مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةشذور

شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب

دة. ربيعة سحنون

تغلب على التصوف بالمغرب سمة كثرة رجالاته وتعدد مشاربهم وتنوعها، ووقوفهم على شرع الله عز وجل في سيْرهم وفي تلقينهم وتوجيههم لمريديهم، خرّجوا أجيالا من العلماء والفقهاء والمجاهدين المناضلين إعلاءً لكلمة الله تعالى، ونصرة لدينه سبحانه، وخدمة للوطن، من هؤلاء صاحب كتاب شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب محمد بن الفقيه بن العافية الزجني الشـريف الحسني (ت1136ھ).[1]

لم يترك لنا كثير مؤلفات وكتب، وإنما دلت عليه أحواله وكراماته التي شكّلت حديث الناس عامتهم قبل خاصتهم، وخير ترجمان لتوجهه الصوفي هذا هو كتابه موضوع هذه المداخلة، فقد وضع فيه خلاصة تجربته العرفانية، موضحا ومفسـرا لما سيشْكُل ويعسُر فهمه على سالك طريق التصوف من مقامات ومنازل لن يدرك كُنْهها إلا من غاص في بحر التصوف وأهله، ليلتقط الدرر ويأخذ العبر ويسلك في طريق الحق دون مزالق أو مخاوف.

هو أحد أعلام التصوف بالمغرب في وقته، ومن شيوخه الذين تركوا بصمة واضحة به، فذاع صيته، واشتهر ذكره، وتحدث الناس بكراماته وأحواله، فكان شيخا موجها ومربيا فاضلا، كثر مريدوه في عصـره، ومن سمع به شد الرحال إليه، مستفيدا أولا من علمه، وثانيا من بلوغ أعلى المقامات في المعرفة الربانية، إنه الشيخ العارف بالله، صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، وأحد أكابر أولياء المغرب المشهورين، محمد ابن الفقيه بن العافية الزجني، الشريف النسب، شهد له بذلك الخاص والعام من أهل بلده وأقربائه، وكما صرح به هو نفسه رضي الله عنه في الكثير من مجالسه.

وعلى الرغم من علو شأنه فإن الدراسات والأبحاث لم تنصفه بالوقوف عند أحواله وسلوكاته ومنهجه التربوي، ومؤلفاته التي ظلت حبيسة رفوف الخزائن، فبقي مغمور الذكر حتى في الكتابات التاريخية إلا ما ندر، إلا ما كتبه عنه تلميذه الأنور، ومريده الأَخْيَر عبد الله بن يخلف الأندلسي (ت1162ھ)، حول مناقبه، والذي قال عنه: “… الشيخ الشهير، والغوث الكبير، العارف الكامل، المحقق الواصل، حجة الطريقة، وترجمان الحقيقة، فارس العارفين، وقدوة الصديقين، ذو الهمة العالية، والمفاخر السنية، والمحبة السابقة، والحجة الصادقة، العالم العامل، الزاهد الورع، الولي الصالح، البار الناصح…”.[2]

إن صحبته له ومعرفته به هي التي دعته لأن يصفه بهذه الأوصاف الكاملة الخيرة، حتى إنه جعله من “أرسخ المحدثين في علم الطريقة، وأثبت العارفين في سر الحقيقة، شديد الحافظة على اتباع السنة الغراء، ثابت القدم في المحجة البيضاء، صادق النية، عالي الهمة، صحيح العزم، واشتهر النفع على يده لكثير من الفقراء والمريدين، بل وللأشياخ الراسخين، والأفراد المحققين…”.[3]

خصّص له حمدون الطاهري الجوطي الفاسي (ت1191ھ) صاحب كتاب: “تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان الفصل التاسع من كتابه، للحديث عن مناقبه رضوان الله عليه ونسبه وأحواله وكراماته، جاعلا له “من أكابر أولياء الله…”،[4] ومُصَنِّفاً له ضمن قائمة أهل الولاية والصلاح بالمغرب.

أما صاحب سلوة الأنفاس محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (1274-1345ھ)، فجعله “…من السباق وذوي الأسرار الربانية، والأحوال والمواجيد الإلهية، والجذب القائم والقلب الهائم…، وكانت له البركات الظاهرة، والكرامات الوافرة…”.[5]

نظم فيه أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الله الحوات (1160-1231ھ) قصيدة أثنى عليه فيها بما هو أهله.[6]

قال عنه أبو عبد الله سيدي محمد بن أحمد الدمشقي الشامي: “… خديم الأولياء، صاحب الكتاب والسنة، صاحب النية والتصديق، صاحب الجود والكرم، صاحب البرهان القاطع في مشارق الأرض ومغاربها، جوفها وبحرها، الذي أشرقت أنوار المصطفى في بيته…”.[7]

عَدّدَ محمد بن يخلف مجموع صفاته الخُلُقِية وأحواله السَّنية والتي بلغ فيها الغاية، وأهّلتْه للتربُّع على كرسي التربية والتزكية وإصلاح الخلائق بالحال والمقال، وجعلتْه مَحَطّ أنظار الناس مشرقا ومغربا، يقول: “كان رضوان الله عليه مُؤْثِرا للعُزلة من صغره، يشهد له بهذا الخاص والعام، ويعترف له بذلك رجال وأقوام من أهل بلده ممن خلق ونشأ بين أظهرهم، وغيرهم ممن لم يغب عن أعينهم، ولا ينكر ذلك واحد منهم، ويقولون لم نحفظ عليه قط شيئا ولا رأيناه يجاسر الله أبدا بمخالفة، هكذا سمعنا يقول كل من عَرَفْنا منهم ولقِينا ورأينا بأعيننا منذ فهمنا ووعينا، وما شهدنا إلا بما علمنا…، ولم يزل معروفا بكثرة الذكر والشكر، ويتحدث بنعم الله تعالى عليه على سبيل الشكر ويقول: وأما بنعمة ربك فحدث﴾، عالما عاملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، متورعا لا يأتي شبهة”.[8]

كان معروفا t بالاستقامة والحلم والإغضاء، والتضرع والخضوع والزهد وتقوى الله تعالى في السر والجهر، وبالتورّع الشديد عن الشبهات والمحارم، وخير دليل على ذلك ما رواه ابن يخلف إذ يقول: “رأيته يوما وهو جالس مع الولي الصالح سيدي الحاج المفضل البقال، وقد أتاه عامل أزجن حينئذ عبد السلام أمزاغ الريفي بمائدة طعام، وأنزلها بينهما، فتورع الشيخ سيدي محمد ولم يمد يده إليها، وأكل سيدي الحاج المذكور وجميع من حضر…”.[9]

أكثر ما كان يحُثُّ عليه رضي الله عنه ويُرَغِّبُ فيه مريديه وكل من لقيه أو عرفه هو كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه يقدمها على سائر الأذكار والأعمال، فهي الدليل على محبته صلى الله عليه وسلم، لأن من أحب شيئا أكثر من ذكره، وهي من أفضل القربات وأجلّ الطاعات، ومن أسباب نفي الفقر، كما حصل لمحمد بن الفقيه مع أحد تلامذته الذي كان “مشتغلا بشئ من علم النار المسمى بعلم التدبير، فناداه الشيخ سيدي محمد رضي الله عنه ذات يوم وقال له: أنت مشتغل بكذا وكذا؟ فقال له: نعم يا سيدي، فقال له رضي الله عنه: دع عنك ذلك، وصنيعنا وتدبيرنا هو كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فامتثل وترك ذلك، ولم يعد إليه، ولم يكن يملك بفاس ولو آجرة واحدة فوسّع الله عليه، وملَك الدار بعد أن كان اشتراها من ذلك الشيخ…، وكان السبب في أخذه عن الشيخ سيدي محمد رضي الله عنه…”.[10]

فكان لسانه رضوان الله عليه لا يفتر عن الذكر وخصوصا عن قوله: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صلاة تخرجنا بها من ظلمات الوهم، وتكرمنا بنور الفهم، وتكشف ما خفي وأبهم. وكان رضي الله عنه قول: إن شيخي عبد الله بن الشريف كان يأمرني أن نكثر من: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله صلاة أهل السماوات والأرضين عليه، واجْرِ يا رب لُطْفَك عَلَي…[11]

حُبِّبَ إليه من المجالس مجالس الذكر والسماع، فكان رضي الله عنه يَظْهر عليه بها من الخشوع والخضوع والتذلل والتعظيم والانكماش ما تلين معه قلوب الحاضرين، و “ما تكاد به أنفسهم أن تحرق، وأرواحهم أن تزهق، وهذا كان يقع للحاضرين في حالة بسطه ومعاملته لهم بلحظات التعرف بالفرح والسرور، وربما كان يعتريه قبض عند السماع، فيلزم الحاضرون السكون وعدم الحركة والصياح لتمام هيبته عليهم، وغلبة وقته أوقاتهم، وقهرهم تحت ثقل همته، وهذه علامة المحبة، ونتيجة صحة الحال، لأن من اتصف بحال لا يخلو حاضروه منه”.[12]

لقد حاز محمد بن الفقيه من الفضائل الكريمة والشيم النبيلة، ومن الأخلاق الحسنة المرضية، ما جعله أحقّ بالوراثة المحمدية والنفحة الأحمدية، والعلوم الوهبية اللدنية، التي يخُصّ بها الله سبحانه عباده المقربين وأولياءه الصالحين، ولم يكن ليتحقق له كلّ ذلك لولا استقامته على المحجة البيضاء، واقتفاؤه لآثار الشريعة السمحاء، حيث كان “عارفا بالله تعالى وبصفاته وأفعاله، سالما مذهبه من شوائب فرق المبتدعة وشبههم، جاريا على مذهب أهل السنة في كل ما يجب في حق الله تعالى وفي حق رسله صلوات الله عليهم، وما يستحيل وما يجوز…”.[13]

ومن كانت هذه صفاته وأحواله بين الناس فهو أحقّ أن يُؤخذ عنه، ويتأسى به، وهو الحاصل مع محمد ابن الفقيه، فقد “أخذ عنه رضي الله عنه وانتفع على يديه خلق كثير، منهم الشيخ الكبير والولي الشهير العالم العامل سيدي داوود التواتي دفين بلده من توات، والشيخ العارف الكامل الراسخ حامل لواء المحبة والمراقبة الشريف سيدي أحمد بوالسباع من أولاد بوالسباع حوز مراكش ودفينه…، والولي الصالح البار الناصح سيدي بوسلهام الضعيفي المالكي دفين واد ورغة قرب القصارات، وولده الولي الصالح سيدي الطاهر بن بوسلهام، وكان من الأكابر أيضا…، والشيخ الأكبر الحاج الأبر ذي المناقب الكثيرة والمآثر الشهير سيدي الحاج أبو القاسم اليارغي العتابي من أيت عتاب قرب تادلة، وغيرهم من المشايخ…”.[14]

لم يترك رضي الله عنه كثير إنتاج علمي لكنه ترك رجالا حملوا مشعل الولاية والصلاح، ونقلوا لنا أخباره وأحواله وكراماته التي كانت محط أنظار الخواص والعوام في عصـره.

ألّف رضي الله عنه كتابه المسمى بـ: شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب، وتأليفا في سر النقطة، بسبب سؤال العالم العلامة المشارك الفهامة سيدي أحمد بن يعقوب الولالي، فعليك بهما، فإن فيهما غنية عن غيرهما.[15]

وكانت له رضي الله عنه مكاتبات ردّ بها على رسائل بعث بها له بعض تلامذته أو مريديه، وأغلبها كانت توجيها أو تلقينا أو ردّا على مسألة ما تشغل بالهم.[16]

شمس القلوب وإشكالية النسبة

كشفت المصادر التي ترجمت للإمام العارف محمد بن الفقيه على أن من مصنفاته في التصوف: شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب، فنسبه له صاحب سلوة الأنفاس في قوله: “وله رحمه الله تأليف في سر النقطة، وآخر سماه: شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب”،[17] وهو نفسه ما جاء في سلوة المحبين لتلميذه عبد الله بن يخلف الأندلسي، يقول: “ألّف t كتابه المسمى بـ: شمس القلوب وخرق الحجوب في معرفة علام الغيوب”.[18]

ويُعَدّ كتاب شمس القلوب –كما سبقت الإشارة إلى ذلك- شرحا لكتاب: زُبد خلاصة التصوف، أو: حل الرموز ومفاتيح الكنوز لمؤلفه عبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسي (ت678ھ)، لا كما ينسبه بعض الدارسين لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام المتوفى سنة 660ھ، فأغلب المصادر التي تؤرخ للمؤلفين وللمصنفين وآثارهم عزتْ كتاب حل الرموز لعبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسي، فهو مُؤلِّفُه ومُصنِّفٌه، كما هو الحال في العرائس القدسية لمؤلفه مصطفى بن كمال البكري الصديقي (ت1162ھ)،[19] وفي «أعلام الزركلي»،[20] و في «معجم المؤلفين».[21]

ومما يؤكد صحة نسبة حل الرموز لعبد السلام المقدسي هو أن أغلب مؤلفاته في التصوف والوعظ، من ذلك:

▪ تلخيص العبارة في نحو أهل الإشارة.

▪ الفتوحات الغيببية في الأسرار القلبية.

▪ كشف الأسرار في حكم الطيور والأزهار.

▪ الروض الأنيق في الوعظ الرشيق.

▪ شرح حال الأولياء ومناقب الأتقياء…

ويؤكد محمد بن الفقيه هذه النسبة بنقله نصا طويلا في شمس القلوب للمؤلف الحقيقي لكتاب حل الرموز ابن غانم المقدسي، باعتباره المتن موضوع الشرح، [22] ومما يزيد هذه النسبة تأكيدا أن مجموعة نصوص وردت بشمس القلوب هي من كتاب الشجرة في الوعظ لابن غانم المقدسي.[23]

جاء فيكشف الظنون: “حل الرموز ومفاتيح الكنوز في التصوف ومراتب السلوك، الشيخ عز الدين عبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسي الشافعي المتوفي سنة 978ھ، ثمان وسبعين وتسعمائة، أولها: الحمد لله الذي فتح بمفاتيح الغيوب أقفال القلوب…، في خمسة كراريس بخط دقيق”.[24]

وقال البغدادي في هدية العارفين: “عبد السلام بن محمد بن أحمد بن غانم المقدسي الحافظ عز الدين الشافعي الواعظ المتوفى سنة 978ھ، ثمان وسبعين وتسعمائة، من تصانيفه: …، حل الرموز ومفاتيح الكنوز في التصوف…”.[25]

وانفرد صاحبا التصنيفين الأخيرين –كشف الظنون وهدية العارفين- بالقول إن المقدسي توفي عام 978ھ، والصحيح أن وفاته كانت سنة 678 ھ، فإن أغلب المصادر التي ترجمت له أكدت على هذا التاريخ، ثم إنه من غير المعقول أن يكون توفي في القرن العاشر وبالضبط سنة 978ھ، لأن الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911ھ، نقل عنه بعض كلامه في كتابه: القول الأشبه في حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه،[26] ثم إن ممن ترجم له اليافعي وابن كثير وقد توفيا قبل 978ھ، فالأول توفي عام 768ھ، والثاني توفي سنة 774ھ.[27]

تبين مما سبق بما لا يدع مجالا للشك أن كتاب حل الرموز ومفاتيح الكنوز هو لعبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي المقدسي، بدليل ما أوردناه سابقا من خلال المصادر التي ترجمت له ونسبت الكتاب إليه، لا كما يظن بعض الدارسين الذين نسبوه لسلطان العلماء العز ابن عبد السلام، والذي أغلب مصنفاته في علوم الشريعة واللغة العربية، كما فصّل القول في ذلك صاحب كتاب: العز بن عبد السلام، حياته وآثاره ومنهجه في التفسير،[28] جاعلا من الكتب التي نسبت إليه وهي ليست من تأليفه كتاب حل الرموز.[29]

مضامينه ومحاوره

لهذا الشرح أهمية كبيرة في بابه، فهو ليس من الشروح التي تهتم بشـرح المصنفات كلمة كلمة، بل قد يتبادر لذهن غير المتخصص أنه كتاب مستقل وليس شرحا لكتاب آخر، بحيث إن الشارح مزج بين كلمات المتن والشرح، وداخل بينهما، فشكلا بعد المزج أسلوبا مترابطا.

افتتح الشارح كتابه شمس القلوب بمقدمة بيّن فيها دواعي تأليفه لهذا الشـرح، والمتمثلة في تصحيح فهم السالكين لطريق التصوف لمصطلحاته وتعابيره، فهو العلم الإشاري الذي لا يفهم مكنوناته إلا أهله الممارسين المتمرسين الذين ذاقوا الأسرار، وتنوروا بالأنوار، فخبروا مسالكه الصعبة الوعرة، ووقفوا على دقائقه النيرة، التي توصلهم إلى طريق الحق والمعرفة لله العلي القدير.

وقف الشارح عند بعض قضايا التصوف وأوضح أهم مصطلحاته التي يستعصـي فهمها على عامة الناس،[30] بل وحتى على خاصتهم ممن يرغبون في سلوك طريق التربية والتزكية والتهذيب، فوقف عندها موضحا وشارحا ومحللا من خلال ممارسته وضلوعه في باب المعرفة الربانية، التي لا يدركها إلا خواص الخواص من المقربين، مستشهدا على ذلك أولا بكتاب الله تعالى وبسنة حبيبه عليه الصلاة والسلام، وبكلام أهل هذا العلم ممن خبِروا الطريق ووقفوا على مسالكه ومزالقه، بالعلم والعمل والصحبة للشيوخ العارفين، والأولياء المقربين، الذين حصّلوا أعلى الرتب والمقامات، فحملوا مشعل الولاية والصلاح، والهداية والإصلاح لذويهم والأقربين وسائر الناس أجمعين.

وختاما يمكن القول إن الكتابة والتنقيب عن الأعلام المغاربة المغمورين وغيرهم تبقى مسؤولية العلماء والأساتذة الباحثين والدارسين على حد سواء، حتى نخرج من الفقر الذي يعانيه التدوين التاريخي لأعلامنا، ولن يتأتى ذلك إلا باستجماع الهمم وتظافر الجهود: مؤسسات وهيئات وأساتذة وطلبة باحثين، حتى نكشف عن الجانب المنسي من تاريخنا بالنبش في مخزونه القابع على رفوف الخزائن الخاصة والعامة، وتيسير السبل أمام الراغبين في البحث والدراسة.   

الهوامش

 

[1] عملت على تحقيق هذا الكتاب، وسيكون في متناول الباحثين والدارسين في قابل الأيام بإذنه تعالى.

[2] سلوة المحبين والمريدين ونكاية الحاسدين والجاحدين في مناقب سيدي محمد بن الفقيه أحد الأفراد العارفين، عبد الله بن يخلف الأندلسي، ورقة 2. (مخطوط).

[3] المصدر السابق، ورقة 3.

[4] تحفة الإخوان ببعض مناقب شرفاء وزان، حمدون بن محمد الطاهري الجوطي الفاسي (ت1191ھ-1777م)، دراسة وتحقيق: محمد العمراني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس-سايس، المملكة المغربية، ط1، 1432ھ/2011م، (ص: 275). (سلسلة رسائل وأطروحات رقم 14).

[5] سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني (1274-1345ھ)، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، حمزة بن محمد الكتاني، محمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1425ھ/2004م، (1/332).

[6] سلوة المحبين، ورقة 121-123.

[7] المصدر السابق، ورقة 49.

[8] نفسه، ورقة 18.

[9] نفسه، ورقة 18.

[10] نفسه، ورقة 18-19.

[11] نفسه، ورقة 11.

[12] نفسه، ورقة 22.

[13] نفسه، ورقة 20.

[14] نفسه، ورقة 13.

[15] سلوة المحبين، ورقة 20. «وبين يدي نسخة من تأليفه سر النقطة، تقع في 22 ورقة، وهي في ملك مؤسسة مولاي سليمان للتنمية البشرية وإنعاش المدن العتيقة بالجهة الشـرقية، بوجدة، وسأعمل على تحقيقه في القريب إن شاء الله تعالى».

[16] من ذلك جوابه على كتاب كاتبه به بعض تلامذته من الإسكندرية، جاء فيه: «من عبد ربه وأسير ذنبه، الراجي عفو مولاه وغفرانه، العبد الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، باطنا وظاهرا، الفقير المحتاج إلى ربه، يوم حلوله في رمسه، محمد بن الفقيه بن العافية العمري الشريف الحسني إلى أخوي في الله، وحبيبي من أجله، وسنة رسوله r وعلى آله، سيدي إبراهيم الجداري الإسكندراني، وسيدي الحاج محمد القسمطيلي، سلام الله الأتمّ ورضوانه المبارك الأعمّ عليكما، وعلى من تعلق بجنابكما العلي، وتشبث بحبلكم الوثيق المسمى…، وبعد، فقد وصلنا كتابكم مع محبنا في الله وفي رسوله r السيد الحاج الحسن الإسكندراني، وفهمنا ما تضمنه خطابكم حسبما أخبر به هو، أصلحه الله، وعلى يديه بصدق محبتكم وصحة نيتكم، واستقامة حالكم وقصدكم، بلغ الله مرادكم، وأعطاكم ما نويتم، وقد أذننا لكما أن تقبلا كل من أراد الدخول في هذه الطريقة الشاذلية، ولو كان يهوديا أو نصرانيا، بشرط الإسلام والاتباع والإقلاع عن الذنب، وترك الإصرار والابتداع، ولا تنهروا أحدا، ولا تردوه عن باب الله، لأن بابه باب كرم وجود، ودلوه على العمل بهذه الشروط المذكورة، إذ بذلك يقع الانتفاع وتحصل النتيجة إن شاء الله تعالى، وتدبروا في ذلك قول مولاكم الكريم في محكم كتابه الحكيم: قل إن كنتك تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾، فقد جعل الله تبارك وتعالى جزاء اتباع نبيه r وعلى آله محبته تعالى للمتبع، وأنتم عالمون بمحبوبيته تعالى لخلقه، وما لها من الخواص، ومن جملتها ترك المؤاخذة بالذنب، لقوله تعالى: ﴿وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم﴾، وقال تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾». المصدر السابق، ورقة 54.

[17] سلوة الأنفاس، (1/335).

[18] سلوة المحبين، ورقة 20.

[19] من خلال قوله: «قال سيدي عز الدين بن عبد السلام أحمد بن غانم المقدسي t في كتاب حل الرموز وفتح الكنوز…». العرائس القدسية المفصحة عن الدسائس النفسية، مصطفى بن كمال البكري الصديقي (ت1162ھ)، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، وناصر صابر الزيات، ومحمد عبد القادر نصار، دارة الكرز للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 1429ھ/2008م، (ص: 268).

[20] يقول: «عبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسي (ت678ھ)، عز الدين: واعظ، له نظم ونثر. من كتبه: …، «حل الرموز» تصوف…». الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط17، 2007م، (3/355).

[21] يقول عمر رضا كحالة: «عبد السلام بن أحمد بن غانم المقدسي (ت678ھ)، (عز الدين)، حكيم، صوفي، واعظ، من تصانيفه: حل الرموز ومفاتيح الكنوز…». معجم المؤلفين (تراجم مصنفي الكتب العربية)، عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، د.ط، د.ت، (5/223).

[22] من خلال قوله: «قال ابن عبد السلام المقدسي رحمه الله تعالى ورضي عنه…»، والنص مثبت بكتاب حل الرموز ومفاتيح الكنوز بالصفحتين 131-132.

[23] شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال، عز الدين بن عبد السلام بن حسن السلمي (ت660ھ)، ويليه الشجرة في الوعظ، عز الدين بن عبد السلام بن غانم المقدسي (ت678ھ)، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1424ھ/2003م، (ص: 334).

[24] كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، المولى مصطفى بن عبد الله القسطنطني الرومي الحنفي الشهير بالملا كاتب الجلبي، والمعروف بحاجي خليفة (1017-1067م)، إشراف: هيئة البحوث والدراسات في دار الفكر، دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيع، بيروت، لبنان، د.ط، 1428ھ/2007م، (3/263).

[25] هدية العارفين (أسماء المؤلفين وآثار المصنفين)، إسماعيل باشا البغدادي، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها استانبول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، د.ط، 1951م، (1/571).

[26] القول الأشبه في حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه، ضمن الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون، جلال الدين السيوطي (ت911ھ)، ضبطه وصححه: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1421ھ/2000م، (2/226-229).

[27] وهذه بعض المصادر التي تؤكد سنة وفاة المقدسي:

▪ قال اليافعي في مرآة الجنان: «سنة ثمان وسبعين وست مائة. وفيها توفي الشيخ عبد السلام بن أحمد ابن الشيخ القدوة غانم بن علي المرسي الواعظ، أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر». مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، عبد الله بن أسعد اليافعي (ت768ھ)، وضع حواشيه: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1417ھ/1997م، (4/143)

▪ وجاء في البداية والنهاية: «ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة. وممن توفي فيها من الأعيان: عز الدين بن غانم الواعظ: عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم ابن عساكر بن حسين عز الدين أحمد الأنصاري المقدسي، الواعظ المطبق المفلق الشاعر الفصيح، الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله، وقد أورد له قطب الدين أشياء حسنة كثيرة مليحة، وكان له قبول عند الناس، تكلم مرة تجاه الكعبة المعظمة، وكان في الحضرة الشيخ تاج الدين بن الفزازي، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وابن العجيل من اليمن وغيرهم من العلماء والعباد، فأجاد وأفاد، وخطب فأبلغ وأحسن. نقل هذا المجلس الشيخ تاج الدين بن الفزازي، وأنه كان في سنة خمس وسبعين». البداية والنهاية، أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (700-774ھ)، تخريج وتحقيق: أحمد جاد، دار الحديث، القاهرة، د.ط، 1427ھ/2006م، (13/258)

وهو نفسه ما أكد عليه صاحب شذرات الذهب حيث يقول: «سنة ثمان وسبعين وستمائة. وفيها الشيخ عبد السلام بن أحمد بن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي الواعظ. أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر. توفي بالقاهرة في شوال». شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي (1032-1089ھ)، أشرف على تحقيقه وخرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، حققه وعلق عليه: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، ط1، 1406ھ/1986م، (7/632).

[28] العز بن عبد السلام (578-660ھ)، حياته وآثاره ومنهجه في التفسير، عبد الله بن إبراهيم الوهيبي،ط2، 1402ھ/1982م، (ص ص: 115-159).

[29] يقول: «حل الرموز ومفاتيح الكنوز: هذا كتاب صغير قد اشتمل على فصول في التصوف، وسبب تأليفه حل الرموز التي يستعملها المتصوفة، مما فيه غموض يشكل ظاهره عند غيرهم، وقد ذكره بروكلمان ضمن مؤلفات شيخي العز بن عبد السلام…، والصواب أنه لعز الدين عبد السلام ابن الشيخ أحمد المقدسي الواعظ (ت678ھ)، لأنني قد اطلعت على ثلاث نسخ مخطوطة لهذا الكتاب…، وكلها مكتوب عليها اسم المؤلف الحقيقي للكتاب وهو عز الدين المقدسي». المرجع السابق، (ص ص: 161-162).

[30] من مثل: التلوين، التمكين، المكاشفة، التجلي، الأقطاب، الأوتاد، الأبدال، كرامات الأولياء، الحقائق، القرب، المواجهة، المحادثة، الوارد، البصيرة، الاطلاع…، وهو ما عبّر عنه في مقدمة كتابه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق