مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

قراءة في كتاب:

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

من غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة،
 للعلامة محمد المدني بن علي
ابن جلون.
ويليه:
إعلام الجلة الأعلام بمن غير النبي صلى الله عليه وسلم
مالهم من الأعلام،
للعلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني الحسني.
 تحقيق: د. عبد الله عبد المومن.

 إعداد: د عبد الغني يحياوي         

أستاذ الفقه وأصوله بكلية أصول الدين تطوان.

 الحمد لله العليم الحكيم الذي له الاسماء الحسنى والنعوت وبيده الملك والملكوت والصلاة والسلام على صاحب خير الأسماء وأجملها النبي المصطفى والرسول المجتبى سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء بالشريعة السمحة ليخرج الناس من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى فكان همه  تحسين أخلاق الناس وسموها حتى يتوافق المظهر مع المخبر والظاهر مع الباطن، فقال عليه السلام “إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق”، فغير أخلاق الناس من الأسوأ الى الأفضل وحبب لهم الفضائل وكره لهم المقابح، فلم يقتصرعلى هذا بل غير كل اسم قبيح مرذول إلى حسن مقبول، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى صحابته الغر الميامين الذين ساروا على نهجه واقتفوا أثره ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

أما بعد:

فضيلة الدكتور بدر العمراني  المحدث الأديب الأريب رئيس مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

فضيلة الدكتور يوسف الزايدي الفقيه الألمعي.

فضيلة الدكتور عبد الله عبد المومن الأصولي البارع النظار.

السادة الأساتذة الفضلاء، الطلبة النجباء، الحضور الكريم.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

لا يفوتني في هذا المقام أن أجدد شكري وامتناني لأخي الفاضل وصديقي العزيز فضيلة  الدكتور بدر العمراني على دعوته الكريمة للمشاركة في النشاط العلمي المتميز التي تلقيتها بفرح وسرور، ومن خلاله أشكر الساهرين على هذا المركز الرائد في مجاله.

 السادة الحضور فهذا جمع مبارك نحتفي فيه بالسنة الشريفة والسيرة العطرة، وذلك من خلال  قراءة في كتاب “من غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة”، للعلامة محمد المدني بن علي ابن جلون. ويليه: “إعلام الجلة الأعلام بمن غير النبي صلى الله عليه وسلم مالهم من الأعلام”، للعلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني الحسني. المنتميان الى أواخر القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر وهو من تحقيق: فضيلة الدكتور عبد الله عبد المومن استاذ التعليم العالي بالسمارة.

 وسأتناول هذه القراءة في أربعة محاور:

أولا: وصف الكتاب.

ثانيا: أهمية الكتاب وقيمته العلمية.

ثالثا: نظرات في منهج وقضايا الكتاب.

رابعا: خلاصات ونتائج.

أولا: وصف الكتاب:

هذا الكتاب من منشورات  مركز عقبة بن نافع التابع للرابطة المحمدية للعلماء قدم له الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء فضيلة الدكتور أحمد العبادي وراجعه الدكتور بدر العمراني وهو من تحقيق فضيلة الدكتور عبد الله عبد المومن الذي جمع فيه بين كتابين: “من غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة”، للعلامة محمد المدني بن علي ابن جلون. ويليه: “إعلام الجلة الأعلام بمن غير النبي صلى الله عليه وسلم مالهم من الأعلام”، للعلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني الحسني.

يقع الكتاب في حوالي 260 صفحة من الحجم المتوسط ، حيث قسمه المحقق إلى قسمين الأول للدراسة والثاني للتحقيق،

  القسم الأول جاء في حوالي 70 صفحة، وصاغه في بابين، عنون الباب الأول ب “التعريف بالمؤلف والكتاب” وقسمه إلى ثلاثة فصول:

الفصل الأول: ترجمة العلامة محمد المدني بن جلون.

الفصل الثاني: ترجمة العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني.

الفصل الثالث: تعريف وتوصيف النسخ المعتمدة.

 أما الباب الثاني فخصصه لدراسة موضوع الكتابين وجعله في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: أهمية الموضوع والحاجة إليه.

الفصل الثاني: التاريخ والمنهج.

الفصل الثالث: منهج تحقيق الكتابين.

أما القسم الثاني المتعلق بالدراسة فتجاوز المائة صفحة، افتتح بكتاب “من غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة للعلامة المدني ابن جلون (ت1298هـ) في حوالي 24 صفحة، ثم أتبعه المحقق بملحق بأسماء الصحابة الذين استدركهم على المؤلف وهذا جاء في حوالي 8 صفحات. ثم بعد ذلك أورد الكتاب الثاني  “إعلام الجلة الأعلام بمن غير النبي صلى الله عليه وسلم مالهم من الأعلام للعلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني (ت1334هـ) والذي يقع في حوالي 70 صفحة. وأتبعه بملحق أورد فيه ما جاء في النسخة المخطوطة من تعليقات وفوائد للمؤلف في صفحات مختلفة منه استغرقت أربع صفحات.

ثم بعد ذلك أورد المحقق الفهارس العامة فهرس الآيات القرآنية ثم فهرس الأحاديث النبوية ففهرس الأعلام وأتبعه بفهرس للأشعار وآخر للمصادر والمراجع  ففهرس محتويات الكتاب.

 وذُيل الكتاب في آخره بملخص له باللغات الثلاث الفرنسية والانجليزية والاسبانية من ترجمة مركز عقبة بن نافع.

هذا وصف مختصر للكتاب نسأل الله العظيم أن ينفع به ويجزي القائمين على طبعه خيرا، وأن يبارك في جهود محققه ويجزل له المثوبة كما نسأله سبحانه وتعالى أن يرحم العالمين الجليلين برحمته الواسعة.

ثانيا: أهمية الكتاب وقيمته العلمية:

لقد أحسن الدكتور عبد الله عبد المومن لما اقتحم موضوعا من المواضيع النادرة التي قَـلت الكتابة فيها عند القدامى فضلا عن المعاصرين،وهو مجال الاعتناء  بالأسماء وحسن اختيارها وخاصة ما يتعلق بالأسماء التي غيرها رسول الله صلى عليه وسلم للصحابة وغيرهم، حيث أخرج لنا الدكتور كنزا ثمينا طاله الغبار وهدده الاندثار فبذل مشكورا مأجورا مجهودا مقدرا حتى رأى هذا العمل البديع المتقن النور.

 وهذا الكتاب الذي بين أيدينا له أهمية كبرى وقيمة عظمى، وذلك أن الأمة في أمس الحاجة إليه، بل له راهنيته في كل زمان وفي زماننا على وجه الخصوص نظرا لما أصاب الأمة من تغريب وبعد عن أصالتها فيما يتعلق بالأسماء، ففي المغرب مثلا والكل يعرف أننا إلى عهد قريب كانت أغلب أسمائنا مستندة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن” ويستندون كذلك إلى حديث ولو أنه لم يصح لكن معناه صحيح وهو”خير الأسماء ما عبد وحمد” فكنا نرى أن أكثر الأسماء تبدأ ب (عبد) وكانوا يكثرون من تسمية محمد وأحمد تيمنا بالرسول الكريم وكانوا يسمون العربي وكذلك التهامي وبنقاسم  والمدني والمكي والبشير وغيرها، وكذلك كانوا يتأسون بأسماء الصحابة خاصة فكانوا يكثرون من تسمية عمر وعلي ثم أبوبكر والعباس وغيرها من الأسماء، أما أسماء النساء فأكثر الأسماء تداولا آمنة وحليمة وخديجة وفاطمة وصفية وزينب، فهذا حال الذين سبقونا مع الأسماء أما حالنا اليوم فقد تغير وأصابه ما أصابه من هزات ورجات، حيث انسلخ البعض عن هويته وأصبحت بعض الأسماء تستورد من الغرب ومن المسلسلات المدبلجة وغيرها دون إدراك معانيها ودلالاتها.

وعليه فالكتاب له أهميته وقيمته وهو بيان لسنة الرسول الكريم واحتفاء بالصحابة الكرام رضوان الله عليهم قصد التأسي بهم، ومما يبرزه هذا الكتاب أيضا عناية المغاربة بهذا المنزع اللطيف والإبداع فيه، حيث أنهم أبلوا فيه بلاء حسنا. وإن طبع هذا الكتاب ليعتبر إضافة نوعية للمكتبة الإسلامية .

ما ذكرناه يبين بجلاء أهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية، فهو مفيد للعامة والخاصة  إذ لا يخفى على كل عاقل أهمية الأسماء والكنى وما لها من دلالات ومالها من تأثير على شخصية حاملها إذا أدرك كنهها ووعي مغزاها، لأن الاسم عنوان المسمى ، ودليل عليه، والإسلام له فلسفة خاصة في الأسماء تميز بها عن غيره، فكل اسم لا يتناسب مع عقيدتنا وشريعتنا فالأولى أن يغير ويبدل ولذلك قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: ” وهذا باب عجيب من أبواب الدين وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل” تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 52)

ثالثا: نظرات في منهج وقضايا الكتاب:

 هذا المحورهو عبارة عن إشارات ونظرات  فيما يتعلق بمنهج الكتاب وقضاياه، ولذلك سأقسمه إلى ثلاثة أقسام:

أ‌- نظرات في منهج وقضايا كتاب العلامة محمد المدني ابن جلون.

ب‌- نظرات في منهج وقضايا كتاب العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني.

ت‌- نظرات في المنهج والقضايا في عمل المحقق عبد الله عبد المومن.

قبل الخوض في الحديث عن المنهج والقضايا في هذا الكتاب  لا بد أن أذكر هنا أمورا تتعلق بهذين العلمين الجليلين والقواسم المشتركة بينهما:

1- اتحاد موطنهما فكلاهما من أهل مدينة فاس العالمة فبها نشآ وبها ماتا وقد عاش الأول  في أواخر القرن الثالث عشر حيث توفي سنة 1298 والثاني ولد سنة قبل وفاة الأول وتوفي 1334هـ.

2- كلاهما لم يعمر طويلا فالأول عاش 34 سنة والثاني 37 لكنهما خلدا اسمهما في التاريخ لما تركاه من تراث علمي رصين في مواضيع مختلفة.

3- اهتمامهما بالصحابة وسيرتهم، فكلاهما كتبا فيمن غير الرسول أسماءهم، ولكل منهما مؤلف فيمن أردفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفهن وهذا يدل على سبق المغاربة وإبداعهم فيما يتعلق بالصحابة.

أ‌- نظرات في منهج وقضايا كتاب العلامة محمد المدني ابن جلون.

العنوان: من غيّر النبي صلى الله أسماءهم من الصحابة.

يظهر من خلال هذا العنوان أن المؤلف رحمه الله كان في نيته أن يجمع كل من غير النبي أسماءهم من الصحابة لكن الأجل لم يسعفه كما أشار إلى ذلك عبد الرحمن بن جعفر الكتاني حيث قال: “إن شيخ بعض شيوخنا الشيخ الإمام العلامة الهمام أبا عبد الله سيدي محمد المدني بن الشيخ سيدي علي بن جلون كان رحمه الله قد شرع في مؤلف يحتوي على ذكر من غير أسماءهم سيد الأنام صلى الله عليه وسلم إلى غيرها من الأعلام، فعاقه عن إكماله بلوغ الأجل، والأمر لله كيف ما شاء فعل…” وكان على هذا العالم الجليل ان يقيد العنوان ب “بعض من غير..” كما ذكرها في مقدمة كتابه حيث قال” قد ظهر لي أن أتقرب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ببعض من غير المصطفى صلى الله عليه وسلم اسمه” ومما يلاحظ عند تصفح الكتاب أن بعض ما ذكره من أعلام لا يتناسب مع العنوان “من غير النبي أسماءهم من الصحابة” حيث لم يقتصر على الصحابة فقط، فنجده يذكر مثلا تغيير اسم يثرب إلى طيبة أو طابة وتغيير اسم أحد الكفار من راهب إلى فاسق وتغيير اسم جبل من من كشر إلى شكر وأرض كانت تسمى عفرة فسماها خضرة وغَير اسم مورد ماء من بيسان إلى نعمان وذكر أسماء بعض القبائل التي غير رسول الله أسماءها كبني مغوية فسماهم بني رشدة.

أما عن منهجه فلم يصرح به وقد يرجع ذلك إلى أنه كان يجمع كل ما وقف وكان نيته أن يرتبه ويضع له منهجا لكن الموت حال دون أن إكمال المراد، فقد قال في مقدمة الكتاب بعد الحمد والصلاة على رسول الله: “قد ظهر لي أن أتقرب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ببعض من غير المصطفى صلى الله عليه وسلم اسمه مما وقفت عليه متفرقا في دواوين عدة فأقول وحسبي الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…”

لكن مما تميز به عمله هو الدقة في النقل والتعليق على الأحاديث واعتماده على مراجع متعددة من فنون مختلفة وخاصة كتب المغاربة، ويذكر الكتاب والصفحة في الغالب.

أما اسلوبه ولغته فلم تظهر لي جلية واضحة لكي أحكم عليها نظرا لأن أكثر ما ذكره رحمه الله هي نقول جمعها من هنا وهناك، لكن هذا يُظهر للقارئ حسن التنسيق والربط بين الكلام السابق واللاحق، مما جعل ما أورده منسجما مسترسلا. لكن لابد أن نذكر هنا أن الرجل عرف بتضلعه في علوم مختلفة وكثرة تآليفه كما هو موضح في ترجمته.

ولقد ذكر العلامة محمد المدني بن علي ابن جلون حوالي 60 اسما ممن غير الرسول صلى الله عليه وسلم أسماءهم، ويكفيه فخرا أنه طرق هذا الباب وشرع في فتح مغاليقه ليتمه من يأتي بعده. رحم الله العلامة ابن جلون وأجزل له المثوبة.

ب‌- نظرات في منهج وقضايا كتاب العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني.

عنوان الكتاب هو “إعلام الجلة الأعلام بمن غير النبي صلى الله عليه وسلم ما لهم من الأعلام”

يعتبر هذا الكتاب تكملة لما بدأه ابن جلون رحمه الله تعالى، لكنه كان ممنهجا أكثر من سابقه وهذا يظهر من خلال العنوان أولا حيث لم يتقيد رحمه الله فيه بالصحابة، على اعتبار أن من غير النبي أسماءهم لا يقتصر على الصحابة بل تعداه إلى الكفار والأمكنة والقبائل وغيرها.

أما عن منهجه في التأليف فيحدثنا عنه في مقدمة كتابه حيث قال: “ورتبت على حروف المعجم أسماءهم الشريفة، لأن ذلك مما يستحسنه ذوو العقول الظريفة، وأعتبر في ذكر أسمائهم الثاني دون الأول، لأن الثاني سماهم به سيد الخلائق فعليه يكون المعول، وذكر الأول دون الثاني فيه من سوء الأدب ما لا يخفى على ذوي العقول الراجحة والمعاني”

فهذا يُظهر أن الرجل سطر منهجه واحترمه أثناء بسط قضايا الكتاب، فجاء العنوان منسجما مع المضمون، بل بين مقاصد المنهج  الذي اعتمده والعلل التي دعته لاختياره. فقد اعتمد الترتيب الألفبائي في ترتيب الأعلام، وجعل الاسم المعتبر في الترتيب هو الاسم الذي صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا الذي كان من قبل.

أماعن لغة العلامة الكتاني فهي رصينة واضحة ينتقي فيها العبارات الواضحة الجلية وكيف لا يكون كذلك وهو من أهل اللغة والبيان ومن عائلة العلم والعلماء. وهذا مما جعل كتابه سهلا ميسرا للقراءة والاطلاع.

 تناول العلامة عبد الرحمن بن جعفر الكتاني حوالي 173 علما في هذا الكتاب ممن غير الرسول صلى الله عليه وسلم أسماءهم أو كناهم، ولم يقتصر رحمه الله على الصحابة فقط بل ذكر أسماء بعض الكفار وأسماء القبائل والحيوانات والأماكن وغيرها التي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءها. وقد ختم كتابه بذكر من غير الرسول صلى الله وسلم أسماءهم من النساء.

المؤلف اعتمد في كتابه على مجموعة من المصادر والمراجع من فنون مختلفة مما يدل على موسوعية الرجل وسعة اطلاعه، أما فيما يتعلق بالأحاديث فكان يدقّق ويحقّق فيها ويعلق عليها ويذكر ضعيفها ومنكرها فمثلا عند حديثه عن يعفور حمار النبي الذي كان اسمه يزيد بن شهاب فعلق عليه بإيراد اقوال العلماء فيه ” هذا حديث منكر… لا أصل له وإسناده ليس بشيء” إلى غير ذلك.

فهذا كتاب بديع فريد جليل الفائدة عظيم القدر، من عالم  فذ شهم متضلع، نفع الله به.

ويلاحظ من خلال كتابي محمد المدني بن علي بن جلون وعبد الرحمن بن جعفر الكتاني أن أكثر الأسماء التي سمى بها رسول الله صلى الله عليه من غير أسماءهم غلب عليها اسم عبد الله حيث ذك  39 مرة، وعبد الرحمن 18 مرة، وعبد العزيز 3 مرات، وعبد القيوم وعبد الجبار مرة واحدة، وهذا منطلقه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن” ومن الأسماء التي وردت محمد ثلاث مرات ومسلم 4 مرات، وأسماء أخرى منها سهل وسعد  وسلم وغيرها.

هذه وقفات مع كتابي هذين العالمين الجليلين ومنهجهما فيهما، لكن أحببت أن أقارن بين ما أتيا به وبين ما أتى به العلامة جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتابه “جزء في من غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم”

فبعد النظر فيه وجدت أن السيوطي رحمة الله عليه ذكر 46 علما ممن غير النبي اسماءهم  منها ثلاثة ألقاب واسمي قبيلتين وأسماء أربع نساء وما تبقى وهو 37 جعلها للصحابة الذين غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماءهم.

أما عن منهج السيوطي فأوردها دون معيار واضح لترتيبها ويذكرها مختصرة يقول مثلا: “وغير أبا الحكم ب أبي شريح أكبر ولده لصلبه أخرجه ابن أبي شيبة” ويقول أيضا”وسمى غافلا عاقلا أخرجه ابن سعد” ففي بعض المرات يذكر مكان ورود الخبر وتارة يذكره دون الاشارة الى مصدره يقول مثلا: “وكان جد الزهري لأمه اسمه عبد الجان فسماه عبد الله”

وعند المقارنة بين جلال الدين السيوطي نجد ابن جلون ذكرعددا أكبر منه وأورد مواطن  الأحاديث والأخبار التي ساقها، لكنهما اتفقا في عدم وضوح منهج الترتيب.

 وإذا أردنا أن نقارن بين العالمين الجليلين السيوطي وعبد الرحمن بن جعفر الكتاني  فنجد أن هذا الأخير ضاعف عدد الأعلام المذكورين أضعافا وقد كان رحمه الله يود لو اطلع على ما كتبه السيوطي حيث قال: “وسبقه الى ذلك جلال الملة والدين أبو الفضل عبد الرحمن السيوطي رحمه الله تعالى رحمة سنية، فألف في ذلك كتابا كما ذكره الشيخ علي الجلبي في السيرة النبوية، وذكر أنه لم يقف عليه ووددت أني وقفت عليه ليكون لي مستندا أرجع عليه” فحتى لو اطلع عليه فلن تكون هناك زيادات أو إضافات نوعية فما أورده السيوطي يوجد عند الكتاني وزيادة باستثناء بعض الأسماء التي ربما وقع التغيير في بعض حروفها. أما عن المنهج وتوثيق الأخبارففرق شاسع بين الأول والثاني. رحم الله الجميع وأجزل لهم المثوبة وبارك في عمر الدكتور عبد الله عبد المومن الذي أخرج لنا هذا السفر النافع.

ت‌- نظرات في المنهج والقضايا في عمل المحقق عبد الله عبد المومن.

إن بصمات المحقق ظاهرة في هذا الكتاب جلية واضحة، ولذلك أقول أنني في الحقيقة استمتعت بقراءة الكتاب أسلوبا ومنهجا وترتيبا وتعليقا واستدراكا وتوضيحا فقد ذلل فضيلته مصاعبه ويسر أفكاره وقرب مطالبه وحل غوامضه وأبرز دقائقه وجلى كنوزه وبين مقاصده فجزاه الله خير الجزاء. ولذلك سنحاول بيان هذه الأمور في الآتي:

–  لقد أحسن بل حالفه التوفيق حين جمع بين هذين الكتابين، وهذا يدل على نباهته وسعة اطلاعه وتمكنه العلمي.

– لقد اختار الدكتور عبد الله عبد المومن منهجا فريدا في تحقيق هذا الكتاب مستصحبا فقه الأولويات وبناء اللاحق على السابق فأجاد وأبدع وأحسن الترتيب والتبويب وكان بارعا في اختيار عناوين الأبواب والفصول والمطالب.

– أما مقدمته للكتاب فهي جامعة مانعة تجلت فيها براعة الاستهلال، أبرز فيها أهمية الموضوع والحاجة اليه واهتمام المغاربة بالكتابة فيه بل سبقهم في هذا المجال وإبداعهم فيه لينتقل بعد ذلك للحديث عن الكتابين.

– لغة المحقق سلسة سليمة معبرة يظهر منها تمكن الرجل علميا وسعة اطلاعه وحسن تعابيره، فللغته جمال ورونق، إذ لا تحقيق بدون التمكن من اللغة ومن الفن المدروس وهذا ما توفر لدى الدكتور عبد الله عبد المومن.

– ما يدلنا على أهمية عمل المحقق هو غنى الهوامش فلا تكاد تفتح صفحة إلا وتجد ما كتب في الهامش أخذ أغلب الصفحة أو جلها، وهي تعليقات وتخريجات نافعة مفيدة تجلي الغوامض والمصاعب، وهذا لا يستطيعه إلا من كان ذا صبر وأناة وحلم وعلم.

– استدراكاته وتعقيباته المتعددة والملحقات التي أوردها من بينها “ملحق بأسماء الصحابة التي استدركهم على العلامة محمد المدني ابن جلون” حيث قال في بداية هذا الملحق: “وقد اقتصرت فقط على ذكر من أوردهم المؤلف رحمه الله ولم يتوسع في استقصاء أسمائهم فاستدركت بعضهم ممن وقفت عليه وتشابهت أصول أسمائهم مع ما ذكره مراعاة لترتيبه الخاص” وأتبع كذلك كتاب عبد الرحمن بن جعفر الكتاني بملحق أورد فيه ما جاء من كلام المؤلف من تعليقات وفوائد في صفحات مختلفة حتى تعم الفائدة.

– رجوعه إلى مراجع ومصادر مختلفة انتقاها بعناية وصلت الى قرابة المائتين وهذا يدل الجهد المبذول في هذا العمل.

– ختم المحقق الكتاب بالفهارس العامة فهرس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأعلام والأشعار والمصادر والمراجع وهي فهارس ضرورية في هذا النوع من التحقيق حيث رتبها وفق منهج علمي دقيق.

رابعا: خلاصات ونتائج :

خلصت من خلال هذه الوقفات مع هذا الكتاب النفيس إلى ما يلي:

–  أهمية هذا الكتاب وحاجة الناس إليه عند العامة والخاصة.

– المبادرة الى تحقيق مثل هذه المخطوطات النفيسة إحياء للتراث الاسلامي وحفظا له من الاندثار.

– تكريس فلسفة الأسماء اعتمادا على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان مقاصد الأسماء ومعرفة مغزاها.

– نشر هذه الثقافة بين الأسر والعائلات والتحسيس بأهميتها سواء على منابر الجمعة أو في المدارس والجامعات.

– الدعوة الى تغيير الاسماء القبيحة حتى تتماشى مع مبادئ الشرع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الأخير أجدد شكري لفضيلة الدكتور بدر العمراني على دعوته الكريمة ولهذه المؤسسة العامرة كما أجدد شكري لكل من الدكتور عبد الله عبد المومن محقق الكتاب وكذلك أخي العزيز فضيلة الدكتور يوسف الزايدي والشكر موصول للحضور بكل باسمه وجميل وصفه على تتبعهم وصبرهم.

وفقنا الله لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق