مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

فتح الله بن أبي بكر البنّاني (1281- 1353ﮪ)

   هو العالم الإمام، العلاّمة الهُمام، نخبة الأعيان، المكسُوِّ بأنوار المهابة والعِرفان، القطب الرباني، الجامع بين الشريعة والحقيقة، وبين حُسْنَي الجلال والجمال، الشيخ الصوفي، سيدي “فتح الله بن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد السلام أبو الفضل بناني، فقيه مالكي شاذلي“،[1] ولد بالرباط سنة 1281، من أسرة فاسية عريقة أبًا عن جد، حيث عُرفت بالعفاف والكفاف، والعبادة والصلاح، فهو ابن العلامة الفقيه سيدي أبي عبد الله بن عبد السلام البناني، الذي توفي وتركه طفلا صغيرا ذي الثلاث سنوات، “… فنشأ وتربى في حجر ساداتنا أكابر أصحاب والده رضى الله عنهم، أحسن نشأة وتربية في طاعة رب البرية، وأحسنوا إليه وإلى إخوته غاية الإحسان، وفاءً بعهد والدهم رضى الله عنه، لمِا له عليهم من كمال الفضل والامتنان”،[2] حيث كان بين أيديهم تلميذا خادما مطيعا، مثلما هو شأن غالب أولاد المشايخ المريدين مع آبائهم. 

   كان رضي الله عنه، وعاء كبيرا للعديد من العلوم والفنون، وأمهات المتون، فقد قرأ القرآن وحفظه على كبار الشيوخ والعلماء، كالشيخ الهاشمي القصري، والشيخ علي بن أحمد النجار وكان منشغلا “بقراءة العلم الشريف، على مشايخ كثيرين في بلدة رباط الفتح…، منهم: أخوه الشيخ زين العابدين، الذي كان هو أيضا علامة وقته وفريد نعته، قرأ عليه شيئا من النحو، والتصريف والبيان، والفقه، والحديث، وغير ذلك…، ثم قرأ على الشيخ سيدي إبراهيم بن سيدي التادلي فنونا عديدة، كالنحو، والأصول، والفقه، والحديث، والتوحيد، حيث أجازه بجميع مروياته إجازتين…، ثم الشيخ سيد الجيلاني بن إبراهيم، عالم خير فاضل، يقول رضي الله عنه في طبقاته: وجُل قراءتنا كانت على هؤلاء الأعلام الثلاثة المذكورين، وبنظرتهم ونظرة الأكابر الذين قرأنا عليهم واجتمعنا بهم، حَصّلتُ ما حَصّلتُ، فإن السر في النظرة“.[3] 

    لقد ارتوى سيدي فتح الله بناني، من مشرب الطريقة الشاذلية الدرقاوية الدباغية، حيث استقاها عن أصحاب  ومريدي والده العلامة الصوفي أبو بكر بن محمد بناني، بعد أن ارتشف رضي الله عنه من علوم كبار شيوخها، وعلمائها، فنبغ فيها حتى أصبح واحدا من خيرتها، تلقى عنهم، وحضر دروسهم، وأخذ إجازاته عنهم، فمن بين أولائك الشيوخ نذكر: العلامة سيدي جعفر الكتاني، والعلامة سيدي بكري العطار الدمشقي، والعلامة محمود الدرغوثي المغربي… وغيرهم كثير.

   ومن الذين تتلمذوا له، وأخذوا عنه، “القاضي أحمد بناني، ومحمد المكي البطاوي وأحمد بن محمد العلمي، وأخوه الماحي، والمامون العلوي، والغازي سباطه، وعمر ملين، وابن عمه العربي والحاج محمد عاشور”،[4] وقد أثنى سيدي أحمد العياشي سكيرج، على الشيخ سيدي فتح الله البناني، في رسالة وجهها إليه، سماها بالثناء الأحمدي، حيث تحدث فيها عن مناقبه، ومنهجه في تربية مريديه، وسالكي طريقته، يقول: “… إنكم غرفتم من بحر المعرفة ما غرفتم، وعرفتم من الأسرار الخاصة بكم مابه طأطأ الجلة لكم رؤوسهم إجلالا لما عرفتم، وما أنا بجاحد لخصوصية خصكم الله بها من أخلاق سَنية، وشمائل سُنية، ومقامات عالية، ومناقب غالية…، أمثالكم الذين يأخذون بأيدي المريدين لنيل المراد، فإنكم ممن تُضْرب لكم آباد الإبل من أقصى البلاد، لطلب الرشاد المُصلح للعباد، ترشدونهم بالحال والهمة، وتعرِّفونهم من الله بحق النِّعمة، ومثلكم من يُرقي بالنظرة الأولى، ويمد محبيه من المدد الخاص والعام باليد الطولى.

مُدح الشيخ فتح الله بناني بقصائد كثيرة منها قصيدة لتلميذه سيدي أحمد الزعيمي، قال في مطلعها :

إن شئت أن تحضى بفتح الله

 ومنها قصيدة لمصطفى ملين قال في مطلعها :

مواهب فتح الله أهدت لنا البشرى

 

فاسلك سبيل الشيخ فتح الله

 

هنيئا لمن قد جاء يسمع أو يقرأ.”[5]

     لقد كانت لسيدي فتح الله بناني رضي الله عنه، أحوال ربانية، وأخلاق محمدية، نال بها مقامات سَنِيَّة، إضافة إلى علمه، وورعه، فلرفعة شأنه، وكثرة مريديه ومحبيه، “أصدر مولاي السلطان المولى يوسف ظهير توقير واحترام في حق الشيخ فتح الله، بتاريخ 9 ذي الحجة 1330، يوصي زيادة على ذلك بمراعاة الفقراء، ومعاملتهم بما يجب من المبرة والإحسان”.[6]  

   يقول صاحب الطبقات في محاسن ومناقب سيدي فتح الله بناني: “… حاز من جميل الأخلاق وجليل الأذواق، ودقائق المعارف، ورقائق العوارف ما قل مثيله في أبناء عصره…، متحققا بالحقيقة في جميع الأحوال، ومتسما بالشريعة في الأقوال والأفعال…، كان كثير الصمت…، دائم الفكر…، كثير الصبر والصدقة، وكان مكتفيا باليسير من الدنيا، فلا يقتدي بزي مخصوص، ولا بهيئة مخصوصة، يأكل ما وجد، ويلبس ما وجد، يقول: الفقير قوته ما حضر، ولباسه ما ستر.

   ومن بين جميل أخلاقه، تواضعه للكبير والصغير، للجليل والحقير، يبدأ من لقيه بالسلام بطلاقة وجه…، ويختار مجالسة الفقراء، ويحض رضي الله عنه إخوانه وتلاميذه على الصدق والإخلاص في سائر الأعمال، يقول: “قليل الأعمال يكفي مع الصدق مع الله، وصفاء الباطن.      

   وكان رضي الله عنه شديد الاعتناء بالقيام بورد الليل، الذي هو أعظم مطالب الأخيار المقرّبين الأحرار، دائم الرّغبة في التلاوة والاستغفار، وذكر الله تعالى في السر والجهار، مواظبا على ذلك، حتى ربح ما ربح الخاص، ونال ما ناله أهل الخصوصية والاختصاص…، ويكفينا في فضيلته رضي الله عنه انتفاع الوجود به، وبأسراره، ومعرفته، ومجالسه العلمية، وفتوحاته الربانية، وإملاءاته الحديثية، فتجد مجالسه رضي الله عنه مشحونة بالمعارف والفوائد والإشارات، والغوص في بحور المعاني مع الإتيان بواضح العبارات”.[7]

   وللشيخ فتح الله بناني مؤلفات وتصانيف عديدة، أخذت من علوم القوم، وفنون القول ما أخذت، ونالت من الاهتمام، والشهرة ما نالت، حتى صعدت به إلى أعالي القمم، وتساوت مع أصحاب الهمم، نذكر منها: “مدارج السلوك إلى مالك الملوك، والغيث المسجم في شرح الحكم العطائية، وبغية السالك، والفتوحات القدسية في شرح النقشبدية أو الفتوحات الغيبية”[8].، “وخلاصة الوفا في مقدمة الشفا، وفتح الله فيما يتعلق بأسماء الله، والمجد الشامخ فيمن اجتمعت بهم من أعيان المشايخ… وغيرها”.[9]

   توفي رحمة الله عليه عام 1353ﮪ، وضريحة موجود الآن بزاويته المسماة باسمه، ولازال جمع من المريدين والفقراء أتباعه يزورنه، ويخلدون ذكراه كل سنة.

الهوامش:


[1] – الأعلام، خير الدين الزركلي، ط:17/2007، دار العلم للملايين- لبنان، 5/134.

[2] – طبقات الشاذلية الكبرى، قاسم الكوهن الفاسي المغربي (1347ﮪ)، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط2 /2005، ص:163.

[3] – المصدر السابق: 164-165.

[4] – معلمة المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 2005 – 5/1482.

[5] – رسالة الثناء الأحمدي التجاني على مظهر الفتح مولانا الشيخ فتح الله البناني،أحمد بن الحاج العياشي سكيرج، تحقيق: محمد الراضي آنون، ص ص:2-3.

[6] – معلمة المغرب، 5/1482.

[7] –  طبقات الشاذلية الكبرى، ص ص: 169-172.

[8] – شخصيات مغربية من خلال [كتاب] معجم المؤلفين-3- مصطفى الشليح، مجلة دعوة الحق، العدد 241 محرم 1405- أكتوبر1984.

[9] – معلمة المغرب، 5/1482.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق