مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةمفاهيم

قواعدُ في صناعة الشعر (الحلقة الأولى)

الشعرُ نظم رائق، وكلام فائق، وهو كذلك: «صناعةٌ، وضرب من النّسج، وجنس من التّصوير(1)»، كما يقول الجاحظ، وأحسن الناشئ الأكبر حين قال: «الشِّعر قيدُ الكلام، وعِقالُ الأدب، وسُورُ البلاغة، ومَحَلُّ البراعة، ومَجَالُ الجَنان، ومَسْرحُ البيان، وذريعةُ المُتوسِّل، ووسيلة المُتوصَّل، وذِمامُ الغريب، وحُرمةُ الأديب، وعِصمة الهارب، وعُذر الراهب، وفَرْحَة المتمثل، وحاكم الإعراب، وشاهد الصواب(2)».

ولعظم خطرهِ وشرف قدره حرص العرب على قرضه وإنشائه، واهتموا بسماعه وإنشاده؛ لأنه «ديوان علمهم, ومنتهى حُكمهم, وبه يأخذون, وإليه يصيرون(3)»، وأُثر عن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- أنه قال: «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه(4)»، كما كان للشاعر مكانة ووجاهة، ويقدمونه على الخطيب؛ «لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم ويفخِّم شأنهم، ويهوِّل على عدوِّهم ومن غزاهم، ويهيِّب من فرسانهم، ويخوِّف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعرُ غيرهم فيُراقب شاعرَهم(5)».

ويدل أيضا على جلالة قدره، ونباهة ذكره، قولُ ابن رشيق القيروانيّ: «كانت القبيلة من العَرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حمايةٌ لأعراضهم، وذبّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم(6)».

ولسموِّ هذا الضرب من الكلام، وكونِ من يتكلف نظمَه قبل اشتداد عُودِه غَرضاً للنّاقدين وهدفاً للطاعنينَ كانَ زُهير ينهى ابنه كعباً في أول أمرهِ من قول الشّعر ويضربهُ «مخافةَ أن يكون لم يستحكِمْ شعرُه فيُروَى له ما لا خيْرَ فيه(7)»،  ولصونه أيضًا أنْ يكون مبتذلا بين العوَامّ عُني العلماء بنقده، وتحدثوا في محاسنه، وبسطوا القول في آداب الشاعر؛ أي الأدوات التي يجب تحصيلُها قبل ممارستهِ، وإعدادُهَا قبل تكلُّفِ صناعتهِ، ولله درّ ابن طباطبا العلويِّ حينَ قال: «وللشِّعْرِ أَدَوَاتٌ يجبُ إعدادُهَا قَبْلَ مَرَامِهِ وتكَلُّف نَظْمِه، فَمَنْ نَقَصَتْ عَلَيْهِ أداةٌ من أدواتهِ لم يَكْمُلْ لَهُ مَا يَتَكَلَّفهُ مِنْهُ، وبَانَ الخَلَلُ فِيمَا يَنْظمهُ، ولحِقَتْهُ العُيوبُ من كلِّ جِهَةٍ(8)».

ومن الكتب التي اهتمّت بآداب الشاعر، وعنيت بذكر أدوات الشعر ما يلي:

–  عيار الشعر، لابن طباطبا العلوي (ت:322هـ)

–  نقد الشعر لقُدامة بن جعفر (ت:337هـ)

– حلية المحاضرة، للحاتميّ (ت:388هـ)

–  كتابُ الصناعتين لأبي هلال العسكري (ت:395هـ)

– زهر الآداب وثمر الألباب، للحصري (ت:453هـ)

–  العمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيروانيّ (ت:463هـ)

– جواهر الآداب وذخائر الشعراء والكُتّاب، لابن السرّاج الشنترينيّ (ت: 549هـ)

– المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين بن الأثير (ت:637هـ)

–  تحرير التحبير، لابن أبي الأصبع العدواني (ت: 654هـ)

– نضرة الإغريض في نصرة القريض، للمظفّر العلوي (ت:656هـ)

وسنذكر في الحلقات القادمة تلكم الأدواتِ واحدةً واحدةً، إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) الحيوان (3/132)

(2) البصائر والذخائر (5/218-219)

(3) طبقات فحول الشعراء (1/24)

(4) طبقات فحول الشعراء (1/24)

(5) البيان والتبيين (1/241)

(6) العمدة (1/65)

(7) الأغاني (17/89)

(8) عيار الشعر (ص:6)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق