مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةفهارس

صفحات مضيئة من فهرس المنتوري: 1- كتاب الاقتصاد في القراءات السبع لأبي عمرو الداني

بسم الله الرحمن الرحيم

يعتبر كتاب فهرسة المنتوري لأبي عبد الله محمد بن عبد الملك بن علي القيسي المنتوري (ت834ه‍) من المصادر الأصيلة في علم الفهارس والبرامج والمشيخات، وقد حققه الدكتور محمد بنشريفة رحمه الله، عميد الدراسات الأندلسية، وصدر عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء سنة 1432ه‍ -2011م.

ذكر المنتوري في مقدمة كتابه أن كتابه يشتمل على ما حمله عن شيوخه بأي نوع من أنواع التحمل، وقد قسمه كتابه إلى قسمين؛ قسم ذكر فيه ما رواه بالقراءة والسماع لجميعه أو لبعضه من الكتب المفردة، ثم أتبعه بما أخذه بالإجازة من التآليف على اختلافها وشتى أصنافها(1)، وقد احتوى هذا الفهرس على ذكر طائفة مهمة من الكتب في شتى العلوم والفنون، فذكر المنتوري رحمه الله ما يزيد على تسعين مؤلفا في علوم القرآن، وسأحاول من خلال هذا المقال أن أُعرِّف ببعض المؤلفات الواردة في هذا الكتاب من خلاله، ومن خلال كتب أخرى، وسأولي الاهتمام أولا للمؤلفات المفقودة؛ خصوصا في علم القراءات والتجويد والرسم وغيرها من علوم القرآن.

فمن الكتب المفقودة إلى يومنا هذا كتاب التي ذكرت في هذا الفهرس كتاب الاقتصاد في القراءات السبع تأليف الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت444ه‍)، وموضوع هذا الكتاب كما يظهر من عنوانه فهو في القراءات السبع المشهورة، قراءة نافع المدني، وعبد الله بن كثير المكي، وأبي عمرو البصري، وابن عامر الشامي، وعاصم وحمزة والكسائي الكوفيين. وقد قرأ المنتوري رحمه الله بعض هذا الكتاب تفقها على شيخه الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد القيجاطي وأجاز له جميعه، وحدثه به عن الشيخ الخطيب الوزير أبي عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الله اليحصبي اللَّوشي، عن الأستاذ أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، عن الراوية أبي الحسن علي بن محمد الشّاري، عن الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبيد الله، عن الخطيب أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح، عن خاله الراوية أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله الخولاني، عن مؤلف الكتاب أبي عمرو الداني، وقرأ المنتوري بعضه أيضا على الأستاذ أبي عبد الله محمد بن محمد بن عمر وأجاز له جميعه، وحدثه به عن الأستاذ أبي الحسن علي بن سليمان القرطبي، عن القاضي أبي علي الحسين بن عبد العزيز بن أبي الأحوص، عن القاضي أبي عامر نذير بن أبي العطاء وهب بن لب بن عبد الملك بن نذير الفهري، عن الزاهد أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل التجيبي، عن أبي داود سليمان بن نجاح عن أبي عمرو الداني(2). ويلاحظ أن الإسناد الثاني أعلى من الإسناد الثاني بدرجة، ولذلك قال المنتوري: «وبهذا الإسناد الأخير ساويت شيخنا الأستاذ أبا عبد الله القيجاطي»(3).

ويظهر من عنوان الكتاب ومن بعض القرائن الأخرى أن الكتاب وسط بين كتابي التيسير وجامع البيان للداني، فعنوان الكتاب «الاقتصاد» موحٍ بالتوسط؛ إذ الاقتصاد في الشيء هو التوسط فيه، يقال قصد في الأمر؛ أي: لم يتجاوز فيه الحد، ورضي بالتوسط(4)، زد على هذه الدلالة المستنبطة من العنوان أن المنتوري نفسه ذكر في فهرسته عند الكلام على كتاب التيسير: «قال بعض الشيوخ: هو مختصر كتاب الاقتصاد له»(5). ومعلوم أن المختصر أصغر حجما من الأصل، وقد نص أيضا على هذا الأمر الحلفاوي في شرحه على الدرر حيث قال: «وظاهر الاقتصاد ومختصَرِه: المد؛ إذ لم يستثن فيهما، وأعني بمختصـر الاقتصاد: التسيير»(6)؛ أما بالنسبة لكتاب جامع البيان فإنه اشتمل على عدد أكثر من الروايات من كتاب الاقتصاد، فقد صرح المنتوري أن كتاب الاقتصاد احتوى على أربع عشر رواية؛ وهي الروايات المعلومة عن القراء السبعة، راويان عن كل قراءة؛ قالون وورش عن نافع، والبزي وقنبل عن ابن كثير، والدوري والسوسي عن أبي عمرو البصري، وهشام وابن ذكوان عن ابن عامر الشامي، وشعبة وحفص عن عاصم، وخلف وخلاد عن حمزة، أبو الحارث والدوري عن الكسائي، وهي المذكورة في التيسير، أما كتاب جامع البيان فقد احتوى على طرق أكثر من الطرق المذكورة في كتابي التيسير والاقتصاد، فقد ذكر الداني في مقدمة الجامع أن عدة روايات كتابه أربعون رواية من مائة وستين طريقا(7).

هذه بعض الخواطر المستفادة من هذا الكتاب من خلال هذا الفهرس، لكنها لا تعطي تصورا جيدا عن هذا الكتاب العظيم؛ إلا أنه قد حُفظت لنا بعض نصوص هذا الكتاب في بطون بعض كتب القراءات تُجلي أكثر أمر هذا الكتاب وتوضحه، وسأسرد بعضها من كتاب شرح الدرر للمنتوري.

قال أبو عمرو الداني في الاقتصاد، وهو يتحدث عن الفصل في الأربع الزهر: «سألت أبا الفتح عن ذلك فأنكره، وحكى لي أنّه اختيار من بعض المتأخّرين من أهل الأداء»(8).

وقال وهو يتحدث عن الاختلاف في المد قبل الهمز المغير: «والوجهان جيّدان، وقد قرأت بهما، غير أنّ الأوّل أقيس»(9).

وقال وهو يتكلم عن مد البدل عند ورش: «فرُوي عنه مدّهنّ زيادة يسيرة، كالزّيادة التّي يزيدها على القرّاء في مدّهنّ، إذا أتت الهمزات بعدهنّ»(10).

وقال في شأن حرفي اللين إذا سكن ما بعدهما للوقف: «فإن انفتح ما قبل الواو والياء في شيء من ذلك نحو: ﴿مِّنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 5]، و﴿اُ۬لسَّوْءِ﴾ [التّوبة: 99]، و﴿لَا رَيْبَ﴾ [البقرة: 1]، و﴿صَالِحَيْنِ﴾ [التّحريم: 10]، وشبه ذلك، فإنّ المدّ عند الحذّاق من القرّاء، كأحمد بن نصر بن منصور الشّذائي، وأبي علي الحسن بن داود النّقّار، وغيرهما، لا يجوز في ذلك»(11). وقال أيضا: «وقد أجاز بعضهم ذلك في هذا الضّرب، واعتدّ بالتقاء السّاكنين، ولم يفرّق بين ما وَلِيَتْ الواو والياء فيه حركتهما وبين ما لم تَلِهِما، لأنّ اللّين موجود في الموضعين، وإن كان في أحدهما ضعفٌ»(12).

وقال بشأن نقل حركة همزة الاستفهام إلى الساكن قبلها في الأقسام الثلاثة (أقسام الهمزتين من كلمة) عند ورش: «واعلم أنّه إذا أتى ساكن قبل همزة الاستفهام في الأقسام الثّلاثة، فإنّ ورشا يلقي حركة همزة الاستفهام على ذلك السّاكن  على أصله فتسقُط الهمزة من اللّفظ نحو: ﴿رَّحِيمٌۖ ١٢ آٰشْفَقْتُمُۥٓ﴾ [المجادلة: 11-12 ]، و﴿عَجِيبٌ ٢ اَ۟ذَا﴾ [ق: 2-3]، و﴿قُلَ اَوْ۟نَبِّئُكُم﴾ [آل عمران: 15] وشبهه»(13).

وقال في تسهيل الهمزة الثانية من الهمزتين من كلمة لورش: «فرُوي عنه البَدل للهمزة، وهي رواية أكثر المصريّين عنه، وذلك ضعيف في العربيّة، على أنّ قُطْرباً حكاه عن العرب»(14). وقال: «وروى عنه التّخفيف لها بين بين، كمذهب ابن كثير، وهي رواية البغداديّين وغيرهم، وهي قياس مذهبه في المختلفتين .. وهو الصّحيح في العربيّة»(15).

وقال في الاختلاف في كيفية تسهيل الهمزة الثانية من كلمتين (الأولى مضمومة والثانية مكسورة): «واختلف العلماء من القرّاء والنّحويّين في كيفية التّخفيف لها فيه فقال بعضهم: تجعل بين بين، فتكون كالياء المختلسَةِ الكسرة، وهو مذهب الخليل وسيبويه الّذي لا يجوز عندهما غيره، وحكاه ابن مجاهد عن اليزيدي عن أبي عمرو .. وبه قرأت على فارس بن أحمد، عن قراءته .. وكذلك حكى أحمد بن نصر ـ يعني الشّذائيّ ـ أنّه قرأ على ابن مجاهد .. وقال بعضهم تكون واواً مكسورة، وهو مذهب الحذّاق من المقرئين، والرؤساء من أهل الأداء المتصدّرين .. وبه قرأت على أكثر شيوخي .. وكذلك حكى أبو طاهر  بن أبي هاشم، أنّه قرأ على ابن مجاهد .. وهو قول الأخفش، الّذي لا يجيز غيره في المتّصل، حكى أنّك إذا خفّفت همزة «مررت بأكْمُئِكِ»، قلت: «بأكْموِك»، فتبدل من الهمزة واواً، اتّباعا للضّمّة الّتي قبلها، لأنّها باتّصالها بها قَربتْ منها، فقلبت إلى الحرف الّذي منه الضمّة، وهو الواو. إلاّ أنّ القرّاء أجروا ما كان من كلمتين، مجرى ما كان من كلمة، لوجود العلّة في الموضعين .. والمذهبان جيّدان، غير أنّ الأوّل أقيس في العربية، والثّاني آثر في الأداء»(16).

وقد وردت نصوص أخرى لكتاب الاقتصاد في شرح الدرر للمنتوري، كما توجد نصوص من الكتاب في مؤلفات أخرى أقتصر عن ذكر نقل آخر من كتاب فرائد المعاني لابن آجروم رحمه الله تعالى، قال وهو يتحدث عن الاختلاف في إدغام المعتل في الإدغام الكبير عند البصري؛ قال رحمه الله: «وقد اختَلَفَ علينا في المعتل ـ يعني الكَلِمَ المحذوفةَ ـ فقرأتُهُ بالإدغام على شيخنا أبي الفتح، وقرأتُهُ عليه أيضاً بالإظهار، وهو مذهب ابنِ مجاهد، وهو الصحيحُ، وبه آخُذُ»(17).

فهذه جملة من النقول من كتاب الاقتصاد لأبي عمرو الداني حفظت من خلال شرح الدرر للمنتوري وغيره من المصنفات؛ تجلي أمر هذا الكتاب، وتوضح بعض معالمه، وأكتفي بما ذُكر، وإلى حديث على كتاب آخر بحول الله تعالى وقوته.

  • فهرسة المنتوري ص61.
  • (2)  ينظر فهرس المنتوري ص 64-65.
  • (3)  فهرس المنتوري ص 65.
  • (4) ينظر: تاج العروس مادة (قصد).
  • (5) فهرس المنتوري ص 65.
  • (6) شرح الحلفاوي على الدرر ص180، رسالة علمية بتحقيق أخينا د. محمد صالح المتنوسي.
  • (7) جامع البيان 1/ 22.
  • (8) شرح الدرر 1/ 112.
  • (9) نفسه 1/ 184.
  • (10)                  نفسه 1/ 196.
  • نفسه 1/ 249.
  • نفسه 1/ 250.
  • نفسه 1/ 257.
  • نفسه 1/ 257-258.
  • نفسه 1/ 259.
  • (16)                 1/ 312-314.
  • فرائد المعاني لوحة 155 مخ.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق