مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

عمر وقدامة بن مظعون رضي الله عنهما

 

 

 

بدر العمراني

روى عمر بن شبّة في أخبار المدينة قال: حدثنا محمد بن يحيى عن محمد بن جعفر قال: لما توفي العلاء بن الحضرمي، وهو عامل البحرين لعمر رضي الله عنه، استعمل عمر رضي الله عنه قدامة بن مظعون عليها، فخرج يغزو بعض بلاد الأعاجم، فأصابهم في مسيرهم نَصَبٌ وعُذْرٌ، فمرّوا ببيت مفتوح فدخله قدامة والأرقم بن أبي الأرقم وعيّاش بن أبي ربيعة المخزومي وابن حنظلة الرَّزَقي الأنصاري، فوجدوا فيه طعاما كثيرا وخمرا في جِرَار، فأكل قدامة وبعض من معه، وشربوا من تلك الخمر، ثم لحقهم أبو هريرة رضي الله عنه، فمرّ بالبيت فدخله فوجدهم، فأنكر عليهم ما صنعوا، فقال: ما لك ولهذا يا ابن أبيه؟ وقال عياش: إني والله ما كنت من أمرهم بسبيل، ولا شربت ما شربوا. قال: فما لك معهم؟ قال: استظللت بظلّهم، واستقاء فقاء كِسَراً أكلها وشرب عليها ماء، فركب الجارود العبدلي ورجلٌ من بني رياح بن يربوع بن حنظلة ـــ كان خَصِيًّا في الجاهلية، فكان يُقال له خَصِيُّ بني رباح ـــ في نفر من أهل البحرين، حتى قدموا على عمر رضي الله عنه، فذكروا له أمر قدامة، وشهدوا عليه بشرب الخمر، فسبّهم، وغضب عليهم غضبا شديدا، وأبى أن ينزلهم، ومنع الناس أن ينزلوهم، ومرّ الجارود بمنزل عمر رضي الله عنه وابنة له تطلع، وهي ابنة أخت قدامة، فقالت: والله لأرجو أن يخزيك الله، فقال: إنما يخزي الله العينين اللتين تشبهان عينيك، أو يأثم أبوك، ورجا عمر رضي الله عنه أن ينزعوا عن شهادتهم، وأعظم ما قالوا، وأرسل إلى الجارود: لقد هممت أن أقتلك أو أحبسك بالمدينة فلا تخرج منها أبدا أو أمحوك من العطاء فلا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا. فأرسل إليه الجارود: إن قتلتني فأنت أشقى بذاك، وإن حبستني بالمدينة فما بلد أحب إلي من بلد فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره ومهاجره، وإن محوتني من  العطاء ففي مالي سعة، ويكون عليك مأثم ذاك وتباعته. فلما رأى عمر رضي الله عنه أنهم لا ينزعون ولا يزدادون إلا شدّة أرسل إليهم، وسمع منهم، وقال: والله ما استعملت عاملا قطّ لهوى لي فيه إلا قدامة، ثم والله ما بارك الله لي فيه، ثم كتب إلى أبي هريرة رضي الله عنه: إن كان ما شهدوا حقا فاجلد قدامة الحدّ واعْدِل. فلما جاء كتاب عمر أبا هريرة رضي الله عنه جلد قدامة الحدّ، فقدم قدامة على عمر رضي الله عنه فتظلّم من أبي هريرة، فقدم أبو هريرة رضي الله عنه، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه: خاصِمْ قدامة فإنه قد تظلم منك، فقال: لا حتى يرجع إليّ عقلي ويذهب عني نصب السفر وأنام، فإنّي قد سهدت في سفري، فلبث ثلاثا ثم خاصم قدامة في بيت عمر، وعند عمر رضي الله عنه زينب بنت مظعون، وهي أم حفصة وعبد الله ابني عمر، فتراجعا، فكان أبو هريرة رضي الله عنه أطولهما لسانا، ففزعت بنت مظعون فقالت: لعنك الله من شيخ طويل اللسان ظالم. فقال أبو هريرة: بل لعنك الله من عجوز حمراء رمضاء، بذيءٌ لسانها، فاحشة في بيتها. فقال قدامة: يا أمير المؤمنين، سَلْهُ لم جلدني؟ قال: جلدتك بالذي رأيت منك، قال: هل رأيتني أشرب الخمر؟ قال: لا. قال عمر رضي الله عنه: الله أكبر. قال أبو هريرة رضي الله عنه: يرحم الله أبا بكر، تشتمني زوجتك، وتقضي بيني وبين خَتَنِك في بيتك، وتُعين عليّ بالتكبير؟ فقال عمر رضي الله عنه: فقوموا. فقاموا جميعا حتى جلسنا في المسجد، واجتمع عليهم الناس. فقال قدامة: أنشدك الله هل رأيتني أشرب الخمر؟ قال: لا. قال: فهل رأيتني أشتريها؟ قال: لا. قال: فهل رأيتني أحملها؟ قال: لا. قال: فهل رأيتها تُحمل إليّ؟ قال: لا. قال: الله أكبر، ففيم جلدتني؟ قال: جلدتك أني رأيتك تَقيئها، تخرجها من بطنك، فمن أين أدخلتها؟ قال قدامة: وإنك بالخمر لعالم؟ قال: نعم والله ولقد كنت أشربها، ثم ما شربتها بعدما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر رضي الله عنه: تب إلى الله يا قدامة، اللهم صدقَ وكذبْتَ وبرَّ وفَجَرْتَ، تُبْ إلى الله.

 وكان ابن جُنْدُب الهُذَليّ أتاه بالبحرين فوصله، فلما ضربه عمر رضي الله عنه في الشراب، قال ابن جُنْدُب:

أؤمّل خيرا من قدامة بعدما ** علا السوط منه كلّ عظم ومِفْصَلِ

شربتَ حراما يا قدامة فأُرسلتْ ** عليك سياط الشارب الخمر من عَلِ

فلا تشربَنّ خمرا قدامة إنّها ** حرامٌ على أهل الكتاب المُنَزَّلِ([1])

قلت: هذا الخبر بنى عليه صاحب كتاب الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب أوهاما للطعن في عمر([2]).

في حين أن الخبر منكر، لأمرين:

الأمر الأول: شيخ ابن شبّة هو: مُحَمَّد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد بن عبيد بن غسان بن يسار الكناني أَبُو غسان المدني ثقة من رجال البخاري، لكنه يغرب أحيانا، ولذلك قال عنه ابن حبان في الثقات: رُبما خالف([3]). ويشهد له قول السليماني: حديثه منكر. أي أنه روى ما خالف فيه الثقات. ولم يصب الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب بقوله: لم يُتابع السليماني على هذا، وقال الدارقطني: ثقة([4]).

لأنّ توثيق الدارقطني وغيره للرجل إثبات لعدالته في نفسه، أما مروياته فتحتاج إلى سبر ليُعرف المردود منها والمقبول من خلال المعارضة والموازنة مع روايات غيره. وهذا هو الذي فعله ابن حبان فأفضى به إلى التصريح بالخلاصة: ربما خالف.

الأمر الثاني: تعليق الخبر، لأنّ محمد بن جعفر ابن أبي كثير الأنصاري توفي سنة 170هـ([5]). والحادثة وقعت قلبها بأكثر من 140 سنة، على اعتبار أنها تزامنت مع تاريخ وفاة العلاء بن الحضرمي (21هـ)([6]). إذن هناك انقطاع شديد أقله إعضال (سقوط راويين).

علاوة على نكارة متنه، التي يستفاد منها شراسة أخلاق الصحابة، وسلاطة لسان نسائهم، وهذا مخالف للقرآن الكريم الذي نصّ على أنهم رحماء بينهم.

بعد، كيف نعتمد الخبر، ونبني عليه أحكاما ومواقف؟

                            والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) أخبار المدينة 3/847-849.

([2]) انظر: الوهمي والحقيقي في سيرة عمر بن الخطاب 486.

([3]) الثقات 9/74.

([4]) تهذيب التهذيب 9/457.

([5]) سير أعلام النبلاء 7/322.

([6]) تهذيب الكمال 22/484.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق