وحدة الإحياءقراءة في كتاب

عرض لكتاب “الإسـلام” للدكتور فضل الرحمان

صدرت عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ترجمة الدكتور حسون السراي لكتاب “الإسلام” للمفكر فضل الرحمان، الصادر سنة 1966م، والذي أشرف على مراجعته وتقديمه، الدكتور عبد الجبار الرفاعي. (الطبعة الأولى، 2017م، بيروت).

عرض لكتاب "الإسـلام" للدكتور فضل الرحمان

جاء الكتاب في الحجم المتوسط، وقد تجاوزت صفحاته الأربع مائة صفحة، مشتملة على مقدمة وأربعة عشر فصلا، تناولت، في فصلها الأول، بالدراسة والتحليل شخصية النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ومجموعة المثل التي أورثها للإنسانية، تجربته مع الوحي، التحديات التي صادفته خلال نشره للرسالة، وكذا الإستراتيجية التي سلكها في مواجهة وكسب ولاء المعادين للرسالة النبوية من يهود ونصارى.

تلخصت جهود فضل الرحمان (1919-1988م)، في تحليل معارف الدين الإسلامي، والبحث في مختلف أنماط الثقافات الإسلامية، وتمثل المسلمين لهذه المعارف، وأنماط تدينهم، طيلة الأربعة عشر قرنا، منتقدا تطور المعارف الدينية، ومركزا على اكتشاف السياق الروحي والأخلاقي للقرآن الكريم.

لقد اعتبر المؤلف، في حديثه عن بعثة الرسول، أن الوحي مظهر من مظاهر رحمة الخالق، حيث “أن الرحمن هو الاسم النعتي الوحيد الذي يستعمل كثيراً في القرآن كمرادف للفظ الله” مشيرا إلى أن”غريزة الرحمة” متأصلة في الرسول عليه السلام “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وأنه المثل الأعلى في الأخلاق، “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم”.

لينتقل في الفصل الثاني من الكتاب إلى موضوع القرآن وتدرج سوره مع مرور الزمن، من آيات عميقة وقوية، إلى آيات تتمتع بدرجة كبيرة من السلاسة والبساطة، وخاصة بالمرحلة المدنية، وذلك لضرورة التنظيم والتشريع والبناء الاجتماعي الفعلي، دون إغفال دعوة فضل الرحمان إلى ” العودة للقرآن في انبثاقته الأولى”.

وللفهم الصحيح للقرآن، يوصي فضل الرحمان بمنهج دراسة القرآن بمجمله، حسب مرجعيته الاجتماعية-التاريخية ، وليس فقط الاقتصار على نصوص منفردة في القرآن من سورة أو آيات، مضيفا أن ” القرآن ليس بذلك العمل الغامض أو المعقد بحيث يحتاج المرء إلى أناس من ذوي الخبرة الفنية الخاصة لتفسير أوامره وفروضه؛ ولو كان الإسلام كذلك لما كان له أن يوجه خطابه إلى عموم الأمة”.

فمن منظوره الفكري، يعتبر فضل الرحمان، أن التعاليم القرآنية ركزت على التربية والأخلاق، والدعوة إلى الرحمة، وأن روح التشريع القرآني، تتجه نحو تجسيد تقدمي للقيم الإنسانية الأصلية مثل الحرية والمسؤولية في تشريعات جديدة حية، رابطا تقدم علم التفسير القرآني بضرورة الفهم الصحيح والسليم للغة العربية وكذا معرفة اللهجات العربية في زمن النبوة، مع تدوين لأسباب نزول الآيات القرآنية، وتدوين للروايات التي جمعت تفسيرات من شهدوا نزول الآيات في بدايات الدعوة النبوية.

لتتوالى بقية الفصول بالعرض والتحليل، لمفاهيم علم الحديث والفقه وكذا علم الكلام الجدلي، منتقدا إياها ومدى التطور الذي بلغته هذه العلوم، لينتقل بعدها، إلى تناول مفاهيم الشريعة، الدين والتصوف، راصدا تطورات الحركة الفلسفية، وحركية التصوف وتنظيماته، والفرق الإسلامية، انتهاء بحركات الإصلاح الحداثية وما قبل الحركات الإصلاحية الحداثوية، والنظر في التراث، وفي المنظورات المستقبلية.

ففي الفصل الرابع عشر، عمل فضل الرحمان على تقييم “التراث الوسيطي”: علم الكلام والتشريع الفقهي والتصوف، مقترحا لإعادة بنائه وتجديده مخططا يرتكز على أساس القرآن من جديد بدلا من إعادة تركيبهما من إرث العصر الوسيطي، مؤكدا على أن ” تراثنا الكلامي الوسيطي – المعتزلي والسني والشيعي- هو من حيث الأساس، نتاج التاريخ وليس له علاقة مباشرة، قوية أو واسعة، مع القرآن والنبي، صلى الله عليه وسلم”، لأن علماء الكلام المسلمين، حسب فضل الرحمان، ” لم يبتكروا فلسفة جديدة على أساس القرآن، ومع ذلك فقد كان فكرهم بقطع النظر عن تعقيده التعاليم، أكثر قربا من الإسلام من فلسفة “الفلاسفة”.

يرى فضل الرحمان أن وظيفة هؤلاء العلماء لا تكمن في التشريع وإنما في تزويد عموم الأمة بالقيادات الدينية وذلك عن طريق تعليمهم ووعظهم، كذلك نشر الإسلامية بين عموم الناس، لأن التشريع لن يكون تشريعا إسلاميا أصيلا ما لم يكن الوعي العام وضميره وكلاهما، وإلى حد معين، إسلاميين.

وبما أن الإسلام ليس دينا خاصا بشعب من الشعوب أو بقومية من القوميات، ففضل الرحمان يعتبره ” دين الأمة المسلمة في كل العالم، وعلى كل مجلس تشريعي وطني أن ينتخب أعضاء يمثلونه في مجلس تشريعي عالمي للبلدان المسلمة”، ليشير إلى أن وظيفة المجلس، ليست التشريع في المسائل المطروحة للنقاش، وإنما إسداء النصح أو تقديم المقترحات لتعتمدها المجالس الوطنية في سن قوانينها آخذة بعين الاعتبار الاختلافات المناطقية/المحلية الخاصة بالبيئة الطبيعية والوضع الاجتماعي لكل بلد.

وفي سياق نقده للحركات الأصولية كمؤشر على الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي، شدد فضل الرحمان لتجاوز هذه الأزمة على ضرورة البدء بإصلاح التعليم، بدء من التعليم الابتدائي، دون إغفال ضرورة دمج الإسلام والنزعة العقلية الحديثة في برامج التعليم العالي من أجل خلق وجهة نظر إسلامية حديثة وأصلية حول العالم. إلا أن الواقع، يبين أن هذه المعالجة الفعلية للإصلاح التعليمي، تأتي في المرحلة الثانية بعد تطوير علم الكلام/الفلسفة والأخلاق والفقه والعلم الاجتماعي القائمة على القرآن ونموذج النبي صلى الله عليه وسلم، رغم قدرة التعليم الجديد على خلق نزعة عقلانية متطورة.

لقد شبه بعض أهل الاختصاص، كتاب “الإسلام” لفضل الرحمان، بكونه ” أشبه بسياحة كبرى فى فضاء التراث الإسلامى” يرصد خلالها، رحلة تطور الدين الإسلامي من بداية نشر الدعوة  الإسلامية بمكة والمدينة، إلى غاية عصرنا هذا، وهي مسيرة الأربعة عشر قرنا من التحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية.

ويرى المتتبعون لكتابات فضل الرحمان، عموما، أنها كتابات لا تتوانى عن الدعوة إلى ضرورة إعادة اكتشاف رسالة الإسلام الأخلاقية في سياق قرآني، مع التأكيد على أن الإسلام دين أخلاقي، وأن القرآن وثيقة أخلاقية ثرية، وهو ما أشار إليه في هذا الكتاب، عندما صرح: ” لقد أكدنا أكثر من مرة، فيما سبق، أن الدافع الحيوي للإسلام كان دافعاً أخلاقياً، وأشرنا إلى أن التصورات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية في القرآن، استنبطت منه”. أما فيما يخص كتاب “الإسلام”، فيعتبره المهتمون مرجعا مهما، اعتمدته جامعات غربية في الدراسات الإسلامية وكليات الشريعة والمعارف الإسلامية في المجال العربي، وخاصة الدراسات العليا في مجالات فلسفة الدين وعلم الكلام والدراسات القرآنية بالجامعات الإسلامية.

ولتقريب جمهور زوار موقعنا الكرام من مضامين الكتاب وأهم القضايا التفصيلية التي تناولها، نقدم لهم فهرسته العامة:

المقدمة

الفصل الأول: محمد صلى الله عليه وسلم

الفصل الثاني: القرآن

الفصل الثالث: أصل علم الحديث وتطوره

الفصل الرابع: بنية الفقه

الفصل الخامس: علم الكلام الجدلي وتطور العقيدة

الفصل السادس: الشريعة

الفصل السابع: الحركة الفلسفية

الفصل الثامن: النظر والعمل في التصوف

الفصل التاسع: التنظيمات الصوفية

الفصل العاشر: الفرق الإسلامية

الفصل الحادي عشر: التربية والتعليم

الفصل الثاني عشر: حركات الإصلاح السابقة للحركات الإصلاحية الحداثوية

الفصل الثالث عشر: التطورات الحديثة

الفصل الرابع عشر: التراث والمنظورات المستقبلية

خاتمة

ذة فاطمة الزهراء الحاتمي

باحثة مساعدة بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق