظروف التخفيف والتجاوز والتيسير والمرونة والتسهيل، ودون الأخذ بالعلوم العقلية بما في ذلك الفلسفة وعلم الكلام وعلم المنطق…

والسؤال المطروح الآن هو: هل صحيح أن الحنابلة متشددون؟ وإذا كانوا كذلك فمن المسؤول عن هذا التشدد؟ أهو ابن حنبل نفسه صاحب المذهب؟ أم أتباعه الحنبلية؟ وكيف؟

الجواب باختصار، واستنادا إلى أمهات الدراسات القديمة والحديثة –هو أن ابن حنبل رضي الله عنه كان متشددا على نفسه، أكثر مما كان متشددا على الناس، لكن أصحابه عمموا هذا التشدد على أنفسهم وعلى غيرهم – وخاصة على يد أساطين الحنبلية قديما وحديثا كابن الجوزي، وابن قيم الجوزية، وابن تيمية إلى الوهابية إلى السلفية المعاصرة عند الإخوان المسلمين إلى يومنا هذا[61].

ثالثا: الحنبلية والمنطق

هذا هو بيت القصيد في هذا المحور الأول من هذا المبحث قبل محوره الثاني الخاص بابن تيمية والمنطق، ذلك أنه بعد أن أخذنا فكرة شبه واضحة عن جذور الحنبلية وسماتها التشددية، نستطيع أن نعرف بسهولة موقفها من المنطق، انطلاقا من معاداتها للعقلنة عموما في مجال الرأي والفكر والنظر والتحليل والتعليل للأمور، فقد رأينا كيف يرفض ابن حنبل علم الكلام ومجادلاته، وكيف يرفض القول بالرأي اجتهادا إلا نادرا، وبالتالي كيف كان يتشدد في محاربة البدع، ومحاربة العلوم العقلية الدخيلة وخاصة الفلسفة بما في ذلك المنطق، وعلى نهجه سار أتباعه أساطين المذهب المشار إليهم إلى يومنا هذا، بل إن الملاحظ أنه بقدر ما يزداد العالم تطورا وتقدما وتفتحا من الناحية العلمية والفكرية والاندماجية والتسامحية، بقدر ما يزداد الحنابلة المعاصرون تشددا أو تحفظا وتزمتا إزاء علوم الفكر والنظر والاجتهاد، فهذا ابن الصلاح يقول: “لقد تمت الشريعة وعلومها، وخاض في بحر  الدقائق والحقائق علماؤها، حيث لا منطق ولا فلسفة ولا فلاسفة، ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به، فواجب على السلطان أن يعاقبهم…”[62]

وسيأتي موقف ابن تيمية الرافض للمنطق، وهذا ما يهمنا هنا في هذا المبحث حول المنطق عند الحنابلة كموقف معارض، مقابل موقف الأشاعرة المؤيد للمنطق بزعامة أبي حامد الغزالي…

أما سمة التشدد عند الحنبلية، فأمر راجع أساسا إلى الظروف المحيطية والبيداغوجية والابسيكولوجية التي ظهر فيها ابن حنبل، حيث آلى على نفسه مواجهة البدع ومحاربتها كما أشرنا سابقا، ثم جاء أتباعه فتأثروا بذلك، وخاصة بعد محنته حين رفض القول بخلق القرءان، وصمد متحديا كل وسائل العقاب، فاشتهر أمره حتى لقب بإمام أهل السنة والجماعة، فتبعه تلاميذه الذين دونوا فقهه وساروا على نهجه أو أكثر منه في التشدد منذ بداية القرن الرابع الهجري كما يقول ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ”: وفي سنة323ﻫ عظم أمر الحنابلة[63]، وقويت شوكتهم فأراقوا النبيذ في الشوارع، وضربوا المغنيات، وكسروا آلات الطرب”. وعلاقة التشدد بموضوعنا (المنطق) يرجع إلى تضييق مجال العقل والعقلنة عند الحنابلة، ورفضهم للعلوم العقلية وخاصة علم الكلام والمنطق كما سنرى عند ابن تيمية

المحور الثاني: المنطق عند ابن تيمية خصوصا كنموذج للمعارضة

أولا: عصر ابن تيمية (661-728ﻫ) (1263-1327م)

بقدر ما كانت هموم عصر ابن تيمية هموما ثقيلة وخطيرة ومتنوعة سياسيا وعقديا وفكريا واجتماعيا، بقدر ما جاءت مواقف الرجل كذلك مواقف صلبة وقوية، ومتحدية، إذ لو لم يكن بتلك القوة، لما خلد للإسلام والمسلمين، ما خلده من آثار ومواقف، رغم تعدد التيارات السلبية التي تكاد جميعا أن تكون ضده…

فالذي يقف على أمهات التراجم والكتب والدراسات، التي تناولت طبقات الحنابلة عموما[64] كـ “المناقب” لابن الجوزي، و”الصواعق المرسلة” و”أعلام الموقعين” لابن قيم الجوزية، و”حلية الأولياء” للأصفهاني وتاريخ الذهبي، وابن كثير، وطبقات المفسرين للداودي، وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى، وكتب الشيخ محمد أبو زهرة، وكذلك الذي يقف على مؤلفات ابن تيمية نفسه في مجال التفسير وعلوم القرءان، ومجال الفقه وأصوله، ومجال التصوف، ومجال السيرة ومجال علم الكلام، ومجال الرد على أصحاب الملل، ومجال الرد على الفلاسفة ومنطق اليونان، ومجال الأخلاق والسياسة والاجتماع، ومجال علوم الحديث، بالإضافة إلى فتاويه الكبرى” أقول” إن الذي يقف على ما كتب[65] عن ابن تيمية عموما، وعن موقفه من منطق اليونان خصوصا، ليدرك خطورة العصر الذي عاشه، وخطورة الرجل بمواقفه العملاقة، وعصاميته وصدقه وإخلاصه لهذا الدين، كما يدرك طبيعة فكره الشمولي الموسوعي، حتى قيل: إن الذي يكتب عن ابن تيمية ليحار من أين يبدأ، لذا[66] فإن حديثنا هنا عن الرجل، سوف يقتصر على التذكير فقط بموقفه من المنطق، باعتباره أكبر مهاجم لمنطق اليونان، على نقيض الغزالي الذي يعتبر أكبر مدافع عن هذا المنطق كما رأينا ويستحسن قبل الحديث عن موقف ابن تيمية من المنطق، أن نلمح باختصار إلى نبذة من حياته، انطلاقا من عصره، وظروف هذا العصر سياسيا واجتماعيا وفكريا، حيث نجد أنه ابتداء من القرن السابع الهجري، وهو القرن الذي ولد فيه ابن تيمية، وعلى امتداد قرنين أو أزيد بعد ذلك، منيت الأمة بنكبتين خطيرتين، هما هجمة التتار شرقا، وهجمة الصليبيين غربا، حسب ما ذكره الدكتور علي[67] سامي النشار، وحسب ما هو معروف في التاريخ الإسلامي العام، وهاتان النكبتان لا تحتاجان إلى تعليق، لأن آثارهما معروفة عندنا نحن معشر المسلمين.

كما أنه في عصر ابن تيمية هذا، 7-8ﻫ كانت التيارات العقدية والمذهبية على أشدها وهي تيارات كادت أن تمزق شمل الأمة عقديا، كما مزقتها سياسيا، وخاصة فرق الشيعة وأهل السنة من معتزلة وأشاعرة، ومذاهب فقهية، وفلسفية وكلامية ومنطقية، وهاتان الأخيرتان (الفرق الكلامية والمنطقية) بالإضافة إلى الطرقية التصوفية وما حصل فيها من مغالاة وتشويه وبدع وضلالات، كان أهم مجال واجهه ابن تيمية، بجانب جهاده الميداني والسياسي ضد أعداء الأمة الإسلامية وخاصة التتار، أي أن ابن تيمية، على حد قول الدكتور النشار، عليه أن يواجه الدخيل المحتل، والعمل على تفقيه العقيدة داخليا بمحاربة البدع.

نعم، ولد الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية هذا بحران ببلاد الشام سنة (661ﻫ/1263م)، وهاجر به والده إلى دمشق هربا من هجمات التتار، وفي دمشق درس القرءان والحديث والفقه والأصول كما نظر في علم الكلام وفي الفلسفة والمنطق استعدادا لتحديد موقفه من التيارات السائدة… وسرعان ما اشتهر أمره، وطلب للفتوى، وأخذ ينتقذ ما يراه منافيا للعقيدة الصحيحة، وما يزعمه بعض الصوفية والطرقية من تقديس للأشخاص والموتى والأضرحة، وادعاء الكرامات المزعومة، وكان ابن تيمية في فتاويه وانتقاداته هاته صريحا ومتشددا ومحافظا على السلفية السنية، مما جر عليه الويلات إلى درجة أنه حوكم أكثر من مرة، وبالتالي عاش متنقلا بين السجون، حتى توفي معتقلا بقلعة دمشق سنة (728ﻫ/1323م)، وهو كما هو صامد وثابت ومتحد على طريقة السلف الصالح عموما، طريقة الحنابلة خصوصا، لأنه يعتبر أكبر عالم وفقيه واصل إحياء المذهب الحنبلي بجانب ابن الجوزي وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب بعده بقرون…”[68].

أما مؤلفاته، فقد ذكر الدكتور النشار ومحمد عثمان الخشت أنها ربما زادت على 500 كتاب ورسالة لم يصل إلينا إلا القليل، ولعل أهمها كما يقول السيد محمد عثمان الخشت ما يلي:

في علوم القرءان: التبيان – تفسير سورة النور – تفسير المعوذتين – تفسير سورة الإخلاص.

في الفقه وأصوله: كتاب في أصول الفقه – كتاب مناسك الحج – كتاب الفرق المبين – رسالة في سجود السهو.

في التصوف: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان – إبطال وحدة الوجود – التوسل والوسيلة – رسالة في السماع والرقص.

في أصول الدين: رسالة في أصول الدين – كتاب الإيمان – الفرق بين الحق والباطل- شرح العقيدة الأصفهانية- جواب أهل العلم والإيمان-الاحتجاج بالقدر – الحسنة والسيئة.

في الرد على أصحاب الملل: حول المسيح – النصارى – الإنجيل – الرسالة القبرصية – نقض المنطق – الرد عليهم – العرشية – الحسبة – الوصية السياسة الشرعية – المظالم – في علم الحديث[69] – والذي يهمنا هنا كتاباته في المنطق كما سنرى.

ثانيا: ابن تيمية يهاجم منطق اليونان

إن ما ألفه ابن تيمية في مجال العلوم العقلية عامة، والفلسفية خاصة كمؤلفاته في المنطق مثلا، وكذلك في علم الكلام، لم يكن ذلك حبا منه في هذه العلوم، باعتبارها تخدم الدين، وتفيد المسلمين، كما يرى غيره من المعتزلة والأشاعرة، بل إن ابن تيمية كتب ما كتبه في مجال المنطق، قصد الاطلاع على حقيقة هذا العلم، ومعرفة موضوعاته، وأهداف أصحابه منه، من أجل انتقاده، وتوضيح هفواته، وبيان أخطائه، والتحذير من خطره على العقيدة، وذلك على غرار ما فعله الغزالي حين درس أولا الفلسفة اليونانية، واستعرض مقاصدها، وحدد أنواعها وأهدافها، في كتابه “مقاصد الفلاسفة” ثم انتقدها بعد ذلك في كتابه الثاني “تهافت الفلاسفة”.

وإذا كان الغزالي هاجم الفلسفة، وناصر المنطق، كما ناصر علم الكلام، فإن ابن تيمية هاجم الجميع مبينا ما في هذه العلوم من أخطاء وأخطار على الفكر الإسلامي الأصيل الذي لا يقبل الدخيل، ولا ينبغي أن يستعين به…

نعم، إن الذي يمعن النظر في كتابات ابن تيمية المنطقية، ككتابه الذي أسماه “نقض المنطق” وكتابه المعروف بـ “الرد على المنطقيين” المسمى “نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان” الذي لخصه السيوطي وسماه” جهد القريحة في تجريد النصيحة” مع كتابه “صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام”، وقد حقق ذلك مؤخرا الدكتور علي سماي النشار…[70] أقول… إن الذي يتتبع باهتمام، كتابات ابن تيمية هاته، في مهاجمته لمنطق اليونان، في هذين الكتابين خاصة، وكذلك في رسائله الأخرى الموجودة ضمن فتاويه الكبرى[71]– ليدرك أن الرجل مسلح بسلاح علمي، على مستوى عال جدا، وأنه في انتقاداته ومهاجماته في تنفيذ آراء المنطقيين، غير مندفع، ولا متعصب ولا حاقد، بل إنما هو معتمد على الموضوعية والنتائج والبراهين التي توصل إليها باجتهاده وبمنطقه الخاص، حتى قيل عنه: “إن ابن تيمية هاجم المنطق بالمنطق، وأنه إذا كان الغزالي هاجم الفلاسفة بسلاحهم أي بفلسفتهم فإن ابن تيمية منطقهم بمنطقهم، أي بنفس سلاحهم وهو المنطق، وأنه لا داعي للغزالي بأن يفرق بين فلسفتهم الإلحادية ومنطقهم المفيد على حد قوله، ما دام أنه يقول: ما ذكروه في المنطق هو أصل فساد قولهم في الإلهيات…”[72].

وابن تيمية بدوره، كما سنرى، لم يرفض المنطق من أساسه، وإنما رفض المنطق الصوري التجريدي الخيالي عند أرسطو اليوناني، وذلك على أساس أن الفكر الإسلامي فكر عملي واقعي حياتي حاجياتي، يعتمد المنطق الحسي المادي الواقعي، مما جعل أحكامه تنطلق من مقاصد الشريعة المنظمة لأحوال الناس في معاشهم ودينهم: ضروريات – حاجيات – تحسينات، أما منطق اليونان بتعمقه واستغراقه في التصورات فلا يناسب طبيعة الإسلام.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور النشار: “…هذا الموقف العملي في الإسلام هو الذي يفسر لنا اتجاهات ابن تيمية، حين يناصر المنطق المادي، وينتقد المنطق الصوري عند أرسطو…”[73].

وبهذا يرى الدارسون للمنطق الحديث، أن ابن تيمية سبق مناطقة الغرب، في نقد منطق أرسطو أمثال “بيكون” و”ميل” و”رسل” و”فيكتور وكوزان” ثم “آرناب” و”مور ” و”فنبرج” و”وتجنشتين” و”ستنبج” وغيرهم من المناطقة الوضعيين المحدثين[74].

بعد هذه النظرة العامة، التي اعتمدها ابن تيمية، في نقد منطق اليونان، والتي تقوم على أساس أن التصور التجريدي للمنطق اليوناني لا يتلاءم مع المنطق الواقعي في الفكر الإسلامي – ينتقل إلى النقد التحليلي التفصيلي لمنطق أرسطو مستعملا منهجية منطقية موضوعية، بعد دراسته لهذا المنطق الذي يراه دخيلا على الإسلام، فإذا به يحدد نقده على ثلاث مستويات تمشيا مع التقسيم الثلاثي التقليدي الكلاسيكي لموضوعات المنطق اليوناني (التصورات[75] – التصديقات – البرهان).

أولا؛ على مستوى الحدود أو التصورات. ثانيا؛ على مستوى القضايا أو التصديقات. ثالثا؛ على مستوى الاستدلال عن طريق القياس أو البرهان…

1. بالنسبة لنقد ابن تيمية لمنطق أرسطو على مستوى “الحدود أو التصورات” نراه يقول في كتابه “نقض المنطق”[76]: قولهم: “أن التصور الذي ليس ببديهي لا ينال إلا بالحد “باطل”، لأن الحد هو قول الحاد، فإن الحد هنا هو القول الدال على ماهية المحدود، فالمعرفة بالحد لا تكون إلا بعد الحد، فإن الحاد الذي ذكر الحد إن كان عرف المحدود بغير حد بطل قولهم “لا يعرف إلا بالحد”، وإن كان عرفه بحد آخر، فالقول فيه كالقول في الأول… فإن كانت الأصول لا تتصور إلا بالحدود، لزم ألا يكون إلى الآن أحد عرف شيئا من الأمور…[77] وهذه سفسطة ومغالطة”.

ويتابع ابن تيمية انتقاد المناطقة في زعمهم القائل: إن معرفتنا للأشياء لا تتم إلا بوضع حدودها وتحديد تعريفاتها، وصياغة الألفاظ الدالة عليها، فيقول “ومعلوم أن علوم بني آدم حاصلة بدون ذلك، وبطل قولهم أن معرفتنا متوقفة عليها” وقد استغنى الأنبياء عنها، وكذلك العلماء والعامة لم يكونوا يقولون بهذه الحدود، حتى جاء من تكلف وقال بها… إن الله جعل لبني آدم حواسهم الظاهرة والباطنة التي يعرفون بها الأشياء ويتصورونها في أذهانهم دون صياغة هذه الحدود… إن الحدود من باب الألفاظ، وتصور الشيء في الذهن سابق عن اللفظ…”.

وهكذا يستمر ابن تيمية في كتابه المذكور، وكذلك في كتابه “الرد على المنطقيين” مبينا أن معرفة الأشياء “المقولات” يمكن الاستغناء عنها بتصورها في أذهاننا دون تحديدها وتعريفها بالألفاظ، أو على الأقل ليس من الضروري دائما وضع حدود لكل التصورات، لأن ذلك يشق على الناس، ولأن هذه الحدود لا تأتي على ذكر كل ماهيات الشيء المحدود، مهما حاول الحاد تدقيق ذلك، كما أن وضع هذه الحدود، إذا كانت لا بد، فإنها تأتي بعد التعرف على الشيء ذهنيا وتجريديا، كزيادة في العلم، وليس أن التصور لا ينال إلا بالحد كما يزعم المناطقة…

2. أما بالنسبة لانتقاد ابن تيمية للمنطق على مستوى “التصديقات أو القضايا”، فإننا نعلم أنه لم يفصل في هذه الانتقادات، بين الحدود والقضايا، وذلك على أساس أن التصورات أو الحدود، تهدف إلى صياغة القضية بحدودها ومقدماتها، ثم يأتي دور التصديقات لإثبات أو نفي الحكم، اعتمادا على الدلالة، وما يستقر في العقل من معاني هذه الدلالة في مجال البيان والتبيين، وآثار هذا البيان في قلب المستمع أو المخاطب، ومن ثم تحمس ابن تيمية لصدق القضايا المنطقية القائمة على التجربة والحس والتواتر، أكثر من القضايا الكلية[78]، لأن هذه الجزئية الأخيرة الله أعلم بها لعلمه سبحانه المحيط بالكليات والجزئيات معا، إلا أن ابن تيمية لا يرى بأسا من تصديق القضايا الكلية في مجال الرياضيات، وفي مجال الأمثلة المنطقية الواقعية كقول الرسول، صلى الله عليه وسلم،: “كل مسكر خمر”.

وعلى القارئ أن يتتبع النقد كاملا في “الرد على المنطقيين” وكذلك في كتابه الثاني: “نقض المنطق” ضمن فتاويه الكبرى…

3. بالنسبة لنقد ابن تيمية للمنطق على مستوى الاستدلال قياسا واستقراء وتمثيلا[79]، نراه يقول في كتابه “نقض المنطق”.

“إذا كانت المقدمتان معلومتين، وألفتا على الوجه المعتدل، فإن ذلك يفيد العلم بالنتيجة، وقد جاء مثل هذا في صحيح مسلم مرفوعا: “كل مسكر خمر وكل خمر حرام”، إلا أن مثل هذه الصور القياسية، هي فطرية لا تحتاج إلى تعلم، بل هي عند الناس بمنزلة الحساب، ولكن هؤلاء يطولون العبارات ويغربونها”[80] ثم يضيف قائلا: ” وكذلك تقسيم القياس إلى الحملي الإفرادي والاستثنائي التلازمي والتعاندي وغير ذلك ففيه ما هو باطل، بالإضافة إلى ما فيه من تطويل الكلام وتكثيره بلا فائدة، ومن سوء التعبير والغي في البيان، أما ما فيه من منفعة ففطري…” ثم يقول: “وقد تبين لك أن القضايا التي عندهم مواد البرهان وأصوله، ليس فيها قضية كلية للأمور الموجودة، وليس فيها ما تعلم به القضية الكلية إلا العقل المجرد الذي يعقل المقدرات الذهنية، وإذا لم يكن في أصول برهانهم علم بقضية عامة للأمور الموجودة لم يكن في ذلك علم…”.

وقد انتقد ابن تيمية أيضا كون المناطقة حصروا الأدلة في ثلاث: القياس، الاستقراء، التمثيل، فقال: “إن حصرهم الأدلة في هذه الأقسام الثلاثة لا دليل عليه”[81]، وللقارئ أن يتتبع نقد ابن تيمية كاملا في كتابيه المذكورين، وبعد أن حلل ابن تيمية منطق اليونان هذا، وانتقده موضوعيا ومنطقيا على مستوياته الثلاث: حدودا وقضايا واستدلالا، وبين لنا مواطن الخطأ فيه، وأن كل قضاياه ليست صحيحة دائما، نراه يقول كخلاصة لنقده لهذا المنطق: “أما بعد فإنني كنت أعلم دائما أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد” وتبين لي أن كثيرا مما ذكروه في أصولهم في الإلهيات وفي المنطق، هو من أصول فساد قولهم في الإلهيات، مثل ما ذكروه في الماهيات والذاتيات والحدود والأقيسة والبرهانيات واليقينيات”[82] والذي يتتبع بعمق كل تحليلات وتعليلات وانتقادات ابن تيمية لمنطق اليونان، يستنتج في النهاية، أن نظرية المعرفة أو أسس المنهج المعرفي والمنطقي عند ابن تيمية، شيء يستمد من الفطرة والعقل والنقل والحواس والقلب والوجدان واللغة والبيان، وذلك هو منطقنا نحن معشر المسلمين، ومنطق البشرية، ومنطق الأنبياء والرسل وأتباعهم، قبل ظهور منطق أرسطو هذا… إن المنطق الحق منطق العقل بدل منطق اليونان…

وفي هذا الصدد يقول الدكتور النشار: “إن ابن تيمية يرى أن التسليم بمنطق اليونان يقوض أساس ما بناه المسلمون من أحكام، لا سيما في نطاق الإلهيات، فكانت عبقرية ابن تيمية لا في نقد المنطق الأرسطاطليسي فحسب، وإنما في استخلاص منطق يعبر عن خصائص العقلية الإسلامية، ويحمل طابع الحضارة فيها، ويترك بصمات واضحة في كثير من الاتجاهات المنطقية الحديثة، المباينة لمنطق أرسطو حيث تأثر بنقد ابن تيمية هذا مناطقة الغرب الكبار أمثال بيكون وميل ورسل وفيكتور وكوزان وآرناب ومور وفنبرج ونجنشتين وغيرهم…”[83].

ولعل أحسن تقييم لنقد ابن تيمية لمنطق اليونان، هذا التقييم الذي أورده الدكتور النشار، على لسان الشيخ مصطفى عبد الرزاق حين يقول: “إن الدراسات المنطقية لو سارت منذ عهد ابن تيمية على نهجه في النقد، بدل الشرح والتعمق، لكن بلغنا بها من الرقي مبلغا عظيما”[84]. وإلى هنا ننهي الكلام عن هذا المبحث الثالث، من هذا الجزء الثاني من هذه الدراسة ككل (مباحث في المنطق)، والذي عنوانه: “المنطق عند الحنابلة عموما –ابن تيمية نموذجا–” وقد نعرج عليه مرة أخرى، حين نتحدث عن مبررات الأشاعرة والحنابلة في اتجاهيهما المختلفين نحو منطق اليونان، فيما تبقى من المباحث، على أن يكون المبحث الرابع والموالي من هذا الجزء الثاني من الدراسة ككل، تحت عنوان “مبررات الأشاعرة في دفاعهم عن المنطق – الغزالي نموذجا”.

الهوامش


1. وهو الجزء الذي يشتمل على 6 مباحث أولى.

2. ويمكن أن يقع تغيير طفيف في صياغة عناوين بعض المباحث أو زيادة أو نقصان….

3. الفارابي كما هو معلوم من أصل فارسي تركي، لكنه درس العربية فكان فيلسوفا مسلما.

4. وكذلك ابن سينا فهو من أصل فارسي ببخارة ولكنه درس العربية فكان فيلسوفا مسلما…

5. مع الإشارة إلى أن هناك من سبق الفارابي وابن سينا إلى نقل علوم اليونان إلى العربية.

6. انظر كتاب “الفلسفة العربية” لعمر فروخ ط1/1970–بيروت –ص 188…الخ.

7. هذا الكتاب ألفه الغزالي سنة 488ﻫ.

8. انظر دراستنا المنشورة مؤخرا في ملاحق الفكر الإسلامي تحت عنوان: “علم الكلام والعقيدة الأشعرية بين المعقول والمنقول” جريدة العلم، ماي يونيه يوليوز 94.

9. انظر تعريف المنطق في المبحث الثاني من الجزء الأول من هذه الدراسة.

10. انظر تعريف علم الكلام في دراستنا المذكورة حول الأشاعرة…

11. انظر الدراسة المذكورة…

12. مقدمة ابن خلدون ص485–489-495… الخ ط4 سنة 81، بيروت: دار القلم.

13. من كتاب “الفلسفة العربية” لعمر فروخ المذكور أعلاه، ص87.

14. هذا بالنسبة لفلاسفة الإسلام المشهورين الذين برعوا في شرح كتب أرسطو، كالفارابي وابن سينا مثلا، وإلا فإن الترجمة سبقتهما منذ العباسيين في ق2ﻫ.

15. القاهرة 1939، ج1، ص107 وما بعدها.

16. من مقرر الباكالوريا أدبي، الفكر الإسلامي والفلسفة سنة 94، ص81.

17. انظر كتابه “منطق العرب” دار الطليعة بيروت–ط1 سنة 1980 ص20.

18. مع شيء من التصرف أحيانا…

19. راجع دراستنا “علم الكلام والعقيدة الأشعرية” المشار إليها أعلاه.

20. انظر ملحق الفكر الإسلامي عدد 112–20 ماي 1994.

21. انظر ما قاله ابن خلدون وابن عساكر وغيرهما في الملحق المذكور.

22. انظر الملحق عدد 113 ففيه نبذة عن حياة هؤلاء.

23. انظر كتاب “التهافتان” للدكتور يوحنا قمير.

24. سيأتي التوضيح حين نتحدث عن الغزالي خاصة.

25. وخاصة في المجلد 9 حول المنطق من فتاويه.

26. التمهيد في الرد على المجلدة والرافضة والمعتزلة.

27. ص 465 من المقدمة ط4 سنة 81–بيروت.

28. ص 8-9 من كتابه “الخطاب الأشعري” لبنان–92.

29. انظر دراستنا المشار إليها، وقارن بابن خلدون.

30. انظر “التهافتان” المذكور أعلاه.

31. من كتاب “الفلسفة العربية” للدكتور عمر فروخ، بيروت: دار العلم للملايين، ط1، سنة 1970، ص249.

32. كتابه “فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال”.

33. ص 478–479 من المقدمة المذكورة.

34. ص 48 نفس المصدر.

35. الدكتور عمر فروخ في كتابه المذكور ص 283.

36. للدكتور عادل فاخوري، ط1، سنة 80، بيروت.

37. “المنقذ من الضلال” للغزالي…

38. من أعراضه التشاؤم والضيق والهم والضعف… (انظر التوضيح في كتابه فروخ المذكور، ص186).

39. ص 195 من المصدر السابق.

40. انظر “التهافتان” ليوحنا قمير.

41. كتابه “المنقذ من الضلال”.

42. ص 193 من كتابه أعلاه.

43. “المنقذ”، “التهافتان”.

44. ص185–186 من كتاب فروخ أعلاه.

45. بيروت: دار العلم الحديثة، ج1.

46. انظر فاخوري أعلاه، ص29-35.

47. انظر المباحث السابقة الـ 6.5.4 من الجزء الأول.

48. انظر ضحى الإسلام لأحمد أمين ج1 ط8 ص 408–1972.

49. كتابه “الأئمة الأربعة” دار القلم لبنان 1409ﻫ.

50. من كتاب “أحمد بن حنبل” للشيخ عويضة، ص70.

51. المصدر نفسه.

52. كتابه “مناقب ابن حنبل”.

53. كتابه “تاريخ الذهبي”.

54. كتابه “أحمد بن حنبل”.

55. انظر كتاب الشيخ محمد عويضة المذكور.

56. انظر “حلية الأولياء” للأصفهاني.

57. ص48 من كتابه المذكور أعلاه.

58. من ص 111 حتى ص114 من كتابه المذكور.

59. باب 27 من كتابه “مناقب ابن حنبل”.

60. ص 69 من كتابه.

61. كتابه “أحمد بن حنبل المذكور.

62. من كتاب الشيخ محمد عويضة، ص81، 85.

63. أبو زهرة، ابن جزي، طبقات الحنابلة.

64. انظر كتاب “دروس في الحركة السلفية” للمجموعة منشورات عيون البيضاء.

65. فتاوى ابن الصلاح المتوفى سنة 643ﻫ.

66. ص 99 حتى ص105 من كتاب عويضة المذكور.

67. وخاصة كتاب “طبقات الحنابلة” لابن أبي يعلى.

68. انظر “الحسنة والسيئة” لابن تيمية محققا.

69. الدكتور النشار في تراث الإنسانية.

70. من تراث الإنسانية، ج7، ص105.

71. انظر التراث، والحسنة والسيئة” لابن تيمية محققا.

72. انظر المصدرين السابقين.

73. من تراث الإنسانية، م، س، ص105.

74. فتاوي ابن تيمية في 37 مجلدا.

75. من التراث، ص106.

76. في تحقيقه لكتاب ابن تيمية “الرد على المنطقيين”.

77. من التراث، ص116.

78. انظر ج1 من دراستنا هاته حول المنطق.

79. ص 44 من كتابه “المنطق” ج9 من فتاويه.

80. نفس المصدر.

81. انظر ج1 من دراستنا هاته.

82. نفس المصدر.

83. نقض المنطق.

84. الرد على المنطقيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق