مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

لا تَسْكُنْ إلى نَفْسِك…

كانت دعوة رجالات التصوف وأهله، ولا تزال، موجهة إلى إصلاح النفوس وتهذيبها، والرقيّ بها في مدارج السالكين، سائرة لربّ العالمين، فترقية النفس وأخذها بالمجاهدة والرياضة، من كونها أمّارة إلى كونها لوّامة، وملهمة، وراضية، ومَرْضيّة، ومطمئنّة، كان هو الهدف الرئيسي من صحبة المريدين لشيوخ التصوف، الذين يتوفرون على العلم بالشريعة والحقيقة، والمعرفة الراسخة، والخبرة والدراية، التي تؤهلهم لتزكية النفوس وتطهيرها، وتنقيتها من القبائح والرذائل العقدية والخلقية، وتجميلها بالفضائل ومحاسن الصفات.

ولما للنفس من دور في ترقّي المريد أو تردّيه، أَوْلاها شيوخ التربية الصوفية أهمية قصوى، فنبّهوا مريديهم إلى خطورتها، وكيفية السبيل إلى رياضتها ومجاهدتها، وعدم الانصياع إلى رغباتها، من هؤلاء الإمام الجنيد رضي الله عنه، الذي كانت له أقوال ومواقف، أسهمت في تقريب هذا المفهوم، وهذه بعضها:

– يقول الجنيد: النفس الأمارة بالسوء هي الداعية إلى المهالك، المعينة للأعداء، المتبعة للهوى، المتهمة بأصناف الأسواء[1].

– قال رضي الله عنه: لا تسكن إلى نفسك، وإن دامت طاعتها لك في طاعة ربك[2].

– يقول رحمة الله عليه: من أعان نفسه على هواها، فقد أشرك في قتل نفسه؛ لأن العبودية ملازمة الأدب، والطغيان مناف للأدب[3].

– روي عن جعفر الخلدي قدس الله سره أنه قال: كان الجنيد قدس الله سره يوصي الرجل، ويقول: قدّم نفسك وأخّر عزمك، ولا تقدم عزمك وتؤخر نفسك، فيكون فيها إبطاء كثير[4].

– قال الجنيد رضي الله عنه: الأحوال كالبروق، فإن بقيت فحديث نفس[5].

– يقول قدس الله سره: أساس الكفر قيامك على مراد نفسك، لأن النفس الدنيئة لا تتصل بحقيقة الإسلام، وتجتهد أن تبعد عنها، ومن التفت أنكر، ومن أنكر أشرك[6].

– قال الجنيد: أرقت ليلة، فقمت إلى وردي، فلم أجد ما كنت أجده من الحلاوة والتلذذ بمناجاتي، فتحيرت، فأردت أن أنام، فلم أقدر، فقعدت، فلم أطق القعود، ففتحت الباب، وخرجت، فإذا رجل ملتف في عباءة، مطروح في المقابر على الطريق، مغطى الرأس، فلما أحس بي رفع رأسه، وقال: يا أبا القاسم، إليّ الساعة. فقلت: يا سيدي من غير موعد؟ فقال: بلى، قد سألت محرك القلوب أن يحرك إليّ قلبك. فقلت: فقد فعل ذلك، فما حاجتك؟ فقال: متى يصير داء النفس دواءها؟ فقلت: إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها. فأقبل على نفسه، وقال: اسمعي، قد أجبتك بهذا الجواب سبع مرات، فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيد، فقد سمعتِ، وانصرف عني، ولم أعرفه، ولم أقف عليه بعد[7].

– كتب يوسف بن الحسين إلى الجنيد: لا أذاقك الله طعم نفسك؛ فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرا أبدا[8].

– قال الجنيد: الأقوات ثلاثة: فقوت بالطعام وهو مُولِّدٌ للأعراض. وقوت بالذكر فهذا يشممهم الصفات، وقوت برؤية المذكور، وهو الذي يفنى ويبيد، ثم أنشد يقول[9]:

إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها      فلم تلبث النفس التي أنت قوتها

يحكى أن عبد الله بن الجلاء قال: رأيت ذات يوم نصرانيا حسن الوجه، فتحيّرت في جماله، وتوقفت قِبله، فمرّ عليّ الجنيد قدس الله سره، فقلت: يا أستاذ، هل يحرق الله تعالى مثل هذا الوجه بنار الجحيم؟ فقال رضي الله عنه: يا بني، هذه سويقة النفس التي تحملك على هذا، لا نظرة العبرة؛ لأنك إذا نظرت بالعبرة في كل ذرة من الموجودات، فهذه الأعجوبة موجودة[10].

– يقول الجنيد: كان يعارضني في بعض أوقاتي أن أجعل نفسي كيوسف، وأكون أنا كيعقوب، فأحزن على نفسي لما فقدت منها، كما حزن يعقوب على فقده ليوسف، فمكثت أعمل مدة فيما أجده على حسب ذلك[11].

– قال الجنيد قدس الله سره: النفس التي قد أعزها الحق بحقيقة الغنى، تزول عنها موافقات الفاقات[12].

– وقف الشبلي على الجنيد، فقال: ما تقول يا أبا القاسم فيمن وجوده حقيقة لا علما؟ فقال: يا أبا بكر، بينك وبين أكابر الناس سبعون قدما، أدناها أن تنسى نفسك[13].

– يقول الجنيد: أعلى درجة الكِبْر أن ترى نفسك، وأدناها أن تخطر ببالك[14].

– سئل الجنيد –رحمه الله تعالى- عن الإخلاص، فقال: إخراج الخلق من معاملة الله تعالى، والنفس أول الخلق[15].

– ورد عن الجنيد رضي الله عنه أنه أصابته الحمى مرة، فقال: يا إلهي! عافني، فنودي في سره: من أنت حتى تتكلم في ملكي وتختار، وأنا أعرف تدبير ملكي أحسن منك، فاختر اختياري، ولا تُظهر نفسك باختيارك[16].

– جاء الشبلي إلى الجنيد رضي الله عنه، فقال له الجنيد: يا أبا بكر! إن في رأسك نخوة تجعلك تقول: أنا ابن حاجب حجاب الخليفة، وأمير سامراء، ولن يتأتى منك أمر ما لم تذهب إلى السوق، وتسأل كل من ترى، حتى تعرف قيمة نفسك، ففعل كذلك[17].


[1] الرسالة القشيرية، القشيري، ص: 86.

[2] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، 287/10.

[3] عوارف المعارف، السهروردي، 300/1.

[4] كتاب البياض والسواد من خصائص حكم العباد في نعت المريد والمراد، أبو الحسن السيرجاني، ص: 217.

[5] الرسالة القشيرية، ص: 39.

[6] كشف المحجوب، الهجويري، ص: 230.

[7] الرسالة القشيرية، ص: 86.

[8] سير أعلام النبلاء، الذهبي، 294/14.

[9] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصفهاني، 294/10.

[10] كشف المحجوب، الهجويري، ص: 164.

[11] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 291/10.

[12] اللمع، السراج الطوسي، ص: 292.

[13] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 289/10.

[14] سير أعلام النبلاء، الذهبي، 68/14.

[15] اللمع، ص: 290.

[16] تاج العارفين الجنيد البغدادي، سعاد الحكيم، ص: 204.

[17] المرجع السابق، ص: 205.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق